2643/ 1- جعفر بن محمّد الصادق، عن آبائه، عن عليّ عليهمالسلام، قال:
كنت أنا و رسولاللَّه صلى الله عليه و آله في المسجد بعد أن صلّى الفجر، ثمّ نهض و نهضت معه، و كان إذا أراد أن يتّجه إلى موضع أعلمني بذلك، فكان إذا أبطأ في الموضع صرت إليه لأعرف خبره، لأنّه لا يتقارّ قلبي على فراقه ساعة.
فقال لي: أنا متّجه إلى بيت عائشة.
فمضى، و مضيت إلى بيت فاطمة عليهاالسلام، فلم أزل مع الحسن والحسين عليهماالسلام و هي وأنا مسروران بهما.
ثمّ إنّي نهضت و صرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب.
فقالت لي عائشة: من هذا؟
قلت لها: أنا عليّ.
فقالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله راقد.
فانصرفت، ثمّ قلت: النبيّ صلى الله عليه و آله راقد، و عائشة في الدار؟ فرجعت و طرقت الباب.
فقالت لي عائشة: من هذا؟
فقلت: أنا عليّ.
فقالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله على حاجة.
فانثنيت مستحيياً من دقّي الباب، و وجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبراً، فرجعت مسرعاً، فدققت الباب دقّاً عنيفاً.
فقالت لي عائشة: من هذا؟
فقلت: أنا عليّ.
فسمعت رسولاللَّه صلى الله عليه و آله يقول لها: يا عائشة! افتحي (له) الباب.
ففتحت فدخلت، فقال لي: اقعد يا أباالحسن! اُحدّثك بما أنا فيه أو تحدّثني بإبطائك عنّي؟
فقلت: يا رسولاللَّه! (حدّثني)، فإنّ حديثك أحسن.
فقال: يا أباالحسن! كنت في أمر كتمته من ألم الجوع، فلمّا دخلت بيت عائشة و أطلت القعود ليس عندها شيء تأتي به مددت يدي، و سألت اللَّه القريب المجيب، فهبط عليّ حبيبي جبرئيل عليهالسلام و معه هذا الطير.
و وضع إصبعه على طائر بين يديه، فقال: إنّ اللَّه عزّ و جلّ أوحى إليّ أن آخذ هذا الطير و هو أطيب طعام في الجنّة، فأتيتك به يا محمّد!
فحمدت اللَّه كثيراً و عرج جبرئيل، فرفعت يدي إلى السماء، فقلت: اللهمّ يسّر عبداً يحبّك و يحبّني يأكل معي هذا الطائر.
فمكثت مليّاً، فلم أر أحد يطرق الباب، فرفعت يدي، ثمّ قلت: اللهمّ يسّر عبداً يحبّك و يحبّني و تحبّه و أحبّه يأكل معي هذا الطائر.
فسمعت طرقك الباب و ارتفاع صوتك، فقلت لعائشة: ادخلي عليّاً.
فدخلت فلم أزل حامداً للَّه حتّى بلغت إليّ، إذ كنت تحبّ اللَّه و تحبّني و يحبّك اللَّه و أحبّك، فكل يا علي!
فلمّا أكلت أنا و النبيّ صلى الله عليه و آله الطائر، قال لي: يا عليّ!
فقلت: يا رسولاللَّه! لم أزل، منذ فارقتك أنا و فاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام مسرورين جميعاً، ثمّ نهضت اُريدك، فجئت فطرقت الباب.
فقالت لي عائشة: من هذا؟
فقلت لها: أنا عليّ.
فقالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله راقد.
فانصرفت، فلمّا صرت إلى الطريق الّذي سلكته رجعت، فقلت: النبيّ صلى الله عليه و آله راقد و عائشة في الدار؟ لايكون هذا؟ فجئت فطرقت الباب.
فقالت لي: من هذا؟
فقلت: أنا عليّ.
فقالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله على حاجة.
فانصرفت مستحيياً، فلمّا انتهيت إلى الموضع الّذي رجعت منه أوّل مرّة وجدت في قلبي ما لم أستطع عليه صبراً، و قلت: النبيّ صلى الله عليه و آله على حاجة، و عائشة في الدار؟
فرجعت فدققت الباب الدقّ الّذي سمعته يا رسولاللَّه! فسمعتك يا رسولاللَّه! أنت تقول لها: ادخلي عليّاً.
