• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

جمع القرآن في عهد عثمان

روى البخاري عن أنس: «أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الاَُمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك؛ فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن، فأكتبوه بلسان قريش، فإنّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أُفقٍ بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلِّ صحيفةٍ ومصحفٍ أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الاَحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الاَنصاري: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) (الاحزاب33: 23) فألحقناها في سورتها في المصحف» (1).
وهناك صور مختلفة وألفاظ شتّى لهذه الرواية، والملاحظ عليها جميعاً:
1 ـ كيف تفقد آية من سورة الاَحزاب، وقد اعتمد عين الصحف المودعة عند حفصة، والكاتب في الزمانين هو زيد بن ثابت ؟ وقد كانت النسخة المعتمدة أصلاً كاملة إلاّ آخر براءة ـ كما تقدم ـ فهل كان الجمع الاَوّل فاقداً لهذه الآية التي من الاَحزاب ولسواها ؟ أم أنّهم لم يعتمدوا النسخة التي عند حفصة ؟ وهل ليس ثمة مصاحف وحفّاظ لهذه الآية إلاّ رجل واحد ؟! من هذه الرواية وسواها تسرب الشكّ وبرزت الشبهة للذين يحلو لهم القول بتحريف القرآن، وقد رأيت أنّ مستندهم ضعيفٌ متهافتٌ لا يمكن الاعتماد عليه، ولا أدري هل من قبيل المصادفة أنّ الآية تضيع في زمان أبي بكر وتوجد عند خزيمة بن ثابت، وتضيع غيرها في زمان عثمان وتوجد عند خزيمة أيضاً، فهل كان خزيمة معدوداً في الذين جمعوا القرآن، أو الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأخذ القرآن عنهم ؟
2 ـ هذه الرواية ومثيلاتها مضطربةٌ في تعيين من تولى الكتابة لمصحف عثمان، وكذا الذي تولّى الاِملاء، فصريح بعض الروايات أنّ عثمان عيّن للكتابة زيداً وابن الزبير وسعيداً وعبدالرحمن، وصريح بعضها الآخر أنّه عيّن زيداً للكتابة، وسعيداً للاِملاء، وصريح بعضها أنّ المملي كان أُبي بن كعب، وأنّ سعيداً كان يعرب ما كتبه زيد، وفي بعضها أنّه عيّن رجلاً من ثقيف للكتابة، وعين رجلاً من هذيل للاِملاء، وعن مجاهد: «أنّ المملي أُبي بن كعب، والكاتب زيد بن ثابت، والذي يعربه سعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث» (2).
3 ـ الملاحظ في جميع هذه الروايات، وكذا في الرواية المذكورة آنفاً، أنّ زيد بن ثابت قد اعتمد رجلاً واحداً في الشهادة على الآية، وهو أمر باطلٌ؛ لاَنّه مخالف لتواتر القرآن الثابت بالضرورة والاجماع بين المسلمين.
ونحن لا نريد التشكيك في أنّ عثمان قد أرسل عدّة مصاحف إلى الآفاق، وقد جعل فيها عين القرآن المتواتر بين المسلمين إلى اليوم، ولكنّنا نخالف كيفية الجمع التي وصفتها الاَخبار ونكذّبها؛ لاَنّها تطعن بضرورة التواتر القاطع، ولا يشكّ أحد أنّ القرآن كان مجموعاً ومكتوباً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدوناً قبل عهد عثمان بزمنٍ طويل، غاية مافي الاَمر أنّ عثمان قد جمع الناس على قراءةٍ واحدةٍ، وهي القراءة المتعارفة بينهم والمتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنعهم من سائر القراءات الاَُخرى التي توافق بعض لغات العرب، وأحرق سائر المصاحف التي تخالف القراءة المتواترة، وكتب إلى الاَمصار أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة.
قال الحارث المحاسبي: «المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجهٍ واحدٍ، على اختيارٍ وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات» (3).
ولم ينتقد أحدٌ من المسلمين عثمان على جمعه المسلمين على قراءةٍ واحدةٍ؛ لاَنّ اختلاف القراءة يؤدّي إلى اختلاف بين المسلمين لا تحمد عقباه، وإلى تمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم وتكفير بعضهم بعضاً، غاية ما قيل فيه هو إحراقه بقية المصاحف حتى سمّوه: حَرّاق المصاحف، حيث أصرّ البعض على عدم تسليم مصاحفهم كابن مسعود.
وقد نقل في كتب أهل السنة تأييد أمير المؤمنين الامام عليّ عليه السلام لما فعله عثمان من جمع المسلمين على قراءةٍ واحدةٍ، حيث أخرج ابن أبي داود في
(المصاحف) عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ رضي الله عنه: «لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملاٍَ منّا؛ قال: ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً. قلنا: فما ترى ؟
قال: أرى أن يُجْمَع الناس على مصحف واحد، فلا تكون خرقة ولااختلاف». قلنا: فنعم ما رأيت (4)!
وروي أنّه عليه السلام قال: «لو وليّت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان»(5)، وبعد تأييد أمير المؤمنين عليه السلام وخيار الصحابة المعاصرين لهذا العمل، بدأ التحوّل تدريجياً إلى المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الآفاق، فاحتلّت مكانها الطبيعي، وأخذت بأزمّة القلوب، وبدأت بقيّة المصاحف التي تخالفها في الترتيب أو التي كُتِب فيها التأويل والتفسير وبعض الحديث والدعاء تنحسر بمرور الاَيام، أو تصير طعمة للنار، حتّى أصبحت أثراً بعد عين، وحفظ القرآن العزيز عن أن يتطّرق إليه أيّ لبس.


____________
(1) صحيح البخاري 6: 315 | 9.
(2) أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 ـ 52.
(3) الاتقان 1: 211.
(4) فتح الباري 9: 15.
(5) البرهان للزركشي 1: 302.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page