• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دعاء الإمام الصّادق عليه السّلام لزوّار جدّه الإمام الحسين عليه السّلام

روي هذا الحديث بسند معتبر، عن معاوية بن وهب، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام وهو في مصلاّه، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، ويقول: ((يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشّفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى، وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي(1) الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، الّذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم؛ رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف‏ على أهاليهم وأولادهم الّذين خلّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك أو شديد، وشرّ شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا؛ خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرها(2) الشمس، وارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على قبر أبي عبد الله عليه السّلام، وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها؛ رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا. اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم(3) من الحوض يوم العطش))(4).
ويستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
الأولى‏: أنّ الأئمّة عليهم السّلام هم أكرم الخلق عند الله عزّ وجلّ، والكرامة الّتي لهم من الله سبحانه وتعالى مختصّة بهم، ولا يشاركهم أحد فيها.
الثانية: أنّ للأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين‏ مقام الشفاعة ــ في يوم الحشر والنشر ــ للمذنبين من المؤمنين، وهذا المقام مقام تكريم لهم، وإعظام لشأنهم، وإظهار لشرفهم، وإجلال لمكانهم من قبل الله عزّ وجلّ.
والنصوص في أصل الشفاعة متواترة بين المسلمين عموماً وخصوصاً:
فمنها: ما رواه الفريقان عنه صلّى الله عليه وآله من قوله: ((ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي))(5).
ومنها: قوله صلّى الله عليه وآله: ((ليخرجنّ قوم من النار بشفاعتي، يسمّون الجهنّميّين))(6).
ومنها: قوله صلّى الله عليه وآله: ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء))(7).
وممّا دلّ على شفاعتهم عليهم السّلام: قوله صلّى الله عليه وآله: ((الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيّكم، وأهل بيت نبيّكم))(8).
ومنها: ما ورد في معتبرة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن‏ قول الله تعالى: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحمنُ وَقَالَ صَواباً (9)، قال‏: ((نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً))، قلت: جعلت فداك، وما تقولون [إذا تكلّمتم]؟ قال: ((نمجّد ربّنا، ونصلّي على نبيّنا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردّنا ربّنا))(10).
وقال الصّادق عليه السّلام: ((شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التائبون فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ما على المحسنين من سبيل))(11).
وعن معاوية بن وهب ــ أيضاً ــ قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: قوله مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْقال: ((نحن أولئك الشافعون))‏(12).
والحاصل: أنّ شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام من الأصول المسلّمة في الشريعة الإسلاميّة؛ فقد نطق بها القرآن الكريم، والنصوص المتواترة، فضلاً عمّا ادّعي عليها من إجماع المسلمين، واعترف بها العقل السليم، والحديث عنها يحتاج إلى كتاب مستقلّ، وهو خارج عن نطاق هذا الكتاب.
الثالثة: أنّ الأئمّة الهداة صلوات اللّه عليهم أجمعين هم المعيّنون‏ بنصّ رسول اللّه صلّى الله عليه وآله بالإمامة والخلافة من بعده؛ حيث جعلهم أوصياءه المنتخبين‏، وخلفاءه المنصوصين‏ في أمّته‏، وحججاً على الخلق أجمعين، فيجب الإقرار بإمامتهم، والتسليم لهم، والانقياد لأمرهم، والأخذ بقولهم، ويكون الرادّ عليهم كالرادّ على الرّسول صلّى الله عليه وآله، والرادّ على الرّسول كالرادّ على اللّه تعالى، وهم اثنا عشر إماماً، قد جاء النصّ على عددهم من قبل رسول اللّه صلّى الله عليه وآله في أحاديث صحيحة اتفق المسلمون‏ على روايتها.
فعن جابر بن سمرة، أنّه سمع النبيّ يقول: ((لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش))(13).
وعن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: ((يكون بعدي عدّة نقباء موسى عليه السّلام))(14).
وعن الحمويني بإسناده عن عبدالله بن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ((أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون))(15).
وعن جابر بن يزيد الجعفيّ، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال عليه السّلام: ((هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين [من] بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي، حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان))، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال عليه السّلام: ((إي والّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيؤون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلاّ عن أهله))(16).
