• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المـقـدّمـة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس له شريك ولا مثيل، الأوّل الذي لا بداية له، والآخر الذي لا نهاية له، الموجود لا عن عدم، والكائن لا عن حدث، الذي تقدّس وسما عن إدراك الأفهام، وجلّ وعلا عن إحاطة العقول والأوهام، العالم علماً حضورياً لا يعزب عنه شيء، والقادر بقدرة هو هي وسعت كل شيء، والحيّ لنفسه بلا حياة حادثة، السميع البصير بلا أداة ولا آلة، بل الهويات المسموعة والمبصرة حاضرة عنده سبحانه، الذي لا يحويه مكان، ولا يحيطه زمان، المريد للطاعات والكاره للمعاصي، المتكلّم لا بلسان، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله، عادل لا يجور، وليس بظلاّم للعبيد، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، ولا قاهر لمشيئته، و (إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) .
وصلى الله على محمّد عبده وسيّد رسله، وخاتم أنبيائه، وخيرته من خلقه، والمصطفى لرسالته، والأمين على وحيه، ابتعثه رحمة للعالمين، وارتضاه شفيعاً للمذنبين يوم الحساب والدين، المعصوم من كلّ سهو وذنب، والمنزّه عن كلّ خطأ وعيب، صغيراً كان أو كبيراً، في الصغروالكبر، من غير سلب للاختيار، كي يحصل الوثوق والاطمئنان، وينتفي كلّ شكّ وريب.
وأنزل عليه كتاباً عزيزاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتعهّد سبحانه بحفظه، احتجاجاً على عباده بتبليغ رسالته، فصدع بأمره، وصبر على ما أوذي في جنبه، وجاهد في سبيله، ونصح لأُمّته، ولم يدعهم هملا حتّى عيّن لهم الحجّة من بعده، وعبد الله حتّى أتاه اليقين، فسلامٌ عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
وصلى الله على آله الأئمة الهداة، وسفن النجاة، أعلام الورى، ومصابيح الدجى، ورثة الأنبياء، وختام الأوصياء، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وجعلهم أحد الثقلين، حجّة على المسلمين.
اللّهم وصلّ على صحبه الذين أحسنوا صحبته، وسابقوا إلى دعوته، وأسرعوا إلى وفادته، وأبلوا البلاء الحسن في نصرته، وهاجروا في سبيل إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء من أجل تثبيت نبوّته، والذين بقوا على العهد، ثمّ لم يرتابوا، طاعة منهم لرسولك، اللّهم وأرضهم برضوانك.
اللّهم وصلّ على التابعين لهم بإحسان، الذين (يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) والذين تحرّوا وجهتهم واتّبعوا طريقهم، ومضوا على شاكلتهم، اللّهم أرضهم وجازهم خير جزائك ورضوانك.
قال تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً) (1) .
وقال تعالى: (إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم) (2) .
وقال تعالى: (إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤُكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى) (3) .
وقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم) : " من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتّى ينزع [ عنه ]، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتّى يخرج ممّا قال "(4) .
وقال (صلى الله عليه وسلم) : " من بهت مؤمناً أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتّى يخرج ممّا قال وليس بخارج "(5) .
وروى الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مسنده، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله عزّ وجلّ على تلٍّ من نار حتّى يخرج ممّا قال فيه(6) .
من الواجب على كلّ باحث ومحقّق ومتكلّم ومؤرخ عندما يتناول بحثاً ما أو موضوعاً ما، أن يتعامل معه بموضوعية، فقبل كلّ شيء عليه أن يضع نصب عينيه مخافة الله عزّ وجلّ من أن يرمي بريئاً بما ليس فيه، أو ينسب إليه قولا أو رأياً لا يراه ولم يقله.
وعليه أن يسلك طريقة أهل العلم ويتأدّب بآدابهم متجنباً أُسلوب التهريج والسباب، والذمّ والتنابز بالألقاب، فهذا أُسلوب العاجزين الذين تعوزهم الحجّة والبرهان.
