• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الخلفاء ما داموا صحابة

الخلفاء ما داموا صحابة

 وما دام ممثلو هذا التيار قد عرفوا بالصحابة ، وحتى لا تمسي هذه الميزة عائقا في فهم طبيعة الاغتصاب ، ولا تتحول " الصحبة " إلى أمر يضبب الرؤية في خلفيات التحريف .
كان لا بد من الوقوف عند هذا الموضوع لتبيان حقيقته ، وهدم ما علق به من تداعيات أسطورية تعيق أي محاولة لفهم حقيقة وملابسات الواقعة .
لم يكن للصحبة مفهوم على عهد رسول الله ( ص ) بالمعنى الاصطلاحي للكلمة وكل ما في الأمر إنها تعبير لغوي عن مجموعة من الناس تختلف أهواءهم وتتنوع نزعاتهم اجتمعوا حول رسول الله ( ص ) وصاحبوه في رحلته كل وفق هواه ولم تكن الصحبة تعني صك غفران يعوض امتناع الصحابي عن العمل الصالح ، أو تعصمه عن الارتداد .
ولعل ما يجعل الحديث عن الصحبة صعب مستصعب ، لا يستحمله إلا ذووا الألباب النيرة وأصحاب الحكم المتعالية . . إن اقترن وصف الصحابة بضروب من المواقف والوقائع شكلت في ذهن الجمهور قرينة على عصمتهم .
وأهم تلك القرائن إنهم حضروا بيعة الرضوان التي ذكرها القرآن ومدح أهلها ، وبعضهم ذهب بعيدا حين ذكر عشرة منهم من المبشرين بالجنة ، وآخرون ذكروا أن أهل بدر مغفور لهم ما تقدم وما تأخر من ذنوبهم لحديث حاطب بن أبي بلتعة ، وهلم جرا .
لقد اختلف مفهوم الصحابي من جيل إلى جيل ، ومن مبنى إلى آخر ، ففي جيل الصحابة الأوائل لم تكن للصحبة كما ذكرنا غير ذلك المفهوم اللغوي ، بينما بدأ هذا المفهوم يتبلور في صور اصطلاحية في عصر التدوين ، وفي ضوء علم الحديث الذي بدأت قضية الجرح والتعديل فيه تقف عند رواة الأخبار . وهو عصر متأخر عن جيل الصحابة . وكانت له دوافع معينة اقتضتها عمليات الجرح والتعديل . وهي تنزيه الصحابة عن كل تجريح والأخذ بعد التهم مطلقا .
وسبق الأخذ بعدالتهم ، كلام عن تعريفهم ، بشكل يبرر مذهب المحدثين ، ويضفي عليهم مسحة اصطلاحية معينة . فالصحبة كمصطلح شرعي هو من وضع المتأخرين من رجال الحديث . كما أن مفهوم الصحبة يختلف معه مبنى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وسيرة الصحابة ، ومبنى المحدثين المتأخرين .
ولتوضيح ذلك ، نرى من الأجدر التطرق إلى مفهوم الصحابي من هذه الزوايا المتفرقة .

 