والحاصل: أنّ من نظر في مجموع الروايات الكثيرة الواردة في‏ هذا المجال يجد: أنّها قد أخذت أوصافاً وعناوين خاصّة لا تنطبق إلاّ على‏ الأئمّة الاثني عشر المعروفين عليهم السّلام، ولا تصدق على غيرهم، وهذا بنفسه يعدّ من معجزات صاحب الرسالة صلّى الله عليه وآله وإخباره عن المغيّبات.
الرابعة: بمقتضى علوّ شأنهم وفضلهم، ورفعة كرامتهم عند اللّه عزّ وجلّ، وكونهم أئمّةً وهادين للخلق، فقد منحهم اللّه تعالى علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فورّثهم علم الكتاب الّذي فيه تفصيل كلّ شيء، وعلم رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، ولمّا كان صلّى الله عليه وآله أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين فهم عليهم السّلام أيضاً كذلك، وقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ــ كما في الحديث المتواتر ــ قوله: ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب))(17).
وعن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: ((قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة ربّي، جنّة عدن غرسها بيده، فليتولّ عليّاً، وليتولّ وليّه، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأوصياء من بعده؛ فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي. إلى الله أشكو من أمّتي المنكرين لفضائلهم، القاطعين فيهم صلتي. وأيم الله ليقتلنّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي))(18).
وعن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قُلْ كَفَى بِالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (19)، قال: ((إيّانا عنى، وعليّ عليه السّلام أوّلنا، وعليّ أفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله))(20).
وعن مثنّى، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ(21)، قال: ((نزلت في عليّ عليه السّلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي الأئمّة بعده))(22).
وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام، أنّه قال: ((ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه ــ ظاهره وباطنه ــ غير الأوصياء))(23).
والحاصل: أنّهم‏ ــ صلوات اللّه عليهم أجمعين ــ هم الواقفون على ظاهر الكتاب وباطنه، والعارفون بناسخه ومنسوخه‏، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومفصّله، وعامّه وخاصّه، ومطلقه ومقيّده، وعندهم علم الأنبياء والرسل، وعندهم علم جدّهم صلّى الله عليه وآله، وعندهم الجفر والجامعة وغيرهما، والأخبار بذلك وغيره ــ من أنواع علومهم عليهم السّلام ــ فوق التواتر، فمن أرادها فليطلبها في كتاب ((بصائر الدرجات)) للصفّار(24)، و ((الكافي)) للكليني(25)‏، وغيرهما من الكتب.
الخامسة: أنّ اللّه ــ تبارك وتعالى ــ جعل قلوب بعض الناس ــ وهم المؤمنون الطيّبون الطاهرون، الّذين طابت ولادتهم ــ تحنّ إليهم بالحبّ والولاء، وتشتاق إلى لقائهم في الدنيا والآخرة، وهذا الحنين والشوق إنّما نشأ من عالم الذّر، وعالم الأرواح، وعالم الطينة؛ لأنّ أبدان وأرواح محبّيهم وشيعتهم مخلوقة من فاضل طينتهم عليهم السّلام.
فعن أبي حمزة الثماليّ، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا من أعلى علّيّين، وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا؛ لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه ــ ثمّ تلا هذه الآيةــ كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمـُقَرَّبُونَ (26)، وخلق عدوّنا من سجّين، وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم؛ لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه ــ ثمّ تلا هذه الآية ــ كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ))(27).
وعن حنان بن منذر، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: ((إنّ الله عجن طينتنا وطينة شيعتنا، فخلطنا بهم، وخلطهم بنا، فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حنّ إلينا، فأنتم ــ والله ــ منّا))(28).
والروايات الّتي تشير إلى العلاقة بين أهل البيت عليهم السّلام وشيعتهم كثيرة:
فعن زيد الشحّام، قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السّلام ــ إلى أن قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام: ((... ويحك يا قتادة، ذلك من‏ خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت، عارفاً بحقّنا، يهوانا قلبه، كما قال اللّه عزّ و جلّ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم(29)، ولم يعن: البيت، فيقول: إليه، فنحن ــ واللّه ــ دعوة إبراهيم عليه السّلام الّتي من هوانا قلبه قبلت حجّته، وإلاّ فلا. يا قتادة، فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنّم يوم القيامة...))(30).
وعن سلام الخثعمي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام، فقلت: يابن رسول الله، قول الله تعالى: أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (31)، قال: ((يا سلام، الشجرة محمّد، والفرع عليّ أمير المؤمنين، والثمر الحسن والحسين، والغصن فاطمة، وشعب ذلك الغصن الأئمّة من ولد فاطمة عليها السّلام، والورق شيعتنا ومحبّونا أهل البيت...))(32).
