طباعة

الشيعة كانوا أحوج إلى التقيّة من غيرهم ولا سيّما في فترة ما يسمّى بخير القرون وهي الثلاث الأوّل

نعم، كان شيعة أهل البيت أحوج الناس إليها لما لاقوه من قتل وتشريد وظلم واضطهاد طيلة أربعة عشر قرناً.
ـ قال ابن أبي الحديد: روي أنّ أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) قال لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبّونا! إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا، ثمّ تداولتها قريش، واحدٌ بعد واحد، حتّى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود، حتّى قتل، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثمّ غدر به، وأُسلم ووثب عليه أهل العراق حتّى طعن بخنجر في جنبه، ونهبت عسكره، وعولجت خلاخيل أُمّهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته، وهم قليل حقٍّ قليل، ثمّ بايع الحسين (عليه السلام) من أهل العراق عشرون ألفاً، ثمّ غدروا به، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم وقتلوه، ثمّ لم نزل ـ أهل البيت ـ نستذلّ ونستضام، ونقصى ونمتهن ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا ما لم نقله وما لم نفعله، ليبغّضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) ، فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن، أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة، وأخذهم بكلّ ظِنّة وتهمة، حتّى إنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحبّ إليه من أن يقال: شيعة علي، وحتّى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب ولا بقلّة ورع(1) .


__________
(1) شرح ابن أبي الحديد ج 11 ص 43، الدرجات الرفيعة ص 5.