• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أزمة التاريخ أم أزمة مؤرخين؟(في مسألة تجهيز جيش أسامة)

في مسألة تجهيز جيش أسامة

 سبق أن ذكرنا خبر تجهيز جيش أسامة واعتراض بعض الصحابة عن الذهاب مع أسامة ولم يكن أحد من المعترضين على أسامة من غير أولئك الصحابة الذين رأوا فيه شابا صغير السن وهم شيوخ كبار وكان عمر متمسكا كما ذكرنا بعزل أسامة ، وبقي على تلك الحال حتى عهد أبي بكر ، حيث نهره هذا الأخير وأنبه .
وقد لعن الرسول ( ص ) كما تقدم كل متخلف عنه ، وبالتالي كل متقول في إمارة أسامة وابن خلدون لم ينف الحادثة ، بل أكد عليها وذكر ما قاله الرسول ( ص ) حول من تقول فيها :
" وقد بلغني أن أقواما تكلموا في إمارة أسامة ، طعنوا في إمارته لقد طعنوا في إمارة أبيه من قبله وإن كان أبوه لحقيق بالإمارة ، وإنه لحقيق بها انفروا فبعث أسامة ، فضرب أسامة بالجرف وتمهل ( 14 ) " .
ولا أحسب ابن خلدون كان مدققا في الأمر . إذن لما كان ذكر هذا الحديث لما فيه من الطعن على عمر وأبي بكر وبعض الأصحاب . قال في مفتتح كلامه عن بعث أسامة : " وتكلم المنافقون في شأن أسامة ، وبلغ الخبر بارتداد الأسود ومسيلمة ( 15 ) " .
إذا ، فابن خلدون يثبت أن المتقولين في إمارة أسامة كانوا منافقين وسبق أن ذكرنا أن عمر وأبو بكر كانوا من المتقولين فيها . بل إن عمر بن الخطاب بقي على تقوله في ذلك إلى عهد أبي بكر . هذا علما أن التقول كان بخصوص حداثة سن أسامة وليس في موضوع البحث أصلا . ويسترسل بن خلدون في تناقضه . لينتهي إلى حادثة مرض النبي ( ص ) الذي تزامن مع إصداره على بعث أسامة . ولعن المتخلفين عنه .
وقد اعترف ابن خلدون بأن الرسول ( ص ) خرج إليهم عاصبا رأسه من الصداع . ولكن سرعان ما يورد كلاما جرى بين أبي بكر والرسول ( ص ) .
وذكر أن رسول الله ( ص ) قال بعد أن قال له أبو بكر : بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال : " على رسلك يا أبا بكر ، ثم جمع أصحابه ورحب بهم وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيرا ( 16 ) " .
قال ابن خلدون : ثم سألوه عن مغسله فقال : " الأدنون من أهلي ، وسألوه عن الكفن فقال : في ثيابي هذه أو بياض مصر أو حلة يمانية . وسألوه عن الصلاة عليه فقال ( 17 ) " .
ولعل التناقض هنا واضح لا غبش فيه . فإذا كان ابن خلدون ينقل أن الرسول ( ص ) شدد على بعث أسامة ، ولعن من تخلف عنه .
وقد أقر المؤرخون والمحدثون بوجود أبي بكر وعمر . في هذا الجيش وبأنهم معنيون باللعن إن هم تقولوا في إمارة أسامة أو تخلفوا عنها . كيف إذن يستقبلهم الرسول ( ص ) وكيف يدعو لهم ويرحب بهم . وهو من قام معصبا رأسه ، لاعنا المتخلفين من الصحابة عن جيش أسامة .
ثم إن ما يرومه ابن خلدون هو أن يبين عبر التدليس - إن أبا بكر كان إلى جنب رسول الله ( ص ) ولم يشر إلى أن أبا بكر كان قد خرج إلى منزله بالسنح - كما تقدم - بل سكت عن ذلك وربط حديثه مع رسول الله ( ص ) مباشرة بفقرة جديدة ثم سألوه عن مغسله . وكان أولى بمؤرخ المغرب أن يقول ثم سأله أبو بكر ، بل في انتقاله من كلام أبي بكر إلى صيغة الجمع دليل على غياب أبي بكر .
فأهل السنة ردوا على أن يفردوا ابن أبي قحافة وعمر بن الخطاب في كل مقام إذا كانت له مشاركة فيه . ومرد أهل السنة أن يتكلموا بصيغة الجمع في المواقع التي يحضرها أبو بكر وعمر إذا لم يكن هناك حضور مشرف لهما . كان يتكلموا بصيغة الجمع في فراري أحد . وفي من تقول في إمارة أسامة .
