• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدّمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ

الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على من كان نبياً وآدم بين الماء والطين، وعلى ذوي قرباه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وعلى الخيرة من أصحابه المنتجبين الذين ثبتوا على الدين القويم حتّى أتاهم اليقين.
أمّا بعد:
حينما بزغ نور الإسلام كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) ، والخلّص من أصحابه البررة ، هم من حمل لواء نشره والدفاع عنه، في الوقت الّذي كان بنو عبد شمس وأمية وبنو مخزوم والعاص وأضرابهم العدو اللدود للدين الإسلامي ونبيه الكريم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام).
إذ لم يكتف هؤلاء بإلجاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) للهجرة، وترك موطنه، وإنّما حاولوا قتله ليلة الهجرة، ولمّا فشلوا لاحقوه إلى دار هجرته في حروب متواصلة، أرادوا استئصال النبيّ(صلى الله عليه وآله) وآل بيته(عليهم السلام)، والخلّص من أنصاره، فقتلوا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وكان سيف الإمام عليّ(عليهم السلام) يقط الرقاب، حتّى استسلم كثير من رجالات قريش رهبة واضطروا لإعلان تبعيتهم للدين الجديد في فتح مكة، فاسماهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) الطلقاء(1).
وما هي إلاّ سنتين ــ بعد فتح مكة ــ حيث استجاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأمر ربه، ورحل عن الدنيا، فكانت الفرصة الذهبية لأعداء النبيّ(صلى الله عليه وآله) أن ينقضّوا على الدين باسم الدين، فكانت مصادرة الحق السياسي والاقتصادي، بل وحتى حق أهل البيت(عليهم السلام) في الحياة، إذ سرعان ما غادرت السيدة فاطمة(عليها السلام) الدنيا بعد تلك الأهوال الّتي تعرض لها البيت النبوي، وأصبح أعداء الدين هم قادة في العهد الجديد سواء في ما عرف بالردّة أو الفتوحات كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل ويزيد بن أبي سفيان وأخيه معاوية وغيرهم.
لقد لعب الأمويون دوراً خطيراً إذ أرادوا القضاء على الإسلام من الداخل، حيث أراد أبو سفيان إشعال لهيب فتنة لا تنطفىء، ولكن أمير المؤمنين(عليه السلام) أدرك نواياه الشريرة وأبان عنها(2).
كان أبو سفيان قد أسلم يوم فتح مكة، فكان من الطلقاء، وجعله النبيّ(صلى الله عليه وآله) من المؤلّفة قلوبهم، وفي يوم حنين كان مع جيش الإسلام ظاهراً، ولكنه كان يستقسم بالازلام، ورآه عبد الله بن الزبير يوم اليرموك، فكان إذا ظهرت الروم على المسلمين قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر, فإذا كشفهم المسلمون قال:
وبنو الأصفر الملوك ملوك الر    وم لم يبق منهم مذكور فحدّث ابن الزبير أباه الزبير فقال: قاتله الله يأبى إلاّّ نفاقاً, أولسنا خيراً له من بني الأصفر(3).
ولمّا تولّى عثمان الخلافة (23 - 35 هـ) كان أبو سفيان يقول: ((يا بني أمية تلاقفوها تلاقف الكرة, فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار))(4). وذهب لقبر حمزة بن عبد المطلب فركله برجله قائلاً: ((يا حمزة إن الأمر الّذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم))(5).
وسرعان ما توجه الأمويون صوب بلاد الشام حيث تولاّها أولاً يزيد ابن أبي سفيان، ثمّ أخيه معاوية الّذي ثبت في ولايته، ولم يتعرض للعزل والمصادرة في عهد عمر كما تعرّض الكثيرون بل كان عمر معجباً به، ولمّا تولى عثمان الخلافة ازدادت مكانة معاوية كثيراً، وأصبحت بلاد الشام مكاناً لنفي الثائرين ضد الدولة.
