• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التدبير النبوي

وتوضيحاً لما جرى نقول:
لقد حج النبي صلى الله عليه وآله، في تلك السنة، فاجتمع إليه مئة وعشرون ألفاً، أو تسعون ألفاً، أو سبعون ألفاً.. ليحجوا معه، وقيل غير ذلك..(1).
وكان معظم هؤلاء الناس قد أسلموا، أو أرسلوا وفوداً إلى المدينة ليعلموه بإسلامهم بعد فتح مكة أي في سنة تسع ـ سنة الوفود ـ وسنة عشر، وأما المسلمون من عدا هؤلاء، وأهل المدينة أنفسهم، فكانوا قلة قليلة جداً، حتى إن النبي صلى الله عليه وآله، قال لهم في سنة ست: «اكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام» فكتب له حذيفة ألفاً وخمس مئة رجل..(2).
وفي رواية أخرى: «ونحن ما بين الست مئة إلى السبع مئة»..(3) ولا شك أن فيهم صحيح الإيمان، وفيهم المدخول والمنافق قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}(4).
ومن الواضح: أن الذين تلفظوا بالإسلام كانوا منتشرين في المدينة وحولها، وفي الحبشة أيضاً، وفي غير ذلك من المناطق.
وقد فرض الإسلام وجوده، وهيبته تلك السنين التي كانت زاخرة بالتحديات، وسمع به القاصي والداني..
وكان المهاجرون في المدينة، فريقان:
أحدهما: الأنصار، وهم أهل المدينة أنفسهم.
والآخر: القرشيون المهاجرون من مكة ـ بصورة عامة ـ.
وكان المهاجرون يدبرون لإبعاد أمر الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله عن الإمام علي عليه السلام، وقد تعاهدوا وتعاقدوا على ذلك..
وكان المراقب لتصرفاتهم في مختلف الموارد يدرك مدى انحرافهم عن الإمام علي عليه السلام، وأنهم تكتل واضح المرامي والأهداف، ظاهر التباين والاختلاف، لا مجال لأن يفكر بالإنصياع للتوجيهات النبوية، ولا حتى للقرارات الإلهية فيما يرتبط بالإمام علي عليه السلام، في مختلف الظروف والأحوال..
وقد حج منهم مع رسول الله بضع عشرات، قد لا يصلون إلى المئات.. ولكن ثقلهم الحقيقي كان في مكة، التي أظهرت في السنة الثامنة من الهجرة، الاستسلام للإسلام، بالإضافة إلى ما حولها من البلاد والعباد، الذين يخضعون لنفوذها، ويلتقون في مصالحهم معها..
ولأجل ذلك وجد المهاجرون الطامحون، في قريش، وفي مكة وما والاها، عضداً قوياً، وسنداً لهم، شجعهم على مواجهة رسول الله صلى الله عليه وآله، بهذه الحدة والشدة التي سلفت الإشارة إليها..
وبعد أن فعلوا فعلتهم الشنيعة تلك، وظنوا أنهم قد ربحوا معركتهم ضد رسول الله صلى الله عليه وآله، بمنعهم إياه من الإعلان على الحجيج تنصيب علي في مقام الإمامة.
كان التخطيط النبوي الحكيم يقضي، بأن يخرج النبي صلى الله عليه وآله من مكة فور انتهاء مراسم الحج مباشرة، ومن دون تفويت ساعة، بل دقيقة واحدة من الوقت، فنفر في اليوم الثالث عشر من منى بعد الزوال..(5) وبعد أن طاف بالبيت خرج من مكة..(6).
لأن أي تعلل، أو تأخر، سوف يكون معناه أن يخرج أشتات من الناس إلى بلادهم ولا يتمكن النبي صلى الله عليه وآله، من إيصال ما يريد إيصاله إليهم.
وقد قطع صلى الله عليه وآله المسافة ما بين مكة والجحفة، حيث يوجد غدير خم، وهي عشرات الكيلومترات، ـ فقطعها ـ في أربعة أيام فقط، ثم نصب علياً هناك إماماً للأمة، وبايعه حتى أشد الناس اعتراضاً على رسول الله، ولم يجرؤا على التفوه ببنت شفة إلا همساً..
لأنهم وجدوا أنفسهم أفراداً قليلين، لا يتجاوزون بضع عشرات من الناس بين عشرات الألوف، فإن حماتهم، وهم مكة وما ولاها، قد بقيت وراء ظهورهم، وأما اليمن، فقد أسلمت طائفة من أهلها قبل أيام يسيرة على يد الإمام علي عليه السلام، الذي لحق برسول الله صلى الله عليه وآله في مكة.. مع بعض من أسلم على يديه..