والحقيقة كما أثبتناها سابقا إن أبا بكر لم يطل مكثه مع الرسول ( ص ) بل راح إلى السنح ( 18 ) ولم يعد إلا بعد موت النبي ( ص ) ثم لم يلبث أن لحق بالأنصار إلى السقيفة برفقة عمرو أبو عبيدة وإنهم لم يحضروا دفن النبي ( ص ) .
وفي هذا الفضل ، تطرق ابن خلدون إلى حادثة يوم الخميس ، ولم يطل المكث عندها . لما تمثله من خطورة على مبناه المذهبي . قال : " وسألوه عمن يدخله القبر فقال : أهلي . ثم قال : إئتوني بدواة وقرطاس ، أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فتنازعوا وقال بعضهم إنه يهجر ، وقال بعضهم أهجر ؟ يستفهم ، ثم ذهبوا يعيدون عليه ، ثم قال : دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه .
لقد مر بن خلدون مر الكرام على هذه الحادثة ولا هو بمن يجهل قيمتها في فضح سريرة الباطل ولا هو بمن يستصغر قدرها على أولي الألباب . إنه يعرف رواة ذلك الخبر .
وهو من قراء البخاري والطبري إذ قال عنه : " هذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبي جعفر الطبري اعتمدناه للوثوق به لسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة ( 19 ) " .
ولكنه لم يختر من وجوه الرواية إلا ذلك الوجه الذي أورده المحدثون بتصرف مقيت حيث يغيبون اسم عمر بن الخطاب وهو صاحب كلمة " يهجر " لنعرف كيف أن ابن خلدون كان يحرف على طريقته ويدلس ، ولا يتوخى الوضع لأسباب سبق أن قلنا إنها مذهبية محض .
قال ابن عباس : " يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتد برسول الله وجعه ، فقال : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال عمر إن النبي قد غلبه الوجع وعندكم كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند النبي ( ص ) قال لهم قوموا عني ، فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ( 20 ) " .
وحسبك أن الاضطراب الذي نتج عن فعل التصحيف والتحريف ، إن الخبر جاء بصيغ مختلفة كلها تعكس تدخل أقلام التحريف لتجيير الحقيقة لصالح عمر . فمرة يجعلونها في صيغة الغائب : " وقال بعضهم " وهي الصيغة التي اختارها ابن خلدون .
وهناك من جعلها بصيغة الاستفهام " أهجر " يستفهم ! وقد أخرج البخاري ، قال عمر : " إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم كتاب الله " بيد أن ابن خلدون سكت عن اسم عمر بن الخطاب ، وجاء بما يلبس على الناس . وبعد ذلك لم يتطرق لما جرى بعد سماعه ( ص ) اللغط من حوله . وبعد أن تلقت أذنه الشريفة كلمة " الهجران " حتى أدرك أنه لم يعد بعدها جدوى من الوصية . لأن الأمر بعدها سيكون أخطر .
وسيكون السؤال ، هل إن كلام الرسول ( ص ) حق ناطق عن الوصي أم أن كلام الرسول ( ص ) فيه نوع من الهجر . وإذا ثبت الهجر في قوله ذلك ، ترتب عليه ثبوته في كل أقواله . مما ينفي العصمة عنه . أو لم يحاول بعضهم النيل من عصمة النبي ( ص ) حتى يتمكن من تأويل بعض أقواله بما لا يطابق حقيقتها . وسيكون الأمر بعدها أشد حرجا على الإسلام ، عندما يبدأ الطعن في النبوة ومقامها الشريف . فالأولى التضحية بالإمامة بدل النبوة ، لأن الإمامة قد تعود ما دامت هي امتداد للنبوة . أما لو أن الخلاف كان في النبوة ، للزم الدور . ولكان من باب المستحيلات الدعوة إلى الإمامة مجددا . وهذا ما جعل الإمام علي ( ع ) في بداية الأمر يتجنب المواجهة خوفا على عودة الناس إلى الشرك . إن ابن خلدون أنهى القصة بشكل سريع ، وقفز على كل ما جرى . ليقول : " ثم ذهبوا يعيدون عليه ، ثم قال : دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه " .
السؤال الذي قد يطرحه كل لبيب على مؤرخ المغرب : لماذا طلب منهم أن يدعوه ، ولماذا يكون جوابه بتلك الصيغة التي يبدو فيها اليأس ممن حوله ؟ بعد أن كان قد حثهم على إحضار الدواة والقرطاس ؟ .