وما أن ازدادت حدّة الثوار على عثمان حتّى اهتبلها معاوية فرصة، فمن جانب يحرّض عثمان على عدم الاستجابة لطلبات الثائرين ويوعده بإرسال جيشٍ لحمايته من الشام، لكنه يتماهل في إرسال الجيش حتّى إذا ما أدرك أنّ الخليفة مقتول لا محالة أرسل جيشاً وأمره بالمكوث في الطريق حتّى يأتيه أمره، ولمّا علم بمقتل عثمان أمر الجيش بالرجوع، ورفع قميص عثمان كورقة سياسية ضد أمير المؤمنين الخليفة الشرعي وخاض ضده معركة صفّين مستخدماً الدين لأغراضه الشيطانية حيث لمّا أحس بالهزيمة طلب فرساً لينهزم، ثمّ رفع المصاحف ممّا أوقع الخلاف في صفوف جيش الإمام، فأدى للتحكيم الّذي انتهى بخدعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري وظهور الخوارج(6).
ثم أخذ معاوية بالغارة على الولايات التابعة لدولة الإمام(عليه السلام) وتمكّن من انتزاع مصر من سلطة الإمام(عليه السلام) وقتل واليها محمّد بن أبي بكر سنة 38هـ(7)، ومازالت غاراته حتّى استشهد الإمام(عليه السلام) في رمضان سنة 40هـ، وتولى الإمام الحسن(عليه السلام) الخلافة الّذي رأى أن الواقع الّذي انتهت إليه الأمة لا يمكنه من الاستمرار بالخلافة لذا اضطر لمهادنة معاوية طبقاً لشروط تم الاتفاق عليها(8).
وتطور الأمر ليصبح أعداء النبيّ(صلى الله عليه وآله) والدين الإسلامي، هم ورثة النبيّ(صلى الله عليه وآله) في الحكم، إذ تولى معاوية سدة الخلافة (41 - 60هـ)، وهنا بدأ مخططه الخطير للإجهاز على الدين الإسلامي من خلال تشويه الصورة الحقيقية للنبي(صلى الله عليه وآله) والدين الإسلامي، وتقديم صورة مزيّفة لهما، فكانت الصورة التي قدموها عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه ولد من أبوين كافرين، وعاش شأنه شأن الآخرين يشرب الخمر، ويأكل ما يذبح على النصب، ويسمع الغناء، ولقد اتفقت مصلحة اليهود والنصارى مع مصالح الأمويين(9) فوضعت روايات رضاعة حليمة السعدية للنبي(صلى الله عليه وآله) بعد رفض كلّ النساء إرضاعه، لكن موسى(عليه السلام) على العكس هو الّذي رفض أن يرضع من النساء!، ومادام موسى رعى الغنم فلابد أن يكون مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله) رعى الغنم أيضاً، ولكن تارة عند حليمة السعدية، إلا إنه لا ندري هل أخذته لترضعه أم يرعى الغنم عندها؟ فالإرضاع يعني أنّه في السنة الأولى من حياته فمتى رعى غنمها إذن؟ وتارة يرعى لأهل مكة! وكأنّه ليس ابن عبد المطلب زعيم قريش، والذي أسمته إبراهيم الثاني لإيمانه ودوره في المحافظة على الكعبة من السقوط على يد أبرهة! فكيف يصبح ابن عبد المطلب راعيا لقريش؟
ثم نجد اليد النصرانية تصور النبيّ(صلى الله عليه وآله) خائفاً مذعوراً، ولقد أنقذه ورقة بن نوفل ذاك النكرة حيث استلم النبيّ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)نبوته من ورقة بعد أن أراد النبيّ(صلى الله عليه وآله) الانتحار(10)!!
وصوّرت الرؤية الأموية النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه إنسان عادي ليس معصوماً إلاّ بتبليغ الرسالة، وما عداها فهو لا يختلف عن أبي سفيان ومعاوية وعمرو ابن العاص، لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) بزعمهم كان يخطىء كما هم يخطؤون، وكان يسمع الغناء، ويأكل ما يذبح على النصب، ويسب ويشتم بلا مبرر، ويأمر بقطع الأيدي والأرجل، ويعجب بزوجة مولاه ويسعى لطلاقها ليتزوجها هو. وكثير من هذا النوع(11).
وكان لأهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) الحظ الأوفر من هذه الحملة الرامية لتدوين التاريخ، وكانت أن صبت جام غضبها على الإمام عليّ(عليه السلام) متتبعة فضائله.
