• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المناكير والغرائب في حديث أبي هريرة

ثانياً: روايته لكثير من المناكير والغرائب المعارضة للكتاب والسُنّة الثابتة والعقل، منها:
1 ـ روى الشيخان والأربعة والدارمي ومالك وأحمد، وغيرهم، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له، من يسألني فأُعطيه، من يستغفرني فأغفر له(1) .
وهذا محال ضرورة، لأنّ النزول والصعود يستلزم الكون في جهة أو محـلّ، وهـذا يسـتلزم الجسـمية، والجسـم مـا يشتمل على الأبعـاد الثلاثـة ـ أعني الطول والعرض والعمق ـ أي حاصل ضرب هذه الثلاثة، وهذا يستوجب التركيب، وأيّ مركّب يحتاج إلى أجزائه، والمحتاج لا يكون واجباً للوجود، بل ممكنه، والممكن لا يكون ربّاً ولا إلهاً ضرورة.
وهذا الاستدلال هو بالمعادلات الرياضية أشبه لا تقوم أمامه تخرصّات المبطلين التافهة، ولا حجج المجسّمة والمشبّهة الباطلة، هذا مضافاً إلى أنّ النزول والصعود يلازم خلوّ المكان الذي نزل عنه والذي صعد منه، وهو باطل، لأنّ الله تعالى موجود في كلّ مكان.
قال تعالى: (فأينما تولّوا فثمّ وجه الله إنّ الله واسع عليم) (2) ، وقال تعالى: (ليس كمثله شيء) (3) ، وقال تعالى: (وما قدروا الله حقّ قدره) (4) ، وقال تعالى: (هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) (5) .
قال سيّد الموحدين بعد رسول ربّ العالمين عليٌّ أمير المؤمنين: الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمائه العادّون، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون، الذي لا يدركهُ بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا نعتٌ موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطرَ الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتّدَ بالصخور ميدان أرضه.
أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال فيم فقد ضمّنه، ومن قال علامَ فقـد أخلى منـه، كـائنٌ لا عـن حدث، موجود لا عـن عدم، مع كـلّ شيء لا بمقارنة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه(6) .
وقال (عليه السلام) أيضاً: ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إيّاه عنى من شبّهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهّمه(7) .
وزاد تفشّي هذه العقيدة الفاسدة ـ أعني التجسيم ـ في القرن الثالث الهجري وحتّى القرن السادس بين أوساط أهل الحديث، خاصّة عند الحشوية والحنابلة إلى حدٍّ مبك أكثر ممّا هو مضحك.
فقد رووا: إنّه تعالى ينزل على حمار في صورة غلام أمرد، في رجليه نعلان من ذهب، وعلى وجهه فراش من ذهب يتطاير.
وقال بعضهم: سألت معاذاً العنبري: ألهُ وجه؟ فقال: نعم، حتّى عددت جميع الأعضاء من أنف وصدر وبطن ; واستحييت أن أذكر الفرج، فأومأت بيدي إلى فرجي، فقال: نعم، فقلت: أذكرٌ أم أُنثى؟ فقال: ذكر.
ودخل إنسان على معاذ بن معاذ يوم عيد وبين يديه لحم في طبيخ سكباج، فسأله عن الباري تعالى في جملة ما سأله، فقال: هو والله مثل هذا الذي بين يدي، لحم ودم.
وذُكر أنّ ابن خزيمة ـ صاحب الصحيح الذي عَدّه بعضهم بمنزلة الصحيحين ـ أشكل عليه القول في أنّه: أذكر أم أُنثى، فقال له بعض أصحابه: إنّ هذا مذكور في القرآن، وهو قوله تعالى: (وليس الذكر كالأُنثى) (8) ، فقال: أفدت وأجدت ; وأودعه كتابه(9) .
بل قالوا: بإمكان ملاقاته ومصافحته ومعانقته، بل وصل الحال إلى أنّ بعضهم وضع الشعير والماء على سطوح المنازل لحمار الربّ، ورأى أحدهم على أحد سطوح المنازل غلاماً أمرداً جعداً قططاً، فظنّ أنّه ربّه فتمسّك به وهو يقول: يا سيّدي يا مولاي اغفر لي وارحمني، وشيء من هذا القبيل، وظنّ الغلام أنّ الرجل يريد أن يفعل معه الفاحشة، فصاح الغلام واجتمع الناس ووصل الأمر إلى القاضي... فاقرأ وتبصّر، واعجب واعتبر.
ومن أراد الاطّلاع على كثير من هذه الأقوال الباطلة والآراء الفاسدة، فما عليه إلاّ أن ينظر في كتاب " الشريعة " للآجري وكتاب " التوحيد " لابن خزيمة الذي تتبنّاه السلفية، فإنّه يرى العجب العجاب.
قال الفخر الرازي في تفسيره: واعلم أن محمّد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية (ليس كمثله شيء) في الكتاب الذي سمّاه بالتوحيد، وهو في الحقيقة كتاب شرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنّه كان رجلا مضطرب الكلام، قليل العلم، ناقص الفهم، فقال: نحن نثبت لله وجهاً ونقول: إنّ لوجه ربّنا من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أبصره... ولو كان مجرّد إثبات الوجه لله يقتضي التشبيه لكان من قال إنّ لبني آدم وجوهاً وللخنازير والقردة والكلاب وجوهاً، لكان قد شبّه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب... وذكر في فصل من هذا الكتاب أنّ القرآن دلّ على وقوع التشبيه بين ذات الله تعالى وبين خلقه في صفات كثيرة.. ثمّ عدّد الصور التي ذكرها من السمع والبصر واليد والعين.. إلخ(10) .
وأحيى ابن تيميّة هذه العقائد الفاسدة في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الهجري، فقد ذكر ابن بطوطة في رحلته تحت عنوان (الفقيه ذو اللوثة) : وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيميّة كبير الشام يتكلّم في الفنون إلاّ أنّ في عقله شيئاً، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر، وتكلّم مرّة بأمر أنكره الفقهاء، ورفعوه إلى الملك الناصر... ثمّ ذكر سجنه وأنّ أُمّه تعرّضت للملك الناصر وشكت إليه فأمر بإطلاقه، إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على المنبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته... ثمّ ذكر أنّ الملك الناصر أمر بسجن ابن تيميّة بالقلعة، فسجن حتّى مات في السجن(11) .
وأشارة إلى هذه الحادثة ابن حجر أيضاً(12) .
2 ـ روى الشيخان والأربعة والدارمي وأحمد وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: إنّ الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارّون ـ وفي لفظ: تمارون ـ في الشمس ليس دونها حجاب؟ قالوا:
لا يا رسول الله، قال: هل تضارّون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنّكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأُمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا فإذا أتانا ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا فيتبعون... الحديث، وفي آخره يذكر محاورة بين الربّ وآخر أهل النار دخولا إلى الجنّة بعد أن يستغفله (جلّ وعلا) إلى أن يدخله الجنّة إلى أن يضحك الله عزّ وجلّ منه، وفي بعض ألفاظ الحديث يطلبون من ربّهم علامة وهي الساق فيكشف لهم عن ساقه فيعرفونه(13) .
وهذا باطل أيضاً بحكم الضرورة، لأنّ الرؤية نوع من الإشارة بالعين نحو المرئي، والله منزّه عن الإشارة، والرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشعّة بين المرئي والعين، وهذا يستلزم الجسمية، والمصحّح للرؤية هو المقابلة أو في حكمها، وهذا يستلزم الكون في جهة، والرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها، الأمر الذي يستلزم أن تكون الذات محدودة متناهية متحيّزة في جهة، وخلوّ باقي الجهات منه تعالى وهو محال، وإمّا أن تقع على بعض الذات، الأمر الذي يستلزم التركيب والتحيز في جهة، وهذا يستلزم نفس المفاسد التي ذكرناها في الحديث السابق.
وعجب والله قوله: (فيأتيهم في غير الصورة التي يعرفون) ، وكأنّهم على معرفة به ورأوا صورته قبل هذا الحين، فأنكروه عندما أتاهم بغير صورته المعهودة، نعوذ بالله من هذا القول الفاسد.
ولشناعة هذه المقالة جاء أبو الحسن الأشعري وريث جدّه التاسع في الذكاء والنباهة، فأجرى عليها تلميعاً وتزويقاً طفيفاً بقوله: وأنّ له سبحانه وجهاً بلا كيف...، وأنّ له سبحانه يدين بلا كيف...، وأنّ له عيناً بلا كيف...، وندين بأنّ الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر(14) .
ولكن القول بالبلكفة والتذرّع بها لا يرجع إلى معنىً صحيح محصّل، ولا يساعد في الخروج عن القول بالتشبيه، ويبقى الأمر على حاله وإن أُبهمت الصورة والكيفية فاليد يد، والعين عين، وإن اختلت لونها وحجمها وشكلها.
وأهمّ ما استدلّ به الأشعري في إثبات قوله بالرؤية عقلا، قوله: وليس في جواز الرؤية إثبات حدث، لأنّ المرئي لم يكن مرئياً لأنّه محدَث، ولو كان مرئياً لذلك للزمه أن يُرى كلّ محدَث وذلك باطل عندهم(15) .
وقال: ليس في إثبات الرؤية لله تعالى تشبيه الباري تعالى ولا تجنيسه ولا قلبه عن حقيقته، لأنّا نرى السواد والبياض فلا يتجانسان ولا يشتبهان بوقوع الرؤية عليهما.
فلمّا لم يكن في إثبات الرؤية شيء ممّا لا يجوز على الباري لم تكن الرؤية مستحيلة، وإذا لم تكن مستحيلة كانت جائزة على الله(16) .
ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن، لأنّ الحدث ليس شرطاً مصحّحاً للرؤية بذاته، وإنّما هو شرط لازم منضّماً إلى شروط أُخرى.
ولتفاهة هذا الاستدلال عدل أئمّة الأشاعرة إلى تقرير هذا الدليل بالصيغة التالية، وهو أهمّ ما لديهم.
قال صاحب المواقف: والعمدة مسلك الوجود، وهو طريقة الشيخ (الأشعري) والقاضي (الباقلاّني) وأكثر أئمّتنا.
وتحريره ملخصّاً: إنّ الرؤية مشتركة بين الجواهر والأعراض ضرورة ووفاقاً، فلا بدّ لصحّة رؤيتها من علّة مشتركة، وهي إمّا الوجود أو الحدث، والثاني لا يصلح للعليّة، لأنّه أمر عدمي فتعيّن الوجود، وهو مشترك بين الواجب والممكن، فتصحّ رؤية الواجب(17) .
