من أجل الإنسان
الكرامة الإنسانية في القرآن
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الاسراء/70)
لو عرفنا أنفسنا فإننا سنطوي مسافة شاسعة جداً، وسنقترب إلى حيث أراد الله وإلى ما نتطلع إليه من التعالي والتسامي.
فنحن لسنا كسائر المخلوقات والأحياء الأخرى التي وُجدت في هذه الحياة، فتراها تتمتع وتهيم ثم تغادر الدنيا كما جاءت..
كلا، فنحن ممن خلقه الله وكرّمه وفضّله وسخر له الأشياء ليكون مستحقا لخلقته، وليسمو إلى مستوى ضيافة الرحمن وجليسه في مقعد صدق. وهذه فرصة لا تعوَّض، وليس من المعقول تضييعها.
ولكن الملايين، بل آلاف الملايين من البشر أضاعوا فرصة عمرهم عبر التاريخ، فهبطوا إلى مستوى البهائم، ولم يعد ثم فرق بينهم وبينها؛ بل هم أضل سبيلا، كما عبر عنهم الخالق عز وجل نفسه.
وليس تحرر الإنسان ‘لا عدم خضوعه لغير العقل الذي يهديه إلى الله والشرع القويم، ويجنبه الوقوع في كمائن الشيطان والشهوات، والاستسلام للضغوط والإرهاب، لأن الإنسان الحر بحق يرى نفسه أكبر من السقوط، وأشرف من الشهوات، وأقوى من الضغوط والإرهاب والأطماع والرغبات والأنانيات.. وإذا كان الإنسان كذلك، فإنه استحق الحياة وسما إلى حقيقة الإنسانية وجوهرها.
ولكنه إذا انهار أمام ما يتعرض له من الفتن، فلا يسعه إدعاء الحرية والكرامة، كما لا يمكنه اشتراط عدم تعرضه للمصاعب والفتن في إطار نيله الكرامة.
إن الإنسان خلال حياته الدنيوية محكوم في الخوض في الفتن والتعرض للإرهاب والرغبات والبلاء عموما. فالتاريخ يضغط عليه، وكذلك التربية والمجتمع والسلطة.. وكل ذلك يريد سرقة الحرية والكرامة منه.
وهو ملزم أيضا بالانتصار على كل هذه العوامل، وليس ذلك ـ الانتصار ـ بالغريب على الإنسان الطموح إلى بلوغ جوهر الإنسانية ومن ثم جنان الخلد ورضوان الله.
فهذه السيدة الجليلة آسيا بنت مزاحم وزوجة فرعون، جاهدت ـ بما للكلمة من معنى ـ لنيل كرامتها وحريتها، ولم يخدعها ما كانت تتمتع به من إمكانات، كما لم يثن عزمها التعذيب الفرعوني الرهيب. ومثل آسيا الآلاف المؤلفة ممن استعادوا حرياتهم الحقيقية، ونالوا كرامتهم الأصيلة، مفضلين التحدي وتجاوز العقبات الكئيدة على الخضوع للشهرة العابرة والسقوط في مهاوي الدنيا المتلونة المضطربة. فالحرية في نظرهم العامل المهم في فرض النظام وبسط العدالة على مناحي الحياة، والاستمرار في عملية التحدي في طريق الحصول على الكرامة والكمال، مهما كلف ذلك من ثمن..