• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أدلّة نفي التحريف

وبعد، فقد التمس منّا صاحب المقالة ـ إن كنّا معترفين بأنّ القرآن محفوظ غير محرّف ـ أن نأتي برواية واحدة عن أئمّتنا عليهم السلام تدلّ على أنّ القرآن محفوظ كامل غير محرّف.
وجوابه: إنّنا نستدلّ على عدم التحريف بالكتاب الكريم قبل الروايات، فضلا عن بقيّة موارد الاستدلال الأُخرى على النحو الآتي وباختصار:

أوّلا: الاستدلال بالقرآن الكريم.
ـ قوله تعالى: (وإنّه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (1) ، ولا يخفى أنّ من أظهر مصاديق الباطل هو التحريف والنقصان والزيادة، ولازم ذلك حفظه من قبل الله تعالى ضرورة.
ـ وقوله تعالى: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) (2) ، أي من الزيادة والنقصان والتحريف والتغيير إلى الأبد، كما عن الطبرسي(3) .
ـ وقوله تعالى: (إنّ علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه * ثمّ إنّ علينا بيانه) (4) ، ومعناه: إنّ علينا جمعه وقرآنه عليك حتّى تحفظه ويمكنك تلاوته فلا تخف فوت شيء منه، كما عن الطبرسي(5) .
ـ وقوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين) (6) ، ولا يخفى أنّه لو كان فيه أيّ تحريف أو تبديل لكان محلاّ للظنّة والشكّ، ولو كان كذلك فلا يكون فيه هدىً للمتّقين، بل ضلالتهم، وهو خُلف.
ثانياً: تواتر القرآن.
لا ريب في تواتر القرآن ضرورة، وذلك لتوفّر الدواعي بتواتره، والقطع بأنّ العادة تقضي بتواتره من طرقنا فضلا عن طرق غيرنا من محقّقي أهل السُنّة بجميع تفاصيله وأجزائه وحركاته، لأنّه أصل الدين، ولو لم يكن كذلك لاتّخذه أعداء الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله.
وقبل أن نذكر بعضاً من كلمات أعلامنا التي تنصّ على تواتر القرآن وصيانته من التحريف، نودّ أن نشير إلى حديث الإمام الصادق (عليه السلام) : " اقرأوا كما عُلِّمتُمْ "، فإنّه يفيد القطع بتواتر القرآن كما يفيدنا بأنّ القراءة المقصودة بالحديث هي القراءة الأشهر بين المسلمين، وقد عرفنا بأنّها قراءة عاصم، وأنّها قراءة شيعية كما ذكرنا سابقاً.
وهذه نصوص بعض أعلامنا:
ـ قال الشريف المرتضى: إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام(7) ، وقد نُقل عن ابن حزم قوله فيه: إنّه كان يكفّر من زعم أنّ القرآن بُدّل أو زيد فيه أو نقص منه، كما عن الذهبي وابن حجر(8) .
ـ وقال العلاّمة الحلّي: الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر(9) .
ـ وقال ابن ميثم البحراني: أمّا الصغرى فادّعاء النبوّة منه معلومٌ بالتواتر، وأمّا ظهور المعجز على يده موافقاً لدعواه فمن وجوه: (أحدها) : إنّه ظهر عليه القرآن كذلك، والقرآن معجز، أمّا ظهور القرآن عليه فبالتواتر، وأمّا أنّ القرآن معجز فلأنّه تحدّى به العرب الذين هم أصل الفصاحة والبلاغة فعجزوا عن الإتيان بمثله، فكان معجزاً(10) .
ـ وقال الشيخ زين الدين البياضي: علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله(11) .
ـ وقال الحرّ العاملي: إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم ـ علماً قطعياً ـ بأنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر، وإنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه، وإنّه كان على عهد رسول الله مجموعاً مؤلّفاً(12) .
ـ وقال السيّد العاملي: والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محلّه، لتوفّر الدواعي على نقله من المقرّ، لكونه أصلا لجميع الأحكام والمنكر لإبطاله لكونه معجزاً، فلا يُعبأ بخلاف من خالف أو شكّ في المقام(13) .
ـ وقال السيّد محمّد الطباطبائي: لا خلاف أنّ كلّ ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه(14) .
ـ وقال الشيخ البلاغي: ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين عامّة المسلمين جيلا بعد جيل، استمرّت مادّته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد، فلم يؤثّر شيئاً على مادّته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القرّاء السبعة المعروفين وغيرهم(15) .