أمّا تنسبها لغيره، كما في:
- الولادة في الكعبة، نسبت إلى حكيم بن حزام.
- أول من أسلم، نسبت إلى أبي بكر.
- منزلة الصدّيق، نسبت إلى أبي بكر.
- منزلة الفاروق، نسبت إلى عمر بن الخطاب.
- ضرب النقود الإسلامية، نسبت إلى عبد الملك بن مروان.
- ذو النورين (الحسن والحسين)، نسبت إلى عثمان.
- آخر الناس عهداً بالنبي(صلى الله عليه وآله) وسالت روح النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين نحر الإمام وصدره، نسبت إلى عائشة.
- قتل مرحب اليهودي، نسبت لمحمد بن مسلمة الأنصاري.
- جمع القرآن، نسبت لأبي بكر.
- أنت مني بمنزلة هرون من موسى، نسبت لأبي بكر.
- سيف الله المسلول، نسبت إلى خالد بن الوليد.
- سد الأبواب، نسبت إلى أبي بكر.
أو وضع فضيلة مقابل فضائله(عليه السلام)، كما في:
- مبيته في فراش النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وضعت مقابلها حديث الغار لأبي بكر.
- زواجه من السيّدة فاطمة(عليها السلام)، وضع مقابلها زواج عثمان من بنات مختلقات للنبي(صلى الله عليه وآله).
أو التقليل من شأن الفضيلة:
- كشرف تربيته في بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) الّذي تم تفسيره لأسباب مادية.
أو نسبة مثالب الآخرين للإمام(عليه السلام):
- كنسبة قول النبيّ(صلى الله عليه وآله): (إنّ فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني) إلى الإمام عليّ(عليه السلام) لأنّه أراد أن يتزوج جويرية بنت أبي جهل.
- تفسير قوله تعالى:{ لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنتُمْ سُكَارَى}(12) أنّها نزلت في الإمام عليّ(عليه السلام).
(وغير ذلك مما لا يسعه الحصر بل يحتاج إلى تتبّع وأشهرها اتهام أبو طالب بعدم الإيمان وحديث الضحضاح).
من هنا تطلب القيام بدراسة تأخذ على عاتقها تتبّع هذا المشروع الخطير، فبدأنا بدراسة فضائل الإمام عليّ(عليه السلام) الّتي نسبت لغيره.
لقد اقتضت طبيعة الموضوع أن نمهد له بمدخل يتضمن مبحثين:
الأول نتناول فيه فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام)(13) إجمالاً ابتداءاً من نسبه الشريف، وولادته الشريفة في الكعبة المعظّمة، ثمّ انتقاله من بيت الله إلى بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، حيث فاز بشرف التربية على يد النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وما تلا ذلك من أسبقية تصديقه لدعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وموقفه يوم الإنذار حيث أصبح وزير النبيّ(صلى الله عليه وآله) ووصيه، ومصاحبته للنبي(صلى الله عليه وآله) في تحركاته في مكة ليحميه من أذى المشركين، ومرافقته إياه وهو يدعو بعض القبائل للإسلام، ثمّ باهى الله به ملائكته حيث بات في فراش النبيّ(صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة. ثمّ كانت الفضيلة العظمى بزواجه من السيدة فاطمة(عليها السلام)، وما نتج عن هذا الزواج حيث أهل البيت الذين خصهم الله بعدد من الآيات القرآنية، وخصهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بأحاديثه الشريفة.
وأشارت الدراسة إلى مواقفه الجهادية والعلمية، حيث كان لسيفه أكبر الأثر في كسر شوكة الكفر، حتّى أذعنوا للدخول بالإسلام رغبة أو رهبة، وكان أن أنقذ علمه الخلفاء من كثير من المعضلات حتّى قال عمر: ((لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن))(14). إذ كان مصدر جميع العلوم الّتي ظهرت في إطار الدين الإسلامي كالفقه والكلام والتصوف والبلاغة والنحو وغيرها.
