طباعة

دفاع اُمّ‏سلمة:

و في الدر النظيم للشيخ جمال الدين الشامي قال بعد خطبة فاطمة عليهاالسلام في المسجد و كلام أبي‏بكر- فقالت اُمّ‏سلمة (رضي‏اللَّه‏عنها) حين سمعت ما جرى لفاطمة عليهاالسلام: ألمثل فاطمة بنت رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم يقال هذا القول؟ هي واللَّه الحوراء بين الإنس، والنفس للنفس، ربّيت في حجور الأتقياء، و تناولتها أيدي الملائكة، و نمت في حجور الطاهرات، و نشأت خيرة نشأة، و ربيت خير مربى، أتزعمون أنّ رسول‏اللَّه حرّم عليها ميراثه و لم يعلمها؟ و قد قال اللَّه تعالى: (و أنذر عشيرتك الأقربين) أفأنذرها و خالفت متطلبه؟
و هي خيرة النسوان و اُمّ‏سادة الشبّان، و عديلة مريم، تمّت بأبيها رسالات ربه، فواللَّه لقد كان يشفق عليها من الحرّ والقرّ، و يوسدها يمينه و يلحفها بشماله،رويداً و رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم بمرأى منكم، و على اللَّه تردون واهاً لكم، فسوف تعلمون.
قال فحرمت عطاءها تلك السنة (1).
لقد أتمت السيدة فاطمة الحجة على الجميع، و أدّت ما عليها من الواجبات و سجلت آلامها في سجلّ التاريخ.
ففى الكافي (2):محمد بن المفضل قال: سمعت الصادق عليه‏السلام يقول: «جاءت فاطمة عليهاالسلام إلى سارية في المسجد و هي تقول و تخاطب أباها النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم:
قد كان بعدك أنباء و هنبثة (3)        لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (4).
إنا فقدناك فقد الأرض و ابلها (5)        و اختل قومك فأشهدهم و قد نكبوا (6).
و كل أهل له قربى و منزلة        عند الإله على الأدنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم (7)        لمّا مضيت و حالت دونك الترب
تجهمتنا رجال و استخف بنا        لما فقدت، و كل الإرث مغتصب (8).
و كنت بدراً و نوراً يستضاء به        عليك تنزل من ذي‏العزّة الكتب
و كان جبريل بالآيات يؤنسنا        فقد فقدت، فكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا        لمت مضيت و حالت دونك الكثب (9).
إنا رزينا لما لم يرز ذوشجن (10)        من البرية لا عجم و لا عرب«
و في ناسخ التواريخ زيادة هذه الأبيات:
سيعلم المتولي ظلم حامتنا        يوم القيمة أنّى سوف ينقلب
و سوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت        له العيون بتهمال له سكب
و قد رزينا به محضا خليقته        صافي الضرائب والأعراق والنسب
فأنت خير عباد اللَّه كلهم        و اصدق الناس حين الصدق والكذب
و كان جبريل روح القدس زائرنا        فغاب عنا فكل الخير محتجب
ضاقت علي بلاد بعد ما رحبت        و سيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب
و في كشف الغمة و غيره، ثم عطفت على قبر رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم فتمثّلت بقول هند بنت أثاثة:
قد كان بعدك... الخ
و قيل هذه الأبيات لهند بنت أبان بن عبدالمطلب تمثلت بها السيدة فاطمة، و على كل فقد ألقت السيد فاطمة نفسها على قبر أبيها و هي تنشد هذه الأبيات.
و في كشف الغمة:، فما رأينا أكثر باك و لا باكيةٍ من ذلك اليوم.
و هذه الأبيات بالمناسبة من قصيدة الشيخ كاظم الأزري:
تركوا عهد أحمد في أخيه        و أذاقوا البتول ما أشجاها
و هي العروة التي ليس ينجو        غير مستعصم بحبل ولاها
لم ير اللَّه للرسالة أجراً        غير حفظ الزهراء في قرباها
يوم جاءت يا للمصاب إليهم        و من الوجد ما أطال بكاها
فدعت و اشتكت إلى اللَّه شكوى        والرواسي تهتز من شكواها
___________
(1). دلائل الإمامة للطبري 39.
(2). الكافي 8/ 370 حديث 654، البحار 43/ 195 حديث 25.
(3). الهنبثة: الأمر الشديد المختلف.
(4). الخطب- بضم الخاء والطاء- جمع خطب- بفتح الخاء- و هي المصائب الشديدة.
(5). الوابل: المطر الغزير الكثير.
(6). نكبوا: عدلوا عن الطريق.
(7). نجوى- هنا-: الأحقاد.
(8). مغتصب: مغصوب.
(9). الكثب- بضم الكاف والثاء- جمع كثير و هو الرمل.
(10). رزينا: من الرزية و هي المصيبة. والشجن: الحزن.