ولا يخفى ما في هذا التقرير من ضعف، لأنّ الوجود على إطلاقه لا يمكن اعتباره مصحّحاً للرؤية، وإنّما الوجود المقيّد بعدّة قيود، وإلاّ للزم رؤية الأفكار والمعتقدات والأُمور النفسية والروحية، وهي موجودة قطعاً، ولكن لا يمكن رؤيتها ضرورة، فهل يعقل لو أنّ أحد الأشاعرة أُصيب بصداع، أو ارتفعت حرارة بدنه يمكن له أن يرى وجع رأسه أو سخونة جسمه وفقاً لدليلهم هذا، إنّه الهذيان بعينه.
وأهمّ ما استدلّ به سمعاً هو قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة *بّها ناظرة) (18) ، ولا يمكن حمل الآية على الرؤية وإنّما الانتظار، لقوله تعالى بعد ذلك:
(ووجوه يومئذ باسرة * تظنّ أن يفعل بها فاقرة) (19) ، ويؤيّد ذلك أيضاً قوله تعالى: (فناظرة بم يرجع المرسلون) (20) .
وقد ثبت عن جماعة من المفسّرين أنّهم حملوه على ذلك، وقد رواه أصحاب الحديث في كتبهم:
فروى أبو حاتم الرازي بإسناده عن مجاهد، قال: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة) ، قال: حسنة مستبشرة تنتظر الثواب.
وروى الوليد بن أبان في تفسيره بإسناده عن أبي صالح نحوه.
وروى هشام بن عبيد الله الشيبي الرازي، قال: حدّثنا جرير، عن منصور في قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة) ، قال: ناضرة من السرور والنعيم والغبطة، تنتظر من ربّها ما أمر لها به.
وروى عمرو بن عبيد الطنافسي، عن منصور، قال: سألت مجاهداً: أرأيت قول الله عزّ وجلّ: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة) ، فإنّ أُناساً يزعمون أنّها تنظر إلى ربّها؟ قال: فقال: لا، إنّه لا يراه أحد، ولكنّها ناضرة من الفرح والسرور، وناظرة تنتظر ثوابها.
وروى يونس بن عبيد، عن الحسن: (وجوه يومئذ ناضرة) ، يقول: وجوه يومئذ ناعمة، إلى خير ربّها منتظرة، وذلك مرويّ في تفسير العبّاس بن يزيد النجراني.
وروى الطبراني بإسناده، عن ابن عبّاس في قوله: (وجوه يومئذ ناضرة) يريد ناعمة، (إلى ربّها ناظرة) يريد إلى ما أعدّ الله لها من السرور والثواب ناظرة.
وهذا التأويل مروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً فيجب حمل الآية عليه(21) .
وقال حسّان بن ثابت:
وجوه ناظرات يوم بدر    إلى الرحمن يأتي بالفلاحِ(22)
وقال الزمخشري: سمعت سروية مستجدية بمكّة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقايلهم، تقول: عُيينتي نويظرةٌ إلى الله وإليكم(23) ، أي راجية ومتوقّعة الإحسان.
فتحصّل ممّا تقدّم أنّ النظر في هذه الآية هو بمعنى الانتظار والتوقّع والرجاء لا بمعنى الرؤية كما يذهب الأشاعرة، وإلاّ فإنّ الحشوية وأهل الحديث من الحنابلة وغيرهم يستدلّون على الرؤية بمثل ما روي: أنّ يوم القيامة تجيء فاطمة بنت محمّد معها قميص الحسين ابنها تلتمس القصاص من يزيد بن معاوية، فإذا رآها الله تعالى من بعيد دعا يزيد وهو بين يديه، فقال له: ادخل تحت قوائم العرش لا تظفر بك فاطمة، فيدخل ويختبئ، وتحضر فاطمة، فتتظلّم وتبكي فيقول سبحانه: انظري يا فاطمة إلى قدمي، ويخرجها إليها وبه جرح من سهم نمرود، فيقول: هذا جرح نمرود في قدمي وقد عفوت عنه أفلا تعفين أنتِ عن يزيد؟! فتقول هي: اشهد يا ربّي أنّي قد عفوت عنه(24) ، فالكلام معهم يكون عبثاً وهدراً للوقت.
ومن ضمن حوار لي مع أحد فضلاء الأشاعرة منذ ما يقرب من سبع سنين حول مسألة الرؤية والذي كان لأوّل وهلة مصرّاً على عدم التنازل عن الاعتقاد بها، فقال: كلّ شيء أتنازل عنه إلاّ رؤية ربّي يوم القيامة.
وبعد أن ألزمته بما في القول بالرؤية من مفاسد كالحلول في جهة الملازم للتجسيم والتركيب والاحتياج وهو محال على الله، قال: إنّ الله تعالى يخلق لي يوم القيامة باصرة أنظر بها من جميع الاتّجاهات.
فقلت له: على هذه الحال تكون أنت والناظرين معك في جوف الله تعالى وأحد أحشائه أو يكون هو كالصندوق المقفل وأنت بداخله، وهذا أكثر فساداً من الكون في جهة معينة.
فكان قولي هذا هو الفاصل الذي غيّر اتّجاه تفكيره، ثمّ قلت له: أيّ القولين أقرب إلى تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه، قولنا أم قولكم؟
قال: بل قولكم.
واستمرّ حوارنا ستّ ليال تناولنا فيها مطالب متنوّعة في الأُصول والفروع إلى أن استبصر وهداه الله وله المنّة الحمد.
أمّا ما قيل من حمل الرؤية على الرؤية القلبية فهو خارج عن محلّ النزاع، كما لا يخفى.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سأله ذعلب اليماني: هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟
فقال (عليه السلام) : أفأعبد ما لا أرى؟!
فقال: وكيف تراه؟!
قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين(25) .
وقال (عليه السلام) : الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده، وباشتباههم على أنّ لا شبه له... تتلقّاه الأذهان لا بمشاعرة، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة، لم تحط به الأوهام، بل تجلّى لها بها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها(26) .
وفي الحديث محلّ البحث مواضع أُخر للنظر ضربنا عنها صفحاً لتفاهتها.
3 ـ أخرج الشيخان وعبد الرزاق وأحمد وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : تحاجّت ـ وفي لفظ: اختصمت ـ الجنّة والنار، فقالت النار: أُوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم؟! فقال الله تبارك وتعالى للجنّة: أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنّما أنت عذابٌ أُعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدة منكما ملؤها، فأمّا النار فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عزّ وجلّ من خلقه أحداً، وأمّا الجنّة فإنّ الله عزّ وجلّ ينشئ لها خلقاً(27) .
ولا يخفى ما في هذا الخبر من البطلان ضرورة، فوصف الربّ بأنّ له رجل أو قدم يوجب التجسيم، والتجسيم يوجب التركيب، والتركيب آية الاحتياج، والمحتاج لا يكون ربّاً ولا إلهاً، ثمّ ما ذنب رجل الربّ حتّى يعذّبها بالنار؟! نعوذ بالله من هذه المقالة الفاسدة.
4 ـ روى الشيخان وغيرهما، عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ، قال: قال الله عزّ وجلّ: إذا تقرّب عبدي منّي شبراً تقرّبت منه ذراعاً، وإذا تقرّب ذراعاً تقرّبت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة(28) .
وعلى هذا فلو أتى العبد مهرولا لأتاه الربّ عدواً، ولو أتاه العبد عدواً لأتاه الربّ بصحن طائر، ثمّ بالأحضان.
إنّي لأعجب والله من هذه الصحاح التي تخرج أمثال هذه المناكير والخزعبلات مع ما فيها من لوازم القول بالتجسيم والتشبيه بالإنسان، المستلزم للكفر والعياذ بالله، كما تقدّم.
5 ـ روى البخاري والنسائي والآجري والبيهقي، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله إنّي رجل شابّ وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوّج به النساء فأذن لي أختصي [برواية حرملة]، فسكت عنّي، ثمّ قلت مثل ذلك فسكت عنّي، ثمّ قلت مثل ذلك فسكت عنّي، ثمّ قلت مثل ذلك، فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم) : يا أبا هريرة جفّ القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر ـ وفي لفظ النسائي: أو دع ـ(29) .
وفي هذا الخبر عدّة مواضع للنظر لا يمكن القبول بها لوجوه:
منها: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن إخصاء الخيل والبهائم(30) ، فكيف بالإنسان؟!
ومنها: إنّ الخصاء مثلة وقد نهى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المثلة(31) .
ومنها: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك أبا هريرة هملا ولم يرشده إلى ما يهديه، كما هو ظاهر لفظ الحديث وهذا خلاف هدي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإنّه بعث هادياً كما عُلم ضرورة.
ومنها: إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيّن هذا الأمر، وقال: من لم يستطع الباءة فعليه بالصوم، فإنّه له وجاء(32) .
ومنها ـ وهو أهمّها ـ: قوله: يا أبا هريرة جفّ القلم بما أنت لاق ; أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ، فبقي القلم الذي كتب به جافّاً لا مداد فيه لفراغ ما كتب به(33) ، وهذا محال ضرورة، فلو كان الأمر على هذه الصورة لأصبح التكليف عبثاً والعياذ بالله، وبعث الأنبياء لعباً، وإرسال الرسل بالرسالات لهواً ما دام كلّ شيء قد خطّ وجرت به المقادير.
نعم نحن نؤمن بقضاء الله وقدره ولكن ليس على إطلاقه، بحيث يصبح العبد كالريشة في مهبّ الريح تسيّرها حيث اتّجهت، أو كالإنسان الآلي المبرمج الذي يُسير وفقاً بما غذّي من معلومات، بحيث يصبح لا دخل له ولا إرادة في فعله، والاّ لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، ولأصبحت أوامر الله ونواهيه أقرب إلى العبثية، بل هي العبثية بعينها، نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة.
كيف يأمرني ربّي بفعل أمر أو ينهاني عن آخر وقد خطّ عليّ خلافه؟! أليس من حقّي أن أقول له (عزّ وجلّ) : لم يا ربّي كتبت عليَّ أن أكون عاصياً وجعلته أمراً محتوماً ولم تكتب وتقدّر لي بأن أكون مطيعاً وكتبت لغيري كذا ولم تكتب لي كذا؟! ولِمَ لَمْ تساوني به وأنت الحكم العدل؟!
إلاّ أنّ أُولي الألباب يقولون: نعم إنّ الله تعالى قدّر كلّ شيء ولكن ليس قدراً حتمياً، وقضى كلّ أمر ولكن ليس قضاءً مبرماً، فإنّه تعالى خلق العبد ومنحه قدرة يتمكّن بها، ووهبه عقلا ينير له المسالك ويميّز به سبل الخير والشرّ، وأمره بفعل الخير ووعده بجزيل الثواب، ونهاه عن الشرّ وحذّره شدّة العقاب، وجعله حُرّاً في اختياره، ولم يجبره على فعل شيء، ولم يكلّفه بما لا يطاق، فإنّه محال، وأرسل الأنبياء هداةً مهديّين، مبشّرين ومنذرين، وما عليهم إلاّ البلاغ المبين، وعلينا الاختيار بين الطاعة والعصيان، وكلٌّ بقضاء الله وقدره، وليس في هذا عزل لله عن سلطانه، وتعطيل لقدرته، ولا تفويض الأمر لعبده، وإنّما أمر بين أمرين، كما ورد عن أئمّتنا (عليهم السلام) ، فتقديره عبارة عن رسم وتحديد خصوصيات الشيء، والقضاء عبارة عن ضرورة تحقّق وجود الشيء، بتحقّق علّته التامّة، وكلّ ينتهي إلى الله سبحانه وتعالى، انتهاء المسبّبات والأسباب إلى السبب الأوّل.