وعن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ((أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها))، وزاد عبد الرزّاق: ((وشيعتنا ورقها. الشجرة أصلها في جنّة عدن، والفرع والورق والثمر في الجنّة))(33).
وعن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: ((من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم))، قال: قلت: جعلت فداك، ما أوّل النعم؟ قال:
((طيب الولادة...))(34).
وعن أبي عبد الله عليه السّلام، أنّه قال: ((لا يحبّنا ــ أهل البيت ــ المذعذع))، قالوا: وما المذعذع؟ قال: ((ولد الزنا))(35).
وعن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، قال: كنّا ننور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ عليّ بن أبي طالب علمنا: أنّه ليس منّا، وأنّه لغير رشده(36).
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: ((معاشر الأنصار، اغدو أولادكم على محبّة عليّ))، قال جابر: كنّا نبور أولادنا في وقعة الحرّة [كذا] بحبّ عليّ، فمن أحبّه علمنا أنّه من أولادنا، ومن أبغضه أشفينا منه(37).
وعن أنس: أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله شهر عليّاً يوم خيبر فقال: ((يا أيّها النّاس، امتحنوا أولادكم بحبّه؛ فإنّ علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدىً، فمن أحبّه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم))(38).
وعن ابن الزبير، عن جابر: أمرنا رسول الله: أن نعرض أولادنا على حبّ عليّ بن أبي طالب(39).
السادسة: أنّ حجّة الله في أرضه وخليفته على عباده‏ الإمام الصّادق عليه السّلام قد دعا لزوّار قبر الحسين عليه السّلام بدعاء خاصّ لهم، ينبغي للمؤمنين‏ أن يغتنموه، وهو يدلّ على لزوم شدّة الاهتمام بإحياء ذكرى استشهاد سيّد الشهداء عليه السّلام، والمواظبة على زيارته من قريب وبعيد.
السابعة: أنّ قوله عليه السّلام: ((رغبة في برّنا)) يدلّ على: استحباب الإنفاق‏ والبذل في كلّ ما يمت بصلة برّ إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، سواء كان في الزيارة أو غيرها، بل عموم التعليل في قوله عليه السّلام: ((رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله)) شامل للشعائر الحسينيّة بمختلف أشكالها، من إقامة مجلس العزاء، وإنشاء الشعر وإنشاده في مدحهم ومصيبتهم عليهم السّلام، والبكاء، ولطم الخدود والصدور، وخمش الوجوه، وشقّ الجيوب، ولبس السواد، والخروج إلى الشوارع والطرقات على شكل كراديس منتظمة للدلالة على عظم المصاب، وإخراج التشابيه، إلى غير ذلك من صور وأشكال العزاء الحسينيّ، وشموله مشروط بعدم كون الفعل محرّماً في نفسه، أو مستلزماً لمحرّم، أو صار محرّماً بالعنوان الثانويّ.
الثامنة: يدلّ قوله عليه السّلام: ((وغيظاً أدخلوه على عدوّنا)) على: أنّ هذه المجالس والشعائر الحسينيّة ــ الّتي فيها ذكر لمصائب محمّد وآل محمّد صلّى الله عليه وآله وبيان لمظلوميّتهم ــ كالسهام في عيون أعداء آل محمّد صلّى الله عليه وآله، وكالرماح المشرعة في وجوههم؛ لأنّ فيها تعريتهم وتقريعهم وخزيهم وفضيحتهم وكشف بدعهم وانحرافهم‏؛ لذا تجدهم يبذلون أقصى جهدهم للطعن والاستهزاء والسخرية، والتشكيك في هذه المجالس.
التاسعة: يدلّ قوله عليه السّلام: ((اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا)) على: أنّ أعداء الله عزّ وجلّ وأعداء آل محمّد صلّى الله عليه وآله يعيبون على شيعة أهل البيت ومواليهم‏ قيامهم بالأعمال الّتي رسمها لهم أهل البيت عليهم السّلام؛ ليرفعوا ما يوجب التشهير والتنديد بهم بين الملأ جهاراً نهاراً، فهم يريدون ليطفئوا نور اللّه بمكرهم، ولكنّ اللّه شاء غير ما يشاؤون، ودبّر غير ما يدبّرون، فقد أراد اللّه لهذه المجالس الحسينيّة والمواكب العزائيّة أن تبقى إلى يوم القيامة، كما تذكر الصدّيقة الطاهرة زينب الكبرى عليها السّلام بما سمعته عن أمّ أيمن، عن جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله بقولها ــ وهي تحدّث الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام ــ: ((ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً))(40).
