مدرسة التربية والفضيلة
شهر رمضان هو مدرسة، شريطة ان ينظر اليها الانسان كمدرسة يتعلم فيها القيم والمبادئ الاخلاقية والروحية. اما الذي يدخل هذا الشهر الكريم كما يدخل اي شهر آخر، فانه سوف لايصبح بالنسبة اليه مدرسة، بل قد يسبب له انتكاسة وهبوطاً في المستوى الروحي بدلاً من ان يدفعه الى الأمام.
الصيام مدرسة
هذه الحقيقة هي الحقيقة الاولى والاخيرة التي يجب ان ندركها في هذا الشهر الفضيل؛ فالصيام هو - بحد ذاته - مدرسة، لانه يربي في الانسان الارادة، ويزوده فوق ذلك بصفة التقوى، هذه الصفة التي لو امتلكها الانسان وتسلح بها لاستطاع ان يقاوم ضغط الشهوات، وضغط المجتمع..
والتقـوى هي اعظم سلاح بيـد الانسـان، يستطيع بواسطتـه ان يسخر الطبيعة ويذللها له. وفي هذا المجال يقول القرآن الكريم :
« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » ( البقرة / 183 )
هدف الصيام التقوى :
فالهدف من الصيام هو تنمية ملكة التقوى في نفس الانسان، ولكن هل بامكان هذا الانسان ان ينتفع من الصيام دون ان يسعى من أجل الحصول على هذه الصفة المثالية ؟
الجواب بالنفي طبعاً. فالذين يصومون دون ان يخلصوا لله تعالى عبادتهم، ودون ان يوحوا الى انفسهم بالدافع الحقيقي الى الصوم، ويصومون دون ان يتورعوا في ايام وساعات صومهم ويوم افطارهم.. فان مثل هؤلاء لايمكن ان يستفيدوا من شهر رمضان، كما جاء في الحديث الشريف :
كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش .([16])
وبالاضافة الى ذلك فان شهر رمضان المبارك هو ربيع الدعاء، والدعاء هو مدرسة للانسان يستطيع من خلال التتلمذ فيها ان يصعد الى اعلى عليين بأن يصقل ذاته، ويبلور مواهبه، ويتعرف على الطاقات الكامنة في نفسه ليستخرج كنوزها من خلال الدعاء .
وعلى سبيل المثال فلو تدبر الانسان المسلم في دعاء (الافتتاح) لحصل له جزء لايستهان به من معرفة الله سبحانه وتعالى. فهناك فرق بين ان يؤمن الانسان بالله ايماناً اولياً فطرياً بأن يعرف ان لهذه السماء المبنية، ولهذه الارض المدحية مدبراً وخالقاً يدبرهما ويديرهما، فهذه درجة بسيطة من الايمان، وبين ان يصل هذا الانسان الى درجة اليقين حيث تأتي بعد هذه الدرجة درجـة التوكل ثم درجة التفويض التي يقول عنها الحديث الشريف : اول العلم معرفة الجبار وآخر العلم تفويض الأمر إليه .([17])
ثم يصل الانسان الى درجة لو كشف الغطاء عنه مازداد يقيناً. ومن الطبيعي انه ليس من البساطة ان وصول الانسان الى هذا المستوى الأرفع والأسمى من الايمان.
_________________________________________
([16]) بحار الأنوار / ج 96 / ص 294 / رواية 24.
([17]) بحار الأنوار / ج 91 / ص 80 / رواية 3.