ولا يتخلّف علمه تعالى عن فعل العبد الاختياري كما توهّمه الأشاعرة، لأنّ علمه سبحانه يتعلّق بفعل العبد الاختياري بخصوصيّاته الموجودة فيه وكونه مجبولا بالاختيار، والعلم بالفعل لا يعني الإجبار عليه بالضرورة.
قال تعالى: (إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً) (34) ، وقال تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ) (35) ، وقال تعالى: (كلّ امرئ بما كسب رهين) (36) ، وقال تعالى: (كلّ نفس بما كسبت رهينة) (37) ، وقال تعالى: (إنّما تجزون ما كنتم تعملون) (38) ، وتواتر عن النبيّ قوله: إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى(39) ; ولا يخفى أنّ نيّة العبد هي باختياره وإرادته، وبالتالي فهو مختار مريد لعمله لتبعية الأعمال للنيّات بالجملة.
وروى أحمد والترمذي وابن ماجة، عن أبي خزامة، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: يا رسول الله أرأيت رقىً نسترقيها ودواءً نتداوى به وتقاةً نتّقيها، هل تَرُدّ من قدر الله شيئاً؟ قال: هي من قدر الله(40) .
فهذا النصّ يفيدنا علماً بأنّ الرقية والدواء والتقاة هي بقدر الله، وعدم فعلها أيضاً بقدر الله، ويبقى الإنسان حُرّاً في اختيار أيّ قدر شاء.
ومن كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) للسائل الشامي لمّا سأله: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر؟... فقال له: ويحك! لعلّك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً! ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، إنّ الله سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً ولم يكلّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطع مكرهاً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثاً، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا (ذلك ظنّ الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار) (41) (42) .
وروى الأصبغ بن نباتة، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال: أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله(43) .
وروي مثله عن عمر بن الخطّاب عندما قدم الشام وقد وقع بها الوباء، وعندما أراد الرجوع قال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله، فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم أفرّ من قدر الله إلى قدر الله(44) .
هذا هو الاعتقاد الصحيح للقضاء والقدر والذي يوافق الكتاب والسُنّة الصحيحة والعقل والفطرة السليمة، لا كما يعتقد ذلك الأصفهاني الذي وجد مع امرأته رجلا فلمّا همّ بها قالت له: ما ذنبي أنا؟! إنّما هو قضاء الله وقدره، فقال لها: بأبي أنتِ وأُمّي إنّك من المؤمنين بالقضاء والقدر، وعفا عنها.
ومن أعجب ما قرأت ما ذكره الدكتور علي الوردي في لمحاته الاجتماعية عن الطاعون الذي حدث في بغداد عام 1831 م، وكان داود باشا قد طلب من طبيب القنصلية البريطانية إعداد منهج للحجر الصحّي بغية منع الوباء من التقدّم نحو بغداد، ولكنّ فقهاء السوء الجهلة أفتوا بأنّ الحجر الصحّي مخالف للشريعة، وتركوا الأمر إلى قضاء الله وقدره، فبدأ الطاعون يحصد الناس حتّى وصل عدد الوفيات يومياً إلى أكثر من تسعة آلاف، ولم يبقَ من سكّان بغداد سوى خمسين ألف بعد أن كانت تعجّ بالملايين(45) .
وهل الذي أوصل الأُمّة إلى هذا المستوى من التخلّف والانحطاط إلاّ هذه العقيدة الفاسدة؟!
6 ـ روى الشيخان وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد، عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ، قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدر، فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر، حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً، فقال أبو هريرة: والله إنّه لندبٌ بالحجر ستّة أو سبعة ضرباً بالحجر(46) .
حقّاً قيل: الجنون فنون ; ومن أحد أنواعه رواية هذه السفاسف والخزعبلات والتصديق بها.
ما بال بني إسرائيل يغتسلون عراة وهم أصحاب كتاب؟! ألم ينههم نبيٌّ من الأنبياء من عهد يعقوب وحتّى موسى إلى حرمة هتك الستر؟!
وكيف يهتك الله تعالى ستر نبيّه، والأنبياء منزّهون عمّا يشينهم ضرورة؟!
وما ذنب الحجر وهو لا يعقل حتّى يضربه موسى هذا الضرب المبرّح إذا كان الأمر إلهياً؟!
ومتى وأين رأى أبو هريرة ندب الحجر حتّى يقسم على أنّهنّ ستّة أو سبعة؟!
7 ـ روى الشيخان وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد، عن أبي هريرة، قال ـ واللفظ لمسلم ـ: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: اللّهم إنّما محمّد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإنّي قد اتّخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيّما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته، فاجعلها له كفّارة وقربة تقرّبه بها يوم القيامة(47) .
وهذا باطل ضرورة، لأنّه يوجب كون الملعون أفضل حالا من غير الملعون إذا كانت كلّ لعنة قربة وزكاةً يفوز بها الملعون ويحرمها غيره، فضلا عن أنّه يستلزم فسق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والعياذ بالله، وذلك لقوله (صلى الله عليه وسلم) : سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر(48) ; وكيف يلعن النبي مؤمناً وهو الذي يقول: لعن المؤمن كقتله(49) .
أحقّاً كان رسول الله سبّاباً ولعّاناً؟!
ألم يصفه ربّه عزّ وجلّ قائلا: (وإنّك لعلى خلق عظيم) (50) ؟!
ألم يصفه أنس بن مالك بقوله: لم يكن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) سبّاباً، ولا فحّاشاً، ولا لعّاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترب جبينه(51) ؟!
ألم يرو أبو هريرة نفسه عنه (صلى الله عليه وسلم) أنّه قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين؟ قال: إنّي لم أُبعث لعّاناً، وإنّما بعثت رحمة(52) .
نعم، هو بشر ولكن لا يغضب كالبشر، وإنّما يغضب لله ويلعن من هو أهلٌ للّعن، ولا يسبّ إلاّ من يستحقّ السبّ كما هو مقتضى عصمته ضرورة، وواضح أنّ أبا هريرة وضع هذا الحديث ليقرّبه من بني أُميّة زلفى بعد أن استفاض عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن الشجرة الملعونة في القرآن، وبني الحكم الذين رآهم ينزون على منبره نزو القردة.
8 ـ روى الشيخان وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد، عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، قال: قال سليمان بن داودعليهما السلام: لأطوفنّ الليلة على مئة امرأة أو تسع وتسعين كلّهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهنّ إلاّ امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل، والذي نفس محمّد بيده لو قال ان شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون(53) .
في هذا الحديث مواضع للنظر:
منها: إنّ الليلة حتّى إن كانت أطول ليلة شتائية، فإنّ وقتها لا يسع لمواقعة مئة امرأة، فهو بحاجة إلى ليلتين أخريين في أقلّ تقدير.
ومنها: إنّ الإنسان مهما كان قويّاً فإنّ طبيعته البشرية تضعف عن مواقعة مئة امرأة في ليلة واحدة.
ومنها: لماذا لم يقل سليمان (عليه السلام) إن شاء الله وهو نبي، ولا سيّما بعد أن نبّهه صاحبه أو الملك في بعض النصوص؟! هل هو استكبار وتحدٍّ لله أو تهاونٌ واستخفافٌ به عزّ وجلّ؟ أم جهلٌ من سليمان ـ وحاشاه من الجهل ـ.
ومنها: ما هذا التوافق عندهنّ في نزول البويضة واستعدادهنّ للإخصاب في هذه الليلة؟!
ومنها: ماذا يريد بقوله (شق رجل) وفي لفظ (نصف رجل) ؟! هل هو بساق واحدة ويد واحدة ونصف بطن ونصف صدر ونصف رأس؟! هل تصدق عليه خرافة النسناس؟! أم ماذا؟! نعوذ بالله من هذا الهذيان والتخريف.
9 ـ روى الشافعي، عن أبي هريرة أنّه قال: رأيت هنداً بمكّة كأنّ وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب، فمرّ رجل فنظر إليه فقال: إنّي لأرى غلاماً إن عاش ليسودنّ قومه، فقالت هند: إن لم يسد إلاّ قومه فأماته الله، وهو معاوية بن أبي سفيان(54) .
وفيه مواضع للنظر:
منها: إنّ أبا هريرة عندما رأى هنداً ـ إن كان رأها ـ فبعد فتح مكّة، وهي في هذا الوقت لم يكن وجهها كفلقة قمر، بل كانت عجوزاً شمطاء قد تجاوزت الستّين إن لم نقل السبعين.
ومنها: إنّ معاوية يومئذ لم يكن صبيّاً يلعب حولها، بل تجاوز الثلاثين فهو أكبر من أبي هريرة بسنة أو أربع أو سبع سنين على اختلاف الأقوال، فكيف رآه يلعب حولها وهو صبي؟!
ومنها: كيف لعاقل أن يصدّق بأنّ عجيزة المرأة مهما عظمت تنطوي وراءَها بحيث تصبح مثل الرجل الجالس؟!
10 ـ أخرج أحمد وابن قتيبة وابن عساكر وغيرهم، عن أبي هريرة: إنّ مقعد الحوراء قدر ميل من الأرض ـ وفي لفظ: عجيزة الحوراء أنّها ميل في ميل، وفي لفظ: جالسة على كرسي ميل في ميل قد خرج عجيزتها من جوانب الكرسي(55) ـ.
إذاً ما أحوج أبا هريرة يوم القيامة إلى جردان أعظم من برج بيزا الإيطالي بثلاثة أضعاف أو ضعفَي أحد برجَي كوالالمبور في أقلّ تقدير حتّى يتمّ التناسب والتناسق، وكأنّه لم يسمع قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (56) ، وقوله: (وصوّركم فأحسن صوركم) (57) ، وقوله تعالى: (وكلّ شيء عنده بمقدار) (58) الذي يبيّن بأنّه تعالى اختار الجسم الأمثل والصورة الأفضل للإنسان، فتصوّر لو أصبح طول الإنسان على قدر النصف أو ضعف ما هو عليه من متوسّط طوله الطبيعي ماذا يكون الحال؟! فكيف إذا أصبح طوله بحدود ستّة أميال وفقاً لمؤدّى حديث أبي هريرة؟! فتبارك الله أحسن الخالقين.