وفعلاً كان كما أخبر به صلّى الله عليه وآله.
وهذه إحدى معاجزه الظاهرة الدالّة على صدقه، وأنّ ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه.
أضف إلى ذلك فإنّ زينب الكبرى عليها السّلام قد أقسمت ببقاء ذكر أهل البيت عند مخاطبتها يزيد قائلة: ((فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا)) (41).
وعليه فمن اللازم على شيعة أهل البيت ومواليهم ــ زادهم الله عزّاً وشرفاً ــ الإكثار من إقامة هذه المجالس، والحضور فيها، والإنفاق عليها لأجل تشييدها على أحسن وجه، وأتمّ نظام، وعدم الإصغاء إلى تشكيكات المشكّكين وأغراض المنحرفين.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.




____________
1- في كامل الزيارات ووسائل الشيعة:«قبر أبي عبد الله الحسين».
2- في وسائل الشيعة«غيّرتها».
3- في كامل الزيارات ووسائل الشيعة«توافيهم» بدل«ترويهم»، وفي الكافي«نوافيهم».
4- ثواب الأعمال: ١٢٢، الحديث ٤٤، والكافي ٤: ٥٧٩، كتاب الحجّ، باب ٣٥٨، الحديث ١١ وكامل الزيارات: ٢٢٨، باب ٤٠، الحديث ٢، ووسائل الشيعة ١٤: ٤١١، باب ٣٧ من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث ٧.
5- التبيان في تفسير القرآن ١: ٢١٣، تفسير سورة البقرة، الآية: ٤٨، وبحار الأنوار ٨: ٦٢، ومسند أحمد ٢: ٦٠٢، وفيه:«أؤخّر دعوتي؛ شفاعة لأمّتي إلى يوم القيامة»، وسنن ابن ماجة ٢: ١٤٤١، الحديث ٤٣١٠ وفيه:«إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمّتي»، والمستدرك على الصحيحين ١: ٦٩، وفيه:«الشفاعة لأهل الكبائر من أمّتي»، والمصدر نفسه ٢: ٣٨٢، وفيه:«إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
6- سنن ابن ماجة ٢: ١٤٤٣، الحديث٤٣١٥، وسنن أبي داود ٤: ٢٣٦، الحديث ٤٧٤٠، مع اختلاف يسير، والجامع الصغير ٢: ٤٤٨، الحديث ٧٥٥٢، مع اختلاف يسير.
7- سنن ابن ماجة ٢: ١٤٤٣، الحديث ٤٣١٣، والجامع الصغير ١: ٤٣٤، الحديث ٢٨٣٤، مع اختلاف يسير، والمصدر نفسه ٢: ٧٦١، الحديث ١٠٠١١ وقال عنه في الحاشية: إنّه حديث حسن، وروضة الواعظين: ١١، مع اختلاف يسير.
8- بحار الأنوار ٨: ٤٣، الحديث ٣٩، والجامع الصغير ٢: ٨٦، الحديث ٤٩٤٢، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال ١٤: ٣٩٠، الحديث ٣٩٠٤١، مع اختلاف يسير.
9- سورة النبأ، الآية: ٣٨.
10- المحاسن ١: ٢٩٢، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث ٥٨٠، والكافي ١: ٥٠١، كتاب الحجّة، الباب ١٦٥، الحديث ٩١.
11- من لا يحضره الفقيه ٣: ٥٧٤، الحديث ٤٩٦٤.
12- المحاسن ١: ٢٩٢، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث ٥٨١، وتفسير العيّاشي ١: ١٣٦، تفسير سورة البقرة، الحديث ٤٥٠، مع اختلاف يسير.
13- الخصال ٢: ٤٧٣، باب الاثني عشر، الحديث ٢٩، ومناقب آل أبي طالب ١: ٢٨٩، ومسند أحمد ٦: ٩٣، الحديث ٢٠٣١٩، وصحيح مسلم ٣: ١٤٥٣، الحديث ١٨٢٢، والمعجم الكبير ٢: ١٩٩، الحديث ١٨٠٩، وكنز العمّال ١٢: ٣٣، الحديث ٣٣٨٥٥.