تعريف الصحابي وعدالته عند المتأخرين ، والرد عليهم 

 عرف المتأخرون الصحابي تعريفا مناقضا لروح الشريعة الإسلامية ، ومنافيا للبناء العقلائي .
فهم من جهة اعتبروا الصحابي هو كل من رأى الرسول ( ص ) ، سواء أكان كبيرا أم طفلا صغيرا . بل حتى من لم يره من العمي لتعذر الرؤية عليهم . بل ويعد صحابيا من رآه الرسول ( ص ) ولو عن بعد ، سواء جالسه أم لم يجالسه ، غزا معه أو لم يغز .
وعلى ذلك استقر رأي الجمهور . يقول في ذلك بن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة : " الصحابي من لقي النبي ( ص ) مؤمنا به ، ومات على الإسلام فيدخل في من لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز . ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى " .
ويتبين من خلال هذا التعريف ، انحراف بالمفهوم من إطاره اللغوي الظاهر إلى دائرة الاصطلاح ، وهذا ما جعل بن حجر العسقلاني يقول : " إن اسم صحبة النبي ( ص ) مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق على اسم صحبة لغة وإن كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة " .
وطبيعي ، إن هذا التحديد يخالفه العقلاء من حيث كونه متجاوزا للغة والعرف ، ومتقوما بتواضع المتأخرين واصطلاحهم من دون قرينة تنهض بما يخالف اللغة والعرف . وحكموا بعد إطلاق تعريفهم على عدالتهم جميعا ، واعتبروا أغلاطهم غير منافيه لعدالتهم .
وبهذا انتهى بالبعض إلى اعتبار الصحبة أقوى من الإيمان وفي ذلك خروج صريح عن منطق الإسلام الذي لا يعطي صكوكا بقدر ما يحكم على الأعمال الصالحة .
ذكر صاحب الإصابة : " اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ، ولم يخالف ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ( 77 ) " .
وذكر النووي في التقريب : " الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتنة وغيرهم " . ويبدو من خلال ما اتفقوا عليه ، أن العدالة شئ ملازم للصحبة . بينما العدالة شأن اصطلاحي يختلف عن الصحبة .
فالعدالة لها ضوابط محددة ، وشرائط مسطرة . فلا لزوم بينها والصحبة . إلا من جهة التعسف الذي جرد عليه المزورون والمتحجرون . لأن تلك الملازمة لم يكن متعارف عليها في زمن الصحابة أنفسهم ، وفيما أدركوه من القرآن وسنة رسول الله ( ص ) .
فالصحابة عاشوا فترة طويلة من الصراع بعد وفاة الرسول ( ص ) عملوا فيها السيف على رقاب بعضهم البعض . وبيتوا لبعضهم البعض . وتقاتلوا فرقا فرقا .
ولو كان للصحبة مفهوم غير لغوي أو أن العدالة كانت من لوازمها . إذن لكان هذا الرهط أولى بالالتزام بهذا الأمر . وإذا كان التجريح لا يطال ، الصحابة . فكان أولى بهؤلاء أن لا يجرحوا بعضهم بعضا .
ترى فهل كانت الصحبة عاصمة للصحابة من النار كما أدرك ذلك الصحابي نفسه ، وهل أن الصحبة ملازمة للعدالة في رأي الصحابي نفسه ؟ . روى البخاري عن زيد بن ثابت : " لما خرج النبي ( ص ) إلى أحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة منهم : نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم ، نزلت الآية الكريمة : " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا " . وحكم كل من عمار وبن مسعود بالكفر على عثمان وثاروا ضده مع جمع من الصحابة " وقالت عائشة اقتلوا نعثلا - تعني عثمان - فقد كفر ( 78 ) " .
وفي ذلك قال لها ابن أم كلاب : وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا أنه قد كفر ( 79 ) ويوم السقيفة عندما قال أناس : إتقوا سعدا ، لا تطؤوه : قال عمر : اقتلوه ، قتله الله .
وإذا تبين أن الصحابة لم يكونوا يفهمون الصحبة بذاك المعنى الذي اصطلح عليه أهل الحديث المتأخرين . أدركنا إذ ذاك أنهم رجال كباقي الرجال مرهونون هم أيضا بذنوبهم ، ومطالبون بالعمل الصالح ، وموعودون بنار جهنم .
فإذا كان هذا هو موقف الصحابي من أخيه الصحابي ، ترى أي موقف كان للرسول ( ص ) منهم ؟ . كان رسول الله ( ص ) يسكت عمن حوله ، ويسمي كل من حوله صاحب . وكان ذلك تساهلا منه وتأدبا .