11 ـ روى الشيخان وغيرهما، عن أبي هريرة ـ واللفظ لمسلم ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لا تقوم الساعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة ; وكانت صنماً تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة ـ وفي لفظ البخاري: وذو الخلصة طاغية دوس التي كان يعبدون في الجاهلية(59) ـ.
وفيه مواضع للنظر:
منها: إنّ ذو الخلصة كان صنماً لقبيلة خثعم وليس لدوس وبينهما تباين في النسب، وقد هُدم في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كغيره من الأصنام، وحكى المبرّد أنّ موضع ذي الخلصة صار مسجداً كما في فتح الباري(60) ، واحتمل بعضهم التعدّد ولكنّه ليس بنافع.
ومنها: إنّه لم يحدث من هذا شيء طيلة أربعة عشر قرناً، ولو فرضنا جدلا أنّه سيحدث ـ وأنّى يحدث ـ إلاّ أنّه ليس تحت عنوان نساء دوس، فهذا أمر قد غبر، ودثر ذو الخلصة وغيره إلى الأبد إن شاء الله تعالى.
ومنها: ألا تعجبون معي من سرّ اهتمام أبي هريرة بأليات النساء وعجيزاتهنّ في الدنيا والآخرة؟!
12 ـ روى البخاري وغيره، عن أبي هريرة، قال: وكلني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنّك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، قال: إنّي محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم) يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟
قال: قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخلّيت سبيله.
قال: أما إنّه قد كَذَبَك وسيعود.
فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إنّه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، قال: دعني فإنّي محتاج وعليّ عيال لا أعود، فرحمته فخلّيت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟
قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخلّيت سبيله.
قال: أما إنّه قد كَذَبَك وسيعود.
فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهذا آخر ثلاث مرّات أنّك تزعم لا تعود ثمّ تعود.
قال: دعني أُعلّمك كلمات ينفعك الله بها.
قلت: ما هو؟
قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم، حتّى تختم الآية، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ لا يقربنّك شيطان حتّى تُصبح.
فخلّيت سبيله، فأصحبت، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ما فعل أسيرك؟
قلت: يا رسول الله زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني الله بها، فخلّيت سبيله.
قال: ما هي؟
قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أوّلها حتّى تختم الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتّى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير.
فقال النيّ (صلى الله عليه وسلم) : أما إنّه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟
قال: لا.
قال: ذاك شيطان(61) .
قلت: هذه أساطير الأوّلين، وسمادير الممسوسين، أوحت بها الشياطين، إلى أوليائهم المقرّبين، وأصفيائهم المختارين ليحدّثوا بها المسلمين، بعد أن ينسبوها إلى رسول ربّ العالمين، ويرويها الحشويون والكاذبون، ويصدّق بها الحمقى والمغفلون، ويُبتلى بها الباحثون والمحقّقون، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ويظهر هنا أنّ أبا هريرة نسي أن يذكر أنّ نبي الله سليمان (عليه السلام) أوكله أيضاً بمسك الشياطين، ولكنّه لم يلتزم بهذه الوكالة وخان الأمانة، فأطلق سراح الشيطان ثلاث مرّات بعد أن سخر منه وجعله أُلعوبة يلعب به، كما خان الأمانة التي أوكله عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مرّات وترك الشيطان يأخذ من الطعام الذي أوكله عليه.
هذا فضلا عن أنّه أكذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مرّات، ولم يلتفت إلى قوله: أما إنّه كذبك وسيعود، وضرب كلامه عرض الحائط ثلاث مرّات ولم يصدّقه، وصدّق قول الشيطان ثلاث مرّات، كما حنث أبو هريرة ثلاث مرات بقوله: والله لأرفعنّك إلى رسول الله، ولم يفعل، ولا أدري كيف تمكّن أبو هريرة من مسك الشيطان وأسره وهو من جنس غير جنسه، ويُعرف عنه البطش والقوّة، وما عهدنا للشياطين نصحاً للمؤمن حتّى يعلّمونه سنن دينه، بل الثابت خلاف ذلك، وهو السعي بكلّ وسيلة لإضلال العباد، لقد تبعت يا أبا هريرة ضلّة.
والذي ينسبق إلى الذهن أنّ أبا هريرة كذب في هذا الخبر ثلاث كذبات في ثلاث كذبات في ثلاث كذبات.
13 ـ روى الشيخان، والأربعة، ومالك، وأحمد، وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لا عدوى ولا صفر [ولا طيرة] ولا هامة(62) .
وهذا من المحالات العقلية، فحتّى المعتوهين فضلا عن العقلاء يعدّون العدوى أمر واقعاً وأنّ كثيراً من الأمراض تنتقل بالعدوى كالطاعون والكوليرا والزكام وحتّى الحمّى القلاعية والسارس وغيرها.
كيف نصدّق بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ينكر العدوى؟! وهو الذي يقول: لا يوردنّ ممرض على مصحّ(63) ، كما رواه أبو هريرة وبذلك ناقض نفسه.
وقال (صلى الله عليه وسلم) : فرّ من المجذوم فرارك من الأسد ـ وفي لفظ: كما تفرّ من الأسد ـ(64) ، كما رواه أبو هريرة.
وهو الذي أرسل إلى الثقفي المجذوم الذي كان مع وفد ثقيف: إرجع فقد بايعتك(65) ، بل يعدّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أوّل من فرض الحجر الصحّي في الإسلام بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها(66) .
أيعقل بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يردّ ذلك الإعرابي بقوله: فمن أعدى الأوّل؟! عندما قال للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنّها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟! ولا يعلم أنّ للمرض أسباباً كثيرة وليس بالعدوى فحسب كما علم بالتجربة والملاحظة والاكتشاف والاستقراء.
إن هذا إلاّ تقوّل وافتراء على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والله من وراء ذلك حسيب.
14 ـ روى البخاري وغيره من أصحاب السنن والمسانيد، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كلّه ثمّ ليطرحه، فإنّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء(67) .
أنا لست هنا بصدد البحث عن الذباب وما يحمله من جراثيم وما ينقله من أمراض فهذا أمر موكولٌ إلى أهل الاختصاص، ولكنّي وددت أن أستشهد بقول الشاعر:
سأترك حبّكم من غير بغض    وذاك لكثرة الشركاء فيهِ
إذا وقع الذباب على طعام    رفعت يدي ونفسي تشتهيهِ
وتجتنب الأُسود ورود ماء    إذا كان الكلاب ولغن فيهِ
فهذا الشاعر يعبّر عن حالة اجتماعية سائدة، وطبيعة إنسانية معروفة، جُبل الإنسان عليها وشذّ عنها أبو هريرة، والذي ينسبق إلى الذهن أنّ أبا هريرة لم يكن بصدد أكلة جافّة كالشواء وما يشبه ذلك من النواشف، وإلاّ لكان أبعد الذبابة وحلّ المشكلة، وإنّما كان بصدد أكلة ليّنة كالمضيرة(68) التي كان يحبّها، أو عصيدة عملتها له بسرة بنت غزوان بطلب منه نكاية بها، وثأراً منها عندما كانت تطلب منه أن يعملها لها أثناء عمله عندها أجيراً بشبع بطنه، أو ثريدة كثيرة الدسم واللحم والمرق، وكان يضرب بها ضرب وليّ السوء في مال اليتيم، فسقطت في مرقتها ذبابة فلم تطب له نفسه أن يدعها، فأخرج من جرابه هذا الحديث حتّى لا يمتعض الحاضرون من فعله ويستنكرونه، وفي نفس الوقت تركه أثراً لنا، ولكن بعض عشّاق البخاري وأبي هريرة ممّن يمنع الخدشة بالبخاري وبأبي هريرة، وكأنّهما ينقلون من اللوح المحفوظ، جاءنا بحلّ لهذه العويصة، وهو قياس الذباب بالنحل وكلاهما فيه شفاء.
يا هذا! هذا قياس مع الفارق، شتّان بين من يتصرّم وقته متنقّلا بين النرجس والياسمين، وباقي الزهور والرياحين، يرتشف من رحيقها، ويتضمّخ بطيبها، ويفحّ بأريجها، وبين من يقضي وقته متنقّلا بين القذارات والنجاسات، والجروح والقروح، والفطائس والجيف، ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟! يا هذا! قدِّر ثمّ اقطع.
15 ـ روى النسائي والترمذي وأحمد وعبد الرزاق والحميدي وابن حبّان وغيرهم، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لقد هممت أن لا أقبل هديّة إلاّ من قرشي أو ثقفي [أو أنصاري] أو دوسي(69) .
هذا التخصيص خلاف هدي النبوّة، فضلا عن وصف النيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه من الذين يُعْنَوْنَ بجمع الهدايا والقرابين، لِمَ لَمْ يذكر النبيّ غير هذه القبائل والمشهورة بالجود والكرم كطيّ وغيرها؟! بل المعروف خلاف ذلك، وهو أنّه (صلى الله عليه وسلم) مات وهو يكره ثلاثة أحياء ـ وفي لفظ: كان أبغض الأحياء (الناس) إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ: ثقيف، وبني حنيفة، وبني أُميّة(70) .
ولا يخفى ما في حديث أبي هريرة من التزلّف والتملّق إلى ذوي النفوذ والسلطة.
ثمّ من هي دوس حتّى يميّزها رسول الله بقبوله هداياها؟! وهو الذي ما كان يرى أنّ في دوس أحداً فيه خير كما رواه أبو هريرة نفسه(71) .
16 ـ أخرج الترمذي وأحمد من طريقين وابن عديّ وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي من عدّة طرق وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: أتيت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بتمرات، فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهنّ بالبركة، فضمّهنّ ثمّ دعا لي فيهنّ بالبركة، فقال: خذهنّ واجعلهنّ في مزودك هذا ـ أو: في المزود ـ كلّما أردت أن تأخذ منه شيئاً فأدخل فيه يدك فخذه ولا تنثره نثراً، فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا وسق في سبيل الله، فكنّا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي حتّى كان يوم مقتل عثمان فإنّه انقطع!
ـ وفي لفظ لأحمد: أعطاني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئاً من تمر فجعلته في مكتل لنا فعلّقناه في سقف البيت فلم نزل نأكل منه حتّى كان آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا على المدينة.
ـ وفي لفظ للبيهقي قال: أُصبت بثلاث مصائب في الإسلام لم أُصب بمثلهنّ، بموت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود، قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
قال: كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر.
فقال: يا أبا هريرة أمعك شيء؟
قال: قلت: تمراً في مزود معي.
قال: جئ به.
فأخرجت منه تمراً فأتيته، قال: فمسّه، فدعا فيه ثمّ قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ كذلك حتّى أكل الجيش كلّه وبقي من تمر المزود، قال: يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئاً فأدخل يدك ولا تكبّه، قال: فأكلت منه حياة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ، وأكلت منه حياة أبي بكر كلّها، وأكلت منه حياة عمر كلّها، وأكلت منه حياة عثمان كلّها، فلمّا قتل عثمان انتُهب ما في بيتي، واُنتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت؟! أكلت منه أكثر من مئتي وسق.
