• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أزمة التاريخ أم أزمة مؤرخين؟ ( لماذا بن خلدون ؟ )

أزمة التاريخ أم أزمة مؤرخين؟
لماذا بن خلدون ؟

انتقينا من بين المؤرخين ، بن خلدون ، كنموذج لدراساتنا عن أزمة التاريخ والمؤرخين الذين تعاطوا بشكل سلبي مع كثير من الوقائع التاريخية وابن خلدون هو مؤرخ له ميزاته المعروفة .
فهو رائد العقلانية التاريخية ورائد فلسفة التاريخ الإسلامي . ولأنه يشكل نموذجا للمؤرخ المغربي الذي تميز بموقفه من الإمامة والأئمة .
 ولعل الأستاذ حسن حيدر صاحب الكتاب النفيس " جعفر الصادق والمذاهب الأربعة " هو الكاتب المشرقي الوحيد الذي انتبه إلى بعض من تلك الفلتات الناصبية .
وعلى أساسها قام بكتابة مؤلفه العملاق حول الإمام الصادق . إن ابن خلدون ، من المؤرخين الذين لا يحتفل بهم في أمور التاريخ الإسلامي الموثوق ، ذلك أنه بالإضافة إلى اعتباره ناقلا عن المؤخرين .
فإن هموما فلسفية كثيرة كانت توجه بن خلدون في تأويل وقائعه . وأهدافا إيديولوجية أخرى كانت تفرض عليه ضروبا من القراءات المتهافتة في وقائع الماضي .
ولأنه مؤرخ بعيد عن اهتمام المشارقة . وكان قد عاش في أحضان سلاطنة المغرب . وعلى الرغم من أن ابن خلدون لم يكن سوى ناقلا للأحداث .
معتمدا على مؤرخين سابقين له أمثال ابن جرير الطبري ، واليعقوبي ، والمسعودي ، إلا أنه حاول التصرف في تلك الأحداث المنقولة والاختصار فيها بشكل يسئ إلى حقيقتها . وكل ذلك استجابة لرغبات مذهبية جامحة كانت تتحكم في ذهنية بن خلدون وأسلوبه في التأريخ . تقوم ميزة التاريخ الخلدوني على أساس إبداعه في مجال تطور العمران ونشوء الدول ، وما إليها من أمور كان بن خلدون فيها صاحب قصب السبق من بين جموع من المؤرخين وعلماء الاجتماع .
وبذلك كان مكتشفا لقوانين تاريخية واجتماعية واقتصادية ، كانت أساسا في نشوء مذاهب وتيارات في العصور التي جاءت بعده .
إن فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد ونظرية المادية التاريخية . كلها من اكتشافاته الأولى . وهذا ما يجعل ابن خلدون متميزا عن باقي من سبقه أو عاصره في هذه الصناعة . وما يهمنا هنا هو الجانب التاريخي من اختصاصه .
حتى نقف عند أقواله في شأن الإمامة وتاريخ الصراع حول الخلافة ومجموعة وقائع أخرى .
لنكتشف عناصر المناصبة فيها .
ولنتبين مدى فرادته في هذا المجال . ولنوقف مصداقيته العلمية هذه المرة في محك التاريخ .
ابن خلدون ، المؤرخ ! إذا أخذنا ابن خلدون كمؤرخ بعيدا عن ابن خلدون الاجتماعي أو عالم الاقتصاد سنكتشف أنفسنا أمام شخصية أخرى جديدة إنه ابن خلدون الذي لا يختلف عمن سبقه من مؤرخي الخلفاء والمبررين للخلافة .
شأنه في ذلك كمن احتضنهم البلاط ووسع عليهم في العطاء . والذين درسوا ابن خلدون من هذه الزاوية ، اكتشفوا ذلك الانفصام في شخصيته ، واكتشفوا الأسلوب الآخر الذي كان يعتمده في الكتابة التاريخية ، وهو أسلوب موغل جدا في الجمود واللاعقلانية .
يعتقد هاملتون جيب ، وهو من دارسي ابن خلدون الكبار أن هذا الأخير ليس إلا مثالا لمن سبقه من الفقهاء المتزمتين .
فابن خلدون في نظره " مجرد فقيه مالكي ، كان يهدف إلى تبرير واقع الخلافة كما فعل قبله الماوردي والباقلاني والغزالي " .
ويعود ليوقف ابن خلدون في مستواه الحقيقي ، ردا عمن رام المبالغة في تصوير استقلاله الفكري . "
وإن شئت أن أوضح هذا النقص الذي أشير إليه توضيحا عاما قلت إنه يكمن في الميل إلى المبالغة في تصوير استقلال فكر ابن خلدون ، وأصالته وهو ميل ناشئ عن سوء فهم لنظرته وخاصة من حيث علاقتها بالمسائل الدينية ( 8 ) " .