ـ وقال السيّد شرف الدين: والقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوّة، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس، مؤلّفاً على ما هو عليه الآن(16) .
ونكتفي بهذا القدر خشية الإطالة.
ثالثاً: الروايات، وهي على أقسام، نذكر بعضاً منها:
1 ـ ما نصّ على أنّ ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله تعالى:
ـ ومن ذلك ما رواه الشيخ الصدوق، بإسناده عن علي بن سالم، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ، فقلت له: يا بن رسول الله ما تقول في القرآن؟
قال: " هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد "(17) .
ـ وبإسناده عن الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام) : ما تقول في القرآن؟
فقال: " كلام الله لا تتجاوزوه ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا "(18) .
ـ وبإسناده عن الفضل بن شاذان في ما كتبه الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، فكتب (عليه السلام) له: " إنّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له... وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأمينه، وصفيّه، وصفوته من خلقه، وسيّد المرسلين، وخاتم النبيّين، وأفضل العالمين، لا نبيّ بعده، ولا تبديل لملّته، ولا تغيير لشريعته، وأنّ جميع ما جاء به محمّد بن عبد الله هو الحقّ المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ، وأنّه المهيمن على الكتب كلّها، وأنّه حقٌّ من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدرأحد من المخلوقين أن يأتي بمثله "(19) .
ـ وقال علي (عليه السلام) : " كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه وعامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسّراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق في علمه، وموسّع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السُنّة نسخه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبوله في أدناه، موسّع في أقصاه "(20) .
ـ وقال (عليه السلام) : " أم أنزل ديناً ناقصاً، فاستعان به على إتمامه؟! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟! أم أنزل الله سبحانه ديناً تامّاً فقصّر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تبليغه وأدائه؟! والله سبحانه يقول: (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) ، و فيه تبيان كلّ شيء، وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) ، وإنّ القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به "(21) .
ـ وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : " اقرأوا كما عُلِّمْتُمْ "(22) .
2 ـ الروايات الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم، وهي كثيرة جدّاً نكتفي منها بما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في كتاب له إلى الحارث الهمداني (رضي الله عنه) : " وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه وأحلّ حلاله وحرّم حرامه "(23) .
ـ وقال (عليه السلام) : " واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدّث الذي لا يكذب... ألا إنّ كلّ حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلّوه على ربّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتّهموا عليه آراءكم، واستغشّوا فيه أهواءكم "(24) .
3 ـ الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة بقراءة سورة تامّة بعد الفاتحة في الركعتين الأُوليين من صلاة الفريضة، وأمروا بجواز تقسيم سورة تامّة أو أكثر في صلاة الآيات كما هو موضّح في محلّه، فالقول بالتحريف يستلزم تفويت الصلاة الواجبة على المكلّف لاحتمال إتيانه بسورة محرّفة الأمر الذي يوجب عدم براءة ذمته، وعليه فلا مجال لاحتمال وقوع التحريف، لأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، كما هو موضّح في علم الأُصول.
4 ـ الروايات الآمرة بعرض الأحاديث على الكتاب، وهي كثيرة، مثل: ما رواه الكليني والبرقي والصدوق عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه ".
ـ وعن أبي عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: " إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإلاّ فالذي جاءكم به أَولى به ".
ـ وعن أيّوب بن الحرّ، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسُنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ".
ـ وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال: " خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى، فقال: أيّها الناس! ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ".
ـ وعن سدير، قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) : " لا تصدّق علينا إلاّ ما وافق كتاب الله وسُنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
ـ وعن الحسن بن الجهم، عن العبد الصالح ـ موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ، قال: إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا، فإن أشبهها فهو حقّ، وإن لم يشبهها فهو باطل "(25) .
فهذه المجموعة من الأحاديث توجب كون القرآن في نفسه حجّة مستقلّة ولا يتطرّق إليه الشكّ بالنقيصة أو الزيادة أو التحريف، وإلاّ لزم بطلان جواز التمسّك بظواهر القرآن، وانتفاء الفائدة من عرض الأحاديث على القرآن، وخاصّة في ما يتعلّق بالأحكام الشرعية، ممّا يستلزم عدم براءة ذمّة المكلّف ممّا وجب عليه، لأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينة كما مرّ آنفاً.