ـ وفي لفظ آخر: قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غزوة، فأصابهم عوز من الطعام، فقال: يا أبا هريرة! عندك شيء؟ قال: قلت: شيء من تمر في مزود لي، قال: جئ به، قال: فجئت بالمزود، قال: هات نطعاً، فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة... ثمّ ذكر نحوه(72) .
قلت: نحن لا ننكر أنّ للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) معاجزه وكراماته الباهرة وقد تواتر كثير منها كتكثير الطعام ببركته وغير ذلك، ولكن وفقاً لما تقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين، والضرورة التي دعت إلى ذلك، غير إنّها تنتهي في ظروفها أو بانتفاء الدواعي التي دعت إليها.
ولكنّنـا ننكر علـى أبي هريرة بقـاء مزوده يزّوده طيلـة ربع قرن أو أكثر ـ هذا إذا اعتمدنا على لفظ الترمذي وأحمد الأوّل، أمّا إذا أخذنا بلفظ أحمد الثاني فتصل المدّة إلى ما يقرب من 55 عاماً، لأنّ غارة جيش الشام على المدينة كانت في وقعة الحرّة سنة 63 هـ ـ بكلّ هذه الكمّيّة من التمر والتي أكل منها هو وحده أكثر من مئتي وسق، والوسق حمل بعير، فضلا عمّا زوّد به الجيوش، وما أعطاه في سبيل الله.
لله ما أعظم بركة هذا المزود الذي لم تبلغ شأوَه نخلة مريم ذات الرطب الجني المتساقط في البركة، فإنّها لم تدم كما دام مزود أبي هريرة الذي دام حتّى بعد انتفاء الغرض منه عندما أصبح يتمخّط بالكتّان.
ولنا بعض الملاحظات على هذا الخبر:
منها: لِمَ لم يكن موت أبي بكر أو عمر إحدى هذه المصائب وهما أفضل من عثمان؟!
وجوابه واضح، لأنّ أبا بكر لم يعره أيّة أهميّة، أو لعلّه كان في هذا الوقت في البحرين، وعمر ضربه وأوجع ظهره بالدرّة، واستردّ منه المال الذي سرقه عندما ولاّه، ومنعه من الحديث، أمّا عثمان فقد أدناه وحباه ووهبه الكثير، ولم يأتِ هذا من فراغ، بل مجازاةً لأبي هريرة الذي تقرّب من بني أُميّة وتملّق لهم ووضع في فضلهم الأحاديث.
ومنها: تضارب متن الحديث، فمرّة يذكر أنّه جاء بتمرات وطلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو عليهنّ بالبركة، ومرّة يذكر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي سأله عمّا إذا كان عنده شيء بعدما كاد الجيش أن يهلك في إحدى الغزوات والتي لا نعلم أيّة غزوة هي، وأُخرى يذكر أنّ المزود معلّق في حقوه حتّى انقطع يوم مقتل عثمان، إلاّ أنّه ذكر في لفظ آخر أنّ المزود علّقه في سقف البيت، ثمّ انتهب يوم أغار أهل الشام.
ومنها: تفرّده بهذا الخبر ولم يروه غيره، وإلاّ لشاع وذاع باعتباره من دلائل النبوّة.
ويُستظهر من ذلك أنّ أبا هريرة حدّث بهذا الخبر في أزمان متعدّدة وأماكن مختلفة لذا جاء الخبر بهذه الألفاظ المتضاربة، إلاّ أنّ الأمر المؤكّد في هذا كلّه أنّ أبا هريرة كذب فيها جميعاً لما تقدّم، سوى أمر واحد وبعنوان ثانوي أظنّه صدق فيه ـ وظنّ الألمعي يقين ـ وهو بقاؤه حيّاً حتّى بعد واقعة الحرّة سنة 63 هـ لما جاء في رواية أحمد الثانية، وعلى هذا فإنّ ما ذكر من أنّه مات في ذي الحجّة سنة 59 هـ غير صحيح.
ومن بين هذا وذاك تلمع لنا دقيقة مهمّة وهي: إنّ أبا هريرة كان آخر
الثلاثة ـ وهم، سمرة بن جندب وأبو محذورة وأبو هريرة ـ الذين قال في حقّهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : آخركم موتاً في النار(73) ، لأنّ سمرة بن جندب مات في سنة 58 هـ(74) ، وأبو محذورة مات سنة 59 هـ(75) وفيها أيضاً مات أبو هريرة كما هو مشهور.
وحتّى في هذا نظر، وذلك لما رواه عبد الرزاق والبيهقي، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي هريرة وسمرة بن جندب ولرجل آخر: آخركم موتاً في النار، فمات الرجل قبلهما وبقي أبو هريرة وسمرة، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق(76) ، وهذا يعني أنّ أبا محذورة مات قبل سمرة.
وكذلك لِما رواه الفسوي والبيهقي، عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فقلت لأبي محذورة: ما لك إذا قدمت عليك سألتني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟!
فقال: إنّي كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت، فجاء النبيّ (صلى الله عليه وسلم) فقال: آخركم موتاً في النار(77) .
والذي يؤكّـد أنّ أبـا محذورة مـات قبلهمـا مـا رواه البيهقي، بإسناده عـن أنس بن حكيم الضبّي، قـال: كنت أمـرّ بالمدينـة فألقى أبـا هريـرة فـلا يبدأ بشيء يسألني حتّى يسألني عـن سمرة، فإذا أخبرته بحياته وصحّته فرح، فقال: إنّا كنّا عشرة في بيت، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قام فينا فنظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي البيت، ثمّ قال: آخركم موتاً في النار، فقد مات منّا ثمانية، ولم يبق غيري وغيره فليس شيء أحبّ إليّ من أن أكون ذقت الموت(78) .
وبهذا نجزم أنّ أبا محذورة مات قبلهما، فلم يبق إلاّ سمرة وأبا هريرة، وبما أنّ سمرة قد مات سنة 58، كما تقدّم عن ابن عبد البرّ وابن الأثير والذهبي، فلم يبق في الميدان إلاّ بطلنا أبا هريرة، الذي بقي حيّاً إلى ما بعد وقعة الحرّة، وذلك في سنة 63 هـ لما تقدّم من رواية أحمد الثانية، ولو تنزّلنا عن هذا وقلنا بالمشهور فسيبقى هو أيضاً آخر الثلاثة موتاً، لأنّه مات في ذي الحجّة من سنة 59 هـ (79) .
فيكون مصداقاً لحديث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي نظنّ بل نكاد نقطع أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال لهم ما قال إلاّ لمعرفته لما بينهم من المجانسة والمشاكلة في الأفعال والنيّات، وعلمه بسوء طَويّاتهم وخبث سرائرهم، وما تؤول إليه عاقبة أمرهم.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّهم كانوا عشرة كما ورد في بعض الطرق أو ثمانية، فليس بالضرورة أن يكون آخرهم فرداً واحداً بشخصه وإنّما آخرهم بالجملة، أي بعضاً منهم كثلاثة أو اثنين مع ملاحظة تقارب وفياتهم، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : آخركم موتاً، نوع من التخصيص المجمل، لا فرداً مميّزاً بشخصه وهو نوع من الدوران بين الأقل والأكثر الخالي من القرينة المتّصلة، ولا قرينة في البين إلاّ بعض القرائن اللبّية المنفصلة التي تؤيّد ما أفدناه، أمّا إذا أخذنا بلفظ الثلاثة، فهو نوع من الشبهة المحصورة المنجّزة حكماً وأثراً، ويؤيّده قوله (صلى الله عليه وسلم) لأبي هريرة والرجّال بن عنفوة والفرات بن حيّان عندما خرجوا من مجلسه ذات يوم، فقال (صلى الله عليه وسلم) مشيراً إليهم: لضرس أحدكم في النار أعظم من أُحد، وإنّ معه لقفا غادر(80) .
ولا ينفع تمحّل المتمحّلين من حمل إرادة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على أحدهم لما ذكرنا، وهو هنا أبين.
17 ـ روى أحمد ـ واللفظ له ـ ومسلم والطبراني وابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر وغيرهم، عن أبي كثير يزيد بن عبد الرحمن، أنّه قال: حدّثني أبو هريرة وقال لنا: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني إلاّ أحبّني، قلت: وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟! قال: إنّ أُمّي كانت امرأة مشركة، وإنّي كنت أدعوها إلى الإسلام وكانت تأبى عليّ، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أكره، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أُمّي إلى الإسلام وكانت تأبى عليّ، وإنّي دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أُمّ أبي هريرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : اللّهم اهد أُمّ أبي هريرة، فخرجت أعدو أُبشّرها بدعاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فلمّا أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعتُ خضخضة الماء، وسمِعتْ خشف رجلي، يعني وقعها، فقالت: يا أبا هريرة كما أنت، ثمّ فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن خمارها، فقالت: إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن، فقلت: يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله دعاءك وقد هدى أُمّ أبي هريرة، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأُمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : اللّهم حبّب عبيدك هذا وأُمّه إلى عبادك المؤمنين وحبّبهم إليهما، فما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني أو يرى أُمّي إلاّ وهو يحبّني(81) .
أقول: كذب والله أبو هريرة كذباً شنيعاً عريضاً لوجوه عدّة:
منها: المعروف بين الخاصّة والعامّة أنّ من يهاجر إلى المدينة فهو يهاجر إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فما الذي جعل أُمّ أبي هريرة مستثناة من هذه القاعدة وتهاجر من اليمن إلى المدينة وتبقى على كفرها مع بغض لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يبدو من سبابها له (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
ومنها: ما اشتهر، بل استفاض، بل تواتر أنّ أبا هريرة كان من سكنة الصفّة، بل أشهر من سكنها(82) لطول فترة سكناه وقصر فترة سكنى غيره، لأنّ جُلّهم ممّن كان يعشق الاستشهاد في سبيل الله وأغلبهم استشهد كالقرّاء السبعين وغيرهم، ولم يُعرف أنّ له بيتاً يسكن فيه مع أُمّه في ذلك الحين حيث تغتسل فيه.
ومنها: إنّه لم يذكر أحد من الصحابة ولا غيرهم أنّ له أُمّاً مهاجرة سواه.
ومنها: إنّ كل من ذكر أُمّ أبي هريرة أو ترجمها إنّما ذكرها استناداً إلى هذا الخبر الذي تفرّد به أبو هريرة ليس إلاّ، ومن سمّاها فإنّما استند على قول عمر له عندما عزله عن البحرين وضربه وجبهه بقوله: (ما رجّعت بك أُميمة إلاّ لرعية الحمر) ، وهذا غاية السباب، لأنّ (رجّعت) تعني (روّثت) وهذا من مختصّات الدواب.
