• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أولاً: الآيات القرآنية

إنّ هناك آيات كريمة تثبت أن النفاق كان موجوداً في مكة المكرمة قبل هجرة النبي(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة:
1ـ قوله تعالى في سورة المدثر: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}(1)، ومن الثابت لدى جميع العلماء والمفسرين أن سورة المدثر من السور المكية، لا سيما هذه الآية التي هي مورد البحث، من الواضح أيضاً أن المرض المذكور في الآية المباركة هو مرض النفاق كما نص على ذلك المفسرون.
قال ابن كثيرفي تفسيره للآية: > {وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم} أي: من المنافقين {وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً{أي: يقولون ما الحكمة في ذكر هذا ههنا؟(2).
وقال الشوكاني: "المراد بـ {الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} هم المنافقون"(3).
والآية المباركة تقسم الناس في ذلك الوقت إلى أربعة طوائف، هم أهل الكتاب والمؤمنون والكافرون والذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون، والآية تتحدث أيضاً عن مثل قرآني ضربه الله تعالى حول عدة أصحاب النار من الملائكة، وقد انقسمت حياله تلك الطوائف الأربعة انقساماً حقيقياً خارجياً بين من استيقن وزادته إيماناً وبين من ارتاب ودخله الشك والتردد والاستغراب من المنافقين والكافرين، فالمنافقون أخفوا ذلك وأعلنه الكافرون، إذن فالآية المباركة تنص على وجود طائفة من المنافقين في مكة المكرمة أعلنوا إسلامهم وأخفوا شكهم وريبهم في الدين لأسباب ودواع سنذكرها لاحقاً.
وأمام هذه الصورة الواضحة التي طرحتها الآية حول المنافقين في مكة حار المفسرون من أعلام الطائفة السنية في تفسيرها فجاءت كلماتهم وتفسيراتهم لهذه الحقيقة مرتبكة ومضطربة ومشوشة وبعيدة كل البعد عن مقصود الآية، فمنهم من حمل مراد الآية على ما سيقع من النفاق في المدينة من دون أن يبرز قرينة على ذلك من الآية (4)، ومنهم من ركب متن الشطط جاعلاً المراد بمرض القلوب هم الكافرون أنفسهم(5)، مع أن الآية عدت الذين في قلوبهم مرض قسماً آخر في قبال الكافرين كما فهمه أكثر المفسرين، ومنهم من حمل المراد من مرض القلب على الاضطراب وضعف الإيمان(6)، إلى غير ذلك من التمحلات التي كان القصد منها الفراروعدم الإذعان بوجود النفاق في مكة.
2ـ قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}(7)، وهذه أيضاً من الآيات المكية التي نزلت في بعض المنافقين بمكة.
قال الواحدي النيسابوري في أسباب النزول: "وقال الضحاك: نزلت في أناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك"(8).
وبنفس المضمون ما ذكره القرطبي في تفسيره(9).
وهذا يكشف عن وجود النفاق بين المسلمين في مكة رغم الظروف الصعبة والمخاطر المحدقة بهم وسطوة قريش في ذلك الحين، مما يتعارض مع إنكارك المطلق لمسألة النفاق في مكة.
3ـ قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (10).
أجمع المفسرون على ذكر أن هذه الآية المباركة نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يستحكم الإيمان في نفوسهم وقد خرجوا مع المشركين يوم بدر وأظهروا النفاق عندما رأوا قلة المسلمين.
قال مقاتل في تفسيره: "نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن الوليد بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية، كان هؤلاء المسلمون بمكة، ثم أقاموا بمكة مع المشركين فلم يهاجروا إلى المدينة، فلما خرج كفار مكة إلى قتال بدر، خرج هؤلاء النفر معهم، فلما عاينوا قلة المؤمنين شكوا في دينهم وارتابوا، فقالوا: (غر هؤلاء دينهم) يعنون أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله)"(11).
وقال ابن عباس: "نزلت الآية في الذين أسلموا بمكة وتخلفوا عن الهجرة فأخرجهم أهل مكة إلى بدر كرهاً، فما رأوا قلة المؤمنين ارتابوا ونافقوا، وقالوا لأهل مكة: (غر هؤلاء دينهم)"(12).
وقال الثعلبي: "نزلت في ناس من أهل مكة دخلوا في الإسلام ولم يهاجروا، منهم قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأنهم أظهروا الإيمان وأسروا النفاق، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين، فلما التقى الناس ورأوا قلة المؤمنين قالوا: (غر هؤلاء دينهم)"(13).
إلى غير ذلك من الآيات القرآنية الأخرى التي تفيد أن النفاق لم يقتصر على المدينة، وإنما كان له وجود في مكة قبل الهجرة.
مضافاً إلى ذلك ما أثبتته كتب الحديث والتاريخ.


____________
(1) المدثر: 31.
(2) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4 ص447.
(3) الشوكاني، فتح القدر: ج5 ص330، عالم الكتب ـ بيروت.
(4) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج19 ص82.
(5) الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي: ج30 ص207.
(6) ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز: ج5 ص396، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(7) العنكبوت: 10ـ 11.
(8) الواحدي النيسابوري: ص178، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(9) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج13 ص330.
(10) الأنفال: 49.
(11) مقاتل، تفسير مقاتل: ج2 ص22، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(12) أبو الليث السمرقندي، تفسير السمرقندي: ج2 ص26، دار الفكر ـ بيروت.
(13) الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج3 ص371، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page