58 - قال عمر أبو النصر : " يقول مؤلف كتاب : الإسناد في معرفة حجج الله على العباد ، إن فاطمة ( رض ) أسقطت المحسن بعد وفاة رسول الله ، ولعلها أسقطته من فرط جزعها واضطرابها " ( 1 ) .
ونظن أن الفقرة الأخيرة هي من كلام عمر أبي النصر ، لا من كلام مؤلف كتاب " الإسناد في معرفة حجج الله " . ( والظاهر أن الصحيح هو : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، وهو كتاب الإرشاد للمفيد رحمه الله ) .
ومهما يكن من أمر فإن من الواضح : أن هذه إهانة صريحة للزهراء ، بأنها ( ع ) قد جزعت من قضاء الله سبحانه إلى هذه الدرجة . مع أنها ( ع ) أتقى وأبر من أن يتوهم في حقها الجزع الذي يصل بها إلى حد التفريط بجنينها وقتله ، وهي المرأة الصابرة المحتسبة ، التي تقول لنسوة بني هاشم حين اجتمعن ، وجعلن يذكرن النبي ( ص ) : " اتركن التعداد ، وعليكن بالدعاء " ( 2 ) .
وقد أوصى رسول الله ( ص ) فاطمة ( ع ) ، فقال : " إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها ، ولا ترخي علي شعرا ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمي علي نائحة " ( 3 ) .
وقد أوصاها أيضا في هذه المناسبة بقوله : " توكلي على الله ، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء " ( 4 ) . ولم تكن الزهراء ( ع ) لتخالف أمر أبيها ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين . ولا يمكن أن نتصورها تعصي الله انسياقا وراء عواطفها . . .
ولكن الحاقدين والموتورين قد حاولوا تصوير فاطمة ( ع ) بصورة المرأة الجازعة التي تدعو بالويل ، وتقيم النوائح ، ويصل بها الجزع حدا تقتل ولدها وتسقط جنينها ، حتى لقد " روي أنها ما زالت بعد أبيها رسول الله ( ص ) معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن ، باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها الخ . . . " ( 5 ) .
زاد في نص آخر على الفقرات الآنفة قوله : " وكانت إذا شمت قميصه ( ص ) يغشى عليها " ( 6 ) . وهي التي تخالف نهي أبيها عن التعداد ، حيث كانت تقول : يا أبتاه جنة الخلد مثواه ، يا أبتاه عند ذي العرش مأواه ، يا أبتاه كان جبرائيل يغشاه ، يا أبتاه لست بعد اليوم أراه " ( 7 ) .
هذا بالإضافة إلى تلك الرواية التي ينقلونها عن جاريتها فضة ( ع ) وغير ذلك مما يصب في هذا الاتجاه . ولنا أن نفسر ذلك بأن المقصود هو توجيه إخراجها من بيتها وجوار أبيها وإيجاد المبرر لمنعها من إظهار الحزن المظهر لمظلوميتها ، واضطرار أمير المؤمنين ( ع ) ليبني لها " بيت الأحزان " في البقيع ، وليبقى هذا الاسم " بيت الأحزان " وثيقة إدانة لهذا الظلم الجديد والاضطهاد القاسي لها ( ع ) . هل هذا اشتباه تاريخي ؟
59 - وقال الملطي الشافعي المتوفي سنة 377 ه . وهو يعدد مقالات هشام بن الحكم رحمه الله : " . . . وإن أبا بكر مر بفاطمة ( ع ) ، فرفس في بطنها ، فأسقطت . وكان سبب علتها وموتها . . " ( 8 ) .
والمعروف : أن الذي فعل ذلك بالزهراء ، هو عمر ، وليس أبا بكر ، ولعل الاشتباه جاء من جهة الناقلين عن هشام ، أو من الملطي نفسه .
______________
( 1 ) فاطمة بنت رسول الله محمد ( ص ) : 94 ، صادر عن مكتب عمر أبي نصر للتأليف والترجمة والصحافة - بيروت - لبنان .
( 2 ) البحار : ج 22 ، ص 522 ، عن الكافي . ومناقب ابن شهر آشوب ، ج 1 ص 294 .
( 3 ) البحار : ج 22 ص 496 ، وفي هامشه عن الكافي : ج 2 ص 66 .
( 4 ) البحار : ج 22 ص 502 ، وفي هامشه عن أمالي الشيخ الطوسي : ص 32 و 33 . ( * )
( 5 ) البتول الطاهرة ، لأحمد فهمي : ص 128 ، عن ابن شهر آشوب في المناقب .
( 6 ) راجع : فاطمة الزهراء في الأحاديث النبوية : ص 183 و 184 ، والنفحات القدسية ، ص 87 ، عن روضة الواعظين .
( 7 ) راجع المصادر التالية : البتول الطاهرة ، للشيخ أحمد فهمي محمد : ص 126 ، عن السدي ، وراجع : شرح نهج البلاغة ، للمعتزلي : ج 13 ، ص 43 ، وبحار الأنوار : ج 22 ، ص 527 ، و 528 ، ومناقب آل أبي طالب : ج 1 ص 294 ، والنفحات القدسية ، للسيد عبد الرزاق كمونة : ص 85 ( ط سنة 1390 ه . ق . ) دار الصادق - بيروت عن سنن النسائي / 1 ص 312 ، ومصادر أخرى . ( * )
( 8 ) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع : ص 25 / 26 تحقيق محمد زاهد الكوثري . ( * )
سقوط المحسن بسبب الجزع على الرسول ( ص ) :
- الزيارات: 988