هذه الفضائل لم يرق لخصوم الإمام والإسلام أن تنتشر بين أبناء المجتمع، لذا شكّل معاوية لجنة مهمتها متابعة هذه الفضائل، ونسبتها لآخرين أو التقليل من شأنها أو اختلاق فضائل مشابهة لآخرين، مضافاً لذلك اختلاق مثالب للإمام(عليه السلام)، وهذا ما تناولناه في المبحث الثاني من المدخل تحت عنوان (هيئة كتابة التاريخ برئاسة معاوية).
ثمّ انتقلت الدراسة لاستقصاء هذه الفضائل المنسوبة لغير الإمام(عليه السلام)، وكان منهج الدراسة أولاً إثبات صحة هذه الفضيلة للإمام(عليه السلام) بالاعتماد على كلّ من يتناول هذه الفضيلة من كتب التاريخ والحديث والتفسير والفقه والأدب والجغرافية والكلام وحتى دواوين الشعراء وحتى ما ينقش على النقود أو غيرها. ونتناول أيضاً من هم رواة هذه الفضيلة؟ وما مكانتهم؟ وما مدى وثاقتهم؟
ثم نتناول نسبة هذه الفضيلة لغير الإمام(عليه السلام) مستقصين المصادر الّتي روت هذه النسبة وما مدى توجهات أصحابها، ومن هم الرواة ومدى وثاقتهم وطبيعة توجهاتهم وموقفهم من الإمام عليّ(عليه السلام)، موضحين ما يكتنفها من مغالطات حتّى ننتهي لبيان من هو المسؤول عن نسبة هذه الفضيلة لذلك الشخص.
وسوف نتناول هذه الفضائل على شكل حلقات متسلسلة، ومنها:
الحلقة الأولى: الولادة في الكعبة، والتي نسبت لحكيم بن حزام.
الحلقة الثانية: ضرب النقود الإسلامية، والتي نسبت لعبد الملك بن مروان.
الحلقة الثالثة: سيف الله المسلول، والتي نسبت لخالد بن الوليد.
الحلقة الرابعة: صهر النبيّ(صلى الله عليه وآله)، والتي نسبت إلى عثمان بن عفان.
الحلقة الخامسة: جمع القرآن، والتي نسبت لأبي بكر.
الحلقة السادسة: وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين نحر الإمام وصدره، والتي نسبت إلى عائشة.
الحلقة السابعة: سد أبواب المسجد إلاّ باب الإمام، والتي نسبت إلى أبي بكر.
الحلقة الثامنة: منزلة الصدّيق، والتي نسبت إلى أبي بكر.
الحلقة التاسعة: منزلة الفاروق، والتي نسبت إلى عمر.
والى غيرها من الفضائل.
وسنتناول في (الحلقة الأولى) ولادة الإمام(عليه السلام) في الكعبة الّتي نسبت إلى شخص يعد من ألد أعداء النبيّ(صلى الله عليه وآله) والإمام عليّ(عليه السلام) ألاّ وهو حكيم ابن حزام. وقد قسمت دراسة هذه الحلقة إلى قسمين:
القسم الأوّل: تناولنا فيه ولادة الإمام عليّ(عليه السلام) في الكعبة في مبحثين:
تناولنا في (المبحث الأول) الروايات الّتي ذكرت هذه الولادة من مختلف المصادر.
وأمّا (المبحث الثاني) فقد درسنا فيه الرواة الذين رووا خبر الولادة ومدى مكانتهم الاجتماعية والعلمية ومدى الثقة بمروياتهم، وقد لاحظنا أنّ من بين هؤلاء الرواة عتاب بن أسيد الأموي، والسيدة عائشة، وأنس ابن مالك، وغيرهم.
أمّا القسم الثاني: فقد خصص لدراسة الولادة المزعومة لحكيم بن حزام في الكعبة والتي تناولناها في مبحثين:
خصص (المبحث الأوّل) لدراسة نصوص الروايات الّتي ذكرت هذه الولادة متناولين طبيعة المصادر الّتي ذكرتها، وتوجهات أصحابها، ثمّ سلسة السند، ورواتها، وما هو موقفهم من الإسلام، وأهل البيت(عليهم السلام)؟ وما هو رأي علماء الجرح والتعديل فيهم؟.
