في ضيافة الله
موعد مع الصبر
يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/153)
لقد تجمّعت في كتاب الله المجيد كل ركائز التربية ووسائلها وبواعثها، ولعل من أبرزها وأعلى درجاتها هو الصوم، إذ هو كفٌّ للنفس عن الأمور التي يحل التعامل معها في غير حالة الصيام. فإنها تربّي الإنسان وتدرّبه وتنمّيه على قوة الإرادة والعزم ، وتجعله قادراً على اجتناب ما أحلّه الله له في الحالات العادية.
ثم إن الله سبحانه وتعالى قد أمر في كتابه بالصيام على نمطين، النمط العام هو الصيام في شهر رمضان المبارك، وكتبه علينا كما كتب على الذين من قبلنا من الأمم الأخرى. والنمط الثاني هو الذي يخص بعض الأولياء، فهو بالإضافة إلى ترك الطعام والشراب، كذلك يجب ترك الكلام فيه، كما هو معروف في قصة النبي زكريا عليه السلام، حيث أمره الله تعالى بالخروج على قومه من المحراب وألاّ يكلمهم، كعلامة على ولادة ابنه يحيى. وكذلك في قصة مريم عليها السلام التي نذرت للرحمن صوماً فلم تكلم الناس، وأمرتهم بتوجيه خطابهم إلى طفلها الرضيع عيسى عليه السلام لإثبات نبوته وهو في المهد..
والصوم -أيضاً- قد أمر به أولاً في الحالات العادية في كل عام شهراً واحداً، وأمر به مرة أخرى حينما يحتاج الإنسان إليه، حيث قال ربنا تبارك وتعالى: ?يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَّلاَةِ? وقد فسّرت كلمة (الصبر) من هذه الآية المباركة على أنها الصيام، نظراً لأن الإنسان حينما يكون صائماً يكون أصبر عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية وعمّا أمر الله بتركه.
أما كيف تكون الاستعانة بالصوم؟
أولاً: أن الصائم يصبر عن هذه الشهوات الجسدية العاجلة، فتنمو إرادته وتتضاعف عزيمته قوةً.
ثانياً: إن الإنسان بصيامه يتقرب إلى الله تعالى، ومن أولى بنصره الإنسان من الله؟
ثالثاً: إن الصائم يقترب من المعنويات، وكلما أراد الإنسان عُروجاً الى عالم المعنويات، كان أقدر على الهيمنة على الماديات. فمن يصاب بمصيبة ، أو تلحق به خسارة اقتصادية، أو لم يجد للزواج سبلاً، فعليه الاستعانة بالصيام، بدلاً من الانهيار أمام المشاكل؛ فإنه إذا صام ازداد معنوية وعزماً واقتراباً الى مصدر القوة والربح والعناية والتوفيق، وهو الله جل وعز.