روي عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: لمّا أنشدت مولاي الرّضا عليه السّلام قصيدتي الّتي أوّلها:
ومنزلُ وحي مُقْفِرُ العَرَصَاتِ
مدارسُ آيات خلت من تلاوة
فلمَّا انتهيت إلى قولي:
يقومُ على اسمِ اللهِ والبركاتِ
ويجزي على النعماء والنَّقِمَاتِ
خروجُ إمام لا محالةَ خارجٌ|
يُميِّزُ فينا كلَّ حقٍّ وباطل
بكى الرّضا عليه السّلام بكاء شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: ((يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟)) فقلت: لا، يا سيّدي، إلاَّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يُطهِّر الأرض من الفساد، ويملؤها عدلاً، فقال: ((يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى؟ فإخبار عن الوقت، ولقد حدَّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليه السّلام: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قيل له: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟ فقال: مثله مثل الساعة لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً(1)(2).
وعن أبي بكّار، قال: أخذت من التربة الّتي عند رأس الحسين بن عليّ عليهما السّلام، فإنّها طينة حمراء، فدخلت على الرّضا عليه السّلام فعرضتها عليه، فأخذها في كفّه، ثمّ شمّها، ثمّ بكى حتّى جرت دموعه، ثمّ قال: ((هذه تربة جدّي))(3).
وحكى دعبل الخزاعي، قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام في مثل هذه الأيّام، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً، قال لي: ((مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه))، ثمّ إنّه وسّع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: ((يا دعبل، أحبّ أن تنشدني شعراً؛ فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا، خصوصاً بني أميّة. يا دعبل، من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله. يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا. يا دعبل، من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتّة))، ثمّ إنّه عليه السّلام نهض، وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر؛ ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السّلام، ثمّ التفت إليّ وقال لي: ((يا دعبل، ارث الحسين، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت))، قال دعبل: فاستعبرت، وسالت عبرتي، وأنشأت أقول:
وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ
وأجريت دمع العين في الوجناتِ
نجوم سماوات بأرض فلاةِ
وأخرى بفخّ نالها صلواتي
معرّسهم فيها بشطّ فراتِ(4)
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي
قبور بكوفان وأخرى بطيبة
قبور ببطن النّهر من جنب كربلا
... إلى آخر القصيدة التائــيّة.
____________
1- سورة الأعراف، الآية: ١٨٧.
2- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام ٢: ٢٩٦، باب ٦٦، الحديث ٣٥، وكمال الدين ٢: ٣٧٢، باب ٣٥، الحديث ٦.
3- كامل الزيارات: ٤٧٤، باب ٩٣، الحديث ١١.
4- بحار الأنوار ٤٥: ٢٥٧.
بكاء الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام
- الزيارات: 2218