وقد انتهت الدراسة إلى تحميل عروة بن الزبير مسؤولية نسبة هذه الفضيلة لحكيم بن حزام، وتجدر الملاحظة إن عروة أحد أعضاء اللجنة الّتي شكلها معاوية لتدوين التاريخ حسبما تراه الدولة الأموية.
أمّا (المبحث الثاني) فهو استكمال لسيرة حكيم، حيث أسبغ على شخصية حكيم الكثير من المبالغات، حيث عده رواة آل الزبير من رأسمالي عصره! وممن انتهت له الرفادة، ودخل دار الندوة وعمره خمسة عشر سنة مع أنّه لا يدخلها إلاّ من بلغ الأربعين، ثمّ اشتراها بعد الإسلام وباعها لمعاوية لكي يشتري بها داراً في الجنة! ولا ندري ما علاقة ذلك الأثر الجاهلي بالجنة. ثمّ أسبغت روايات آل الزبير تعاطفاً للنبي(صلى الله عليه وآله) تجاهه، وأن النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يتمنى إسلامه، وأخيراً عمره الطويل الّذي ناهز المائة والعشرون، والغرابة ليست بطول العمر وإنّما بتلك المناصفة لعمره إذ عاش ستين سنة قبل الإسلام وستين بعد الإسلام، وأوضح رواة آل الزبير إن حكيماً ما عمل عملاً قبل الإسلام إلاّ وعمل ما يقابله بعد الإسلام، والظاهر أنّ الحكمة من هذه المناصفة لتكون الستون سنة بعد الإسلام ناسخة لمثيلتها قبل الإسلام!
تحليل المصادر
لقد اعتمدت هذه الدراسة على مجموعة من المصادر كالكتب التاريخية، وكـتب التراجم والطبقات والحـديث، وقـد رفـدت كـتب المناقب والفضائل المبحث الأوّل من المدخل والخاص بفضائل الإمام(عليه السلام) إجمالاً ومنها:
- (مناقب عليّ بن أبي طالب) لابن أخي تبوك ت396 هـ
- (مناقب عليّ بن أبي طالب) لابن مردويه ت410 هـ
- (مناقب عليّ بن أبي طالب) لابن المغازلي ت483 هـ
- (المناقب) للخوارزمي ت568 هـ
- (تذكرة خواص الأمة) لسبط ابن الجوزي ت654 هـ
- (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب) للكنجي الشافعي ت658هـ
- (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي ت855هـ وغيرها.
وتم الاستفادة بشكل كبير ممّا جاء عند سليم بن قيس الهلالي وابن أبي الحديد في (شرحه لنهج البلاغة) فيما يخص المبحث الثاني من المدخل والذي خصص لتسليط الضوء على مخطط معاوية الرامي لتشويه التاريخ الاسلامي، وقد بدأ مخططه بتشويه تاريخ أمير المؤمنين(عليه السلام).
أمّا عن ولادة الإمام(عليه السلام) في الكعبة، فقد رجعنا لأمهات المصادر من كتب المسلمين جميعاً بغض النظر عن توجهاتهم وعصرهم وبلدانهم، والتي من أهمها:
كتاب (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري الّذي أكد على تواتر ولادة الإمام عليّ(عليه السلام) في الكعبة، بقوله: ((تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت عليّاً كرم الله وجهه في الكعبة)). في الوقت الّذي ذكر ولادة حكيم في الكعبة أيضاً عن مصعب الزبيري، وقد تبين لنا أن مصعباً من البيت الزبيري الّذي شرب الحقد على أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان جده عروة بن الزبير من ضمن أعضاء لجنة هيئة التاريخ الّتي شكلها معاوية.
ومن المصادر الّتي أكدت على ولادة الإمام(عليه السلام) بلا أدنى شك كتاب (كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب) للكنجي الشافعي الّذي استشهد في 658هـ في كتابه كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، وكتاب (تلخيص المستدرك) للذهبي الشافعي المعروف بمواقفه السلبية من أهل البيت(عليهم السلام)، وكتاب (سرح الخريدة الغيبية) للآلوسي الحنفي والذي قال فيه: ((وفي كون الأمير ـ كرم الله وجهه ـ ولد في البيت، أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة... ولم يشتهر وضع غيره ـ كرم الله وجهه ـ كما اشتهر وضعه، بل لم تتفق الكلمة عليه. وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين)).
