طباعة

٥ ـ الخوف من القتل

ورد في عدّة من الروايات عن الباقر والصادق عليهما‌السلام حكمة اُخرى لغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، وهي الخوف من القتل ، فعن زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : ( إنّ للغلام غيبة قبل ظهوره.
قلت : لِمَ؟
قال : يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه.
قال زرارة : يعني القتل ) (1).
فلو قيل : ألم يكن بقيّة المعصومين عليهم‌السلام قد عاشوا بين النّاس رغم أنّهم كانوا عرضة للقتل؟
قلنا : مع علم الجبابرة بأن المعصومين لم يقصدوا الخلافة ، ولكن كانوا بانتظار حكومة تطيح بالجبارة ، وهي حكومة المهدي عليه‌السلام ، خلقوا لهم مشاكل من التضييق والتهمة والحبس والقتل ، فكيف بالمهدي الذي يقوم بالسيف ، وينكس المستكبرين من على عروشهم ، فهل يمكنه أن يعيش بكلّ حريّة بين النّاس من دون أي مضايقة وشدّة من قِبل الخلفاء ، فلا شكّ أنّه مهدّد بالقتل أينما وجد ، وإن رأوه معلّقاً بأستار الكعبة.
ومن جهة اُخرى : قلنا إنّ الشرائط تختلف بينه وبينهم ، فإنّه لو قتل أحدهم كان آخر يقوم مقامه ، فإذا قتل الإمام المهدي فمن الذي يقوم مقامه ويملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، فخوفاً من قتله قبل ظهوره وجبت غيبته.
وأمّا الخوف المصرّح به في الروايات فلا يكون على نفسه كخوفنا على أنفسنا ؛ لأنّ الشهادة والقتل في سبيل الله هي إحدى الكرامات التي يفتخر بها الأئمّة عليهم‌السلام ، والمهدي أيضاً سوف يستشهد في النهاية على ما قيل ، ولكن علينا أن نعرف ما هو سبب خوفه؟
فنقول : إذا قُتل عليه‌السلام قبل أن يظهر ، فإنّ الأرض ستخلو من الحجّة ، وهذا غير ممكن ، وستبقي أيضاً دولة الحقّ بدون قائدها ، وهو غير ممكن أيضاً.
روى الشيخ الطوسي بسنده عن ضريس الكناسي ، عن أبي خالد الكابلي ، قال : ( سألت أبا جعفر عليه‌السلام أن يسمّي القائم حتّى أعرفه ، فقال : يا أبا خالد ، سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطوه بضعة بضعة ) (2).
وقال الصادق عليه‌السلام لبعض أصحابه : ( أمّا مولد موسى عليه‌السلام ، فإنّ فرعون لمّا وقف على زوال ملكه على يده أمر إحضار الكهنة فدلّوا على نسبه ، وأنّه يكون من بني إسرائيل ، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطن الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيف وعشرون ألف مولود ، وتعذًر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه‌السلام بحفظ الله تعالى إياّه ، كذلك بنو اُميّة وبنو العّباس ، لمّا أن وقفوا على أنّ زوال مملكة الاُمراء والجبابرة منهم على يدي القائم ناصبونا للعداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم ، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة ، إلّا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون ) (3).
___________________
(1) الغيبة / النعماني : ١٧٦.
(2) كتاب الغيبة / الطوسي : ٢٠٢.
(3) كتاب الغيبة / الطوسي : ١٠٦.