كما ويجب عليه أن يتحرّر من الجمود الفكري ويحاول التحري عن الحقيقة التي هي ضالّة كلّ منشد، وهـذا إنّمـا يتمّ بعـد تجاوز طريقة الآبـاء ـ في التقليد الأعمى المانع للاجتهاد وحريّة الآراء ـ الذين كانوا يتعاملون مع الكتاب والسُنّة والأثر وفق ما يحملون ويتبنّون من معتقدات وآراء، فهم يؤوِّلون ويفسّرون ويوجّهون ويسيّرون مفردات الكتاب والسُنّة وفقاً لما يذهبون أو يعتقدون، وليس العكس، بعبارة أُخرى تأسيس المذهب أوّلا ثمّ توظيف الكتاب والسنّة وفقاً لرؤية المذهب والمعتقد ثانياً.
وهنا الطامّة الكبرى، فلذلك تشعّبت وكثرت التأويلات والتفسيرات والأقوال والآراء، ورافق ذلك في نفس الوقت كثرة الطعن والتشهير والتضليل والتكفير، بل وصل الأمر إلى إباحة الدماء والأعراض بين طوائف وفرق المسلمين.
ولا يخفى على الباحث المتتبّع ملاحظة التأثيرات السياسية والمذهبية للحكّام والسلاطين على هذه المذاهب والفرق بما يحملون من نزعات أهوائية أو أغراض مستهدفة أو مبادئ وأفكار معيّنة، روعي فيها مرضاة هؤلاء الحكّام بما يخدم تدعيم سلطتهم وحكمهم، وكتب التاريخ والأثر طافحة بالشواهد على ذلك.
فلذا يجب على المفكّر والباحث والمجتهد أن يجعل الكتاب مرجعهُ الأوّل ثمّ السُنّة الصحيحة قولا وفعلا وتقريراً، ثمّ يبدأ باعتماد الأُصول وتأسيس القواعد واستنباط الأحكام الشرعية، متّبعاً النهج العلمي السليم، متجرّداً من الرواسب الفكرية الموروثة، والنعرات الطائفية، غير متحيّز إلى فئة، جاعلا الوصول إلى الحقيقة هدفاً سامياً له، ولا سيما في ما يرتبط بالمسائل العقائدية والمذهبية، فعليه أن يبحث عن آراء وأقوال كلّ فرقة ونحلة في مصادرهم لا مصادر خصومهم، وأن يعتمد على آراء وأقوال عمدة أعلامهم وعلمائهم، لا آراء جهّالهم والشواذّ منهم، وعليه أن يجادل بأُسلوب علمي، مستعرضاً جميع الآراء، يقرع الحجّة بالحجّة والبرهان بالبرهان، ويحلّل ويستنتج، ثمّ يرجّح ما يراه صحيحاً من الآراء والأحكام اعتماداً على ما توصّل إليه من أدلّة صحيحة، ثمّ يصدر حكمه أو رأيه، قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) (7) .
هذا إذا كانت غايته النصح للإسلام والمسلمين وإظهار الحقيقة، أمّا إذا كان مبيّتاً لنيّات سيّئة مسبقة، مقلّداً أسلافه في التكفير والإشراك والتضليل وإباحة الدماء، فالكلام مع هؤلاء عسير.
قال تعالى: (إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلاّ كبرٌ ما هم ببالغيه) (8) ، والسلطان هو الحجّة سمّيت به لسيطرتها وتسلّطها على القلوب.
وإنّ من أهم المسائل التي تمّ تناولها بالبحث، هي: أيّ الفرق الإسلامية أولى بالحقّ من غيرها؟ وبالتالي فالمخالف لها هو ضالّ زائغ عن الحقّ، مباح الدم يجب محاربته.


____________
(1) سورة النساء 4: 112.
(2) سورة النور 24: 15.
(3) سورة النجم 53: 23.
(4) رواه أحمد في مسنده ج 2 ص 70، وأبو داود في سننه ج 3 ص 304 ح 3597، والحاكم في المستدرك ج 2 ص 32 ح 2222 وصحّحه هو والذهبي.
(5) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ج 12 ص 297 ح 13435، المعجم الأوسط ج 6 ص 390 ح 6491 ورجاله رجال الصحيح غير محمّد بن منصور الطوسي، وهو ثقة، مسند الشاميّين ج 3 ص 358 ح 2460.
(6) مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ص 41 ح 37.
(7) سورة النحل 16: 125.
(8) سورة غافر 40: 56.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page