وكانت كلمة صحابي تقال في مواقع مختلفة . فتارة يذكرها في السفر وأخرى في الحضر ، مرة يعني بها من صاحبه في الطريق . وأحيانا يقولها عمن صاحبه في قضيته . وأخرى لمن أحاط به وسمع كلامه . ولهذا سمى الذين هموا بقتله ب‍ " أصحابي " ، يوم تبوك كما تقدم .
إن كلمة صحابي في عهد رسول الله ( ص ) كانت تأخذ طابعا أدبيا يشترك فيها البر والفاجر ، المؤمن والمنافق .
ولم تكن العدالة منحة رخيصة عند الصحابي في عهد رسول الله ( ص ) بل هي أمر له صلة بعمل الإنسان ، لذا قال لهم مرة : " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحثه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله ( 80 ) " .
والقرآن يتحدث عن الصحابة بكل واقعية ، ويستخدم عبارات تدل على أن الصحبة ليست ميزة في ذاتها ، بقدر ما هي مرهونة بما يقدمه الصحابي من عمل صالح ، يقول تعالى : " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود " .
فكلمة " منهم " تعبير عن اختصاص فئة معينة بالمغفرة والأجر العظيم . ليس ذلك لقاء تمحورهم وصحبتهم للرسول ( ص ) وإنما لقاء إيمانهم وعملهم الصالح . " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " . وبمقتفى المفهوم بالمخالفة ، يبقى منهم من ليسوا من أهل الإيمان ولا من أصحاب العمل الصالح .
وعلى ذلك الأساس يحرمون المغفرة والأجر العظيم . وكان هذا هو شأن أهل بيعة الرضوان الذين قال فيهم تعالى : " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا " .
فإن تخصيص فئة منهم بالثواب أمرا اقتضاه الواقع من حالهم . إذ هناك من حضر بيعة الرضوان وهو ليس من ذاك المقام . بل هناك من عرف بالنفاق . وقد حضر بيعة الرضوان فيمن حضرها عبد الله بن أبي رأس النفاق ، وأوس بن خولي . فكونهم من أهل بيعة الرضوان يستبطن مغزى عميقا ، لا بد من البحث عنه وراء منطوق الآية الكريمة .
فالبيعة وحدها لا تكفي للحكم على أصحابها . فعنصر الزمن الذي يعكس مدى صدق هذه البيعة من خلال استمرارية أصحابها عليها أم تراجعهم عنها . فقيمة البيعة هي في مدى الالتزام بشروطها كلها ، وتنحل تلك القيمة مع خروج أصحابها عليها . وكثير ممن حضر بيعة الرضوان لم يلتزم بتلك الشروط كما سنرى . وكان ذلك متوقفا على مدى صبره واستمرارهم عليه .
وقد سمعوا ذلك من الرسول ( ص ) إذ قال لهم : " إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب وشرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا لمن غير بعدي " ( 81 ) . وفي هذا النص الصحيح معنى صريح ، على أن ما ذهب إليه المتأخرون من تعريف للصحابي أو عدالته ، محض أوهام ، - فهم هنا - ( ص ) يقول : يعرفونني . . ومع هذا لم يشفع لهم ذلك في النجاة من النار .
وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب ( رض ) فقلت " طوبى لك صحبت النبي ( ص ) وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده ( 82 ) " .
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند حذيفة ، أنه قال : " قال النبي ( ص ) في أصحابي اثنا عشر منافقا منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وأربعة لا أحفظ ما قال فيهم " .
وفي حجة الوداع قال ( ص ) : " أترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " . هذه وأمثالها وكثير من النصوص القرآنية التي جاءت بعتاب الصحابة ولعن المنافقين منهم . وتحذير المذبذبين وتخويف المؤمنين من خطر الارتداد .
وهكذا يكون مفهوم الصحابي ليس له معنى أكثر مما يفيده لغويا وإن الصحابة مثل باقي المسلمين معرضين للارتداد وقد جاء في السيرة ، إن عبد الله بن سعد بن أبي السرح قد أسلم وهاجر إلى المدينة وكتب الوحي للرسول ( ص ) وارتد في النهاية مشركا ( 83 ) .
وجاء في كتاب الله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد . . " . فالخطاب هنا موجه لجيل الصحابة ، لأنهم أول المعنيين به .

 

____________________________________

( 77 ) الإصابة / 1 / 2217 .
( 78 ) الطبري ابن الأثير .
( 79 ) الطبري ابن الأثير . 
( 80 ) البخاري ج 4 ص 173 ، مسند أحمد بن حنبل .
( 81 ) صحيح البخاري ومسلم .
( 82 ) صحيح البخاري .
( 83 ) الإستيعاب / الإصابة .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page