ابن خلدون سكت عن ذلك . لكن التواريخ التي سبقت ابن خلدون وأخذ عنها . وكذا أخبار المحدثين الذين حفظ لهم ابن خلدون . تذكر أن لغطا شديدا جرى في حضرة النبي ( ص ) على أثر طلبه إحضار الدواة والقرطاس . وأنه صلى الله عليه وآله وسلم غضب في وجه عمر لما صدر عن هذا الأخير . فقد ذكر الطبراني في الأوسط : " . . . . . . " فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول الله ( ص ) قال ، قال عمر : فقلت إنكن صويحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن ، وإذا صح ركبتن عنقه ! قال : فقال رسول الله ( ص ) : " دعوهن فإنهن خير منكم " . وفي صحيح مسلم ، إنه لما وقع الغوغاء ، وضج النبي ( ص ) قال أهله : لا ينبغي عند النبي ( ص ) هذه الغوغاء ، فاختلفوا ، فقال بعضهم : احضروا ما طلب ، ومنع آخرون ، فقال النبي ( ص ) " ابعدوا " .
وإذا حاولنا اكتشاف هؤلاء الذين خالفوا ، لن يكونوا إلا عمر بن الخطاب ! . ذلك ما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده ، مع تلطيف وتهذيب للعبارة بما لا يخدش في عمر بن الخطاب ولا يكشف عن سوء أدبه مع الأنبياء .
قال عن جابر " إن النبي ( ص ) دعا عند موته بصحيفة ليكتب كتابا لا يضلون بعده ، فخالف عمر بن الخطاب حتى رفضها " .
وفي نقلهم الحديث بالمعنى ، دلالة على قمة ما بلغه كلام عمر من وقاحة تدل على ازدراءه واستهتاره بطلب النبي ( ص ) وانحطاط أسلوبه مع من جعل الله الوصي على لسانه . وإذا أردنا الإطناب في تلك الرزية ، فلنذكر ما جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد وغيره ، حول ما جرى بين عمر وابن عباس ، عندما انتهى عمر إلى القول : " لقد كان من رسول الله ( ص ) في أمره ذرو من قول ( أي في أمر علي ( ع ) ) لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا ، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك ، إشفاقا وحيطة على الإسلام ، لا ، ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبدا ، ولو وليها لانتفضت عليه العرب من أقطارها ، فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك ، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم " ( 21 ) .
وهذا يعني أن الرسول ( ص ) سكت لما علم موقف عمر من علي ( ع ) وإنه رافض لخلافته ومنازعه إياها . وهذا الكلام كله الذي جرى في حضرة الرسول ( ص ) لم يورده بن خلدون مخافة على فاروقه من تقريع التاريخ . ومخافة على مذهبه من الافلاس .
ولعمري ، إن الفضيحة هذه المرة ظهرت على لسان ابن خلدون . وتجبره على النطق بما يشوه تدبير المحرفين . قال : " وأوصي بثلاث : أن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأن يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم ، وسكت عن الثالثة أو نسيها ا لراوي .
هذه العبارة تستبطن أمرا خطيرا ، سكت عنه الرسول ( ص ) كما ذكر ابن خلدون . ولكن الأمر يختلف عما دبره . فالراوي هو الذي نسيها . وابن خلدون لم يذكر الراوي ولا خلفية النسيان والسكوت . ابن خلدون الذي نعى على المؤرخين السابقين تقليدهم في نقل الأخبار .
هاهو لم يستخدم ملكته في تحليل أحوال العمران . في اكتشاف الأيدي التي عبثت بهذا الخبر . والعقول التي أسرفت في تحريف معناه . والخبر كما ذكره البخاري في كتاب الجهاد والسيرة من صحيحه هو . قال : ونسيت الثالثة .
غير أن ابن خلدون زاد " وسكت عن الثالثة " . انتقاء لما يقوي مبناه ويسنده . والسكوت في الحقيقة كان من الراوي لا من الرسول ( ص ) . والظاهر أنه قاله بعد أن منع إحضار الدواة والقرطاس عمر . وفي حضرة من أهل البيت ، والرواية هنا كانت عن ابن عباس .

____________________________________
( 14 ) تاريخ ابن خلدون ص 464 ج 2 .
( 15 ) تاريخ ابن خلدون ص 464 ج 2 .
( 16 ) نفس المصدر ص 465 ج 2 ( 17 ) نفس المصدر ص 465 ج 2 .
( 18 ) تاريخ الكامل لابن الأثير .
( 19 ) تاريخ ابن خلدون ص 495 ج 2 .
( 20 ) رواه البخاري في صحيحه ، باب قول المريض قوموا عني . وأورده مسلم في كتاب الوصية .
( 21 ) قلت : ومن إمساك الرسول أن غضب وأخرجهم عنه .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page