• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فصل في الكلام على ما أورده صاحب المغني في توبة طلحة والزبير وعائشة

فصل
في الكلام على ما أورده صاحب المغني
في توبة طلحة والزبير وعائشة (1)

قال صاحب الكتاب بعد فصلين (2) تكلم في أحدهما على من طعن في إمامته (3) بمقاتلة أهل القبلة، وفي الفصل الآخر على من وقف فيه عليه السلام وفي القوم لا وجه لتتبعهما (4):
(قد صح بما قدمناه أن الذي أقدموا عليه عظيم فلا بد من بيان توبتهم، لأنا قد تعبدنا فيهم بالمدح والتعظيم فهذا فائدة توبتهم) قال:
(وأخرى وهو أن في بيان توبتهم إبطال قول من وقف فيهم وفي أمير المؤمنين عليه السلام، لأن توبتهم تدل على كونه محقا، وكونه محقا وكونهم مبطلين، وفيه إبطال قول من يقول إنه عليه السلام لم يكن مصمما في محاربتهم، لما قدمناه وفيه تحقيق ما روي من خبر البشارة للعشرة بالجنة، وما روي في عائشة وغيرها من أنهن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة، وفيه بيان زوال الخلاف في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام لأن من يذكر بالخلاف ممن يعتد به إذا صحت التوبة عنه، فقد ثبتت طريقة الإجماع، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر ذلك في هذا الموضع؟) قال: (إعلم أن طريق معرفة التوبة لا يكون إلا غالب الظن، ولا يعلم صحتها من أحد إلا بالسمع، لأنها وإن علمت فلا يصح أن يعلم بشروطها على وجه يقطع عليها (5) ولا يعلم هل تناولت كل ذنوبه أم البعض، وهل تناولته على الوجه الذي يصح عليه أم لا؟ لأن ذلك مما يلطف فلا يعرفه الإنسان من غيره، وإن جاز أن يعرفه من نفسه، وقد ثبت أن أحدنا وإن شاهد من غيره إظهار التوبة، واضطر من جهته إلى الندم، فليس يقطع على أنه في الحقيقة تائب، وعلى أنه قد أزال العقاب، فلو لم يحكم بتوبة أحد إلا مع العلم لما عرفنا أحدا تائبا من جهة العقل (6) والعادة، ولما صح أن نزيل الذم عنه والمدح) قال: (وثبت أنها في هذا الوجه بمنزلة الطاعات والواجبات، لأن طريق المدح فيها غالب الظن من حيث لا يقطع على وقوعها على وجه يستحق به الثواب إلا من جهة السمع) ثم قال: (واعلم أن ما طريقه الظن يعتمد فيه على الإمارات فإذا صح كونه إمارة من جهة العقل (7) يجب أن يعمل عليه، وقد ثبت أن إظهاره لندمه بالقول والفعل اللذين نشاهدهما نعمل عليه، فيجب أن نعمل على خبر الثقة * ونقبل ذلك لصلاح الرجل ووجوب توليه في أنه تارة إلى العلم وتارة إلى (8) * الظن وأن الأمر لو كان بخلاف ذلك لوجب (9) فيمن غاب عنا، وقد شاهدنا منه الفسق ألا نعدل عن ذمه بأخبار الثقات وأن نعتبر في ذلك التواتر والمشاهدة) قال: (على أنه لا خلاف أن الواجب أن نرجع إلى ما يحل هذا المحل في باب ما يلزم من المدح والتعظيم في صلاح الرجل، وفي توبته، وليس لأحد أن يقول: إذا كان فسقه متيقنا فيجب أن لا نزول عن ذمه إلا بأمر متيقن لأن ذلك ما لا سبيل إليه البتة، فلو صح اعتباره لوجب ألا نزول عن ذم أحد) ثم أكد ذلك بكلام كثير وفرق بينه وبين الشهادة التي فيها العدد من حيث كانت من باب الحقوق، والتوبة ليست كذلك، ثم قال: (وإن صحت هذه الجملة لم يبق إلا أن تبين بالأخبار توبة القوم، فإن صح في الخبر طريقة الاشتهار والتواتر فهي أقوى، وإن لم يتم وجب أيضا إذا كان خبر من الثقات أن يعمل به وقد ظهر من إمارات توبة الزبير ما يقطع به، لأن الخبر متواتر بأنه فارق القوم، وخرج عن جملتهم بعد ما جرى له من المخاطبات، وبعد ما تحمل العار الذي قد أضافوه إليه من الجبن والجزع، وصح أيضا بالتواتر أن سبب ذلك موافقة أمير المؤمنين عليه السلام له على الخبر الذي كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله أنه يقاتله وهو له ظالم (10) وروي أنه عند مفارقة القوم وسيره (11) إلى المدينة انشد هذين البيتين:
ترك الأمور التي تخشى عواقبها    لله (12) أحمد في الدنيا وفي الدين
اخترت عارا على نار مؤججة    ما إن يقوم بها خلق من الطين
وروي عنه عند نزول أمير المؤمنين عليه السلام البصرة أنه قال: ما كان أمر قط إلا عرفت أين أضع فيه قدمي إلا هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر، فقال له ابنه، لا ولكنك خشيت رايات ابن أبي طالب (13) وعرفت أن الموت الناقع تحتها، فقال له الزبير: مالك أخزاك الله وذكر عن ابن عباس أنه قال: بعثني أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل إلى الزبير، فقلت له: إن أمير المؤمنين عليه السلام يقرئك السلام ويقول لك: ألم تبايعني طائعا غير مكره! فما الذي رأيت مني مما استحللت به قتالي؟ قال: فأجابني إنا مع الخوف الشديد لنطمع (14) وروي أن عليا عليه السلام لما تصاف الفريقان يوم الجمل نادى أين الزبير بن العوام؟ وقد خرج في إزار وعمامة متقلدا سيفه سيف رسول الله على بغلته دلدل فقيل له: يا أمير المؤمنين تخرج إليه حاسرا! فقال: " ليس علي منه بأس " فخرج الزبير فقال له: ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت؟ قال الطلب بدم عثمان قال: " فأنت وأصحابك قتلتموه، فأنشدك بالذي نزل القرآن على محمد أما تذكر يوما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله " أتحب عليا " قلت: وما يمنعني من ذلك، وهو بالمكان الذي علمت، فقال لك: " أما والله لتقاتلنه يوما في فئة وأنت له ظالم " فقال الزبير: اللهم نعم، قال له:
" أمعك نساؤك " قال لا، قال: " فهذا قلة الانصاف أخرجتم حليلة رسول الله صلى الله عليه وآله وصنتم حلائلكم " إلى كلام طويل في هذا الباب نذكر فيه مبايعته له طوعا وغير ذلك، فبكى الزبير وانصرف وأتى عائشة فقال: يا أمه ما شهدت قط موطنا في جاهلية ولا إسلام إلا ولي فيه داع، غير هذا الموطن مالي فيه بصيرة، وإني لعلى باطل، قالت له: أبا عبد الله حذرت سيوف ابن أبي طالب وبني عبد المطلب، وقال له ابنه: لا والله ما ذلك زهد منك ولكنك رأيت الموت الأحمر، فلعن ابنه وقال: ما أشأمك من ابن، ثم انصرف بعد ذلك الزبير راجعا إلى المدينة على ما حكيناه وقال فقد كانت أحوالهم أحوال من يظهر عليه التحير، بل كان يعلم إنه مخطئ وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خطبة له لما بلغه خروج القوم إلى البصرة عند ذكره لهم: " كل واحد منهم يدعي الأمر دون صاحبه لا يرى طلحة إلا أن الخلافة له لأنه ابن عن عائشة، ولا يرى الزبير إلا أنه أحق بالأمر منه لأنه ختن (15) عائشة، والله لئن ظفروا بما يريدون ولا يرون ذلك (16) أبدا ليضربن طلحة عنق الزبير والزبير عنق طلحة ".
ثم قال بعد كلام طويل: " والله إن طلحة والزبير ليعلمان أني على الحق وأنهما لمخطئان، وما يجهلان، ورب عالم قتله جهله، ولم ينفعه علمه " (17)...).
قال: (وكل ما ذكرناه من أمر الزبير يدل على ندمه وتوبته (18)).
يقال له: أما قولك في تعاطيك ذكر فوائد الكلام في توبة القوم:
(إنا قد تعبدنا فيهم بالمدح والتعظيم فلا بد من بيان توبتهم) فليس بشئ لأنا إنما نمدحهم ونعظمهم إذا تابوا، فالمدح والتعظيم يتبعان التوبة لا تتبعهما، وأنت قد عكست القضية فجعلت التابع متبوعا.
فإن قال: لم أرد ما ظننتموه وإنما أردت أن التوبة تقتضي المدح والتعظيم، فالكلام في إثباتها يثمر هذه الفائدة.
قلنا: ليس هكذا يقتضي كلامك، ولو قلت بدلا من ذلك: إن للتوبة فيهم وفي غيرهم من المذنبين أحكاما تعبدنا بها فلا بد من الكلام في إثباتها لنعمل بأحكامها وننتقل عما كنا عليه قبلها لكان صحيحا.
فأما قوله: (في بيان توبتهم إبطال قول من وقف فيهم وفي أمير المؤمنين عليه السلام) فغير صحيح، لأن العلم بكونه عليه السلام محقا في قتالهم وكونهم مبطلين في حربه لا يقف على وقوع التوبة منهم، بل ذلك معلوم بالأدلة الصحيحة، ولو لم يتب أحد من الجماعة.
فأما قوله: (وفيه تحقيق لخبر البشارة بالجنة) للعشرة فطريف لأن خبر البشارة لو صح فبأن يكون محققا للتوبة، ومزيلا للشبهة فيها أولى، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقطع النبي صلى الله عليه وآله بالجنة عليهم، ومع هذا يموتون على إصرارهم، وقد يجوز أن يتوبوا من القبيح الذي فعلوه، وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله بشرهم بالجنة، يبين ما ذكرناه أن راويا لو روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه خبر بدخول رجل بعينه إلى مكان معين لم يكن محققا للخبر وموجبا للقطع على صدقه دخول ذلك الرجل في الوقت المعين إلى المكان، بل متى علمنا أنه عليه السلام خبر بذلك وكنا من قبل شاكين في دخول الرجل المكان المخصوص فلا بد من تحقق دخوله والقطع عليه.
فأما قوله: (وفيه زوال الخلاف في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام) فأي فائدة في ذلك على مذهبه وعنده أن الإجماع لا معتبر به في باب الإمامة وأن ببعض من عقد لأمير المؤمنين عليه السلام تثبت الإمامة، على أنه ليس يمكنه أن يدعي توبة جميع من حاربه، وقتل في المعركة بسيفه على خلافه، فالاجماع على كل حال ليس يثبت له.
فإن قال: لا اعتبار بمن قتل على الفسق في باب الإجماع لأنه لا يدخل فيه إلا المؤمنون.
قيل له: فهذا المعنى قائم فيمن تكلف الكلام في توبته، وزعمت أن الفائدة فيها ثبوت الإجماع.
