• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

وقفة مع حديث أُمّ المؤمنين عائشة

وهذه أُمّ المؤمنين عائشة (رض) ادّعت أنّ عمرها عندما تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ستّ سنين وابتنى بها بعد مهاجره (صلى الله عليه وآله وسلم) بستّة عشر شهراً وهي ابنة تسع، حتّى اتّخذ أعداء الإسلام ذلك من المطاعن التي طعنوا بها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام، ولكنّ هذه الدعوى لا يمكن التسليم بها، لأنّ عائشة كانت تصغر أُختها أسماء بعشر سنين كما ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية(1) ، وكانت ولادة أُختها أسماء قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة وماتت سنة 73 هـ، وقد بلغت المئة كما في " معرفة الصحابة " لأبي نعيم(2) ، و " أُسد الغابة "(3) ، و " الإصابة "(4) ، وعليه فيكون عمرها عند الهجرة سبعة عشر عاماً أو أكثر خلافاً لما هو مشهور، ولَرُبّ مشهور لا أصل له.
ويؤيّد ذلك روايتها لكثير من الأحداث التي حصلت في أوّل البعثة كإسلام أبويها، ومبعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وغير ذلك.
ـ كما واشتهر عنها وعن غيرها أنّها لم تتزوّج قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكنّ هذه الدعوى كسابقتها لا يمكن التسليم بها، وذلك لأنّ أبا بكر قد زوّجها من جبير بن مطعم ثمّ خلعها منه، وفي لفظ ابن سعد: فاستسلّها منهم فطلّقها.
رواه الطبراني، وابن سعد، وابن الجوزي(5) .
وفي ذيل بعض هذه الأخبار وغيرها أنّها كانت ابنة ستّ أوسبع أو تسع، ولمّا ثبت لنا أنّها كانت ابنة ثمانية عشر عند زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يظهر لنا جليّاً أمر مهمّ آخر وهو الشكّ في ادّعائها بأنّه لم يتزوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكراً غيرها، ويحقّ لنا أن نسأل ما الذي يمنع جبير ابن مطعم من ممارسة حقّه الطبيعي ويكون هو أبو عذرتها، وصاحب ليلتها الشيباء، وهي بعمر السابعة عشر في أقلّ الاحتمالات؟! مجرّد سؤال؟!
ـ وجاءتنا أُمّ المؤمنين بنبأ يصكّ المسامع حين قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية، في ما رواه النسائي، والطبراني، وابن أبي عاصم، والهيثمي، والمتّقي(6) .
وإذا أضفنا إلى ذلك ثلاثمئة وستّين كرسيّاً، على كلّ كرسي حُلّة بألف دينار كانت للصدّيق كما في " عمدة التحقيق "(7) ، وأنت جدّ عليم بأنّ ألف ألف أوقية تعني أربعين مليون درهم من الفضّة أو أربعة ملايين ديناراً ذهبياً عيار 24، ولا يخفى ماذا يعني هذا الرقم من الدراهم أو الدنانير آنذاك، مضافاً إلى ثلاثمئة وستّين ألف دينار ثمن الحلل، فضلا عن ثمن الكراسي.
هذا، مع غضّ النظر عمّا يستلزم ذلك من فراش ورياش، وغرف وإيوانات، وخدم وحشم، وخيل وأنعام، وغِلال وضياع، ولو قارنت هذا بنقود هذه الأيّام مع حساب مبدأ القيمة الحالية للعملة، لبلغ عدّة مليارات من العملة الصعبة، وهذا ما لم يتأتّ لأحد من ملوك ذلك العصر من النعامنة والغساسنة وغيرهم، بل إن ثروة قريش بأجمعها لا تكاد تبلغ عشر العشر من أموال الصدّيق هذه، فقد ذكر أرباب السير أنّه لم يبق بمكّة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعداً إلاّ بعث به في عير قريش التي أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) التعرّض لها، وكانت سبباً في معركة بدر الكبرى، حتّى إنّ المرأة لتبعث بالشيء التافه، فكان يقال: إنّ فيها لخمسين ألف دينار، وقالوا: أقلّ، وإن كان ليقال إنّ أكثر ما فيها من المال لآل سعيد بن العاص ـ أبي أحيحة ـ إمّا مال لهم، أو مال مع قوم قراض على النصف، فكانت عامّة العير لهم، ويقال كان لبني مخزوم فيها مئتا بعير، وخمسة أو أربعة آلاف مثقال ذهب، وكان يقال: للحارث بن عامر بن نوفل فيها ألف مثقال، وكان لأُميّة بن خلف ألفا مثقال، ولبني عبد مناف فيها عشرة آلاف مثقال، كما في مغازي الواقدي(8) ، وشرح الزرقاني على المواهب(9) .
ليت أُمّ المؤمنين أخبرتنا أيضاً من أين جمع أبوها هذه الثروة؟! هل ورثها من أبي قحافة الذي كان يمتهن صيد القماري والدباسي(10) ؟! أم من المناداة على مائدة عبد الله بن جدعان بقوت بطنه؟! والذي يقول فيه أُميّة ابن أبي الصلت:
لهُ داع بمكّة مُشمعلٌّ    وآخر فوق دارته ينادي(11)
أم من عمل أبيها في الجاهلية معلّماً وفي الإسلام خيّاطاً(12) ؟ أم من عمله في حَلبْ الأغنام(13) ؟! أم من عمله بزّازاً(14) ؟! ولم يكن في عمله هذا صاحب حانوت أو متجر، بل كان يحمل الأثواب على رقبته ويتنقّل في الأسواق والأزقّة ليبيعها(15) .
ولسنا هنا في معرض الحطّ من قيمة هذه المهن وانتقاص أصحابها، فعمل المؤمن في حدّ ذاته عبادة، كما ورد في الصحيح، خصوصاً إذا كان يقوت منه عياله ويوسّع عليهم، ويبرّ أرحامه ويخدم مجتمعه، ويكفّ نفسه عن الحاجة إلى اللئام، ولكنّنا نقول: إنّ هذه المهن والأعمال لا يمكن أن يتأتّى منها تلكم الأموال الطائلة، ليت أُمّ المؤمنين ذكرت لنا رقماً معقولا، أو اقتصرت على ألف واحدة، حتّى يمكن تصديقها.
ـ وادّعت أُمّ المؤمنين أنّها لم تفقد جسد رسول الله عند مسراه، وأنّ الله عزّ وجلّ أسرى بروحه(16) ، علماً بأنّها لم تكن في حينها متزوّجة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى تحسّ بفقده من جنبها أو عدمه، مخالفةً بذلك إجماع الأُمّة من أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسري بجسده وروحه.
نعم، شاركها معاوية في هذا بقوله: إنّها كانت رؤيا صادقة، كما في المصادر المتقدّمة، علماً بأنّه كان يومئذ كافراً.
ـ وجاءتنا أُمّ المؤمنين بخبر تقشعرّ له الأبدان، ويأخذ سامعه الأفكل، فقد روى الزهري أنّ عروة بن الزبير حدّثه، قال: حدّثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول الله إذ أقبل العبّاس وعليّ، فقال: يا عائشة، إنّ هذين يموتان على غير ملّتي ـ أو قال: ديني ـ.
وروى عبد الرزّاق، عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة، عن عائشة في علي (عليه السلام) ، فسألته عنهما يوماً، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما! الله أعلم بهما إنّي لأتّهمهما في بني هاشم.
قال: فأمّا الحديث الأول، فقد ذكرناه، وأمّا الحديث الثاني فهو أنّ عروة زعم أنّ عائشة حدّثته، قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل العبّاس وعلي، فقال: يا عائشة إن سرّكِ أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت، فإذا العبّاس وعلي بن أبي طالب(17) .
لا ها الله، لم يا أُمّاه يموتان على غير ملّة محمّد؟! وما الذي فعلاه حتّى أوجب أن يكونا من أهل النار؟! لم هذا الضغن الذي غلى في صدركِ كمرجل القين لعلي(18) ؟! لم سجدت لله شكراً عندما أتاك نعيُه وتمثّلت قائلة:

فألقت عصاها واستقرّ بها النوى    كما قرّ عيناً بالإياب المسافر(19)

ألفراره من الزحف يوم أُحد وحنين؟! أم لتثبيطه عزائم المسلمين من خيل وخيلاء قريش يوم بدر؟! أم لضلوعه في تنفير ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغية قتله ليلة العقبة؟! أم لانقلابه على عقبيه ما إن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
ألم يكن من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا؟! ألم يعبّر عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإيمان كلّه يوم الخندق بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه؟! ألم يُبَشّر بالجنّة كما صحّ عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
إذاً فمن هو الذي كان حبّه وبغضه فيصلا بين الإيمان والنفاق كما صحّ عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! ومن ومن.... إلى ألف من؟!(20) .
ـ وذكر عند عائشة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أوصى إلى عليّ، فقالت: من قاله؟! لقد رأيت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وإنّي لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست فانحنث فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى عليّ(21) ؟!
ولا أدري كيف يمكن تصديق هذا الحديث الذي يقتضي أن يكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مخالفاً لكتاب الله وعاصياً له، وقد خاطبه بقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة) (22) ، كأنّها لم تسمعه يقول: ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده(23) .
فكيف يأمر الناس بالوصية ويتركها هو؟! وحتّى لو لم يترك شيئاً من حطام الدنيا، ألم يترك وراءه دين الله القويم؟! أتراه يترك أُمّته هملا؟! إنّ هذا إلاّ اختلاق.
ـ وقالت أُمّ المؤمنين: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مات بين سحري ونحري ـ وفي لفظ: بين حاقنتي وذاقنتي(24) ـ، كأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ـ وحاشاه ـ عاشقاً تافهاً من عشّاق ألف ليلة وليلة، غلبه الوجد والهيام، أو كان زير نساء عزّ عليه فراق خليلاته، فلفظ أنفاسه بين سحرها ونحرها، وبقية نسائه ونساء بني هاشم ورجالهم وغيرهم من الصحابة يتفرّجون على المشهد، كأنّه نسي الإسلام وأهله ولا همّ له إلاّ سحر ونحر عائشة.
غير إنّ الذي أخبرنا به أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وابن عبّاس وأُمّ سلمة وعمر بن الخطّاب، وغيرهم، غير ما ذكرته عائشة، وهو أنّ نفسه الزكية قد فاظت وهو في حجر علي (عليه السلام) وأوصاه، وكان أقرب الناس به عهداً، وهذا هو الذي يليق بوقار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وقداسة النبوّة وعظمة الرسالة(25) .