وقد بالغ بن خلدون في تبرير واقع الخلافة حتى صوره أ . ف . غويتيه بكونه شخصية وقحة ، لا تعرف سوى حقوق القوة ، أو الوقيعة ، وعاجزة عن أن تدرك غير الطغيان ( 9 ) .
ليس المقصود من التوقف عند بن خلدون أن نقدم للقارئ تحليلا عن حياته وكتاباته . وأنما نريد هنا التطرق مباشرة لطريقته في تناول الأحداث المتصلة بقضية الإمامة وأهل البيت وتاريخ الخلاف .
كانت اهتمامات ابن خلدون الأولى منصبة على الفلسفة بالدرجة الأولى والفقه واللغة . من جهة أخرى . وكان العصر الذي عاش فيه يتميز باضطراب شديد ، خصوصا في منطقة المغرب والأندلس . فسقوط دول وقيام أخرى .
يغير ويبدل من أحوال البلاد ويعيد الأمور صوب وجهة جديدة . فالأنصار اليوم هم الأعداء غدا . والأعداء اليوم يتحولون بفعل التحول والانقلاب في الدول إلى أنصار ووزراء .
وكان هو ضحية لأعمال السياسة الفاشلة . إذ أنه قضى جل حياته متقلبا بين السجون والبلاط . وعلى امتداد المغرب الإسلامي ، كان بن خلدون إما متآمرا أو متزلفا . إلى أن تحول إلى مسالم يعتزل السياسة ويميل إلى العلم .
والعلم الذي استهواه في نهاية رحلته ، كان هو التاريخ . من أجل تضمينه بتجربته والإفاضة عليه بما اكتسبه من خبرات . ومن هنا جاء مؤلفه الشهير " العبر " .
والمتتبع لتاريخ بن خلدون يدرك الأسباب التي جعلت ضحية النزعة الجبرية والتشاؤمية أحيانا . واهتمامه بالدول والعمران نشؤهما وزوالهما ، كل هذا كان انعكاسا لتجربته الطويلة والمرة .
وسوف نطلع على نص لابن خلدون ، يؤاخذ فيه مناهج المؤرخين الذين جاء على أثرهم . ويعتبر نفسه صاحب الفضل في اكتشاف ما يصلح للأخبار عن الماضي ، لكي نحاسبه على ضوء عقلانيته في مقام تناولنا لمسألة الإمامة والخلافة في تاريخه . يقول :
" ثم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد وبليد الطبع والعقل أو متبلد ينسج على ذلك المنوال ويحتذي منه المثال ، ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال ، فيحلبون الأخبار عن الدول ، وحكايات الوقائع في العصور الأول صورا قد تجردت من موادها ، يكررون في موضوعاتها الأخبار المتداولة بأعيانها اتباعا لمن عني من المتقدمين بشأنها ، ويغفلون أمر الناشئة في ديوانها ، ثم إذا عرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقا محافظين على نقلها وهما أو صدقا ، لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها ، ولا علة الوقوف عند غايتها ، فيبقى الناظر متطلعا إلى اقتفاء أحوال مبادئ الدول ومراتبها ، مفتشا عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها ، باحثا عن المقنع في تباينها أو تناسبها ( 10 ) " .
وكان مما وقع فيه ابن خلدون من مآزق إنه كان يصطنع للسلاطين الذين تزلف لهم ، قصصا لا رصيد لها من الواقع . كأن ينسب زعماء الدولة الحفصية إلى عمر بن الخطاب .
كما جاء في قصيدته للخليفة أبي العباس ( 1370 - 1394 م ) ، جاء فيها : قوم ، أبو حفص أب لهم ، وما أدراك والفاروق جد أول وكان الحفصيون ، قوما من البرير من قبيلة هنتاتة وهي جبال مصمودة ببلاد المغرب الأقصى .
هذا وكثير مثله من أمثلة التزوير والتزييف التي كان يقوم بها ابن خلدون . وسكوته عن الكثير من الوقائع التاريخية حفاظا على سمعة السلطان . وتأويله لكثير من الأحداث . كما سنرى في مثال تأريخه لوقائع العهد الأول وعصر الفتنة ومسألة الخلافة .

 

_______________________________________
( 8 ) راجع النظم والفلسفة والدين في الإسلام ، فصل الأصول الإسلامية في نظرية ابن خلدون السياسية / هاملتون جيب .
( 9 ) ابن خلدون ، ايف لاكوست - ترجمة ميشال سليمان .
( 10 ) المقدمة / ابن خلدون ص 5 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page