علماً بأنّه لا يفيدنا سوى معرفة اسمها لا أكثر، وليس بعزيز على أبي هريرة أن يذكر اسمها، أو غيره ممّن كان معه من الدوسيّين كابن عمّه المتقدّم ذكره، ولم يعرف تاريخ وفاتها أو أيّ شيء من أخبارها.
ومنها: لِمَ لم يكن دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) طولياً يشمل أولاده وذرّيّته حتّى ولو بعد حين؟!
وآخرها عجباً ونكارة: قَسمه بالله عزّ وجلّ أنّه (ما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني أو يرى أُمّي إلاّ أحبّني) .
ويردّه أنّ كثيراً من الصحابة والتابعين ممّن رأى أبا هريرة وسمع به ما كانوا يحبونه، بل كانوا يحتقرونه، كعلي (عليه السلام) ، وعمر الذي نبزه بعدوّ الله وكتابه كما تقدّم، وعائشة، وأُمّ سلمة، وعبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وإبراهيم النخعي، وأبو حنيفة وكثير من أصحابه ردّوا حديثه وأنكروا عليه فضلا عن غيرهم، بل إنّ جُلّ الكوفيّين كانوا لا يحبّونه كما عُلم تاريخياً.
ومن المعلوم ضرورة أنّ للمحبّة موجبات ودواع ترتبط بما في الشخص المحبوب من مزايا وسجايا وسمات وفضائل وملكات أوجبت له هذه المحبوبية في نفوس المحبّين، إلاّ أنّ أبا هريرة خليٌّ من كلّ ذلك، فما الذي أوجبها له؟!
ـ ألطفيليّته وفضوله في طرق بيوتات الصحابة كي يطعموه، وتعرّضه لوجوه الصحابة طالباً منهم أن يستقرئوه بعض الآيات، ولا همّ له إلاّ أن يصحبوه معهم ليطعموه؟! إلاّ أنّهم لعلمهم بدخيلته فقد كانوا يقرئونه ويتركونه لشأنه كما فعل أبو بكر وعمر(83) ؟! والذي يظهر من حديث البخاري وغيره أنّهم ما فعلوا معه ذلك إلاّ بعد أن ملّوا منه ومن تطفّله.
ولتماديه في هذا السلوك الشائن قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أبا هريرة زر غبّاً تزدد حبّاً، كما رواه جمع من الحفّاظّ(84) ، ولمّا لم ينفع معه كلّ هذا أبعده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد غزوة حنين إلى البحرين.
كان الأَولى له أن يطرق أبواب الله طلباً للرزق وسعياً وراءه حفاظاً على ماء وجهه وكرامته إن كانت له ثَمّ، بدلا من طرق أبواب المهاجرين والأنصار، ألم يعتبر بالمهاجرين؟! ألم يسمع بأنّ عبد الرحمن بن عوف في أوّل يوم وصل المدينة مهاجراً قال: دلّوني على السوق؟! بعد أن عُرض عليه السكن والمال وحتّى الزوجة من قبل سعد بن الربيع، ولكنّه رفض وذهب إلى السوق ليعمل كما هو مشهور...
ـ أم لوضاعته وسلوكه الصبياني، فقد أفنى شبابه برعي الحمر واللعب مـع الهررة حتّى بعـد أن قـدم المدينة، كما يقول هو في بعض أخباره؟! وقـد رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه هرّة يحملها معه في كمّه، واستمرّ في سلوكـه الصـبياني حتّى بعـد أن أصـبح أميـراً، ولـم تأخـذ بيـده الإمـارة إلـى مصـافّ الكـرام، فقـد روى ابن سـعد وابن قتيبـة وابن عسـاكر وغيرهم، عـن أبي رافع، قـال: كان مروان ربّما استخلف أبـا هريرة على المدينـة، فيركب حمـاراً قد شدّ عليـه برذعة وفي رأسـه خُلبة مـن ليف، فيسير فليقى الرجـل فيقول: الطريق قد جـاء الأمير، وربّما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب، فلا يشعرون بشيء حتّى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيفرّون(85) ، وكان يلعب السُّدَّر وهي لعبة يُقامر بها(86) ، إلى غير ذلك.
ولا ننسى ما وصفته به عائشة بكونه رجلا مهذاراً(87) .
ـ أم لجبنه وفراره من الزحف كما يقول هو في ما رواه الحاكم بسنده عنه، قال: لقد كان بيني وبين ابن عمّ لي كلام، فقال: إلاّ فرارك يوم مؤتة، فما دريت أي شيء أقول له(88) ؟!
ولم يعرف له موقف شجاع سوى موقفه عندما كان يُفلّي ثوبه من البراغيث التي يلتقطها ويدع القمل، فقال له أنس في ذلك، فقال: أبدأ بالفرسان وأكرّ على الرجّالة(89) .
ـ أم لانتهازيته وتحيّنه للفرص وميله مع ميزان القوى أينما مال في سبيل تحقيق مآربه مع قلّة العناء في ذلك؟! وبدا هذا الأمر جليّاً في وقعة صفّين، فقد كان وقت الصلاة يصلّي خلف علي (عليه السلام) ، ويحضر طعام معاوية، وعند القتال يصعد على تلّ، فقيل له في ذلك، فقال: الصلاة خلف علي أتمّ [أفضل]، وطعام [ومضيرة] معاوية أدسم، والصعود على التلّ أسلم(90) .
ثمّ بدا ذلك الأمر أشدّ وضوحاً عندما آلت الأُمور إلى صالح بني أُميّة.
ـ أم لخيانته وعدم أمانته التي ضربه عليها عمر حتّى أدمى ظهره عندما سرق مال المسلمين في ولايته كما تقدّم؟!
ـ أم لقذارته وقلّة نظافته وعدم اشمئزاز نفسه ممّا ينفّرها بحسب الطبيعة؟! كما هو واضح في حديثَي الذباب والبراغيث المتقدّمين.
ـ أم لمعاداته وليّ الله (عليه السلام) وموالاته لأعدائه؟! فقد روى سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عمر بن عبد الغفّار، أنّ أبا هريرة لمّا قدِم الكوفة مع معاوية، كان يجلس بالعشيّات بباب كندة، ويجلس الناس إليه، فجاء شابّ من الكوفة، فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة! أنشدك الله أسمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لعليّ بن أبي طالب: اللّهم والِ من والاه وعاد من عاده؟!
فقال: اللّهم نعم.
فقال: فأشهد بالله لقد واليتَ عدوّه، وعاديت وليّه! ثمّ قام عنه(91) .
ـ أم لافترائه على علي (عليه السلام) ؟! فيما رواه الأعمش قال: لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثمّ ضرب صلعته مراراً، وقال: يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على الله ورسوله، وأُحرق نفسي بالنار؟! والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إنّ لكلّ نبيّ حرماً، وإنّ حرمي المدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أنّ عليّاً أحدث فيها ; فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاّه إمارة المدينة(92) .
ـ أم لتلوّنه في فنون الكذب على الله ورسوله والمؤمنين كتلوّن الحرباء كما هو واضح ممّا تقدّم؟!
أترى بعد كلّ ما تلوناه عليك، هل هناك من داع يفرض علينا حبّاً لأبي هريرة أو احتراماً نكنّه له؟!
نعم، حبّ الحمقى والمغفّلين يعمي ويصمّ عن كلّ هذا.
أليس من العجيب حقّاً أن تجد بعضَ مَن يحسبون على حملة العلم، والذين لم يحملوه حمل وعي ودراية وإنّما كالذي يحمل أسفاراً، يعدّ هذه المكذبة من هذا الكيذبان، بل المخرقة من هذا الممخرق من دلائل النبوّة الخالدة، كالحافظ ابن كثير الذي يقول: وهذا الحديث من دلائل النبوّة، فإنّ أبا هريرة محبّبٌ إلى جميع الناس(93) ، أليس هذا غلوّاً في الرأي وشططاً في القول؟!
ألا يكفي واقع الحال في تكذيب ابن كثير وغيره ممّن يرى رأيه؟! فنحن على علم بكثير من فضلاء ومحقّقي أهل السُنّة والجماعة ممّن التقيناهم أو سمعنا وقرأنا عنهم، كان رأيهم سيّئاً في أبي هريرة ولم يَرَوْهُ أهلا للمحبّة والاحترام، كما إنّ هناك آلاف الآلاف من المؤمنين الأحياء لا يرون هذه المحبّة له، بل يحتقرونه ويرذّلونه ونحن منهم كما هو واضح من خلال الصفحات المتقدّمة فضلا عن الأموات.
إن قيل: هذا عليكم لا لكم، وهو دليل على عدم إيمانكم.
قلنا: هذا مردود من وجهين:
أوّلا: قد علم ضرورة إيمان الصفوة ممّن تقدّم ذكرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم وغيرهم كأئمّة أهل البيت (عليه السلام) ، وقد تبيّن موقفهم منه كما تقدّم من نصوصهم وأقوالهم، ولا سيما إمام المتّقين وسيّدهم ووليّ المؤمنين وأميرهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أوّل المؤمنين إيماناً وأسبقهم إسلاماً(94) ، هل يستطيع ابن كثير أو من هو على شاكلته أن ينكر إيمان علي ابن أبي طالب أو من يرى رأيه من الصحابة في أبي هريرة؟!
ثانياً: لا يخفى على ذوي الألباب بأنّ للإيمان شقّين، أوّلهما: باطني ارتباطيّ بين العبد وربّه وهو المطّلع سبحانه على حقيقة ما يؤمن به العبد، والعالم بما يكنّه قلبه، فلا ابن كثير ولا غيره يستطيع أن يحدّد ماهيّة إيمان العبد.
والثاني: هو ما يُكتفى به من العبد من ظاهر الإسلام وبه تحقن الدماء، وتدرأ الشبهات، وعليه تجرى الحدود والشهادات والفرائض والمواريث والعقود والمناكح، وبذلك جاء الصادع المشرّع (صلى الله عليه وآله وسلم) وجرت عليه الشريعة السمحة، وهو قول الشهادتين، والنصوص بذلك متضافرة كحديث أُسامة عندما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلاّ الله، بعدما علاه بالسيف، وقول النبي (صلى الله عليه وسلم) له: أشققت عن قلبه حتّى تعلم قالها أم لا(95) ؟!
ونقول نحن: إنّا نشهد ألا إله إلاّ الله، ونوحّده بالوحدة الحقّة الصرفة المطلقة المنزّهة عن الاثنينية والمثلية، والتكرّر والتكثّر، والتجزئة والتركيب، والزمان والمكان، والتحيّز والجهة، والحلول والاتّحاد، والضدّ، وحلول الحوادث فيه، وكلّ ما لا يليق بساحة قدسه تعالى.