____________
(1) البداية والنهاية ج 8 ص 276.
(2) معرفة الصحابة ج 6 ص 3253.
(3) أُسد الغابة ج 6 ص 9.
(4) الإصابة ج 7 ص 488.
(5) المعجم الكبير ج 23 ص 26 ح 62، طبقات ابن سعد ج 8 ص 47، المنتظم ج 4 ص 120.
(6) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 358 ـ 359 ح 9138، المعجم الكبير ج 23 ص 174 ح 272، السُنّة ج 2 ص 564 ح 1238، مجمع الزوائد ج 4 ص 317، كنز العمّال ج 16 ص 561 ح 45874 عن الرامهرمزي في " الأمثال "، وابن أبي عاصم.
(7) عمدة التحقيق ص 102.
(8) المغازي ج 1 ص 27.
(9) شرح المواهب ج 2 ص 263 مختصراً.
(10) انظر: الصوارم المهرقة ص 324.
(11) المنمّق ـ لابن حبيب ـ ص 372، الأغاني ج 8 ص 342، مسامرة الأوائل ص 88.
(12) الصوارم المهرقة ص 324 نقلا عن البخاري.
(13) طبقات ابن سعد ج 3 ص 138، تاريخ دمشق ج 30 ص 322 ـ 324، وصفة الصفوة ج 1 ص 109.
(14) المعارف ـ لابن قتيبة ـ ص 319، الأعلاق النفيسة ـ لابن رستة ـ ص 215.
(15) طبقات ابن سعد ج 3 ص 137، تاريخ دمشق ج 30 ص 321، صفة الصفوة ـ لابن الجوزي ـ ج 1 ص 108 ـ 109.
(16) تفسير ابن جرير ج 8 ص 16 ح 22033، سيرة ابن إسحاق ص 295، أنساب الأشراف ج 1 ص 300، تفسير الماوردي ج 3 ص 225، تفسير البغوي ج 3 ص 76، الكشّاف ج 2 ص 437، الدرّ المنثور ج 5 ص 227.
(17) شرح ابن أبي الحديد ج 4 ص 63 ـ 64.
(18) نهج البلاغة ص 218 خطبة 156.
(19) طبقات ابن سعد ج 3 ص 29، تاريخ الطبري ج 3 ص 59، مقاتل الطالبيّين ص 55، تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 259 وغيرها من المصادر.
(20) هذه كلّها آثار ثابتة متواترة من طرقنا وطرق غيرنا.
(21) صحيح البخاري واللفظ له ج 6 ص 37 ح 442، كتاب المغازي و ج 4 ص 47 ح 4 كتاب الوصايا، صحيح مسلم ج 5 ص 75 كتاب الوصايا، سنن النسائي ج 6 ص 241، سنن ابن ماجة ج 1 ص 519 ح 1626.
(22) سورة البقرة 2: 180.
(23) صحيح البخاري ج 4 ص 46 ح 1، صحيح مسلم ج 5 ص 70.
(24) صحيح البخاري ج 6 ص 31 وما بعدها، ما جاء في وفاة النبيّ.
(25) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 154 ح 8539 و 8540، المعجم الكبير ج 1 ص 230 ح 629، وج 12 ص 110 ح 12708، المعجم الأوسط ج 3 ص 274، ح 2929، طبقات ابن سعد ج 2 ص 187 و ص 201 ـ 202، مصنّف ابن أبي شيبة ج 7 ص 494 ح 3 باب 18، مستدرك الحاكم ج 3 ص 149 ح 4671 وصحّحه وأقرّه الذهبي، نهج البلاغة ص 3
خطبة 197.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page