طباعة

العيادة المبغوضة

كان الصحابة رجالاً و نساءً يعودون فاطمة عليهاالسلام بين الحين والحين، إلّا عمر و أبابكر لم يعوداها لأنها قاطعتهم و رفضتهم و لم تأذن لهم بعيادتها، و لمّا ثقل عليها المرض و قاربتها الوفاة لم يجدا بدّاً من عيادتها لئلا تموت بضعة المصطفى صلى اللَّه عليه و آله و سلم و هي ساخطة عليهما على رؤوس الأشهاد فتبقى وصمة العار تلاحق الخليفة و جهازه الحاكم إلى يوم الدين.
و أرادوا تغطية أعمالهم و استدراك ما فات، فقرروا أن يعودوا السيدة فاطمة الزهراء لإسترضائها، و عند ذلك ينتهي كل شي‏ء، و تكون المأساة نسياً منسياً، هكذا تفكروا و تدبروا.
ولكن السيدة الزهراء عليهاالسلام كانت تعرف هذه الأساليب، و تعلم كلّ هذه الأمور، و ما يخالج في أذهانهم و إليك الواقعة كما ذكرها ابن‏قتيبة في (الإمامة والسياسة ج 1 ص 14) و (أعلام النساء 3 ص 314):
«إنّ عمر قال لأبى‏بكر: إنطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغصبناها فانطلقا جميعاً، فأستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلما عليها، فلم ترد- عليهما- السلام، فتكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول اللَّه! واللَّه إنّ قرابة رسول‏اللَّه أحب إلي من قرابتي و إنك لأحبّ إليّ من عائشة إبنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت و لا أبقى بعده، أفتراني أعرفك و أعرف فضلك و شرفك، و أمنعك حقك و ميراثك من رسول‏اللَّه؟
الا أني سمعت أباك رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم يقول: «لا نورّث، ما تركناه فهو صدقة».
فقالت: «أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟».
فقالا: نعم.
فقالت: «نشدتكما اللَّه: ألم تسمعا رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة من رضاي، و سخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة إبنتي فقد أحبني، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟».
قالا: نعم، و سمعناه من رسول‏اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم.
قالت: فإني أشهد اللَّه و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم لأشكونكما إليه. فقال أبوبكر: أنا عائذ باللَّه تعالى من سخطه و من سخطك يا فاطمة. ثمّ انتحب أبوبكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، و هي (فاطمة) تقول: «واللَّه لأدعون عليكما في كل صلاة أصليها، ثمّ خرج باكياً، فاجتمع الناس إليه فقال لهم: يبيت كلّ رجل معانقاً حليلته، مسروراً بأهله و تركتموني و ما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي».