طباعة

دور الإمامة في بناء الإنسان والحياة

وليس من الغريب القول بأن معرفة قضية الإمامة وتحديد الموقف منها هو الذي يحدد مسار الإنسان واتجاهه في هذه الحياة. وعلى أساس هذا التحديد، والمعرفة والاعتراف يتحدد مصيره، ويرسم مستقبله، وبذلك تقوم حياته، فيكون سعيداً أو شقياً، في خط الإسلام وهداه، أو في متاهات الجاهلية وظلماتها، كما أشير إليه في الحديث الشريف: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» أو ما بمعناه(1).
فعلى أساس الاعتقاد بالإمامة وطريقة التعامل معها يجسد الإنسان على صعيد الواقع، والعمل، مفهوم الأسوة والقدوة، الذي هو حالة طبيعية، يقوم عليها ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ بناء وجوده وتكوين شخصيته، منذ طفولته.
كما أن لذلك تأثيره الكبير في تكوينه النفسي، والروحي، والتربوي، وفي حصوله على خصائصه الإنسانية، وفي حفاظه على ما لديه منها.
وعلى أساس هذا الاعتقاد، وذلك الموقف ـ أيضاً ـ يختار أهدافه، ويختار السبل التي يرى أنها توصله إليها.
والإمامة هي التي تبين له الحق من الباطل، والحسن من القبيح، والضار من النافع.
وعلى أساس الالتزام بخطها يرتبط بهذا الإنسان أو بذاك، ويتعاون معه، ويتكامل، أو لا يفعل ذلك.
كما أنها هي التي تقدم للإنسان المعايير والنظم، والمنطلقات التي لا بد أن يلتزم بها، وينطلق منها، ويتعامل ويتخذ المواقف ـ إحجاماً أو إقداماً ـ على أساسها.
أضف إلى ذلك: أنها تتدخل في حياته الخاصة، وفي ثقافته، وفي أسلوبه وفي كيفية تفكيره.
ومن الإمام يأخذ معالم الدين، وتفسير القرآن، وخصائص العقائد، ودقائق المعارف. وهذا بالذات هو السر في اختلاف الناس في ذلك كله، واختلفوا في تحديد من يأخذون عنه دينهم، وفي من يتخذونه أسوة وقدوة.
إذن.. فموضوع الغدير، ونصب الإمام للناس، وتعريفهم به، لا يمكن أن يكون على حد تنصيب خليفة، أو حاكم، أو ما إلى ذلك، بل الأمر أكبر وأخطر من ذلك.. كما أنه ليس حدثاً عابراً فرضته بعض الظروف، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى تبعاً لتلاشي وانتهاء الظروف التي فرضته أو أوجدته، وليصبح في جملة ما يحتضنه التاريخ من أحداث كبيرة، وصغيرة، لا يختلف عنها في شيء، ولا أثر له في الحياة الحاضرة إلا بمقدار ما يبعثه من زهو، واعتزاز، أو يتركه من مرارة وألم على مستوى المشاعر والانفعالات لا أكثر.
بل أمر الإمامة، يمس في الصميم حقيقة هذا الإنسان، ومصيره ومستقبله، ودنياه وآخرته، ويؤثر في مختلف جهات وجوده وحياته.
ومعنى ذلك هو أنه لا بد من حسم الموقف في هذا الأمر، ليكون الإنسان على بصيرة من أمره، فلا يموت ميتة جاهلية. كما تقدم عن الرسول الأعظم [صلى الله عليه وآله].
واشتراط الحديث الشريف تحصيل معرفة الإمام في النجاة من الهلكة، وذلك في صيغة عامة تشمل كل إنسان، حتى ولو لم يكن يعتنق الإسلام، حيث قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه..»، ولم يقل: إذا مات المسلم ولم يعرف.. الخ..


_____________
(1) راجع: الغدير ج1، ص 390 عن التفتازاني في شرح المقاصد ج2، ص 275، وكنز الكراجكيي، ص151، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص217، ومجمع الزوائد ج5، ص 224 و 225 و 219 و 218، ومسند أحمد ج 4، ص 96، والبحار ج 23، ص92 و 88 و 89 وفي هوامشه عن الإختصاص: 269، وعن إكمال الدين، ص 230 و231، وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام، ص 219، ومنتخب الأثر، ص15 عن الجمع بين الصحيحين والحاكم.