5 ـ الروايات التي تستلزم عدم التحريف:
ـ روى محمّد بن يعقوب، بإسناده عن مرزام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال: إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء، حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلاّ وقد أنزله الله فيه(26) .
ولا يخفى أنّه لو كان فيه نقصاً أو تحريفاً لما كان فيه تبياناً لكلّ شيء.
ـ وبإسناده عن عمر بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجعل لكلّ شيء حداً وجعل عليه دليلا يدلّ عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحدّ حداً(27) .
فلو كان فيه تحريفاً أو نقصاً لبقي هناك شيء تحتاج إليه الأُمّة كما هو مقتضى الحديث.
ـ وبإسناده عن المعلّى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب الله عزّ وجلّ(28) .
فلو كان هناك أي تحريف أو نقص لبقيت أشياء ليس لها أُصول في الكتاب.
ـ وبإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أيّها الناس! إنّ الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنزل إليه الكتاب بالحقّ وأنتم أُمّيون عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله، على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأُمم وانبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة... فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأُولى وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أُخبركم عنه إنّ فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم(29) .
ولا يخفى أنّه لو كان فيه نقصاً وتحريفاً لاستلزم نقض ذلك وعدم تماميّته.
6 ـ مقتضى حديث الثقلين المتواتر من طرق أهل السُنّة فضلا عن طرق الشيعة، والذي رواه مسلم والترمذي والنسائي وأحمد والدارمي والطبراني والبزّار وأبو يعلى وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبّان والحاكم والضياء وغيرهم من الأئمّة والحفّاظ الذين التزموا الصحّة في مصنّفاتهم عن أكثر من ثلاثين صحابياً(30) .
كما أخرجه الحافظ السيوطي والشيخ نوح الحنفي في رسالتيهما في الأحاديث المتواترة.
فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، وإنّ اللطيف الخبير أنبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ".
ومقتضى هذا الحديث أن يكون القرآن مدوّناً في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) بجميع آياته وسوره حتّى يصحّ إطلاق اسم الكتاب عليه، كما يقتضي عصمة الكتاب من الزيادة والنقصان والتحريف من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم الدين ; لأنّ القول بالتحريف يستلزم عدم وجوب التمسّك بالكتاب والعترة، وذلك يستلزم العبثية والعياذ بالله، ويقتضي عصمة العترة كذلك، لأنّ التمسّك بهما يوجب عدم الضلال أبداً كما لا يخفى.
وعلى هذا فإنّه لا يمكن للشيعة الإمامية القائلين بعصمة العترة (عليهم السلام) القول بالتحريف لأنّه يهدم أصل الاعتقاد بعصمة الأئمّة (عليهم السلام) بناءً على ملازمة القرآن للعترة فإذا انتقض اللازم انتقض ملزومه كما لا يخفى.
رابعاً: الإجماع.
وهو حجّة عند عموم المسلمين، مضافاً إلى أنّه كاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) عندنا، فقد نقل الإجماع على عدم التحريف والزيادة والنقصان في الكتاب جمع من أعلامنا الأعلام، كما في مقدّمة مجمع البيان ـ للطبرسي ـ وآلاء الرحمن ـ للشيخ البلاغي ـ وغيرها من المصادر المعتبرة.
خامساً: العقل.
وذلك لأنّ القول بتحريف القرآن يوجب الشكّ في كونه معجزاً منقولا بالتواتر ضرورة، ويستلزم ذلك تفويت المصلحة منه والمعنى بداهة وعقلا، لأنّ الغرض منه هو هداية الناس، بعبارة أُخرى إنّ القول بالتحريف يساوق الإضلال وعدم الهداية، وهذا يعني أنّ الله تبارك وتعالى هو الذي يأمر بالإضلال بناءً على أمره باتّباع الكتاب والإيمان به، وهذا في غاية القبح والفساد، على أنّ التحدّي به يصبح ضعيفاً، مضافاً إلى كون القرآن هو أهمّ طريق للعلم بنبوّة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومتى ما تطرّق الشكّ إلى القرآن وجب عدم القطع بنبوّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) والعياذ بالله.
سادساً: الأصل العملي الذي يترتّب عليه الحكم أو الأثر الشرعي.