ومن كتب المعتزلة الّتي أكدت صحة الولادة، كتاب (المراتب) للبستي المعتزلي ت420هـ وقطع المؤرخ الشهير المسعودي المعتزلي الشافعي ت345هـ بصحة ولادته الشريفة بلا أدنى تردد. أمّا ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي ت656هـ فقد توقف دون أن يقطع بالذي ولد في الكعبة هل هو الإمام(عليه السلام) أم حكيم بن حزام؟ موضحاً أنّ أكثر الشيعة يقولون إن المولود هو الإمام(عليه السلام)، أمّا المحدثون فيرون أنّ المولود في الكعبة هو حكيم بن حزام. وسنرى أنّ ابن أبي الحديد لم يكن دقيقاً بقوله هذا، فالشيعة بالإجماع تؤكد على صحة ولادة الإمام بالكعبة حتّى أنّ الشيخ النوري يراها من ضروريات المذهب، أمّا من المحدثين ويقصد بهم أهل السنة فسنرى أنّ هناك الكثير من كبار علماء السنة وعلى مختلف مذاهبهم يذهبون إلى صحة ولادة الإمام(عليه السلام) في الكعبة المشرفة، كالحاكم النيسابوري ت405هـ، وابن المغازلي المالكي ت483هـ، والكنجي الشافعي ت658هـ، والذهبي الشافعي ت748هـ، والآلوسي الحنفي ت1270هـ.
ورجعنا لعدد من كتب السيرة، كالسير والمغازي لابن إسحاق ت151هـ، وسيرة ابن هشام ت218 هـ، والسيرة الحلبية للحلبي ت1044هـ.
أمّا كتب التاريخ العام، فكان تاريخ اليعقوبي ت بعد 292 هـ، وتاريخ الطبري ت310هـ، و(مروج الذهب) للمسعودي الشافعي ت345هـ، و(البداية والنهاية) لابن كثير الشافعي ت774 هـ، وغيرها.
ولتخريج الأحاديث النبوية استفدنا من كتب الحديث، ككتب الصحاح والسنن والمسانيد، كمسند ابن حنبل ت240هـ، وصحيح البخاري ت256هـ، وصحيح مسلم ت263هـ، وسنن ابن ماجة ت273 هـ، والترمذي ت275هـ، والنسائي ت303هـ، وسنن البيهقي ت458هـ، و(تهذيب الأحكام) للطوسي ت460هـ، والهيثمي ت807هـ.
أمّا كتب الفقه، فقد استفادت الدراسة من كتاب (الأم) للشافعي ت204هـ، ومؤلفات الشيخ المفيد ت413هـ كالمقنعة وغيرها.
ولتفسير بعض الآيات القرآنية، رجعنا لعدد من كتب التفسير كـ(جامع البيان) للطبري ت310هـ، و(التبيان) للطوسي ت460هـ، و(الكشاف) للزمخشري المعتزلي ت538هـ، و(مجمع البيان) للطبرسي ت548هـ، وغيرها.
وعن تراجم الصحابة، فقد رجعنا إلى (الطبقات الكبرى) لابن سعد ت230هـ، و(معجم الصحابة) للبغوي ت317هـ، و(الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر ت463هـ، و(صفة الصفوة) لابن الجوزي ت597هـ، و(أسد الغابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير ت630هـ، و(الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر ت852هـ.
بالإضافة إلى تواريخ المدن كـ(كتاب أخبار مكة) للأزرقي المتوفى بعد 248هـ الّذي ذكر ولادة حكيم في الكعبة، وقد تناولنا كثير من الإشكالات على صحة الرواية سنداً ودلالة، و(تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي ت463هـ، و(تاريخ دمشق) لابن عساكر ت571هـ.
واعتمدت الدراسة على ما جاء في دواوين الشعراء، كديوان السيد الحميري ت173 هـ، والعمري ت1278 هـ، وغيره.