فأما المقدمة التي قدمها أمام كلامه من أن التوبة لا يكون الطريق إليها إلا غالب الظن، ولا نعلم صحتها بشروطها من أحد إلا بالسمع، وأن أخبار الآحاد في باب التوبة تقوم مقام التواتر والمشاهدة، وإجراؤه بذلك إلى إبطال قول من يقول من كان فسقه متيقنا فلا نزول عن ذمة إلا بأمر متيقن، وادعاؤه في خلال ذلك الإجماع على ما رتبه وقرره فأول ما فيه أنه كالمناقض لما أطلقه عنده اعتذاره من أحداث عثمان، لأنه قال هناك: (إن من تثبت عدالته يجب توليه، إما على القطع أو على الظاهر) فغير جائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر معلوم متيقن يقتضي العدول، وهو في هذا الموضع يجعله كالمتيقن في أنه يعدل به عن المتيقن، وادعاؤه الإجماع في هذا الباب غير صحيح، لأن فيما ذكره خلافا ظاهرا، وفي الناس من يذهب إلى أن المعلوم من فسق وصلاح لا يرجع عنه إلا بمعلوم مثله، ويمكن أن يقال له فيما اعتمده إنا جاز أن نرجع في شرائط التوبة إلى غالب الظن لأنه لا يمكن أن يتناولها العلم على سبيل التفصيل إلا من جهة السمع فقام الظن مقام العلم لما تعذر العلم، وكون المذنب نادما يمكن أن نعلمه ونتحققه ونضطر في كثير من المواضع إليه فلا يجوز أن نقيم الظن فيه مقام العلم، وهكذا القول في افعال الخير الموجبة للولاية والتعظيم أن نرجع في وقوعها وحصولها من الفاعل حتى نتولاه ونحكم له بأحكام الصالحين إما بالمشاهدة أو غيرها، ولا نرجع في وقوع تلك الأفعال على الوجوه التي يستحق بها الثواب من إخلاص وغيره إلى العلم لما تعذر العلم وجاز لما ذكرناه أن يقوم الظن ها هنا مقامه فليس يجيب إذا رجع فيما يمكن فيه العلم إلى العلم أن يرجع إليه فيما لا يمكن فيه على ما ألزمه صاحب الكتاب، وأحال في هذا الباب عليه ثم إذا سلمنا هذه الطريقة على ما اقترحه ووافقناه، على أن المعلوم يرجع عنه للمظنون كان لنا في الكلام على ما يدعي من توبة القوم طريقان أحدهما أن يبين أن الأخبار التي رواها في ذلك معارضة بأخبار إن لم تزد في القوة والظهور عليها لم تنقص، والطريق الآخر أن يبين جميع ما روي من أخبار التوبة محمولا، محتمل غير صحيح، ولا شبهة في أنه لا يرجع بالمحتمل عن الأمور التي لا تحتمل، وعلى هذا عول صاحب الكتاب لما تقدم لعثمان من التي لا تحتمل، وعلى هذا عول صاحب الكتاب لما تقدم لعثمان من أحداثه لأنه قال: (إن الحدث يوجب الانتقال عن التعظيم ولكن من باب ما يجعل أن يكون واقعا على وجه يقبح فيكون عظيما، وعلى وجه يحسن، ولا يكون قبيحا فغير جائز أن ننتقل من أجله إلى البراءة، بل يجب الثبات على التولي والتعظيم) وراعى في الخروج عن التولي ما يتقن وقوعه كثيرا، ولم يحفل بما يتقن وقوعه، ويجوز أن يكون قبيحا وحسنا هذا الذي اعتبره صحيح، ومثله يراعى فيما ينتقل به عن البراءة إلى التولي والتعظيم.
ونحن نبدأ بالكلام فيما يخص توبة الزبير لابتداء صاحب الكتاب بها، ونذكر ما روي من الأخبار مما يدل على إصراره قبل الكلام على ما تحتمله الأخبار التي رواها صاحب الكتاب واعتمدها في توبته ما رواه الواقدي بإسناده: إن أمير المؤمنين لما فتح البصرة كتب إلى أهل الكوفة:
" بسم الله الرحمن الرحيم، عن عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى أهل الكوفة، سلام عليكم، فأني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.
أما بعد فإن الله تعالى حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة، من تأشب (19) إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهم صفقة أيمانهم وتنكبهم عن الحق فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبرهم حين ساروا إليها في جماعتهم، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد، فاستنفرتكم بحق الله، وحق رسوله، فأقبل إلي إخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت إليهم بهم، حتى نزلت ظهر البصرة، فأعذرت بالدعاء وقدمت الحجة، وأقلت العثرة والزلة واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعهد الله عليهم، فأبوا إلا قتالي وقتال من معي، والتمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد في سبيل الله، وقتل من قتل منهم ناكثا، وولى من ولى إلى مصرهم، فسألوني ما دعوتهم قبل القتال فقبلت منهم. وأغمدت السيف، وأخذت بالعفو فيهم. وأجريت الحق والسنة بينهم، واستعملت عليهم عبد الله بن عباس على البصرة، وأنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله، وقد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي (20) لتسألوه فيخبركم عني وعنهم، وردهم بالحق علينا فردهم الله وهم كارهون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادى سنة ست وثلاثين " فكيف يكون الزبير تائبا؟ وقد صرح أمير المؤمنين عليه السلام بأنه تمادى في الغي حتى قتل ناكثا، ومن تاب لا يوصف بالنكث، وتقبيح ما كان عليه قبل التوبة، وقد روى أبو مخنف لوط بن يحيى هذا الكتاب بخلاف هذه الألفاظ وروى في جملته بعد الثناء عليه وذكر بغي القوم ونكثهم " وحاكمناهم إلى الله فأدالنا عليهم فقتل طلحة والزبير وقد قدمت إليهما بالمعذرة، وأبلغت إليهما في النصيحة، واستشهدت عليهما الأمة، فما أطاعا المرشدين، ولا أجابا الناصحين ولاذ أهل البغي بعائشة، فقتل حولها عالم جم، وضرب الله وجه بقيتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر (21) بأشأم عليها منها على أهل ذلك المصر مع ما جاءت به من الحوب الكبير (22) في معصية ربها واغترارها في تفريق المسلمين، وسفك دماء المؤمنين، بلا بينة، ولا معذرة، ولا حجة ظاهرة، فلما هزمهم الله أمرت أن لا يتبع مدبر، ولا يجهز على (23) جريح ولا تكشف عورة، ولا يهتك ستر، ولا تدخل دار إلا بإذن، وأمنت الناس، وقد استشهد منا رجال صالحون ضاعف الله حسناتهم، ورفع درجاتهم. وأثابهم ثواب الصالحين، الصادقين الصابرين ".
وليست هذه أوصاف من تاب وقبض على الطهارة والإنابة، وفي تفريقه عليه السلام من الخبر عن قتلاه وقتلاهم، ووصف من قتل من عسكره بالشهادة، دون من قتل منهم، وفي دعائه لقتلى عسكره، دون طلحة والزبير، دلالة على ما قلناه ولو كانا مضيا تائبين لكانا أحق الناس بالوصف بالشهادة، والترحم والدعاء.
وقد روى الواقدي أيضا كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل المدينة يتضمن مثل معاني كتابه إلى أهل الكوفة، وقريبا من ألفاظه، ويصفهم بأنهم قتلوا على النكث والبغي ولولا الإطالة لذكرناه بعينه.
وقد روى الواقدي أن ابن جرموز لما قتل الزبير واحتز رأسه، وأخذ سيفه، ثم أقبل حتى وقف على باب أمير المؤمنين، فقال: أنا رسول الأحنف فتلا هذه الآية: (الذين يتربصون بكم) فقال هذا رأس الزبير وسيفه، وأنا قاتله، فتناول أمير المؤمنين عليه السلام سيفه، وقال:
" لطال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن الحين (24) ومصارع السوء " ولو كان تائبا لم يكن مصرع سوء، لا سيما وقد قتله غادرا به. وهذه شهادة لو كان تائبا مقلعا عما كان عليه وروى الشعبي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: " الآن إن أئمة الكفر في الاسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري ".
وقد روي مثل ذلك عن عبد الله بن مسعود.
وروى نوح بن دراج (25) عن محمد بن مسلم (26) عن حبة العرني (27) قال سمعت عليا عليه السلام حين برز إلى أهل الجمل وهو يقول: " والله لقد علمت صاحبة الهودج أن أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي الأمي وقد خاب من افترى " قد روي هذا المعنى بهذا اللفظ أو قريبا منه من طرق مختلفة.
وروى البلاذري في تاريخه بإسناده عن جويرية بن أسماء أنه قال:
بلغني أن الزبير حين ولى ولم يكن بسط يده بسيف اعترضه عمار بن ياسر بالرمح وقال: أين يا أبا عبد الله، والله ما أنت بجبان، ولكني أحسبك شككت؟ قال: هو ذاك، ومضى حتى نزل بوادي السباع (28) واعترضه ابن جرموز فقتله، واعترافه بالشك يدل على خلاف التوبة، لأنه لو كان تائبا لقال له في الجواب: ما شككت، بل تحققت أنك وصاحبك على الحق، وأنا على الباطل، وقد ندمت على ما كان مني، وأي توبة تكون لشاك غير متحقق، فهذه الأخبار وما شاكلها تعارض أخبارهم التي كان لها ظاهر يشهد بالتوبة، وإذا تعارضت الأخبار في التوبة والاصرار سقط الجميع، وتمسكنا بما كنا عليه من الكلام في أحكام فسقهم، وعظيم ذنبهم، وليس لهم أن يقولوا إن كل ما رويتموه من طريق الآحاد، وذلك أن جميع أخبارهم بهذه المثابة وكثير مما رويناه أظهر من الذي رووه، وأفشى وإن كان من طريق الآحاد، ولو كان لهم في التوبة خبر يقطع العذر، ويوجب العلم لما تكلفوا في أنه يرجع عن المعلوم بالظنون.
فأما الكلام على ما عقده في توبة الزبير فأول ما تعلق به أنه فارق القوم، وخرج عن جملتهم، ورجع عن الحرب وهذا المقدار غير كاف في التوبة، لأن الراجع عن الحرب قد يرجع لأغراض كثيرة، الندم على الحرب من جملتها فمن أين أن رجوعه كان لهذا الوجه دون غيره، بل الظاهر من كيفية رجوعه أنه يقتضي أنه رجع لغير التوبة، لأنه لو كان راجعا لوجب أن يصير إلى حيز أمير المؤمنين عليه السلام معترفا على نفسه بالخطأ، مظهرا للإقلاع عما كان عليه من نكث بيعته، وخلع إمامته ومناصبته ومجاهدته وباذلا أيضا نصرته على من أقام على البغي كما يقتضيه شروط إمامته، لأنه إن كان تائبا على ما ادعوه فلن تصح توبته إلا بأن يكون معترفا له عليه السلام بالإمامة، ووجوب الطاعة ولا حال يتعين فيها نصرة الإمام على من بغى عليه إلا وحال أمير المؤمنين عليه السلام هناك أضيق منها فالظاهر من تنكبه وعدوله عن حرب أمير المؤمنين عليه السلام وتركه الاعتذار إليه أن رجوعه لم يكن للتوبة، وإنه كان لغيرها من الأغراض، ولو لم يكن ما ذكرناه مرجحا لكون الرجوع غير مقصود به التوبة لكان محتملا، ومع الاحتمال لا حجة فيه، ولا فرق بين من
حكم للزبير بالتوبة من حيث رجع عن الحرب وبين من حكم بالتوبة لكل من انصرف عن حروب النبي صلى الله عليه وآله من غير أن يصير إليه، فيعترف بالاسلام بين يديه، ويظهر الندم عما كان عليه، حتى يجعل ذلك ناقلا لنا عن ذمه إلى مدحه، وعن القطع عليه بالعذاب إلى القطع له بالثواب، على أنه قد روي سبب رجوع الزبير عن الحرب أن ابنه عبد الله قال له: عائشة تريد أن تصليك بالحرب، ثم تقضي بالأمر إلى ابن عمها، يعني طلحة، وما أرى لك إلا الرجوع، وإنما قال له هذا لأنهم أمروه ما دامت الحرب قائمة فإذا انقضت استأثروا.
