وقد كان هذا هو حال علي (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنك لا تكاد تجد ذكراً كثيراً لأمير المؤمنين (عليه السلام) آنئذ، إلا في حدود العمل بالواجب الموكل إليه، وتنفيذ أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله). فكان (عليه السلام) الرجل السامع المطيع لله ولرسوله. الذي لا يجيز لنفسه أن يكون له صوت أو حركة إلا في سياق الاستجابة إلى ما يطلبه رسول الله منه، ويدفعه إليه.
وذلك يجعلك تشعر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المتصرف في الأمور، وهو وحده الذي يحكم ويقرر في كل شيء، أما علي (عليه السلام)، فإنك تكاد لا تشعر بأنه موجود أصلاً، إلا على النحو الذي أشرنا إليه..
أما غير علي صلوات الله وسلامه عليه، فإنهم كانوا جريئين على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهم يعترضون ويجادلون، ويقترحون، ويرفضون، بجرأة تارة، ويقبلون على مضض أخرى، أو عن رضى ثالثة، ثم تعلو أصواتهم في بعض الحالات، حتى إذا جاء التهديد الإلهي كما حصل بالنسبة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(1).. فإنهم يستكينون ويسكتون حتى لا تكاد تسمع لهم صوتاً إلا على سبيل الهمس والإشارة.
ولم يكن علي (عليه السلام) كهؤلاء أبداً، بل هو يرى أن للنبي (صلى الله عليه وآله) ـ دون سواه ـ الأمر والنهي، والقرار. والموقف. وليس عليه هو وعلى غيره إلا السمع والطاعة، والانقياد والتسليم..
وقد كان هذا هو الفرق أيضاً بين عائشة وأم سلمة في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وكان ذلك هو حال الحسنين مع أبيهما صلوات الله وسلامه عليهم. وحال الحسين عليه السلام مع الإمام الحسن عليه السلام.
وهكذا كان حال هارون مع موسى، فإن حال هؤلاء جميعاً لا يختلف عن حال علي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
____________
(1) سورة المائدة آية 67.
علي (عليه السلام) مع الرسول (صلى الله عليه وآله)
- الزيارات: 649