ظهور الأحقاد والمصارحة المرة:
وقد تقدمت كلمات أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام] التي صرح فيها بأن العرب كرهت أمر محمد [صلى الله عليه وآله]، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتى قذفت زوجته، ونفرت به ناقته.
ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة للرياسة، وسلماً إلى العز والإمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً.
وعلى هذا، فإن من الطبيعي جداً: بعد أن جرى ما جرى منهم معه [صلى الله عليه وآله] في منى وعرفات وبعد أن تأكد لديهم إصرار النبي [صلى الله عليه وآله] على جعل الأمر في أهل بيته، ولعلي [عليه السلام] على وجه الخصوص، أن يظهر الحقد والبغض على وجوههم، وفي حركاتهم وتصرفاتهم، وعلى مجمل مواقفهم. وصاروا يعاملون رسول الله [صلى الله عليه وآله] معاملة غريبة، وبصورة بعيدة حتى عن روح المجاملة الظاهرية.
وقد واجههم رسول الله [صلى الله عليه وآله] بهذه الحقيقة، وصارحهم بها، في تلك اللحظات بالذات. ويتضح ذلك من النص المتقدم في الفصل السابق والذي يقول:
عن جابر بن عبدالله: أن رسول الله [صلى الله عليه وآله] نزل بخم فتنحى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق على النبي تأخر الناس، فأمر علياً، فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسداً [يد] علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثنى عليه.. ثم قال:
«أيها الناس، إنه قد كَرِهْتُ تخلفكم عني، حتى خُيِّلَ إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني»(7).
وروى ابن حبـان بسند صحيح على شرط البخاري ـ كما رواه آخرون بأسانيد بعضها صحيح أيضاً:
إنه حين رجوع رسول الله [صلى الله عليه وآله] من مكة، ـ حتى إذا بلغ الكديد أو [قدير]، جعل ناس من أصحابه يستأذنون، فجعل [صلى الله عليه وآله] يأذن لهم.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله]:
«ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر؟».
قال: فلم نر من القوم إلا باكياً.
قال: يقول أبو بكر: «إن الذي يستأذنك بعد هذا لسفيه في نفسي الخ..»(8).

 

_______________

 (1) راجع السيرة النبوية لأحمد دحلان باب حجة الوداع.
(2) الإحتجاج ج1 ص200 والبحار ج28 ص202 والصراط المستقيم ج2 ص82 عن كتاب أبطال الاختيار، بسنده عن أبان بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام.
(3) راجع ذلك في كتاب: السوق في ظل الدولة الإسلامية ص68.
(4) الآية 101 من سورة التوبة.
(5) السيرة الحلبية ط سنة 1391 هـ ج3 ص306.
(6) المصدر السابق ج3 ص307.
(7) راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 25 والعمدة لابن البطريق ص 107 والغدير ج 1 ص 22 عنه وعن الثعلبي في تفسيره، كما في ضياء العالمين.
(8) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج1، ص 444 ومسند أحمد ج4، ص 16 ومسند الطيالسي ص 182 ومجمع الزوائد ج10، ص 408 وقال: رواه الطبراني، والبزاز بأسانيد رجال بعضها عند الطبراني والبزاز رجال الصحيح، وكشف الأستار عن مسند البزار ج4، ص 206 وقال في هامش [الإحسان]: إنه في الطبراني برقم: 4556 و4559 و4557 و4558 و4560.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page