وروى البلاذري في كتابه أن معاوية كاتب الزبير: أقبل حتى أبايعك ومن يحضرني، فلعله رجع لهذا ولأنه أيس من الظفر، فإن رجوعه كان بعد قتل طلحة وتلوح إمارات الفتح على أن رجوعه إنما كان عن الحرب عقيب مواقفة أمير المؤمنين عليه السلام له وتذكيره بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حربه، وأكثر ما في هذا أن يدل على أنه قد ندم عن الحرب، وفسقه لم يكن بالحرب دون غيرها، بل كان لما تقدمها من نكث البيعة والخروج عن طاعة الإمام، والبغي عليه، ورميه بما هو برئ منه من دم عثمان، ومطالبته بما لا يجب عليه من تسليم كل من اتهم بقتله، ورد الأمر في الإمامة شورى ليستأنف الناس الاختيار وطلب الإمام، وهذه ضروب من الفسق، من أين أن رجوعه عن الحرب وندمه عليها يقتضي ندمه على جميع ما ذكرناه، وليس يمكن أن يدعي في ظاهر الرجوع عن الحرب أكثر من الندم عليها، ولو كان الكف عن الحرب دليلا على التوبة من سائر ما عددناه لوجب أن يشهد له بالندم والتوبة لما كان مقيما بمكة، فإنه كان ههنا كافا عن الحرب ولم يمنع من أن يكون مقيما على غيرها مما ذكرناه.
فأما اعتماده على أن السبب في الرجوع إنما كان مواقفة أمير المؤمنين عليه السلام له على الخبر الذي كان سمعه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وادعاؤه في ذلك على التواتر ثم إنشاده في ذلك البيتين اللذين أنشدهما، فأول ما في ذلك أنه قال: لا تواتر فيما ادعاه، ومن تصفح الأخبار علم أن ذلك من طريق الآحاد، ومع ذلك فقد روي في سبب الرجوع غير ذلك وهو ما ذكرناه آنفا.
وبعد، فمن روى أن السبب ما ذكره صاحب الكتاب قد رواه على وجه يخرجه من أن يكون توبة، ويقتضي الاصرار على الذنب فروى الطبري في تاريخه بإسناده عن قتادة القصة أن الزبير لما واقفه أمير المؤمنين عليه السلام وذكره بقول الرسول في قتاله قال لو ذكرت ذلك ما سرت سيري هذا، والله لا أقاتلك أبدا فانصرف علي صلوات الله عليه إلى أصحابه فقال: " أما الزبير فقد أعطى الله عهدا أن لا يقاتلكم " ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن مذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موقفي (29) هذا قالت فما تريد أن تصنع؟ قال أريد أن أدعهم، وأذهب عنهم، فقال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين (30) حتى إذا جرد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم خشيت (31) رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنها تحملها فتية أمجاد (32) قال: إني حلفت ألا أقاتله وأحفظه (33) قال: كفر عن يمينك فقاتله فدعا غلاما له يقال مكحول فأعتقه، فقال عبد الله بن سليمان (34).
لم أر كاليوم أخا إخوان    أعجب من مكفر الإيمان
بالعتق في معصية الرحمن
وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكحولا لصون دينه    كفارة لله عن يمينه
والنكث قد لاح على جبينه (35)
وهذا يدل كما ترى على الرجوع عن التوبة واليمين جميعا وأنه أقام بعد ذلك وقاتل، وأن انصرافه لم يكن عقيب التذكير، وإنما كان بعد اليأس من الظفر، وخوف الأسر أو القتل.
وقد روى الواقدي هذا الخبر وذكر في صدره التقاء أمير المؤمنين عليه السلام بالزبير، وتذكيره له بقول الرسول صلى الله عليه وآله فيه، وأن الزبير انصرف إلى عائشة فقال لها: ما شهدت موطنا في الجاهلية والاسلام إلا ولي فيه رأي وبصيرة إلا هذا المشهد فقلت له فرقت من سيوف آل أبي طالب إنها والله طوال حداد تحملها فتية أنجاد فاستحيى الزبير فأقام.
وروى البلاذري عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن وهب بن جوين، عن أبيه عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن معنى هذين الخبرين المتقدمين، وأن ابن الزبير لما جبن أباه وعيره قال له: قد حلفت ألا أقاتله، قال: فكفر عن يمينك، فأعتق غلاما له يقال له سرخس، وقام في الصف معهم وكل هذه الأخبار تدل على أنه أقام بعد التذكير والمواقفة وأن رجوعه كان بعد ذلك ولعل أصحابنا المخالفين في هذا الباب لما رووا أنه وقف وذكر، ورووا أنه رجع عن الحرب ظنوا أن الرجوع كان عقب المواقفة، فأكثر ما في هذا الباب أن يكون في أيديهم رواية بأن الرجوع كان عقيب المواقفة والتذكير فقد بينا أن بإزائها روايات تتضمن أنه أقام بعد ذلك وقاتل، فلا يجب مع هذا التعارض أن يقطعوا على أن الانصراف كان عقيب المواقفة حتى يجعلوه ذريعة إلى التوبة.
فأما البيتان اللذان ذكرهما فما رأينا أحدا ممن صنف في السيرة وذكر هذه القصة بعينها وشرح حديث المواقفة والتذكير ذكرهما، كأبي مخنف والواقدي والبلاذري والطبري وغير من ذكرناه ممن عني بجميع الروايات المختلفة في السيرة، ولو كانا معروفين في الرواية لذكرهما بعض من ذكرناه والأشبه أن يكونا موضوعين.
فإن قيل: ليس لي ترك من ذكرتم روايتهما دلالة على بطلانهما ولا معارضة لخبر من رواهما لأن الخبر إذا كان يتضمن زيادة فهو أولى من الخبر الوارد بخلافها وحذفها، قلنا: قد روينا أخبارا تتضمن من الزيادة ما ليس في الخبر الذي يتضمن البيتين نحو الرواية التي تتضمن أنه رجع وقاتل وأعتق عبده حتى قيل في ذلك من الشعر ما ذكرنا ونحو الخبر الآخر الذي يتضمن أنه استحيى وأقام، وكل هذه زيادات على ما في خبرهم، فإن اعتبرت الزيادة، ووقع الترجيح بها فهي موجودة في أخبارنا فأقل الأحوال أن تتعارض الأخبار لما يتضمن من الزيادات وسقط ترجيحهم بالزيادة.
فأما ما رواه من قوله ما كان أمر قط إلا أعرف أين أضع قدمي فيه إلا هذا فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر، فما تدري من أي وجه يدل على التوبة والندم لأنه ليس في صريحه ولا فحواه ما يدل على شئ منها وأكثر ما يدل عليه هذا الخبر أنه متحير لا يدري أيظفر أم يخيب وأن الأمر عليه ملتبس وطريقه إليه مظلم فأما الندم والاقلاع فبعيد من تأويل هذا القول.
فأما ما رواه من قول الزبير أنا مع الخوف الشديد لنطمع (36) فلا دلالة فيه على التوبة لأنه لا بيان فيه لمتعلق الخوف والطمع، وقد يجوز أن يريد أنا مع الخوف من قتالكم لنطمع في الظفر بكم، وإن حملناه على العقاب والخوف منه لم يكن أيضا فيه دليل التوبة (37) لأنه لا يجوز أن يكون ممن يطمع في العفو مع الاصرار، وكيف يكون واثقا من نفسه بالتوبة وهو يخاف العقاب، ويطمع في الثواب، والتوبة يقطع منها على اتقاء العقاب وحصول الثواب.
فأما الخبر الذي رواه بعد ذلك وأن الزبير رجع عقيب المواقفة والتذكير، فقد بينا الروايات الواردة بخلاف ذلك، وأنه بعد ذلك الكلام أقام وقاتل وكان رجوعه عند ظهور علامات الفتح.
فأما قوله: قد كانت أحوالهم أحوال من يظهر عليه التحير بل من كان يعلم أنه مخطئ فالأمر على ما ذكر وليس في تحير الإنسان في الأمر وشكه فيه دلالة على توبته بل التوبة لا تكون إلا مع اليقين والعلم بقبح الفعل، ثم الندم عليه على شرطها وكذلك العلم بأنه مخطئ لا يدل على التوبة لأن الإنسان قد يرتكب ما يعلم أنه خطأ ويقدم على ما يعلم أنه قبيح. وليس يستشهد في ذلك إلا ما ختم به صاحب الكتاب هذا الفصل فإنه روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه خطب لما بلغه خروج القوم إلى البصرة فقال بعد كلام طويل: " والله إن طلحة والزبير ليعلمان أنهما مخطئان وما يجهلان ورب عالم قتله جهله، ولم ينفعه علمه " فشهد عليه السلام عليهما بأنهما يعلمان خطأهما في حال لا شبهة في أنهما لم يكونا نادمين، ولا تائبين، فكيف يستدل صاحب الكتاب بكونهما عالمين بالخطأ، على أنهما كانا نادمين، وهو يروي عقيب هذا الكلام الخبر الذي رويناه ولا شئ أعجب من ذكر صاحب الكتاب هذا الخبر في جملة الاعتذار عن القوم والتزكية لهم لأنه صرح في ذمهم. وأن اعتقاد أمير المؤمنين عليه السلام كان فيهم شيئا قبيحا، وأنه كان يعلم منهم خلاف طريقة الدين، وأن غرض الرجلين فيما ارتكباه طلب الدنيا وحطامها، ونيل الرئاسة والتأمر على الناس والتوصل إلى ذلك بالقبيح والحسن والصغير من الذنوب والكبير، ولهذا قال عليه السلام، " لئن ظفروا ليضربن طلحة عنق الزبير والزبير عنق طلحة، وهذا يبين لمن تأمله بطلان ما ذكره.
قال صاحب الكتاب: [ فأما طلحة فإنه أصابه في المعركة سهم فأظهر عند ذلك التوبة (38) ويروى أنه قال لما أصابه السهم:
ندمت ندامة الكسعي لما    رأت عيناه ما صنعت يداه
وقال: والله ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي هذه اللهم خذ لعثمان مني حتى يرضى، وروي أن عليا وقف عليه يوم الحرب وهو مقتول فقال: " يرحمك الله أبا محمد " وترحمه عليه يدل على توبته، وروي عنه صلوات الله عليه أنه قال: " إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله عز وجل: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) (39) ولو لم يكن التوبة حصلت منهما لم يجز أن يقول ذلك، وروي عن الزبير أنه لما نظر إلى عمار في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وانقطاع ظهراه، فقال له بعض أصحابه:
مم ذاك يا أبا عبد الله، قال: سمعت رسول الله يقول: " ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " وعند ذلك لحق بأمير المؤمنين عليه السلام ثم إنه انصرف، وليس لأحد أن يقول: " لو كان تائبا لوجب أن يعدل إلى علي صلوات الله وسلامه عليه ويحارب معه [ ويصلح ما أفسده حتى تصح توبته (40) ] لأن ذلك هو الذي يكون التوبة من الندامة. وذلك لأن عدوله إلى حيث يملك الأمر فيه كعدوله في أنه ترك للبغي، دلالة للندامة، وإنما يجب أن يحارب معه لو طلب ذلك منه، فأما إذا لم يتشدد عليه فليس ذلك بواجب حتى يقدح تركه في التوبة) وحكي عن أبي علي:
(إن الخبر المروي عن علي عليه السلام في بشارة طلحة والزبير بالجنة يدل على توبتهما، لأنه لا يجوز أن يريد أنهما من أهل الجنة في الحال لأن من يستحق الجنة لا يقال له إنه في الجنة وكذلك إذا كان مصيره إلى النار لأن الخبر يكون كذبا فوجب أن يكون في وقت الخبر في الدنيا في آخر الأمر في النار ولا يحصل وقت يكون فيه في الجنة فلا بد إذا من أن نحمل البشارة على العاقبة فلو لم يتوبا لم يصح ذلك).