14- الخصال: ٥١١، أبواب الاثني عشر، الحديث ١٠، والغيبة للطوسي: ١٣٣، الحديث ٩٧، والجامع الصغير ١: ٣٥٠، الحديث ٢٢٩٧، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال ٦: ٨٩، الحديث ١٤٩٧١، ولكن ورد فيه:«إنّ عدّة الخلفاء بعدي»، والمصدر نفسه ١٢: ٣٣، الحديث ٣٣٨٥٩، مع اختلاف يسير.
15- فرائد السمطين ٢: ٩٩، باب ٣١، الحديث ٤٢٥، ورواه الصّدوق في كمال الدين وتمام النعمة ١: ٢٨٠، باب ٢٤، الحديث ٢٨.
16- كمال الدين ١: ٢٥٣، باب ٢٣، الحديث ٣، وأعلام الورى ٢: ١٨١، وكشف الغمّة ٢: ١٠٠٥، مع اختلاف يسير.
17- شرح الأخبار ١: ٨٩، الحديث ٢، والمستدرك على الصحيحين٣: ١٢٧، والجامع الصغير ١: ٤١٥، الحديث ٢٧٠٥، وكنز العمّال١١: ٦٠٠، الحديث ٣٢٨٩٠.
18- بصائر الدرجات ١: ٧٣، باب٢٢، الحديث ٥، والكافي ١: ٢٦٦، كتاب الحجّة، باب ما فرض الله عزّوجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله من الكون مع الأئمّة عليهم السّلام، مع اختلاف يسير، وكنز العمّال ١٢: ١٠٣، الحديث ٣٤١٩٨، مع اختلاف في بعض ألفاظه.
19- سورة الرّعد، الآية: ٤٣.
20- بصائر الدرجات ٥: ٢٨٣، باب ١، الحديث ١٢، والمصدر نفسه ٥: ٢٨٤، باب ١، الحديث ٢٠، والكافي ١: ٢٨٦، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة عليهم السّلام عندهم جميع الكتب الّتي نزلت من عند الله عزّوجلّ، الحديث ٦، ومناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٠، وفيه: يزيد ابن معاوية، ووسائل الشيعة ٢٧: ١٨١، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي، الحديث ١٥.
21- سورة الرّعد، الآية: ٤٣.
22- بصائر الدرجات ٥: ٢٨٢، باب ١، الحديث ١٠.
23- بصائر الدرجات ٤: ٢٥٦، باب ٦، الحديث ١، والكافي ١: ٢٨٤، كتاب الحجّة، باب ٩١، الحديث ٢، وفيه:«إنّ عنده جميع القرآن كلّه» بدل«إنّه جمع القرآن كلّه».
24- بصائر الدرجات ٣: ٢٠٨ ــ ٢١٩، باب ١٤.
25- الكافي ١: ٢٩٤ ــ ٢٩٨، كتاب الحجّة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السّلام.
26- سورة المطفّفين، الآية: ١٨ ــ ٢١.
27- الكافي ٢: ٦، كتاب الإيمان والكفر، باب طينة المؤمن والكافر، الحديث ٤.
28- بصائر الدرجات ١: ٢٩، باب ٩، الحديث ٨.
29- سورة إبراهيم، الآية: ٣٧.
30- الكافي ٨: ٢٤٥، الحديث ٤٨٥.
31- سورة إبراهيم، الآية: ٢٤.
32- شواهد التنزيل ١: ٤٠٦، الحديث ٤٢٨.
33- أمالي الطوسي: ٦١٠، المجلس ٢٨، الحديث ١٠، وبحار الأنوار ٣٥: ٣١، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٦٠، مع اختلاف يسير، وشواهد التنزيل ١: ٤٠٨، الحديث ٤٣١، مع اختلاف يسير.
34- تهذيب الأحكام ٤: ١٢٥، باب ٣٩، الحديث ٤٠١، ووسائل الشيعة ٩: ٥٤٧، باب ٤ من أبواب الأنفال، الحديث ١٠.
35- النهاية في غريب الحديث ٢: ١٣٨، مادّة«ذعذع».
36- تاريخ دمشق ٤٢: ٢٨٧.
37- شواهد التنزيل ١: ٣٤٣، الحديث ٤٧٥.
38- تاريخ دمشق ٤٢: ٢٨٨.
39- ميزان الاعتدال ١: ٥٠٦ / ١٩٠٤، ولسان الميزان ٢: ٢٧١ / ٢٥٣٠.
40- بحار الأنوار ٤٥: ١٧٩، باب ٣٩، الحديث ٣٠.
41- بحار الأنوار ٤٥: ١٣٥، باب ٣٩، الحديث ١.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page