طباعة

إتمام الحجة على المهاجرين و الأنصار

كان الإمام أميرالمؤمنين عليه‏السلام يسير على خطة حكيمة تتفق مع العقل والمنطق والدين، و ينتهز الفرص لإحقاق حقة و إثبات مظلوميته و إتمام الحجة على ذلك المجتمع، بل و تسجيلها في سجل التاريخ، كي يعلم ذلك الشعوب التي جاءت بعد ذلك اليوم و إلى يومنا هذا و إلى ماشاءاللَّه.
من الصحيح أن نقول: إنّ الإمام عليّاً عليه‏السلام كان يرى لزاماً عليه أن يتم الحجة على الناس، و يبيّن لهم انّ الخلافة من حقه الذي جعل اللَّه و رسوله له، و حتى إذا كان عالماً أنّ الناس لا يتجاوبون معه، و هكذا يبين لهم أنّ فدكاً من حق السيدة فاطمة الزهراء فهو (شرعاً) خليفة رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم سواء قام بالأمر أم لم يقم و سواء أذعن له الناس أم لم يذعنوا، و سواء خضع له المجتمع أم لم يخضع و هكذا إنّ فدكاً ملك للسيدة فاطمة الزهراء سواء أعطوها حقها أم لا.
والسيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام لها المكانة المرموقة والشخصية المشهورة في ذلك المجتمع، فلا بأس لو أنّ السيدة الزهراء تتكلف و تتجشم تأييد زوجها في إثبات الحق والحقيقة والمطالبة بحقها، فلا عجب إذا كانت ترافق زوجها العظيم، و ولديها: سيديّ شباب أهل الجنّة، و تستنجد بالصحابة لئلا يكون للناس على اللَّه بعد ذلك حجة، لئلا يقولوا: كنا غافلين ناسين أو جاهلين. و لماذا لم يأت عليّ ليذكّرنا، و ليخبرنا، وليعرّفنا الحقّ.
و لهذا كان علي عليه‏السلام يحمل السيدة فاطمة الزهراء على أتان (1)، فيدور بها أربعين صباحاً على بيوت المهاجرين والأنصار، والحسن والحسين معها، و هي تقول:
«يا معشر المهاجرين والأنصار. انصروا اللَّه و إبنة نبيكم، و قد بايعتم رسول‏اللَّه يوم بايعتموه أن تمنعوه و ذريته مما تمنعون منه أنفسكم و ذراريكم.
ففوا لرسول‏اللَّه ببيعتكم«.
فما أعانها أحد، و لا أجابها و لا نصرها.
فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت: «يا معاذ بن جبل! إنّي قد جئتك مستنصرة، و قد بايعت رسول‏اللَّه على أن تنصره و ذريته، و تمنعه مما تمنع منه نفسك و ذريّتك، و إنّ أبابكر قد غصبني على فدك، و أخرج وكيلي منها».
قال: فمعي غيري؟
قالت: «لا، ما أجابني أحد».
قال: فأين أبلغ أنا من نصرك؟
خرجت السيدة من دار معاذ و هي تقول له: «واللَّه لا أنازعنّك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول‏اللَّه».
و دخل ابن معاذ فقال لأبيه: ما جاء بابنة محمّد إليك؟
قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي‏بكر، فإنّه أخذ منها فدكاً.
قال: فما أجبتها؟
قال: قلت: و ما يبلغ من نصرتي أنا وحدي؟
قال: فأبيت أن تنصرها؟
قال: نعم!!
قال: فأي شي‏ء قالت لك؟
قال: قالت لي: «واللَّه لا أنازعنّك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول‏اللَّه»
فقال: أنا واللَّه لا أناز عنّك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول‏اللَّه.
و ذكر ابن قتيبة الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص 19: قال: و خرج علي (كرم اللَّه وجهه) يحمل فاطمة بنت رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون يا بنت رسول‏اللَّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، و لو أنّ زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي‏بكر ما عدلنا به. فيقول علي (كرم اللَّه  وجهه( أفكنت أدع رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم في بيته لم أدفنه و أخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: «ما صنع أبوالحسن إلّا ما كان ينبغي له، و لقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم و طالبهم».
____________
(1). الأتان: انثى الحمار.