وحكي عنه: (إن الخبر مما لا خلاف فيه بين أهل الروايات ولا فرق بين من أنكر ذلك فيهما، وبين من أنكره في أبي بكر وعمر وفي ذلك إبطال خبر البشارة وروي أيضا: أن الزبير حيث ولى تبعه عمار بن ياسر حتى لحقه فعرض عمار وجه فرس الزبير بالرمح، ثم قال: أين أبا عبد الله، فوالله ما أنت بجبان، ولكني أراك شككت؟ فقال: هو ذاك أيها الرجل فقال له عمار يغفر الله لك، وروى وهب بن جرير قال: قال رجل من أهل البصرة لطلحة والزبير: إن لكما فضلا وصحبة فأخبراني عن مسيركما هذا وقتالكما، أشئ هو أمركما به رسول الله؟ أم رأي رأيتماه فأما طلحة فسكت، وجعل ينكث في الأرض وأما الزبير فقال: ويحك حدثنا أن ها هنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ لأنفسنا منها) (41) يقال له: قد نبهنا عند الكلام عليك فيما ادعيته من توبة الزبير أخبارا أكثرها يعارض لما ترويه في توبة طلحة والزبير جميعا نحو ما رويناه من كتاب أمير المؤمنين عليه السلام بالفتح إلى أهل المدينة والكوفة وذكرهما وذكر كل من حضر الحرب وقتل فيهما بأنهم قتلوا على النكث والبغي، وأنه ترحم على قتلاه ووصفهم بالبشارة، ولم يترحم في الكتاب على طلحة والزبير ولا وصفهما بالشهادة ونحو قوله عليه السلام: (لقد علمت صاحبة الهودج أنهم ملعونون على لسان النبي الأمي) ومن تأمل ما ذكرناه من الأخبار بأن له ما يشترك الرجلان فيه منهما، وما ينفرد أحدهما به.
فأما الكلام في توبة طلحة فهو على المخالف أضيق وأحرج من الكلام في توبة الزبير، لأن طلحة قتل بين الصفين، وهو مباشر للحرب مجتهد فيها، ولم يرجع عنها حتى أصابه السهم، فأتى على نفسه وادعاء توبة مثل هذا مكابرة.
فأما قوله: (إنه لما أصابه السهم انشد البيت الذي ذكره وأنه يدل على توبته) فبعيد من الصواب، بل البيت المروي بأنه يدل على خلاف التوبة أولى لأنه جعل ندمه مثل ندامة الكسعي وخبر الكسعي معروف (42) لأنه ندم حيث لا ينفعه الندامة، وحيث فات الأمر وخرج عن يده، ولو كان ندم طلحة واقعا على وجه التوبة الصحيحة لم يكن مثل ندامة الكسعي، بل كان شبيها لندامة من تلافى ما فرط على وجه ينتفع به.
فأما قوله: (ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي) فهو أيضا دليل على ضد التوبة النافعة لأنه لو كان واثقا بأن ندمه قد وقع موقعه لم يقل هذا القول، ويجوز أن يريد بأن مصرعه ضائع أنه قتل دون بلوغ أمله، ولم يظفر بمراده، وخاب مما كان يأمله، وقوله: " اللهم خذ لعثمان حتى يرضى دليل على الإصرار أيضا فإن فسقه إنما كان بأن طلب بدم عثمان، وليس له ذلك وطالب به من لا صنع له فيه فإذا كان يقول وهو يجود (43) بنفسه اللهم خذ لعثمان حتى يرضى فكأنه مصر على ما ذكرناه، فإن قال: إنما أراد بهذا القول إنني كنت من المجلبين عليه والمؤازرين على قتله، وما لحقني كالعقوبة على ذلك، قيل له: الذي ذكرناه أولى بأن يكون مراده، وهب أن القول محتمل الأمرين من أين لك أنه أراد ما ظننته وبعد فلو حملناه على ما اقترحت ولم يكن فيه حجة لأنه لا يجوز أن يكون نادما على ما صنعه لعثمان وإن لم يكن نادما على غيره وهما فعلان منفصلان.
ثم يقال له: أليس ما ظهر من طلحة مما ادعيت أنه ندم إنما كان بعد وقوع السهم به، وفي الحال التي كان يجود بنفسه فيها فإذا قال:
نعم، لأن الرواية هكذا وردت، قيل له: من أين لك أن ذلك كان في حال تقبل في مثلها التوبة، ألا جوزت وقوعه في حال الإياس من الحياة؟ فإن رام أن يذكر شيئا يقطع على أنه في ذلك الحال كان مكلفا (44) متردد الدواعي لم يجده.
فأما ما رواه من ترحم أمير المؤمنين عليه السلام وقوله: " إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير إخوانا على سرر متقابلين " خبر ضعيف لا يوجب العلم ويعارضه ما قدمناه من الأخبار التي تدل على الاصرار ونفي التوبة مما هو أظهر في الرواية وأشهر وأولى من غيره من حيث كانت تلك الأخبار قد تلقتها الفرق المختلفة بالقبول، وأخباره يرويها قوم وينكرها آخرون، ويعارض هذين الخبرين، مضافا إلى ما تقدم ما رواه حسن الأشقر عن أبي يعقوب يوسف البزاز عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: " مر علي أمير المؤمنين عليه السلام بطلحة وهو صريع فقال: أقعدوه، فأقعدوه، فقال: لقد كانت لك سابقة ولكن دخل الشيطان منخريك فأدخلك النار " وروى معاوية بن هشام عن صاحب المزني عن الحارث بن حضيرة عن إبراهيم مولى قريش أن عليا عليه السلام مر بطلحة قتيلا يوم الجمل فقال لرجلين اجلسا طلحة، فأجلساه فقال: يا طلحة هل وجدت ما وعد ربك حقا " ثم قال: " خليا عن طلحة " ثم مر بكعب بن سرر قتيلا فقال: اجلسا كعبا فأجلساه فقال:
" يا كعب هل وجدت ما وعد ربك حقا " ثم قال: " خليا عن كعب ".
فقال بعض من كان معه وهل يعلمان شيئا مما تقول أو يسمعانه؟ فقال:
" نعم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهما ليسمعان ما أقول كما سمع أهل القليب ما قال لهم رسول الله " وكيف يترحم على طلحة بلسانه من لم يترحم عليه في كتابه، مع ترحمه على المستشهدين في الحرب؟ وكيف يكون ذلك وهو يذكره مع الزبير بأسوأ الذكر في كتبه التي سارت بها الركبان؟
فأما قوله: (إن الزبير لما رأى عمارا رحمه الله قال: وا انقطاع ظهراه، وذكر قول النبي صلى الله عليه وآله " ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " وإنه عند ذلك لحق بأمير المؤمنين عليه السلام ثم انصرف) فأول ما فيه أنه قد غلط بقوله فلحق بأمير المؤمنين عليه السلام ثم انصرف لأن أحدا لم يرو أن الزبير صار إلى أمير المؤمنين قبل منصرفه فلا يقدر أن يورد في ذلك خبرا واحدا وهذا الخبر مخالف لما رواه صاحب الكتاب وغيره من أن سبب انصرافه كان مواقفة أمير المؤمنين عليه السلام له وتذكيره بكلام النبي صلى الله عليه وآله وبما رويناه من أنه أقام بين الصفين وقاتل وكفر عن يمينه، فهذا الخبر معارض لكل هذه الأخبار، وقد بينا أن نفس الرجوع لا يكون توبة، ودللنا عليه وبينا أيضا أنه لو كان لم يكن توبة إلا عما رجع عنه من القتال دون غيره، وذكرنا أن الفسق لم يكن بالقتال وحده.
فأما قوله: (إن عدول الزبير إلى حيث يملك الأمر كعدوله إليه في أنه ترك للبغي) فليس يخلو من أن يريد حيث يملك الزبير فيه أو حيث يملك أمير المؤمنين عليه السلام فإن أراد الأول فأي دلالة فيه على الندم والتوبة، وترك البغي إنما عدل عن موضع إلى موضع، وهما يتساويان في هذا الحكم، لأنه قد كان يملك أمره في الموضع الذي عدل عنه، وإن أراد الثاني وهو الأشبه فمن أين له أن عدوله كان إلى موضع بهذه الصفة، وإنما قتل متوجها سائرا غير مستقر، ولعله كان قاصدا إلى معاوية وحيزه، وهو حيث لا يملك أمير المؤمنين عليه السلام الأمر فيه، وقد جرت العادة بأن من أراد الاعتذار من حرب غيره، وخلافه وشقاقه، وندم على ذلك أنه يصير إليه، ويصرح بالاعتذار، ويبذل جهده في التنصل وغسل درن (45) ما كان يستعمله وأنه إذا فعل ذلك وبالغ فيه غلب في الظن توبته، وسقطت لائمته، وكيف خرج الزبير في توبته هذه المدعاة عن عادات جميع العقلاء.
فأما قوله: (إنه إنما يجب أن يحارب معه لو طلب ذلك معه وتشدد عليه) فقد بينا أن نصرة الإمام وجبة من حيث كان إماما وأن لم يطلب هو النصرة. وذكرنا أن الحال التي كان دفع إليها مستدعية للنصرة من كل مسلم لتضايقها وشدتها أو ما كفى الزبير في طلبه عليه السلام النصرة كتبه النافذة إلى الآفاق يستنصر فيها ويستصرخ ويدعو الناس إلى القتال معه.
فأما ما تعلق به من خبر البشارة بالجنة، فقد بينا فيما تقدم الكلام على بطلان هذا الخبر لما احتج به صاحب الكتاب في جملة فضائل أبي بكر، وقلنا أنه لا يجوز أن يعلم الله تعالى مكلفا ليس بمعصوم من الذنوب بأن عاقبته الجنة، لأن ذلك مغر بالقبيح. وليس يمكن أحد أن يدعي عصمة التسعة (46) ولو لم يكن إلا ما وقع من طلحة والزبير من الكبير تكفي، وليس لأحد أن يقول: " ما أنكرتم أن يكون الله تعالى قد علم أن من واقع القبيح من هؤلاء المبشرين بالجنة، يواقعه على كل حال بشر أو لم يبشروا وأنه لا يفعل بعد البشارة قبيحا. ما كان يفعله، لولاها فتخرج البشارة من أن تكون إغراء وذلك أن الأمر متى فرضناه على هذا الوجه، فليس يخرج البشارة من أن تكون مغيرة لداعي القبيح. ومعلوم ضرورة أن من علم وتحقق أن عاقبته الجنة، وأن كل قبيح وقع منه لا بد أن يتوب منه لا يكون إقدامه على القبيح وخوفه من إقدام من يجوز أن يخترم (47) قبل التوبة وتقوية داعي القبيح إغراء به، وذلك أقبح لا محالة.
وإن لم يرد لهذا المبشر فعلا قبيحا وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذا الخبر لو كان صحيحا لاحتج به أبو بكر لنفسه واحتج له به في السقيفة وغيرها وكذلك عمر وعثمان، فهو أقوى من كل شئ احتجوا به في مواطن كثيرة لو كان صحيحا.
ومما يبين أيضا بطلانه إمساك طلحة والزبير عن الاحتجاج به لما دعوا الناس إلى نصرتهما واستنفارهم إلى الحرب معهما، وأي فضيلة أعظم وأفخم من الشهادة لهما بالجنة؟ وكيف يعدلان مع العلم والحاجة عن ذكر إلا لأنه باطل، ويمكن أن يسلم مسلم هذا الخبر ويحمل على الاستحقاق في الحال لا العاقبة، فكأنه عليه السلام أراد أنهم يدخلون الجنة إن وافوا بما هم عليه الآن وتكون فائدة الخبر إعلامنا أنهم مستحقون للثواب في الحال، وقول صاحب الكتاب:
(إن من يستحق الجنة لا يقال له: إنه في الجنة) ليس بصحيح لأن الظاهر في الاستعمال أن الكافر في النار، والمؤمن في الجنة، والقاتل في جهنم، وليس له أن يقول: إن ذلك مجاز لأنه الأغلب الأكثر في الاستعمال وليس يمتنع أن يكون في الأصل مجازا ثم ينتقل إلى الحقيقة بكثرة الاستعمال لنظائره.
