طباعة

بكاء الإمام عليّ عليه السّلام

e-ali01

روى الصّدوق في ((الأمالي))‏ بسنده، عن ابن عبّاس، قال: كنت مع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزلَ بنينوى ــ وهي شطّ الفرات ــ قال بأعلى صوته: ((يابن عبّاس، أتعرف هذا الموضع ؟)) فقلتُ له: ما أعرفهُ يا أمير المؤمنين، فقال عليّ عليه السّلام: ((لو عَرفته كمعرفتي لم تكن تَجوزه حتّى تبكي كبكائي))، قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته، وسالَت الدموع على صدره، وبكينا معاً، وهو يقول: ((أوه أوه، مالي ولآل أبي سفيان، ولآل حرب، حزب الشيطان، وأولياء الكفر، صَبراً يا أبا عبد الله، فقد لقي أبوك مثل الّذي تلقى منهم))(1).
وعن عبد الله بن ميمون القدَّاح، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام، قال: مرَّ عليّ بكربلاء، في اثنين من أصحابه، قال: فلمَّا مرَّ بها ترقرقت عيناه للبكاء، ثمّ قال: ((هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وههنا تهراق دماؤهم. طوبى لك من تربة، عليك تهراق دماء الأحبّة))(2).
وروى ابن قولويه في ((كامل الزيارات)) بسنده، عن أبي يحيى الحذّاء، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله جعفر الصّادق عليه السّلام، أنّه قال: ((نظرَ أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين، فقال: يا عبرة كلّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم، يا بني))(3).
وقال العلاّمة المجلسي: روي في بعض الكتب المعتبرة، عن لوط بن يحيى، عن عبد الله بن قيس، قال: كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين عليه السّلام في صفّين، وقد أخذ أبو أيّوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس، فشكا المسلمون العطش، فأرسل فوارس على كشفه، فانحرفوا خائبين، فضاق صدره، فقاله له ولده الحسين عليه السّلام: ((أمضي إليه يا أبتاه؟ فقال: امض يا ولدي))، فمضى مع فوارس، فهزم أبا أيّوب عن الماء، وبنى خيمته، وحطَّ فوارسه، وأتى إلى أبيه وأخبره، فبكى عليّ عليه السّلام، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، وهذا أوّل فتح ببركة الحسين عليه السّلام؟ فقال: ((ذكرت أنّه سيقتل عطشاناً بطفِّ كربلا، حتّى ينفر فرسه، ويحمحم، ويقول: الظليمة الظليمة لأمّة قتلت ابن بنت نبيِّها))(4).
وروى سبط ابن الجوزي الحَنفي في ((تذكرة الخواص))، حيث قال: وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لمّا وصلَ عليّ عليه السّلام إلى كربلاء وقفَ وبكى، وقال: ((بأبي أغيلمة يُقتلون ها هنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرعُ الرجل))، ثمّ ازدادَ بكاؤه(5).
وروى القندوزي الحنفيّ، عن ابن سعد، عن الشعبي، قال: مرّ عليّ كرّم الله وجهه بكربلاء عند مسيره إلى صفّين، فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه، فقال: ((دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وهو يبكي، فقلت: يا رسولَ الله، بأبي وأمّي، ما يبكيك؟ قال: كان عندي جبرائيل آنفاً، وأخبرني: بأنّ ولدي الحسين يقتل بشاطىء الفرات، بموضع يقال لها: كربلا، ثمّ قبض جبرائيل قبضة من ترابه وشممني إياها، فلم أملك عيني أن فاضتا))(6).


____________
1- أمالي الصّدوق: ٦٩٤، المجلس ٨٧، الحديث ٥، ونحوه في كمال الدين ٢: ٥٣٢، باب ٤٨، الحديث ١، والخرائج والجرائح ٣: ١١٤٤، الحديث ٥٦.
2- قرب الإسناد: ٢٦، الحديث ٨٧.
3- كامل الزيارات: ٢١٤، باب ٣٦، الحديث ١.
4- بحار الأنوار ٤٤: ٢٦٦، باب ٣١، الحديث ٢٣.
5- تذكرة الخواص ٢: ١٥٩، الباب التاسع، وانظر: الصواعق المحرقة: ١٩٣، الباب الحادي عشر، الفصل الثالث، الحديث ٣٠.
6- ينابيع المودّة ٢: ١٤٤، الباب الستّون.