وفي سنة 1261 هـ حاول أبو الثناء الآلوسي مفتي بغداد وصاحب تفسير " روح المعاني " إقناع الوالي نجيب باشا بقتل الشيعة واستئصالهم، وكان الآلوسي شديد التعصّب على الشيعة، وله رسالة يحلّل فيها دماء الشيعة وأموالهم.
ولكنّ الوالي كان أعقل منه فقد طلب من الآلوسي أن تجرى مناظرة بين علماء السُنّة وعلماء الشيعة، وإذا دُحضت حججهم قتلهم، وجرت المناظرة في دار الإمارة (السراي) وبحضور الوالي، وقد امتُلِئت بالناس من كلّ ملّة، وكان عدد علماء السُنّة يزيد على المائة وعشرين يتقدّمهم أبو الثناء الآلوسي، وعلماء الشيعة يتقدّمهم الشيخ حسن بن جعفر الكبير صاحب " كشف الغطاء ".
وجرت المناظرة وبان فيها علوّ كعب الشيخ حسن وقطع حجج الآلوسي وكسره أيّما انكسار ثمّ التفت إلى الوزير، وقال: أفندم تنصِّبون للفتوى من لا يدري بمذهبه فيستبيح نفوس الناس وأموالهم، إن هذا لظلم عظيم، ثمّ أشار الوزير إلى علماء السُنّة فنهضوا جميعاً دفعة واحدة لا يبصر أحدهم موضع قدمه ممّا عراهم من الخجل والدهشة، وتسابقوا إلى الباب كلّ يريد الخروج قبل صاحبه تزاحم الإبل يوم خمسها لورود الماء، وتفرّق الناس وجلسوا في الأزقّة والأسواق على طريق الشيخ ليروه، وعمّ الشيعة الفرح والسرور لما حصل على يد الشيخ حسن من الظفر والنصر، فلولا لطف الله وعنايته وعلمية الشيخ وبراعته لحلّت الكارثة بالشيعة.
وأمّا ما كان من الآلوسي فقد نكبه الوزير وأعرض عنه، وعزله بعد ذلك بفترة عن الإفتاء وبقي معزولا حتّى مات، واتّفق أن عُزل المفتي في السنة التي قتل الوزير المذكور فيها (صفوق) وهو شيخ شمر وآل ضفير، وقد هنّأه عبد الباقي العمري بقصيدة منها:
قد أرحت الدنيا بقتل (صفوق) وبعزل المفتي أرحت الدينا
فعاتبه المفتي المذكور على ذلك، فقال: وأيّ إساءة صدرت منّي؟ فقرأ البيت فأجابه إنّ (أرحت) الثانية بالزاء المنقوطة لا بالراء المهملة، والقارئ غلط، فما أصنع؟! فأعجب الحاضرين ذلك(1) .
ولو أنّني ابتليتُ بهاشميٍّ أخواله بنو عبد المدانِ
لهان عليَّ ما ألقى ولكن انظروا بمن ابتلاني
ومن الغريب أنّ الآلوسي علوي النسب في ما يزعمون، ولله درّ القائل:
إذا العلوي تابع ناصبياً لمذهبه فما هو من أبيهِ
وكان الكلب خيراً منه طبعاً لأنّ الكلب طبعُ أبيه فيهِ
وفي سنة 1135 هـ قام الأفغان بالهجوم على أصفهان وقضوا على الدولة الصفوية واستباحوا أصفهان وشردّوا أهلها وعلماءها فالتجأوا إلى العراق حيث وجدوا لهم صدراً رحباً.
وفي عهد الجزّار والي عكّا الذي قام بقتل أهل جبل عامل، وحبسهم ونهب أموالهم وحرق مكتباتهم، حتّى بقيت أفران عكّا توقد أُسبوعاً كاملا من كتب العامليّين ولم يسلم منه إلاّ من استطاع الفرار، وفي عهده هاجر علماء جبل عامل مشرّدين في مختلف الأقطار(2) .
____________
(1) العبقات العنبرية ص 306 ـ 310.
(2) راجع تفاصيل المناظرة في العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ص 316 ـ 341 فإنّها تثلج الصدور.