فأما ادعاؤه (إن الخبر لا خلاف فيه بين الرواة) فمكابرة لأنا كلنا نخالف فيه، ومعلوم أنا من أهل الرواية، فأما جمعه بين من أنكر ذلك فيهما وبين من أنكره في أبي بكر وعمر، فالأمر على ما ذكره، وقد بينا أنا منكرون للخبر من أصله.
فأما الخبر الذي رواه من معارضة عمار للزبير، وقوله: (أراك شككت) فقد ذكرناه فيما تقدم إلا أنه زاد فيه قول عمار: (يغفر الله لك) فلم نجد الزيادة في المواضع التي تضمنت هذا الخبر من كتب أهل السيرة، وكيف يستغفر عمار لشاك غير موقن ولا متحقق.
ومن أعجب الأمور استدلاله بالخبر الذي رواه بعد هذا وختم به، وأي دليل في عي طلحة عن جواب المسائل له عن مسيره وقتاله على توبته وندامته؟ وأي دليل في قول الزبير: بلغنا أن هاهنا دراهم فجئنا لنأخذها، وذلك دليل إصراره لأن قصده إلى أخذ ما ليس له فسق كبير، ولا سيما إذا كان على سبيل البغي على الإمام، والخروج عن طاعته.
ومما تعلق المخالفون به في توبة الزبير وإن لم يذكره صاحب الكتاب.
ولعله إنما عدل عنه استضعافا له إلا أنه مشهور، وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله لما جاء ابن جرموز (48) برأس الزبير: " بشر قاتل ابن صفية بالنار " وأنه لو لم يكن تائبا لما استحق النار بقتله.
والجواب عن ذلك أن ابن جرموز غدر بالزبير بعد أن أعطاه الأمان، وكان قتله على وجه الغيلة والمكر، وهذه منه معصية، لا شبهة فيها، وقد تظاهر الخبر بما ذكرناه، حتى روي أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل (49) وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر فخلف عليها عمر ثم الزبير قالت في ذلك.
غدر ابن جرموز بفارس بهمة    يوم اللقاء وكان غير معرد (50)
يا عمرو لو نبهته لوجدته    لا طائشا رعش الجنان ولا اليد (51)
وإنما استحق ابن جرموز النار بقتله إياه غدرا لا أن المقتول في الجنة.
وهذا الجواب يتضمن قولهم: إن بشارته بالنار مع الإضافة إلى قتل الزبير يدل على أنه إنما استحق النار بقتله، لأنا قد بينا في الجواب أنه من حيث قتله غدرا استحق النار.
وقد قيل في هذا الخبر أن ابن جرموز كان من جملة الخوارج الخارجين على أمير المؤمنين عليه السلام في النهروان وأن النبي صلى الله عليه وآله قد خبره بحالهم. ودله على جماعة منهم بأعيانهم وأوصافهم، فلما جاءهم برأس الزبير أشفق أمير المؤمنين عليه السلام من أن يظن به لعظم ما فعله الخير، ويقطع على سلامة العاقبة، ويكون قتله الزبير شبهة فيما يصير إليه من الخارجية فقطع عليه بالنار، لتزول الشبهة في أمره ليعلم أن هذا الفعل الذي فعله لا يساوي شيئا مما يرتكبه في المستقبل، وجرى ذلك مجرى شهادة النبي صلى الله عليه وآله على رجل من الأنصار يقال له قزمان (52) أبلى في يوم أحد بلاء شديدا وقتل بيده جماعة - بالنار فعجب من ذلك السامعون حتى كشفوا عن حاله، فوجدوه أنه لما احتمل جريحا إلى منزله، ووجد ألم الجراح قتل نفسه بمشقص فإنما شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنار عقيب بلائه للوجه الذي ذكرناه، والذي يدل على أن بشارته بالنار لم تكن لكون الزبير تائبا مقلعا، بل لبعض ما ذكرناه هو أنه لو كان كما ادعوه لأقاده أمير المؤمنين عليه السلام به، ولماطل دمه (52) وفي عدوله عن ذلك دلالة على ما ذكرناه.
قال صاحب الكتاب: (فأما توبة عائشة فمشهورة لأن عمرها امتد بعد الصنيع الذي كان منها، وتواتر عنها ما كانت تذكره من الندامة حالا بعد حال، فروي عن عمار أنه أتاها فقال: سبحان الله ما أبعد هذا من الأمر الذي عهد إليك، أمرك الله إلا أن تقري في بيتك، فقالت: من هذا أبو اليقظان؟ قال: نعم قالت: أما والله ما علمت إلا أنك لقوال بالحق، فقال الحمد لله الذي قضي لي على لسانك (53) والمشهور عن عمار أنه خطب بالكوفة عند الاستنفار فذكر عائشة. فقال أما إنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لشقوة (54) وإياها وذكر عن ابن عباس أنه قال لعائشة ألست إنما سميت أم المؤمنين بنا، قالت بلى أولسنا أولياء زوجك قالت بلى، قال: فلم خرجت بغير إذننا؟ فقالت أيها الرجل كان قضاء وأمر خديعة ويروي عنها عبد الله بن عبيد الله بن عمير أنها قالت:
والله لوددت أني كنت غصنا رطبا وأني لم التبس في هذا الأمر، تعني يوم الجمل وروي أن سائلا سأل أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن عائشة ومسيرها في تلك الحرب فاستغفر لها فقال له: أتستغفر لها وتتولاها فقال نعم أما علمت ما كانت تقول يا ليتني كنت شجرة يا ليتني كنت مدرة. وذلك توبة وروى أبو الحسن عن الحسن (55) أنه قال قالت عائشة لأن أكون جلست (56) من مسيري الذي سرت أحب إلي من أن يكون لي عشرة أولاد من رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم مثل ولد الحارث ابن هشام. وثكلتم وروي عن حذيفة أنه قال: (إني لأعلم قائد فتنة في الجنة، وأتباعه في النار) (57) وروي أن عائشة أرسلت إلى أبي بكرة (58) رجلا من بني جمح. فقالت: ما يمنعك من إتياني أعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أحدثت بدعة. فأرسل إليها لا هذا ولا هذا ولكن تذكرين يوما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك فبشر بظفر أصحابه (59) فخر ساجدا، ثم قال الرسول (حدثني) فقال كان الذي يلي أمرهم امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: (هلكت الرجال حيث أطاعت النساء) قالها ثلاثا فلما رجع الرسول إلى عائشة بكت حتى بلت خمارها. وكل ذلك يبين ما وصفناه من توبتها وقد كانت وجدت في قلبها، ما كان من أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم الإفك عند استشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يحكي عنها بعد ذلك، لا يدل على خلاف التوبة، وإنما كانت تائبة لهذا الوجه. ولم يكن الذي تأتيه مما يقدح في إعظامها لأمير المؤمنين عليه السلام، لأن الواحد قد يعظم الواحد في الدين ومع ذلك (60) يجد في قلبه الألم والغم من بعض أفعاله) (61) يقال له: ما بيناه من الطرق الثلاث من قبل في الكلام على توبة طلحة والزبير وما يدعونه منها هي المعتمدة فيما يدعونه من توبة عائشة فأول الطرق أن جميع ما رويته من الأخبار وليس يمكنك ولا أحد أن يدعي أنه معلوم ولا مقطوع على صحته، وأحسن أحواله أن يوجب ذلك استقصاء لا يحتاج إلى إعادته.
فأما ما يعارض الأخبار ليس يمكنك ولا أحد أن يدعي أنه معلوم ولا مقطوع على صحته، وأحسن أحواله أن يوجب ذلك استقصاء لا يحتاج إلى إعادته.
فأما ما يعرض الأخبار التي رواها فإن الواقدي، روى بإسناده عن شعبة عن ابن عباس قال: أرسلني علي عليه السلام إلى عائشة بعد الهزيمة، وهي في دار الخزاعيين يأمرها أن ترجع إلى بلادها، قال:
فجئتها، فوقفت على بابها ساعة لا يؤذن لي، ثم أذنت فدخلت ولم توضع لي وسادة، ولا شئ أجلس عليه، فالتفتت فإذا وسادة في ناحية البيت على متاع فتناولتها وضعتها، ثم جلست عليها، فقالت عائشة: يا ابن عباس أخطأت السنة تجلس على متاعنا بغير إذننا، فقلت لها ليست بوسادتك تركت متاعك في بيتك الذي لم يجعل الله لك بيتا غيره فقالت والله ما أحب أن أصبحت في منزل غيره، قلت أما حين اخترت لنفسك فقد كان الذي رأيت، فقالت: أيها الرجل أنت رسول فهلم ما قيل لك قال: فقلت: إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترحلي إلى منزلك وبلدك فقالت: ذاك أمير المؤمنين عمر (62) قال ابن عباس فقلت: أمير المؤمنين عمر والله يرحمه، وهذا والله أمير المؤمنين فقالت: أبيت ذلك. فقلت:
أما والله ما كان إلا فواق عنز (63) حتى ما تأمرين ولا تنهين كما قال الشاعر الأسدي:
ما زال أعداء القصائد بيننا    شتم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن أمرك فيهم    في كل مجمعة طنين ذباب (64)
قال ابن عباس فوالله يعلم لبكت حتى سمعت نشيجها، فقالت:
أفعل ما بلد أبغض إلي من بلد لصاحبك مملكة بعد، وبلد قتل فيه أبو محمد وأبو سليمان، تعني طلحة بن عبيد الله وابنه. فقلت: أنت والله قتلتهما قالت: وأجلهما إلي قلت: لا ولكنك لما شجعوك على الخروج خرجت، فلو أقمت ما خرجا، قال: فبكت مرة أخرى أشد من بكائها الأول، ثم قالت: والله لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن، نخرج لعمري من بلدك، فأبغض بها والله بلد إلي وبمن فيها، فقلت: الله ما هذا جزاؤنا بأيدينا (65) عندك ولا عند أبيك، لقد جعلنا أباك صديقا، وجعلناك للناس أما، فقالت: أتمنون علي برسول الله؟ قلت إي والله لأمتنن به عليك، والله لو كان لك لمننت به، قال ابن عباس: فقمت وتركتها فجئت عليا عليه السلام فأخبرته خبرها وما قلت لها فقال عليه السلام: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (66).
فإن قيل: في الخبر دليل على توبتها، وهو قولها عقيب بكائها: لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن.
قلنا: قد كشف الأمر ما عقبت هذا الكلام به، من اعترافها ببغض أمير المؤمنين عليه السلام وبغض أصحابه المؤمنين، وقد أوجب الله عليها محبتهم وتعظيمهم. وهذا دليل على الاصرار وأن بكائها إنما كان للخيبة لا للتوبة، وما في قولها: لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن، من دليل للتوبة، وقد يقول المصر مثل ذلك إذا كان عارفا بخطئه فيما ارتكبه وليس كل من ارتكب ذنبا يعتقد أنه حسن حتى لا يكون خائفا من العقاب عليه، وأكثر مرتكبي الذنوب يخاف المصاب مع الاصرار ويظهر منهم مثل ما يحكى عن عائشة ولا يكون توبة.
وروى الواقدي بإسناده أن عمارا استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح فأذنت له فدخل فقال: يا أمة كيف رأيت صنع الله حين جمع الحق والباطل، ألم يظهر الحق على الباطل، وزهق الباطل؟ فقالت: إن الحرب دول وسجال (67) وقد اديل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن انظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك.
وروى الواقدي أنها لما دخل عليها عمار أيضا فقال: كيف رأيت ضرب بنيك على الحق وعلى دينهم فقالت: استبصرت من أجل إنك غلبت فقال: أنا أشد استبصارا من ذلك والله لو غلبتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل فقالت عايشة:
هكذا تخيل إليك إتق الله يا عمار إن سنك قد كبرت ودق عظمك ودنى أجلك إذ وهبت دينك لابن أبي طالب قال: أي والله اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيت عليا عليه السلام أقرأهم لكتاب الله، وأعلمهم بتأويله، وأشدهم تعظيما لحق الله وحرمته، مع قرابته وعظم بلائه وعنائه في الاسلام قال فسكتت.
وروى الطبري في تاريخه إنما لما انتهى قتل أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائشة قالت:
فألقت عصاها واستقر بها النوى    كما قر عينا بالإياب المسافر
فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد لعنه الله فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه    تباع ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت سلمة ابن أبي سلمة (68): العلي تقولين هذا؟ فقالت إني انسي فإذا نسيت فذكروني (69).
وهذه سخرية منها بزينب وتمويه عليها تخوفا من شناعتها، ومعلوم ضرورة أن الناسي الساهي لا يتمثل بالشعر في الأغراض التي تطابق مراده، ولم يكن ذلك منها إلا عن قصد ومعرفة.
وروي أيضا عن ابن عباس أنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام لما أبت عايشة الرجوع إلى المدينة: أرى أن تدعها يا أمير المؤمنين بالبصرة ولا ترحلها فقال صلوات الله عليه له: إنها لا تألو شرا ولكني أردها إلى بيتها الذي تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، فإن الله بالغ أمره.
وروى محمد بن إسحاق أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة، لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين عليه السلام وكتبت إلى معاوية وإلى أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري (70) لتحرضهم عليه، وروي عن مسروق أنه قال: دخلت على عائشة فجلست إليها فحدثني واستدعت غلاما لها أسود يقال له: عبد الرحمن حتى وقف، فقالت: يا مسروق أتدري لم سميته عبد الرحمن فقلت: لا فقالت: حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم.
فأما قصتها لدفن الحسن عليه السلام (71) ومنعها من مجاورته عليه السلام لجده وخروجها على بغلة تأمر الناس بالقتال، وتقول: لا تدخلوا بيتي من لا أهوى، فمشهورة حتى قال لها عبد الله بن عباس رضي الله عنه: يوما على بغل ويوما على جمل فقالت: ما نسيتم يوم الجمل يا ابن عباس إنكم ذوو حقد، ولو ذهبنا إلى ذكر ما روي عن هذه المرأة من الكلام الغليظ الشديد الدال على بقاء العداوة واستمرار الحقد والعصبية، لأطلنا وأكثرنا، فأي دليل أدل على أنها معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام عداوة قديمة لا سبب لها من تهمته بقتل عثمان وغيره مع (72) أنها كانت تؤلب على عثمان، فتأمر صريحا بقتله، ولم يكن عليه السلام إلا بريئا، ولم يكن على عثمان أشد منها ولا أغلظ، فلما قتل كما أرادت أظهرت السرور والابتهاج، ظنا منها أن الأمر يعدل به إلى طلحة أو غيره، وأن أمير المؤمنين عليه السلام لا يحظى بطائل، فلما عرفت الأمر على حقيقته رجعت على أدراجها تزكي عثمان وتبكيه وتندبه، فما الذي بان لها من أمره بعد الأقوال المسموعة منها فيه! وهل هذا إلا شح منها على أمير المؤمنين عليه السلام بالأمر؟
وروى البلاذري عن عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن أبي مخنف، قال: حدثني أبو يوسف الأنصاري أنه سمع أهل الكوفة يحدثون أن الناس لما بايعوا عليا عليه السلام بالمدينة بلغ عائشة أن الناس قد بايعوا طلحة فقالت: إيه ذا الإصبع (73) لله أنت لقد وجدوك لها مجلسا وأقبلت جذلة مسرورة، حتى انتهت إلى سرف (74) استقبلها عبيد بن سلمة الذي يدعى ابن أم كلاب (75) فسألته عن الخبر، فقال: قتل الناس عثمان، قالت: نعم ما صنعوا قال: خيرا جازت بهم الأمور إلى خير مجاز بايعوا ابن عم نبيها عليه السلام فقالت: أو فعلوها، وددت بأن هذه انطبقت على هذه، إن تمت الأمور لصاحبك الذي ذكرت، فقال لها: ولم والله ما أرى اليوم في الأرض مثله، فلم تكرهين سلطانه؟ فلم ترجع إليه جوابا، وانصرفت إلى مكة فاتت الحجر فاستبرزت (76) فقالت: إنا عبنا على عثمان في أمور سميناها له، ووقفناه عليها، وتاب منها واستغفر الله، فقبل المسلمون منه ذلك. ولم يجدوا من ذلك بدا فوثب عليه من إصبع من أصابع عثمان خير منه فقتله، فقتل والله وقد ماصوه كما يماص الثوب الرحيض (77) وصفوه كما يصفى القليب، ومن تأمل ما روي عنها في هذا المعنى وهو كثير حق تأمله وانقلابها في عثمان مادحة بعد أن كانت في الحال ذامة لا لشئ سوى حصول الأمر لمن يستحقه علم من أمرها ما لا يخرجه من قلبه تأويل، ولا يدفعه تذليق (78) وفي بعض ما ذكرناه من الأخبار كفاية، في معارضته أخباره لو لم يكن فيها تأويل ولا احتمال ونحن نتكلم الآن على ما تعلق به صاحب الكتاب في توبتها من الأخبار.
أما الأخبار فالخبر الذي تضمن موافقة عمار لها إنك لقوال بالحق، فأبعد شئ من حجة في التوبة أو شبهه، وما روي من اعترافها بصدق عمار بأنها مأمورة بأن تقر في بيتها من الدلالة على التوبة والندم، وهل كانت من جحد ذلك متمكنة، وأي منافاة بين الاعتراف بذلك. وبين الاصرار.
فأما ما حكاه بعد عن عمار من أنها زوجته في الدنيا والآخرة فظاهر البطلان. لأن أقوال عمار المشهورة بخلاف ذلك، وبعد فإن عمارا إنما قال ذلك بالكوفة عند الاستنفار وقبل الحرب، ويجوز أن يكون ظانا أن الأمر لا يفضي إلى ما أفضى إليه فقال: إنها زوجته في الدنيا والآخرة على ما ظنه في الحال ولم يسند خبره إلى النبي صلى الله عليه وآله فيقطع به وليس كل ما ظنه كان يكون صحيحا وكيف يقول عمار ومذهبه معروف في تنزيه الله عن القبيح: إن الله ابتلاكم بها، وكيف يبتلي الله بالمعاصي وبما قد نهى عنه وحذر منه.
وأما الخبر الثاني وقولها مجيبة لابن عباس أيها الرجل كان قضاء وأمر خديعة فأول ما فيه أن يحيل على الله بذنبه، ويدعي أنه هو الذي قضاه عليه لا يقبل توبته عند جماعتنا، وليس له أن يحمل القضاء ها هنا على العلم دون الخلق والحكم، ليخرجها من أن تكون غالطة، وذلك أن المعلوم إنها كانت معتذرة بكلامها، ولا عذر لها في أن يعلم الله منها القبيح، وإنما العذر في القضاء المخالف العلم ألا ترى أنها ضمت إلى ذلك ذكر الخديعة لتلقي اللوم على غيرها، ولا مطابقة بين الخديعة والقضاء الذي هو العلم، فكيف تكون مخدوعة وقد ظهر منها بعد التمكن منها، وزوال كل شبهة عنها، من الكلام الغليظ في أمير المؤمنين عليه السلام وفي متبعيه ما يدل على استبصارها في عداوته، وإصرارها على مشاقته.
فأما قولها: وددت أني كنت غصنا رطبا، وفي بعض الأخبار:
شجرة أو مدرة، فإنه لا يدل على التوبة، وإنما يدل على التلهف والتحسر، ويجوز أن يكون من حيث خابت عن طلبتها، ولم تظفر ببغيتها، مع الذل الذي لحقها وألحقها العار في الدنيا، والإثم في الآخرة. فمن أين أن ذلك ندم على الفعل القبيح من الوجه الذي يسقط الذم؟ وليس فيه أكثر من لفظ التمني الذي يستعمله المستبصر المحقق وتارة يكون ندما وتوبة، إذا كان خوفا من ضرر الآخرة، وندما على القبيح لقبحه، وتارة يكون على الاستضرار في الدنيا لفوت غرض أو خيبة أو بعض ما ذكرناه، وهذا هو الجواب عن تعلقهم ببكائها وتمنيها الموت، وقولها لأن لا أكون شهدت هذا اليوم أحب إلي من أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أولاد كعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (79) على إنه قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم أنه قال: (وددت أنني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة) فلو كان تمنى الموت دليل التوبة لوجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مقلعا به عن قبيح، وقد خبر الله تعالى عن مريم عليها السلام أنها قالت: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) (80) ومعلوم أن ذلك لم يكن منها على سبيل التوبة من قبيح، وأنها خافت الضرر العاجل بالتهمة.
فأما أمير المؤمنين عليه السلام فمعنى كلامه إن صحت الرواية أنه كان صلوات الله وسلامه عليه محزونا بقتل شيعته وأصحابه، وفقد أنصاره والمخلصين في ولايته، وبوقوع الفتنة في الجمهور، ودخول الشبهة على كثير من أهل الاسلام، حتى أداهم إلى الاختلاف والتحارب الذي يشمت الأعداء، ويسوء الأولياء، وكيف تكون عائشة تائبة نادمة، ولم ينقل عنها مع امتداد الزمان بها شئ من ألفاظ التوبة المختصة بها، ولا صرحت في وقت من الأوقات بأني نادمة على ما كان مني من حرب الإمام العادل، وخلع طاعته وقتل شيعته، ورميه بدم عثمان وهو برئ منه، وعالمة بقبح جميع ذلك، وعازمة على ترك معاودة أمثاله، أو معنى هذه الألفاظ، وكيف عدلت عن هذا كله إلى تمني الموت وقولها: يا ليتني كنت شجرة أو مدرة، وما فيه شئ يختص التوبة من لفظ ولا معنى، وهو محتمل على ما ذكرناه.
فأما ما رواه عن أبي جعفر عليه السلام من الاستغفار لها من بعيد الرواية عن الحق، وبإزاء هذا الخبر ما لا يحصى كثرة عن أبي جعفر وآبائه وأبنائه عليهم السلام مما يتضمن خلاف الاستغفار، ويقتضي غاية الاصرار مما لم تذكره استغناء عن ذكره لشهرته في أماكنه. على أنه لا حجة له في ذلك على مذاهبنا لأنا نجيز عليه التقية، ويجوز أن يكون ذلك السائل من أهل العداوة فاتقاه بهذا القول وورى فيه تورية تخرجه من أن يكون كذبا. وبعد فإن علق توبتها بتمنيها أن تكون شجرة أو مدرة، وقد بينا أن ذلك لا يكون توبة وهو عليه السلام بهذا أعلم منا.
فأما ما رواه عن حذيفة فهو خبر عن مذهبه واعتقاده وليسا على من خالفه رحمه الله بحجة (81).
فأما ما عقب به ذلك من خبرها مع أبي بكرة وبكائها حتى بلت خمارها. فقد بينا أن البكاء دليل التحسر والتلهف، وأنه يحتمل غير التوبة كاحتماله لها.
فأما قوله: (إنها كانت وجدت في قلبها من مشورة أمير المؤمنين عليه السلام في بابها بما أشار به في قصة الإفك، فإن الذي يحكى عنها بعد ذلك لا يدل على خلاف التوبة) إلى آخر الفصل، فإنما هو إرهاص وتأسيس وتأويل ما روي عنها من الأخبار الدالة على إصرارها ومقتها وعداوتها وصرفها إلى غير وجهها، لأن صاحب الكتاب أحس بما أورده أصحابنا عليه من معارضة أخباره. فقدم هذه الرواية، والمقدمة لأجل ذلك، وليس يبلغ ألم ما ذكره من المشورة ونقل عليها إلى أن تمتنع من تسميته بأمير المؤمنين وتصرح بأنها تبغض البلد الذي يحله لأجله، وتظهر السرور بقتله وقد حز ذلك في - ب؟؟ (82) الاسلام وأهله وتضعضعت له أركانه ودعائمه. ومن تأمل ما روي عنها في هذا الباب علم أنه أكثر مما يقتضيه ثقل القلب والوجد اللذان لا ينتهيان إلى العداوة والشحناء، ولم يجر من أمير المؤمنين عليه السلام في قصة الإفك ما يقتضي وجدا لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشاره فأشار بم يقتضيه ظاهر الحال من مسألة بريرة (83) عن الأمر فسألها الرسول صلى الله عليه وآله فقالت: ما علمت إلا خيرا. فلو كان أمير المؤمنين عليه السلام أشار بخلاف الصواب، وبما فيه تحامل عليها لما فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليس في المشورة التي ذكرها ما يقتضي حقدا ولا غضبا.
قال صاحب الكتاب: (أما سعد بن أبي وقاص. فقد بينا أنه رضي بيعته عليه السلام، وإنما ترك القتال معه. ولم يضيق أمير المؤمنين عليه السلام عليه فلا إثم عليه، وإن (كان ضيق عليه وعلى أمثاله في المحاربة معهم فهم آثمون، ولا ندري ما يبلغ هذا الإثم (84) لأنهم الذين يعظم قعودهم والحاجة إليهم ماسة).
قال: (وقد روي مع ذلك ما يدل على الندامة مما لا يحصى في الوقت ذكره وروى [ جندب ابن أبي ثابت (85) ] عن ابن عمر أنه كان يقول ما ندمت على شئ كندامتي ألا أكون قاتلت الفئة الباغية وروى خبر آخر يجري هذا المجري عن الزهري أن معاوية قال: من أحق بهذا الأمر مني قال ابن عمر فهممت أن أقول من ضربك وأباك (86)) قال:
(والكلام في محمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد كالكلام فيمن تقدم، وإنما وجب التشدد في ذكر توبة طلحة والزبير وعائشة لأن العلم محيط بعظم خطبهم (87) فكان لا بد من ذكر ما يزول به الذم، فأما غيرهم ممن ذكرناه فلا وجه يقطع به على أن الذي فعلوه كبيرة (88).
وذكر: (إن سعد بن أبي وقاص من العشرة وخبر البشارة يدل على توبته).
وحكي عن ابن علي (إن أبا موسى الأشعري تاب بعد ما عمله في التحكيم) وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال له: وقد دخل إلى الحسن عليه السلام يعوده من علة: " أشامت يا أبا موسى أم عائد؟
قال: بل عائد، قال: " أما إنه لا يمنعني ما في نفسي عليك أن أقول لك ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (من عاد مريضا كان في رحمة الله ماشيا حتى إذا قعد غمرته التوبة " فإن صح ذلك وما شاكله من الأخبار. فقد أزال عن نفسه ما يستحقه وإلا فالذم والعقاب لا زمان له على الأمر العظيم الذي ارتكبه (89)).
يقال له: أما سعد بن أبي وقاص وابن عمرو من يجري مجراهما ما في التخلف عن بيعته أمير المؤمنين عليه السلام فلم يفسقوا عندنا على الحقيقة بما كان منهم من القعود عن بيعته عليه السلام في تلك الحال وإنما كانوا فساقا بما تقدم من جحودهم النص، وشكهم في إمامته بعد الرسول صلى الله عليه وآله بلا فصل، وقد بينا فيما تقدم أن إمامة أمير المؤمنين لا طريق إليها إلا بالنص، وأن من دفع النص لا يمكنه أن يثبتها بالاختيار، وبينا أن هؤلاء الممتنعين لم يكن لهم عذر في الامتناع عن المحاربة جميعهم، بل فيهم من اعتذر بذلك. وفيهم من التمس أن يكون الاختيار بعد الشورى وإجالة الرأي، وفيهم من راعى الإجماع وامتنع من البيعة لفقده.
وبعد، فأي عذر لهم في تأخرهم عن المحاربة معه إذا كانوا على ما ادعاه صاحب الكتاب قد بايعوه، ورضوا بإمامته. والبيعة تشتمل على النصرة والمحاربة فكيف يدخل فيها من يخرج عن بعضها؟! وأن يحتاج في وجوب المحاربة إلى التشدد لأن سبب وجودها متقدم وهو البيعة. على أنه عليه السلام قد استنصر الناس، ودعاهم إلى القتال معه في الجمل وصفين، ولم يترك غاية في التشدد فينبغي أن يأثموا بالقعود عن المحاربة على كل حال.
فأما ابن عمر فإن كان قد ندم على ترك جهاد الفئة الباغية فما ندم على غيره مما يجب فسقه، وكيف لا يكون ما فعلوه من القعود عن بيعته، أو من المحاربة - وقد وجب عليهم - كبيرا، وفي ذلك مشاقة الإمام وخروج عن طاعته. ولئن جاز أن لا يكون فسقا ليجوزن أن لا يكون محاربته كذلك.
فأما خبر البشارة (90) فقد مضى الكلام عليه.
فأما أبو موسى فلم يذكر في توبته (على تصحيفه فيها وتشككه - إلا الخبر الذي رواه في العيادة. وليس فيه دليل على التوبة. وإنما روى أمير المؤمنين عليه السلام ما سمع، ومعلوم أنه لا يصح حمله على العموم.
لأن فيمن يعود المرضى الكافر والفاسق، فهم مستثنون منه. على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد صرح بما في نفسه عليه، وإن لم يمنعه ذلك أن يخبره بما سمع. ولو كان تائبا قبل ذلك لكان ما في النفس عليه زائلا غير ثابت.
وهذه جملة كافية ولم يبق بعد هذا الفصل من فصول صاحب الكتاب في الإمامة ما يحتاج إلى تتبعه لأنه تكلم على بغي معاوية ووجوب محاربته (91) ثم تكلم على الخوارج بجملة من الكلام واقعة موقعها (92) ثم تكلم في فضل أمير المؤمنين عليه السلام ونصر أنه الأفضل بكلام أيضا صحيح (93) وتكلم في إمامة الحسن والحسين عليهما السلام بكلام بناه على صحة الاختيار (94) وقد مضى ما في الاختيار، ثم تكلم فيما يختص به الإمام لكونه إماما، وما يخرجه من كونه إماما وما لا يخرجه من ذلك بكلام طويل وفيه صحيح وباطل (95) والباطل مبني على أصول قد قدمنا الكلام عليها وأفسدناها، ثم ذكر جملة من مذاهب الغلاة وأشار إلى جملة من الرد عليهم (96) وذكر اختلاف الإمامية في أعيان الأئمة (97) من غير احتجاج به لهم أو عليهم. وأحال في الكلام عليهم إلى ما تقدم من كلامه الذي تتبعناه ونقضناه، ثم ختم بفصل الفصول يتضمن ذكر أقاويل الزيدية واختلافهم (98) مما لا وجه لحكايته وتتبعه.
ونحن الآن قاطعون كتابنا على هذا الموضع لوفائنا بما شرطناه وقصدناه، ولم نأل جهدا وتحريا للحق فيما اشتمل عليه هذا الكتاب من كلامنا بحسب ما بلغته أفهامنا، واتسعت له طاقتنا، ونحن نقسم على من تصفحه وتأمله لا يقلدنا في شئ منه، وأن لا يعتقد بشئ مما ذكرناه إلا ما صح في نفسه بالحجة، وقامت عليه عنده الأدلة.
ومن تأمل هذا الكتاب وجد بين ابتدائه وانتهائه تفاوتا في باب الاختصار والشرح، والعلة في ذلك أن النية اختلفت فيه فابتدأناه بنية مختصر عازم على حكاية أوائل كلام صاحب الكتاب وأطراف فصوله.
وإيجاز الكلام واختصاره ورأينا من بعد أن نبسط الكلام ونشرحه، ونحكي كلامه على وجهه من غير حذف (99) لشئ منه فعملنا على ذلك بعد أن مضت قطعة من الكتاب على الرأي الأول، وقد كان الواجب أن نعطف على ما تقدم من الكتاب فنشرحه ليلحق بأواسطه وآخره (100) لكن منع من ذلك أن الذي خرج منه سار في البلاد، وتناوله الناس قبل كمال الكتاب وتمامه، ولم يكن تلافيه لهذا الوجه وأشفقنا من أن تتغير النسخ مما تقدم منه فتختلف وتتفاوت.
والحمد لله رب العالمين على ما وهبه من المعونة. ورزقه من البصيرة. وإياه نسأل أن يؤيدنا بتوفيقه وتسديده، وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا مقربة من ثوابه، مبعدة من عقابه إنه سميع الدعاء قريب مجيب، وصلاته على خيرته من خلقه محمد نبيه، والطيبين من عترته وذريته، وسلامه ورحمته وبركاته.
إلى هنا انتهى الجزء الرابع من كتاب " الشافي في الإمامة " لعلم الهدى الشريف المرتضى بحسب تجزئة هذه الطبعة وبانتهائه تم الكتاب.
وآخر دعوانا (أن الحمد لله رب العالمين).

______________
(1) إنما وقع كلام القاضي ورد المرتضى في التوبة، لأن المعتزلة - كما نقل عنهم ابن أبي الحديد - يذهبون إلى أن أصحاب الجمل كلهم هالكون إلا عائشة وطلحة والزبير رحمهم الله قال " ولأنهم تابوا، ولولا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي " (انظر شرح نهج البلاغة ج 1 ص 9).
(2) الفصل الأول في المغني 20 ق 2 ص 73 - 77 والفصل الثاني من 78 إلى 83.
(3) أي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) أي تتبع الفصلين.
(5) غ " على وجه يصح عليه ".
(6) غ " من جهة الفعل " في الموضعين.
(7)
(8) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".
(9) غ " ولولا أن الأمر كذلك لوجب ".
(10) انظر مستدرك الحاكم 3 / 366 وأسد الغابة 2 / 199.
(11) غ " وخروجه ".
(12) غ " لله أسلم ".
(13) غ " ورأيت ".
(14) في المغني " إنا مع الجود الشديد لنطمع " وقد فسر ابن عباس هذا القول وقد سئل عن معناه فقال: يقول: إنا مع الخوف لنطمع أن نلي ما وليتم، وفسره قوم بتفسير آخر: قالوا: إنه أراد إنا مع الخوف من الله لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب، والرسالة - هنا - نقلها القاضي باقتضاب، تجدها مفصلة في " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " 1 / 410 مع ذكر مصادرها هناك.
(15) الختن: من كانت قرابته من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها والزبير زوج أسماء أخت أم المؤمنين عائشة.
(16) هذا مثل قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) وهو من المغيبات التي أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بها قبل وقوعها.
(17) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام رواها أبو مخنف في كتاب الجمل - كما في شرح نهج البلاغة 1 / 233 - وإرشاد المفيد ص 114.
(18) المغني 20 ق 2 / 77.
(19) تأشب إليهم: اجتمع حولهم.
(20) انظر سفينة البحار 1 / 46 مادة زحر.
(21) الحجر - بالكسر - اسم الأرض ثمود قوم صالح عليه السلام قال تعالى:
(كذب أصحاب الحجر المرسلين).
(22) الحوب: الإثم.
(23) أجهز على الجريح: أتم قتله.
(24) الحين - بفتح الحاء - الهلاك.
(25) نوح بن دراج أخو جميل بن دراج قاضي الكوفة ولي القضاء بفتوى من أخيه جميل، وكان جميل وجها من وجوه الشيعة وثقاة رواتها ولنوح ولد اسمه أيوب شهد له الإمام الهادي عليه السلام بأنه من أهل الجنة (سفينة البحار مادة أوب وجمل ونوح).
(26) هو محمد بن مسلم بن رباح الأوقص الطحان مولى ثقيف ووجه من وجوه الشيعة بالكوفة، وفقيه من فقهائهم، وثقة من ثقاتهم روى عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام انظر الفائدة الثانية عشرة من خاتمة الوسائل.
(27) حبة - بفتح الحاء وتشديد الباء - بن جوين - بجيم مصغرا - العرني - بضم العين المهملة وضم الراء - من بجيله من أصحاب علي عليه السلام، وروى عنه وعن ابن مسعود توفي سنة 76 أو 79.
(28) وادي السباع: الموضع الذي قتل فيه الزبير، ومن لطيف ما يروى في تسميته أن أسماء بنت دريم مر بها رجل فنظر إليها نظرة مريبة فقالت لئن لم تنته لأستصرخن عليك أسبعي قال: أوتفهم السباع عنك؟ قالت: نعم، ورفعت صوتها ونادت يا كلب يا ذئب، يا فهد، يا أسد يا سرحان، وكان أبناؤها بمنحاة عنها يرعون فأقبلوا يتعادون فقالت إياكم أحسنوا مثواه، فذبحوا له وأطعموه فذهب، وقد أخذه العجب مما رأى، وسمي ذلك الوادي بوادي السباع (المرأة العربية ج 1 / 81).
(29) في الطبري " موطني ".
(30) الغاران - هنا - الجيشان.
(31) في الطبري " أحسست " بدل " خشيت " و " أنجاد " مكان " أمجاد ".
(32) أحفظه: أغضبه.
(33) في الطبري " عبد الله بن سليمان التيمي ".
(34) انظر تاريخ الطبري 4 / 502 حوادث سنة 36.
(35) استدلال القاضي بهذا القول على توبة طلحة ليس بصحيح لأن كلام طلحة هذا كان مع ابن عباس لما أرسله إليه أمير المؤمنين - وذلك قبل الحرب - يقول له:
" يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا؟ " فروى محمد بن إسحاق والكلبي عن ابن عباس، قال: قلت الكلمة للزبير فلم يزدني على أن قال: إنا مع الخوف الشديد لنطمع، وسئل ابن عباس عما يعني بقوله هذا، فقال: يقول: أنا مع الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم، والرسالة رواها الجاحظ في " البيان والتبيين " 2 / 115 وابن قتيبة في " عيون الأخبار " 1 / 115 وابن عبد ربه في العقد الفريد وغيرهم وانظر (مصادر نهج البلاغة وأسانيده 1 / 410 و 411).
(36) المغني " الندم ".
(37) المغني " الندم ".
(38) الأعراف / 43.
(39) التكملة من " المغني ".
(40) المغني 20 ق 2 / 88، 89.
(41) الكسعي: غامد بن الحرث كان لديه قوس وخمسة أسهم فمر به قطيع من الظباء فكمن في قترة وهي ناموس الصائد - فرمى ظبيا فأمخطه السهم أي نفذ فيه - وصدم الجبل فأورى نارا فظن أنه قد أخطأ فرمى ثانيا وثالثا إلى آخرها وهو يظن خطأه فعمد إلى قوسه فكسرها ثم بات فلما أصبح فإذا الظباء مطرحة، وأسهمه بالدم مضرجة فعض إبهامه وأنشد:
ندمت ندامة لو أن نفسي    تطاوعني إذا لقطعت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني    لعمر أبيك حين كسرت قوسي
فضرب بندمه المثل قال الفرزدق:
ندمت ندامة الكسعي لما    غدت مني مطلقة نوار
(انظر العقد الفريد 6 / 125 والقاموس المحيط مادة " كسع ").
(42) يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به والمراد قارب أن يقضي.
(43) ر " متكلفا ".
(44) الدرن: الوسخ.
(45) يعني بالتسعة الباقين من العشرة إذ أخرج منهم عليا عليه السلام باعتبار عصمته.
(46) يخترم: يهلك.
(47) * عمرو بن جرموز مذموم عند أهل السنة والشيعة لقتله الزبير وغدره به ولأنه خرج على علي عليه السلام مع الخوارج.
(48) عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، أخت سعيد بن زيد وابنة عم عمر بن الخطاب من المهاجرات إلى المدينة كانت تحت عبد الله بن أبي بكر وكانت حسناء جميلة فأحبها حبا شديدا حتى غلبت عليه وشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها فتبعتها نفسه فارتجعها ثم شهد عبد الله الطائف فرمي بسهم فمات منه بالمدينة فتزوجها زيد بن الخطاب فقتل عنها باليمامة فتزوجها عمر سنة 12 فأولم وليمة دعا إليها جماعة فيهم علي بن أبي طالب، فقال دعني أكلم عاتكة، قال: أفعل، فقال لها باعدية؟؟ نفسها.
فآليت لا تنفك عني حزينة    عليك ولا ينفك جلد أغبر
(يعني عليه السلام في رثائها لزيد) فبكت، فقال عمر ما دعاك لهذا يا أبا الحسن كل النساء يفعلن هذا فقال: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) فقتل عنها عمر فتزوجها الزبير فقتل عنها ثم خطبها علي عليه السلام فقالت يا أمير المؤمنين أنت سيد المسلمين وأنا أنفس بك عن الموت - يعني القتل - وقد ذكر لها ابن الأثير في أسد الغابة مراثيها لأزواجها ومنه الرثاء المذكور في المتن (انظر أسد الغابة 5 / 497).
(49) بهمة إذا كانت صفة للفارس فالمراد به الشجاع وإذا كانت مضاف إليها فهي صفة للفرس يقال: فرس بهيم إذا كان على لون واحد، وعرد الرجل عن الطريق (مال وانحرف وفي مروج الذهب 2 / 372 " غير مسدد " فيكون المراد ابن ترموز.
(50) الطيش: النزق والخفة ورعش أخذته الرعدة.
(51) هو قزمان بن الحرث قال ابن الأثير في الكامل 2 / 162: " كان في المسلمين رجل اسمه قزمان - بضم القاف - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه من أهل النار فقاتل يوم أحد قتالا شديدا فقتل من المشركين ثمانية أو تسعة ثم جرح فحمل إلى داره.
وقال له المسلمون: أبشر قزمان! قال: بم أبشر وأنا ما قاتلت إلا عن أحساب قومي، ثم اشتد عليه جرحه فأخذ بهما فقطع رواهشه فنزف الدم، فمات، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أشهد أني رسول الله).
والرواهش: أعصاب في باطن الذراع واحدها راهش وفي الإصابة إنه لما قيل له: هنيئا لك بالجنة قال: جنة من حرمل.
(52) طل دمه: ذهب هدرا.
(53) تاريخ الطبري 4 / 545.
(54) غ " لتبتغوه " أو يبدو أنه تصحيف.
(55) أبو الحسن الظاهر أنه المدائني والحسن البصري.
(56) غ " جلست في منزلي ".
(57) في المغني " ومن اتبعه في النار ".
(58) غ " بكر " تحريف.
(59) غ " أصحاب له ".
(60) غ " وأي كان ذلك ".
(61) المغني 20 ق 2 / 90.
(62) غ " عمر يرحمه الله ".
(63) الفواق - بضم الفاء وفتحها - ما بين الحلبتين في الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الجدي لتدر ثم تحلب. ويضرب ذلك مثلا: في قصر المدة فيقال: ما أقام عنده إلا فواقا، وفي الحديث " العيادة فواق ناقة، وكان في الأصل " فواق عنز غدير " والتصحيح من ر.
(64) المجمعة " موضع الإجماع.
(65) غ " جزاء أيدينا عندك ".
(66) آل عمران.
(67) دول - بكسر الدال - جمع دولة بالضم - وهي الشئ الذي يتداول، وقال أبو عمرو ابن العلاء: بالضم في المال وبالفتح في الحرب " وقال عيسى بن عمر " كلتاهما تكونان في المال والحرب سواء " (انظر المادة في صحاح الجوهري).
(68) تاريخ الطبري 5 / 150 حوادث سنة 40.
(69) زينب بنت أبي سلمة المخزومية يقال: ولدت بأرض الحبشة، وضعتها أمها بعد مقتل ابن سلمة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أمها وهي ترضعها، وكان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كانت من أفقه نساء المدينة، (انظر كتاب النساء من الإصابة حرف الزاي ق 1 بترجمتها).
(70) الأسود بن أبي البختري واسم أبي البختري العاص قتل أبوه يوم بدر كافرا أسلم يوم الفتح سيره معاوية مع بسر بن أرطاة ليقتل شيعة علي بالمدينة
(انظر أسد الغابة 1 / 82).
(71) ر " في دفن ".
(72) في الأصل " من ".
(73) تعني طلحة لأنه أشل.
(74) سرف - بكسر الراء - موضع من مكة على عشرة أميال (نهاية ابن الأثير مادة " سرف ".
(75) قال ابن حجر في القسم الرابع من حرف العين من الإصابة: " عبيد بن أم كلاب له رواية عن عمر ".
(76) استبرزت: ظهرت بعد خفاء.
(77) ماص الشئ دلكه، وموص الثوب غسله، والرحيض: المغسول.
(78) في المطبوعة، " تزليق " واخترنا ما في ر فيكون من الذلاقة وهي الفصاحة والبلاغة.
(79) عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وقولها هذا نقله ابن الأثير في أسد الغابة 3 / 284 بترجمة عبد الرحمن وزاد عليه " أو مثل عبد الله بن الزبير " توفي عبد الرحمن في أيام معاوية.
(80) مريم / 34.
(81) انظر مروج الذهب 2 / 377.
(82) بريرة مولاه عائشة أم المؤمنين (انظر ترجمتها في أسد الغابة 5 / 409).
(83) كلام القاضي في ابن عمر نقله المرتضى باقتضاب (انظر المغني 20 ق 2 / 92).
(84) ر " لأن ".
(85) الزيادة من المغني.
(86) الارهاص - في الأصل - أول صف من الحائط ثم استعمل في مقدمة الشئ.
(87) الخطب: الأمر العظيم، وفي المغني " خطأهم ".
(88) المغني 20 ق 2 / 92.
(89) نقل المرتضى كلام القاضي في أبي موسى باختصار، والذي في المغني: فقد كان قبل التحكيم منه بالكوفة ما كان لكن الذي ظهر منه قعوده عن الحرب وذلك محتمل، أما ما علمه بعد التحكيم فعظيم يوجب البراءة لا محالة لكن شيخنا أبا علي ذكر أنه تاب بعد ذلك ورجع إلى أمير المؤمنين بالكوفة بعد ما كان تنحى عنه وخرج إلى الحجاز وفي ذلك أخبار مروية، ثم نقل عيادة للحسن عليه السلام الخ.
(90) يعني حديث العشرة المبشرة.
(91) 20 ق 2 / 93.
(92) 20 ق 2 / 95.
(93) 20 ق 122.
(94) المغني 20 ق 1 / 165.
(95) المغني 20 ق 2 / 173.
(96) المغني 20 ق 2 / 177.
(97) المغني 20 ق 2 / 177 - 183.
(98) المغني 20 ق 2 / 185، ومما يجدر التنبيه عليه أن كلام القاضي في أقاويل الزيدية رد عليه الشيخ محي الدين محمد بن أحمد بن علي بن الوليد برسالة سماها " المفني لشبه المغني " وطبع هذا الرد ملحقا بالجزء العشرين من المغني.
(99) ر " خلف " والظن أنه تحريف.
(100) ر " وأواخره ".


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page