كما نؤمن بأنّ صفاته الذاتية هي عين ذاته، ولم نقل بزيادتها ونجعله ثـامن ثمـانية، أو نعطّله عنهـا، كمـا فعل غيرنا، ونؤمن بصفاته الفعلية، وأنّها منتزعة من مقام فعله سبحانه، ونؤمن بعدله وننفي القبح والظلم عنه، وأنّه يفعل لغرض وحكمة، وأنّه مريد للطاعة، ويكره المعصية، ونؤمن بقضائه وقدره إيمانـاً غير سـالب للإرادة، ولـم يكلّفنـا مـا لا طاقة لنا به، كمـا ونؤمـن بلطفـه ووعده ووعيده، وبعثـه ونشوره، وحسـابه وعقابه، وجنّته ونـاره.
ونشهد أنّ محمّداً عبده وسيّد رسله وخاتم أنبيائه، المبعوث رحمة للعالمين، المعصوم عن الكبائر والصغائر، وعن كلّ ما يشين، قبل البعثة وبعدها، وجوباً ولطفاً، حتّى يحصل الوثوق والغرض، ونؤمن بأنّه تعالى أنزل عليه كتاباً عزيزاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، حجّة على خلقه بتبليغ رسالته، آمراً بطاعته، وناهياً عن معصيته، ومحلّلاً حلاله، ومحرّماً حرامه، ومنفّذاً أحكامه، ومقيماً حدوده، فبلّغ رسالة ربّه، وصدع بأمره، وصبر على حكمه، وأُوذيَ في جنبه، وجاهد في سبيله، ونصح لأُمّته، ولم يتركها هملا حتّى عيّن الحجّة عليها من بعده، وعبد الله حتّى أتاه اليقين، فصلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
هذا ما نؤمن به ونعتقد به، ونحن نتحدّى شياطين الإنس والجنّ على أن يردّوا حرفاً ممّا ذكرناه وقلنا به.
ومع هذا نرى أنّ الموقف من أبي هريرة ليس كما يتمنّاه ابن كثير ومن لفّ لفّه.
فمن التمس لنا عذراً في ما ذكرناه لما تقدّم دلّ ذلك على وفور عقله، وإنصاف حكمه وسعة أُفقه في التحرّر من جمود التقليد الأعمى في عبادة الإشخاص، وإلاّ فليرم بنفسه من حالق.


___________
(1) صحيح البخاري ج 2 ص 121 ح 175 (التهجّد) ومواضع أُخر، صحيح مسلم ج 2 ص 175 ـ 176 (المسافرين) ، سنن أبي داود ج 2 ص 35 ح 315 و ج 5 ص 234 ح 4733، سنن الترمذي ج 2 ص 307 ح 446، سنن ابن ماجة ج 1 ص 435 ح 1366، سنن النسائي الكبرى ج 4 ص 420 ح 7768 و ج 6 ص 123 ـ 125 ح 10310 ـ 10321، سنن الدارمي ج 1 ص 248 ح 1481 و 1482 و 1487، الموطّأ ص 207 ح 30 (القرآن) ، مسند أحمد ج 2 ص 264، 267، 282، 419، 487، 504، وبألفاظ متقاربة وفي بعضها "يهبط" بدلا من "ينزل".
(2) سورة البقرة 2: 115.
(3) سورة الشورى 42: 11.
(4) سورة الأنعام 6: 91.
(5) سورة الزخرف 43: 84.
(6) نهج البلاغة ص 39 خطبة 1.
(7) نهج البلاغة ص 272 خطبة 186.
(8) سورة آل عمران 3: 36.
(9) راجع: شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 225 ـ 227، وغيرها من المصادر.
(10) تفسير الفخر الرازي ج 27 ص 101.
(11) رحلة ابن بطوطة ص 90.
(12) الدرر الكامنة ج 1 ص 93.
(13) صحيح البخاري ج 2 ص 2 ح 193 و ج 8 ص 211 ح 156 ومواضع أُخر، صحيح مسلم ج 1 ص 112 ـ 116، سنن أبي داود ج 5 ص 233 ح 4730، سنن الترمذي ج 4 ص 594 ح 2554 و ص 596 ح 2557، سنن ابن ماجة ج 1 ص 63 ح 178، سنن النسائي الكبرى ج 6 ص 457 ح 11488 و ص 504 ح 11637، سنن الدارمي ج 2 ص 223 ح 2797، مسند أحمد ج 2 ص 275 و 293 و 369 و 379 ومواضع أُخر.
(14) الإبانة ص 44 و 47.
(15) اللمع ص 61.
(16) اللمع ص 62.
(17) أربعين الرازي ج 1 ص 268، المواقف ص 302، شرح المقاصد ج 4 ص 188.
(18) سورة القيامة 75: 22 و 23.
(19) سورة القيامة 75: 24 و 25.
(20) سورة النمل 27: 35.
(21) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ج 4 ص 212 ـ 214 نقلا عن كتاب الآثار لجعفر ابن بشر.
(22) تمهيد الباقلاّني ص 312.
(23) الكشّاف ج 4 ص 192.
(24) شرح ابن أبي الحديد ج 2 ص 227.
(25) نهج البلاغة ص 258 خطبة رقم 179.
(26) نهج البلاغة ص 269 خطبة 185.
(27) صحيح البخاري ص 246 ح 344 ـ كتاب التفسير ـ و ج 9 ص 239 ح 75 ـ كتاب التوحيد، صحيح مسلم ج 8 ص 151 ـ 152، مصنّف عبد الرزاق ج 11 ص 422 ح 20893، مسند أحمد ج 2 ص 278 و 314، مسند أبي عوانة ج 1 ص 160 ح 464.
(28) صحيح البخاري ج 9 ص 216 ح 34، و ص 279 ح 163، كتاب التوحيد، صحيح مسلم ج 8 ص 62 ـ 63 و ص 66 ـ 67، كتاب الذكر، و ص 91 ـ التوبة، سنن الترمذي ج 5 ص 542 ح 3603، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1255 ح 3822، سنن النسائي الكبرى ج 4 ص 412 ح 7730، مسند أحمد ج 2 ص 251 و 413 و 480 و 500، ومواضع أُخر، مسند أبي يعلى ج 11 ص 479 ح 6601.
(29) صحيح البخاري ج 7 ص 7 ح 13، سنن النسائي ج 6 ص 59، الشريعة ص 256 ح 583، سنن البيهقي ج 7 ص 79.
(30) مسند أحمد ج 2 ص 24 وغيرها
(31) متّفق عليه رواه، البخاري ج 7 ص 4 ح 4، ومسلم ج 4 ص 128.
(32) كما في شرح البخاري ـ للقسطلاني ـ ج 11 ص 400 ح 5076.
(33) سورة الدهر 76: 3.
(34) سورة الأنعام 6: 104.
(35) سورة الطور 52: 21.
(36) سورة المدّثّر 74: 38.
(37) سورة الطور 52: 16.
(38) صحيح البخاري ج 1 ص 2 ح 1، صحيح مسلم ج 6 ص 48، سنن أبي داود ج 2 ص 269 ح 2201، سنن الترمذي ج 4 ص 154 ح 1647، سنن النسائي ج 1 ص 58، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1413 ح 4227، مسند أحمد ج 1 ص 25 و 43.
(39) مسند أحمد ج 3 ص 421، سنن الترمذي ج 4 ص 349 ح 2065 و ص 395 ح 2148، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1137 ح 3437، صحيح ابن حبّان ج 7 ص 633 ح 6068 نحوه.
(40) سورة ص 38: 27.
(41) نهج البلاغة ص 481 قصار الكلم رقم 78.
(42) التوحيد ص 369 ح 8، الاعتقادات ص 35.
(43) صحيح البخاري ج 7 ص 238 ح 44، صحيح مسلم ج 7 ص 29، الموطّأ ص 781 ح 22، مصنّف عبد الرزاق ج 11 ص 147 ح 20159، مسند أبي يعلى ج 2 ص 150 ح 837، صحيح ابن حبّان ج 4 ص 265 ح 2942، شرح معاني الآثار ـ للطحاوي ـ ج 4 ص 304، سنن البيهقي ج 7 ص 278، وغيرهم من الحفّاظ.
(44) لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج 1 ص 269.
(45) صحيح البخاري ج 1 ص 129 ح 30 و ج 4 ص 305 نحوه، صحيح مسلم ج 1 ص 183 و ج 7 ص 99، سنن الترمذي ج 5 ص 335 ح 3221، سنن النسائي الكبرى ج 6 ص 437 ح 11424، مسند أحمد ج 2 ص 315.
(46) صحيح مسلم ج 8 ص 25 ـ 26، صحيح البخاري ج 8 ص 139 ح 54، سنن الدارمي ج 2 ص 216 ح 2761، مسند أحمد ج 2 ص 243 و ص 488.
(47) صحيح البخاري ج 1 ص 33 ح 47 و ج 8 ص 27 ح 72 و ج 9 ص 90 ح 25، صحيح مسلم ج 1 ص 58، سنن الترمذي ج 4 ص 311 ح 1983 و ج 5 ص 22 ح 2635، سنن النسائي ج 7 ص 121، سنن ابن ماجة ج 1 ص 27 ح 69 و ج 2 ص 1299 ـ 1300 ح 3939 ـ 3941، مسند أحمد ج 1 ص 176 و 385 ومواضع أُخر.
(48) متّفق عليه، رواه مسلم في صحيحه ج 1 ص 73، والبخاري في صحيحه ج 8 ص 27 ح 75، وأحمد في مسنده ج 4 ص 33، والطبراني في الكبير ج 2 ص 72 ح 1326.
(49) سورة القلم 68: 4.
(50) صحيح البخاري ج 8 ص 23 ح 59 و ص 27 ح 74، مسند أحمد ج 3 ص 126 و ص 144 و ص 158.
(51) رواه مسلم في صحيحه ج 8 ص 24، والبخاري في الأدب المفرد ص 101 ح 324، وأبو يعلى في مسنده ج 11 ص 35 ح 6174، بل خصّص مسلم باباً في صحيحه ج 8 ص 23 تحت عنوان "النهي عن لعن الدوابّ وغيرها" من كتاب البرّ والصلة والآداب.
(52) صحيح البخاري ج 4 ص 79 ح 35 و ج 7 ص 69 ح 171 و ج 8 ص 262 ح 13 ومواضع أُخر، صحيح مسلم ج 5 ص 88، سنن الترمذي ج 4 ص 92 ح 1532، سنن النسائي ج 7 ص 25، مسند أحمد ج 2 ص 229 و ص 275، مسند أبي عوانة ج 4 ص 52 ـ 53 ح 5999 ـ 6001.
(53) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 70 ص 174، والزمخشري في ربيع الأبرار ج 4 ص 217، والحافظ ابن كثير في تاريخه ج 8 ص 95، وغيرهم.
(54) مسند أحمد ج 2 ص 537، تأويل مختلف الحديث ص 20، تاريخ دمشق ج 34 ص 137، تفسير ابن كثير ج 4 ص 136، مجمع الزوائد ج 10 ص 400 ووثق رجاله، الدر المنثور ج 1 ص 99.
(55) سورة التين 95: 4.
(56) سورة غافر 40: 64.
(57) سورة الرعد 13: 8.
(58) صحيح مسلم ج 8 ص 182، صحيح البخاري ج 9 ص 105 ح 60، مسند أحمد ج 2 ص 271، مصنّف عبد الرزاق ج 11 ص 379 ح 20795، السُنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ص 38 ح 77 و 78.
(59) فتح الباري ج 8 ص 89.
(60) صحيح البخاري ج 3 ص 204 كتاب الوكالة، سنن النسائي الكبرى ج 6 ص 238 ح 10795، صحيح ابن خزيمة ج 4 ص 91 ـ 92 ح 2424، دلائل البيهقي ج 7 ص 107.
(61) صحيح البخاري ج 7 ص 234 ح 34، ومواضع أُخر عديدة، صحيح مسلم ج 7 ص 30 ـ 31، سنن أبي داود ج 4 ص 16 ح 3911 و 3912 ومواضع أُخر، سنن الترمذي ج 4 ص 138 ح 1614، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1171 ح 3539 و 3540، سنن النسائي الكبرى ج 4 ص 375 ـ 376 ح 7591 و 7592، الموطّأ ص 820 ح 19، مسند أحمد ج 2 ص 267 و 327 ومواضع أُخر، مسند أبي يعلى ج 10 ص 498 ج 6112 ومواضع أُخر.
(62) صحيح البخاري ج 7 ص 253 ـ 254 ح 84 و 86، صحيح مسلم ج 7 ص 31 ـ 32، سنن أبي داود ج 4 ص 16 ح 3911، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1171 ح 3541، مسند أحمد ج 2 ص 406 و 434، مصنّف ابن أبي شيبة ج 6 ص 226 ح 5.
(63) صحيح البخاري ج 7 ص 231 ح 27، مسند أحمد ج 2 ص 443، مصنّف عبد الرزاق ج 10 ص 405 ح 19508 و ج 11 ص 204 ح 20331 و 20332، مصنّف ابن أبي شيبة ج 5 ص 568 ح 2 و ج 6 ص 226 ح 3، سنن البيهقي ج 7 ص 135 و 218.
(64) سنن النسائي ج 7 ص 150، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1172 ح 3544، مسند أحمد ج 4 ص 390.
(65) صحيح البخاري ج 7 ص 237 ـ 239 ح 43 ـ 45، صحيح مسلم ج 7 ص 30، سنن أبي داود ج 3 ص 183 ح 3103، سنن النسائي الكبرى ج 4 ص 362 ح 7521 ـ 7525 ومن عدّة طرق، موطّأ مالك ص 781 ـ 782 ح 22 ـ 24، مسند أحمد ج 5 ص 206، مسند البزار ج 3 ص 203 ـ 205 ح 989 و 990، مسند أبي يعلى ج 2 ص 150 ح 837، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ج 1 ص 129 ـ 133 ح 266 ـ 278 ومن طرق عديدة.
(66) صحيح البخاري ج 7 ص 257 ح 92 و ج 4 ص 263 ح 124، سنن أبي داود ج 3 ص 364 ح 3844، سنن النسائي ج 7 ص 179، سنن ابن ماجة ج 2 ص 1159 ح 3504 و 3505، سنن الدارمي ج 2 ص 70 ح 2037 و 2038، مسند أحمد ج 2 ص 229 و 246 ومواضع أُخر، صحيح ابن خزيمة ج 1 ص 56 ح 105، صحيح ابن حبان ج 2 ص 272 ح 1243 و ج 7 ص 334 ح 5226.
(67) المضيرة: مُريقة تتّخذ من اللحم واللبن الحامض، وتسمى اليوم عند أهل الشام بـ (الشاكرية) ، وتعدّ من ضمن سفرة معاوية كما يقال.
(68) سنن النسائي ج 6 ص 280، سنن الترمذي ج 5 ص 686 ـ 687 ح 3945 و 3946، مسند أحمد ج 2 ص 292، مصنّف عبد الرزاق ج 9 ص 106 ح 16522، مسند الحميدي ج 2 ص 453 ح 1051، صحيح ابن حبّان ج 8 ص 100 ح 6349، مستدرك الحاكم ج 2 ص 72 ح 2365.
(69) رواه الترمذي في جامعه ج 10 ص 307 ح 4200 بشرح المباركفوري، وفي بعض طبعاته الحديثة صحّفت يد الطبع اللاّ أمينة كلمة "يكره" إلى "يكرم" كالنسخة التي أنقل عنها وهي طبعة دار الكتب العلمية، فلذا نقلته من غيرها، ولا يخفى ما في ذلك من سوء النيّة، ورواه البزّار في مسنده ج 9 ص 10 ح 3510، والطبراني في الكبير ج 18 ص 230 ح 572 من طريق عمران بن الحصين، كما رواه أحمد في مسنده ج 4 ص 420، وأبو يعلى في مسنده ج 13 ص 417 ح 7421، والروياني في مسنده ج 1 ص 26 ح 41، والحاكم في المستدرك ج 4 ص 527 ح 8482، وصحّحه وأقرّه الذهبي على شرط البخاري ومسلم من طريق أبي برزة الأسلمي، ورواه أبو يعلى في مسنده ج 12 ص 198 ح 6820 من طريق عبد الله بن الزبير بلفظ: شرّ قبائل العرب بنو أُميّة وبنو حنيفة وثقيف.
(70) سنن الترمذي ج 5 ص 643 ح 3838، تاريخ أبي زرعة الدمشقي ج 1 ص 230، تاريخ دمشق ج 67 ص 315، ورواه أبو داود الطيالسي كما في تاريخ ابن كثير ج 8 ص 84.
(71) سنن الترمذي ج 5 ص 643 ـ 644 ح 3839، مسند أحمد ج 2 ص 352 و 324، الكامل ـ لابن عديّ ـ ج 3 ص 165، معرفة الصحابة ج 4 ص 1891 ح 4761، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ج 6 ص 109 ـ 111، وجمعها الحافظ ابن كثير في تاريخه ج 6 ص 89 ـ 90 تحت عنوان " ذكر مزود أبي هريرة وتمره "، والذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 630 تحت عنوان " مزود أبي هريرة ".
(72) رواه الأشيب البغدادي شيخ أحمد في الرواية في جزئه ص 58 ح 31، والحافظ يحيى بن معين في تاريخه ج 1 ص 154 رقم 962 برواية محمّد بن حاتم الدوري، والبخاري في تاريخه الصغير ج 1 ص 106 ـ 107 من عدّة طرق، والحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ ج 3 ص 353، والطبراني في المعجم الكبير ج 7 ص 177 ح 6748، ورواه في المعجم الأوسط ج 6 ص 283 ح 6206 عن أبي هريرة بلفظ: (كنّا سبعة في بيت، فدخل علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: آخركم موتاً في النار، فلم يبقَ إلاّ أنا وسمرة) ، وأخرجه ابن أبي حاتم في العلل ج 1 ص 351 رقم 1037، والدولابي في الكنى والأسماء ج 1 ص 115 ـ 116، والبيهقي في الدلائل ج 6 ص 458 ـ 459، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ج 2 ص 654، والقاضي عياض في الشفا ج 1 ص 339، وجمع ألفاظ الحديث الحافط ابن كثير في تاريخه ج 6 ص 170، وكذا الذهبي في السير ج 3 ص 184 ـ 185.
(73) الاستيعاب ج 2 ص 654، تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 362، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 186.
(74) طبقات ابن سعد ج 6 ص 7، الاستيعاب ج 4 ص 1752، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 118.
(75) البداية والنهاية ج 6 ص 170 عن عبد الرزاق، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ج 6 ص 459.
(76) المعرفة والتاريخ ج 3 ص 353، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ج 6 ص 459، تاريخ ابن كثير ج 6 ص 170.
(77) دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ج 6 ص 458.
(78) تاريخ دمشق ج 67 ص 390، الاستيعاب ج 4 ص 1772، تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 366، تاريخ ابن كثير ج 8 أحداث سنة 59 هـ، وأغلب من أرخّ أحداث سنة 59 هـ.
(79) الاستيعاب ج 3 ص 1258، الإصابة ج 5 ص 358، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ج 4 ص 283 ح 4434 نحوه إلاّ أنّه ذكر أربعة، وهم: أبو هريرة وأبو أروى الدوسي والطفيل بن عمر الدوسي ورجّال بن غنمويه، الإتحاف ج 7 ص 181 نقلا عن المؤتلف والمختلف ـ للدارقطني ـ، إحياء علوم الدين ـ للغزّالي ـ ج 3 ص 106، مجمع الزوائد ج 8 ص 290.
(80) مسند أحمد ج 2 ص 319 ـ 320، صحيح مسلم ج 7 ص 165 ـ 166 كتاب الفضائل، المعجم الكبير ج 25 ص 40 ـ 41 ح 76، طبقات ابن سعد ج 4 ص 244، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ج 4 ص 1889 ح 4756، تاريخ دمشق ج 67 ص 324 ـ 326.
(81) حلية الأولياء ج 1 ص 376.
(82) صحيح البخاري ج 7 ص 121 ح 2 كتاب الأطعمة، و ج 8 ص 172 ح 39 كتاب الرقاق.
(83) المعجم الأوسط ج 2 ص 243 ح 1775، حلية الأولياء ج 3 ص 322، مجمع الزوائد ج 8 ص 75.
(84) طبقات ابن سعد ج 4 ص 251، المعارف ص 158، تاريخ دمشق ج 67 ص 372.
(85) النهاية ـ لابن الأثير ـ ج 2 ص 354.
(86) الإحكام في أُصول الأحكام ـ للآمدي ـ ج 2 ص 348.
(87) المستدرك ج 3 ص 45 ح 4356.
(88) المستطرف ج 2 ص 115.
(89) ربيع الأبرار ج 2 ص 701، ثمار القلوب ص 111 ـ 112، السيرة الحلبية ج 3 ص 367، شذرات الذهب ج 1 ص 64.
(90) شرح ابن أبي الحديد ج 4 ص 68.
(91) شرح ابن أبي الحديد ج 4 ص 67.
(92) البداية والنهاية ج 8 ص 85.
(93) هذه نصوص وآثار ثابتة بعضها متواتر لفظاً وبعضها متواتر معنىً، فاستغنينا بذلك عن تخريجها.
(94) متّفق عليه، رواه مسلم ج 1 ص 67 ـ 68، والبخاري ج 5 ص 296 ح 279.
(95) صحيح البخاري ج 3 ص 271 ح 47 و ج 7 ص 171 ح 49، سنن أبي داود ج 3 ص 53 ح 2667، سنن الدارمي ج 1 ص 279 ح 1658، مسند أحمد ج 4 ص 307 ومواضع أُخر.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page