وهو حصول القطع والعلم اليقيني بثبوت القرآن وصيانته من التحريف بدءاً والشكّ بذلك لاحقاً، فيستصحب اليقين بعدم التحريف ; لأنّ اليقين لا ينقض بالشكّ ولكنّه ينقض بيقين آخر كما هو مبيّن في محلّه في علم الأُصول.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : " لا ينقض اليقين بالشكّ، ولا يدخل الشكّ في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين، ويتمّ على اليقين فيبني عليه، ولا يعتد بالشكّ في حال من الحالات ".
وقال (عليه السلام) " من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه، فإنّه الشكّ لا ينقض اليقين "(31) .
نعم، هذا عرض مختصر لما نستدلّ به على نفي التحريف تلوناه بهذه العجالة، وقد أوردنا في ضمن استدلالنا ـ على سبيل المثال لا الحصر، لأنّ المقام ليس مقام تفصيل ـ بعضاً من الروايات التي تنصّ على حفظ القرآن وصيانته، وبعضاً منها ما يفيد ذلك أو يستلزمه فضلا عن بقيّة الموارد، وأظنّ أنّنا لسنا بعد هذا بحاجة إلى أن نبذل الجهد الجهيد للإتيان برواية واحدة تدلّ على حفظ القرآن حتّى يوم القيامة، كما طلب صاحب المقالة، الذي طلب منّا أيضاً أن نكفّر من يقول بالتحريف ونعلن ذلك.
ونحن نقول له: إي والله، ويشهد لنا بذلك عدد من أعلام أهل السُنّة والجماعة:


____________
(1) سورة فصّلت 41: 41 ـ 42.
(2) سورة الحجر 15: 9.
(3) مجمع البيان ج 6 ص 98.
(4) سورة القيامة 75: 17 ـ 19.
(5) مجمع البيان ج 10 ص 175.
(6) سورة البقرة 2: 2.

(7) مجمع البيان ج 1 ص 15.
(8) سير أعلام النبلاء ج 17 ص 590، لسان الميزان ج 4 ص 224.
(9) أجوبة المسائل المهنّاوية: 121.
(10) قواعد المرام ص 128.
(11) الصراط المستقيم ج 1 ص 45.
(12) الفصول المهمّة في تأليف الأمّة: 244.
(13) مفتاح الكرامة ج 2 ص 390.
(14) مفاتيح الأُصول، مبحث حجّية ظواهر الكتاب.
(15) آلاء الرحمن ج 1 ص 73.
(16) الفصول المهمّة: 242.
(17) التوحيد: 224 ح 3، أمالي الصدوق: 638 ـ 639 ح 861.
(18) التوحيد: 223 ـ 224 ح 2، الأمالي: 639 ح 863.
(19) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 129.
(20) نهج البلاغة: 44 خطبة رقم 1.
(21) نهج البلاغة: 61 خطبة 18.
(22) وسائل الشيعة ـ كتاب الصلاة ـ باب وجوب القراءة في الصلاة بالقراءات السبع المتواترة.
(23) نهج البلاغة: 459.
(24) نهج البلاغة: 225.
(25) وسائل الشيعة ج 27 ص 110، 111، 123.
(26) أُصول الكافي ج 1 ص 80 ح 179.
(27) أُصول الكافي ج 1 ص 80 ح 180.
(28) أُصول الكافي ج 1 ص 81 ح 184.
(29) أُصول الكافي ج 1 ص 81 ـ 82 ح 185.
(30) صحيح مسلم ج 7 ص 122 ـ 123، سنن الترمذي ج 5 ص 621 ـ 622 ح 3786 و 3788، سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 45 ح 8148 و ص 130 ح 8464، سنن الدارمي ج 2 ص 292 ح 3311، مسند أحمد ج 3 ص 14 و 17 و 26 و ج 4 ص 371 و ج 5 ص 181 ومواضع أُخر، مسند البزّار ج 3 ص 89 ح 864، مسند أبي يعلى ج 2 ص 297 ح 1012 و ص 303 ح 1027 و ص 376 ح 1140، صحيح ابن خزيمة ج 4 ص 62 ـ 63 ح 2357، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ج 3 ص 65 ـ 67 ح 2678 ـ 2683 و ج 5 ص 166 ـ 167 ح 4969 ـ 4971 و ص 169 ـ 170 ح 4980 ـ 4982 ومواضع أُخر، المعجم الأوسط ج 4 ص 81 ح 3439 و ص 155 ح 3542، المعجم الصغير ج 1 ص 131 و 135، مستدرك الحاكم ج 3 ص 160 ح 4711 وصحّحه على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي.
(31) وسائل الشيعة ج 8 ص 216 باب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page