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: أبيت إلّا أن يكون الأمر هكذا، يا حميراء! ما حملك على هذا؟
فقالت: يا رسولاللَّه! اشتهيت أن يكون أبي يأكل من الطير!!
فقال لها: ما هو بأوّل ضغن بينك و بين عليّ عليهالسلام، و قد وقفت على ما في قلبك لعليّ عليهالسلام إنّك لتقاتلينه.
فقالت: يا رسولاللَّه! و تكون النساء يقاتلن الرجال؟
فقال لها: يا عائشة! إنّك لتقاتلين عليّاً عليهالسلام، و يصحبك و يدعوك إلى هذا نفر من أصحابي، فيحملونك عليه، و ليكوننّ في قتالك له أمر تتحدّث به الأوّلون و الآخرون.
و علامة ذلك أنّك تركبين الشيطان، ثمّ تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع
الّذي يقصد بك إليه، فتنبح عليك كلاب الحوئب، فتسألين الرجوع فيشهد عندك قسامة أربعين رجلاً ما هي كلاب الحوئب، فتصيرين إلى بلد أهله أنصارك هو أبعد بلاد على الأرض إلى السماء و أقربها إلى الماء، و لترجعين و أنت صاغرة غير بالغة (إلى) ما تريدين.
و يكون هذ الّذي يردّك مع من يثق به من أصحابه، إنّه لك خير منك له، و لينذرنّك ما يكون الفراق بيني و بينك في الآخرة، و كلّ من فرّق عليّ عليهالسلام بيني و بينه بعد وفاتي، ففراقه جائز.
فقالت: يا رسولاللَّه! ليتني متّ قبل أن يكون ما تعدني.
فقال لها: هيهات! هيهات! والّذي نفسي بيده؛ ليكوننّ ما قلت، حتّى كأنّي أراه.
ثمّ قال لي: قم يا عليّ! فقد وجبت صلاة الظهر حتّى آمر بلالاً بالأذان.
فأذّن بلال و أقام الصلاة و صلّى و صلّيت معه ولم نزل في المسجد. (1).
أقول: و خبر الطير كثير متواتر، و قال الشيخ: قد استدلّ به أميرالمؤمنين عليهالسلام على فضله في قصّة الشّورى بمحضر من أهلها، فما كان فيهم إلّا من عرفه و أقرّ به، والعلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها، فصار متواتراً.
ورواه المخالفين من عدّة طرق، و صنّف أحمد بن سعيد كتاب الطير.
و قال القاضي أحمد: قد صحّ عندي حديث الطير، و قد رواه خمسة و ثلاثون رجلاً من الصحابة عن أنس، و عشرة عن رسولاللَّه صلى الله عليه و آله.
ورواه الشافعي وابن المغازليّ من ثلاثين طريقاً، وابن بطريق من مسند أحمد، و من مناقب ابن المغازلي بأربعة و عشرين سنداً، و راجع تنقيح العلّامة المجلسي رحمهالله.
إلّا أنّي لمّا رأيت في هذا الخبر الّذي ذكرت ذكراً من فاطمة عليهاالسلام أوردته، و ذكرت مراراً أنّ في هذا الكتاب نذكر روايات الّتي فيها ذكرت فاطمة عليهاالسلام بأيّ مناسبة كانت، و نحن بصدد جمع الروايات الّتي ذكرت فيها فاطمة الزهراء عليهاالسلام بأيّ لفظة كانت، و نرجو و نسأل من اللَّه تعالى أن يوفّقني لهذا المقصود، والحمد للَّه أوّلاً و آخراً، و هو وليّ التوفيق.
فراجع «البحار» ذكر أسامي عدّة كثيرة من أئمّة الحديث من علماء الّذين رووا حديث الطير في كتبهم. (2)
_________
(1). البحار: 38/ 348- 350 ح 1، عن الاحتجاج.
(2). البحار: 38/ 352- 360
مسرّة فاطمة مع عليّ و ابنيها في خبر الطير و ظهور حسد عائشة
- الزيارات: 627