طباعة

بعض ما قاله المعتزلي هنا

هذا.. وقد أكد المعتزلي هذه الحقيقة في مواضع من شرحه لنهج البلاغة. ونحن نذكر هنا فقرات من كلامه، ونحيل من أراد المزيد على ذلك الكتاب، فنقول:
قال المعتزلي: «إن قريشاً اجتمعت على حربه منذ بويع، بغضاً له وحسداً، وحقداً عليه؛ فأصفقوا كلهم يداً واحدة على شقاقه وحربه، كما كانت في ابتداء الإسلام مع رسول الله [صلى الله عليه وآله]، لم تخرم حاله من حاله أبداً»(1).
وقال: «إنه رأى من بغض الناس له، وانحرافهم عنه، وميلهم عليه، وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم، واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم، وتذكروا الترات التي وترهم فيما قبل بها، والدماء التي سفكها منهم، وأراقها.
إلى أن قال:
وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله [صلى الله عليه وآله]، لشدة اختصاصه له، وتعظيمه إياه، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة على رفعة شأنه، وعلو مكانه، وما اختص به من مصاهرته وأخوّته، ونحو ذلك من أحواله.
وتنكّر قوم آخرين له، لنسبتهم إليه العجب والتيه ـ كما زعموا ـ واحتقاره العرب، واستصغاره الناس، كما عددوه عليه، وإن كانوا عندنا كاذبين، ولكنه قول قيل، وأمر ذكر..»(2).
وقال: «فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها، حين بويع بالخلافة، بعد وفاة رسول الله [صلى الله عليه وآله] بخمس وعشرين سنة، وفي دون هذه المدة تُنسى الأحقاد، وتموت الترات، وتبرد الأكباد الحامية، وتسلوا القلوب الواجدة، ويعدم قرن من الناس، ويوجد قرن، ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل».
«فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه [صلى الله عليه وآله] من إظهار ما في النفوس، وهيجان ما في القلوب، حتى إن الأخلاف من قريش، والأحداث والفتيان، الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم، فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله، وتقاعست من بلوغ شأوه»(3).
وقال: «اجتهدت قريش كلها، من مبدأ الأمر في إخمال ذكره، وستر فضائله، وتغطية خصائصه، حتى مُحي فضله ومرتبته من صدور الإسلام»(4).
وقال: «إن قريشاً كلها كانت تبغضه أشد البغض..
إلى أن قال:
«ولست ألوم العرب، ولا سيما قريشاً في بغضها له، وانحرافها عنه، فإنه وترها، وسفك دماءها، وكشف القناع في منابذته. ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم!»(5).
هذا وقد أشار إلى بغض قريش ومنابذتها له في مواضع عديدة أخرى من كتابه، فليراجعها من أراد(6).
واستقصاء النصوص الدالة على هذا الأمر غير متيسر، بل هو متعذر، بسبب كثرته وتنوعه، وتفرقه في المصادر التي تعد بالمئات.

_________
(1) شرح النهج ج 16، ص 151.
(2) شرح النهج ج11، ص 112 و 113.
(3) شرح النهج ج 11، ص 114.
(4) شرح النهج ج18، ص 18.
(5) شرح النهج ج 14، ص 299.
(6) راجع شرح النهج ج9، ص 28 و29 و52 وج4، ص 74 ـ 104.