ولأجل الوقوف على حال بعض الرواة، رجعنا إلى كتب الجرح والتعديل كـ(كتاب التاريخ الكبير) للبخاري ت256هـ، ورجال البرقي ت274هـ، و(كتاب الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم ت327هـ، و(الكامل في ضعفاء الرجال) لابن عدي ت365هـ، و(رجال الطوسي) ت460هـ، ورجال العلامة الحلي ت726هـ، و(ميزان الاعتدال) للذهبي ت748هـ، و(تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب) لابن حجر ت852هـ، وغيرها.
وختاماً: نأمل من الله جلت قدرته أن يوفقنا للمزيد من فضل خدمة أمير المؤمنين(عليه السلام) وأن يجعل هذا العمل من باب مودة أهل البيت(عليهم السلام) ، إذ أن من مصاديق مودتهم دراسة سيرتهم والدفاع عنها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من كانوا ولا يزالوا رحمة للعالمين محمّد وآله الهداة المهديين.

الدكتور
جواد كاظم النصر الله
البصرة
ذي الحجة 1427هـ/ كانون ثاني 2007



___________
1- المقريزي: النزاع والتخاصم 32 ـ 33.
2- الجوهري: السقيفة 40، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 2/ 44. المقريزي: النزاع والتخاصم 30. النصرالله: مرويات الجوهري عن يوم السقيفة 10، 22 ـ 23.
3- المقريزي: النزاع والتخاصم 29.
4- الجوهري: السقيفة 39 ـ 40، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 2/ 44، المقريزي: النزاع والتخاصم 31.
5- المقريزي: النزاع والتخاصم 57.
6- الجوهري: السقيفة 40، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 2/ 44. المقريزي: النزاع والتخاصم 30. النصرالله: مرويات الجوهري عن يوم السقيفة 10، 22 ـ 23.
7-ألف ابو هلال الثقفي كتاباً خاصاً بهذه الغارات أسماه كتاب الغارات . النصر الله: شرح نهج البلاغة 398 ـ 402.
8- عن صلح الإمام الحسن(عليه السلام) أسبابه ونتائجه أُ نظر كتاب الشيخ راضي آل ياسين: صلح الحسن 4 ـ 374.
9- تجري الآن تحت إشرافنا رسالة ماجستير عن والدي النبيّ(صلى الله عليه وآله) تتناول ما ورد من روايات عن سيرتهما وبالأخص التقاء المصالح اليهودية بالأموية ودور الإسرائيليات في ذلك.
10- هذه الرواية مع الأسف هي الرواية المعتمدة في بيان كيفية أصبح النبيّ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله) نبياً عند غير الإمامية وتجدها عند أهم مصادر الحديث والتفسير والتاريخ، مع أنّها رواية يتضح عليها الطابع الإسرائيلي بشكل واضح لا غبار عليه.
11- سنقوم إن شاء الله بإعداد دراسة تتناول المخطط الرهيب الّذي نتج عن اتفاق المصالح الإسرائيلية والأموية في تشويه الصورة الحقيقية للنبي(صلى الله عليه وآله) والإسلام.
12- سورة النساء 43.
13- روي عن أَحْمَد بن حنبل أنّه قال: لم يأت لأحد من الصحابة من الفضل بقدر ما جاء لعّلي ابن أبي طالب، لذا كانت فضائل الإمام عليّ(عليه السلام) من أهم الموضوعات الّتي الفت فيها المؤلفات المستقلة، فقد أفرد ابن حنبل فضائله بدراسة مستقلة عن باقي الصحابة، وألف النسائي أحد أصحاب السنن كتاباً في خصائص أمير المؤمنين(عليه السلام)، وألف ابن أخي تبوك كتاباً باسم (مناقب عليّ بن أبي طالب ) ، وكذلك الخوارزمي الحنفي أسمى كتابه: المناقب: وهو خاص (بمناقب أمير المؤمنين)، ومن علماء المالكية ابن المغازلي الّذي سمى كتابه: مناقب عليّ بن أبي طالب، وكذلك الكنجي الشافعي في كتابه: كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وحمل نفس الاسم كتاب الشنقيطي وهو من العلماء المتأخرين. وغيرهم.
14- البلاذري: أنساب الأشراف 2 / 99، الزرندي: نظم درر السمطين 132 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page