وهناك رواية أوردها الدولابي, وابن الأثير, وغيرهما تقول:
لما تأيمت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) من عمر بن الخطاب دخل عليها الحسن والحسين أخواها، فقالا لها: إنك من عرفت، سيدة نساء العالمين، وبنت سيدتهن، وإنك والله لئن أمكنت علياً من رقبتك (رمّتك) لينكحنك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنه.
فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكئ على عصاه.. (ثم تذكر الرواية كلاما له معهم) ثم تقول:
فقال: أي بنية، إن الله قد جعل أمرك بيدك، فأنا أحب أن تجعليه بيدي.
فقالت: أي أبه، والله إني لامرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء، فأنا أحب أن أصيب ما يصيب النساء من الدنيا، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي.
فقال: لا والله يا بنية، ما هذا من رأيك ما هو إلا رأي هذين.
ثم قام فقال: والله لا أكلم رجلاً منهم أو تفعلين.
فأخذا بثيابه فقالا: اجلس يا أبه، فوالله ما على هجرانك من صبر، اجعلي أمرك بيده.
فقالت: قد فعلت..
فقال: فإني قد زوجتك من عون بن جعفر.
وإنه لغلام. ثم رجع إليها فبعث إليها بأربعة آلاف درهم، وبعث إلى ابن أخيه فأدخلها عليه(1).
قال ابن اسحاق فما نشب عون أن هلك، فرجع إليها علي، فقال: يا بنية، اجعلي أمرك بيدي، ففعلت فزوجها محمد بن جعفر(2).. ثم يذكر الطبري: أنه زوجها بعبد الله بن جعفر أيضاً(3).
ونقول:
يرد على هذه الرواية ما يلي:
أولاً:
إن سيدة نساء المسلمين في وقتها هي أختها الحوراء زينب (عليها السلام)، لا أم كلثوم.
ثانياً:
هل سبق أن أنكح علي (عليه السلام) بناته أيتام أهله، سوى أنه أنكح زينباً عبدالله بن جعفر، وهو رجل له مكانته، وموقعه، وليس بالذي يعير به أحد. فإنه من سراة القوم..
ثالثاً:
هل كان الحسنان (عليهما السلام) وأم كلثوم يحبون المال العظيم، والحياة الدنيا..
ولماذا لا يأخذان بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير؟(4).
رابعاً:
إن جرأة أم كلثوم على أبيها، وإظهار أنها ترغب فيما ترغب فيه النساء لهو أمر يثير الدهشة. ولاسيما من امرأة تربت في حجر علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما، وعرفت معاني العفة، والزهد والتقوى..
ولم يعرف عنها طيلة حياتها إلا ما ينسجم مع هذه الروح، ولا يشذ عن هذا السبيل..
خامساً:
لماذا يهجر ولديه ويقطع صلته بهما من أجل الحصول على هذا الأمر الذي جعله الله سبحانه لها دونه باعترافه (عليه السلام) ـ حسب زعم الرواية؟!
سادساً:
ما معنى التعبير عن عون بن جعفر بالقول: "وإنه لغلام" مع أنه كان شاباً يشارك في الحروب، ويقاتل ويستشهد، كما ذكرناه فيما تقدم.
سابعا:
قد تقدم أن زواجها من عون وإخوته موضع شك أيضاً، فإن عوناً ومحمداً إذا كانا قد قتلا سنة 17 هجرية أي في نفس السنة التي تزوجت فيها عمر، فكيف نوفق بين ذلك وبين حقيقة أن عمر إنما مات سنة 23 هجرية؟! وإذا كان عون وأخوه قد ماتا في الطف، فكيف تزوجها أخوه محمد من بعده، ثم تزوجها عبدالله؟.
وإذا كان المتولي لتزويجها للجميع هو أبوها كما يقول البعض ـ حسبما قدمناه ـ فإن أباها كان قد استشهد قبل وقعة الطف بعشرين سنة.
_____________
(1) راجع: الـذرية الطاهرة للـدولابي ص161 و162 وأسـد الغابة ج5 ص615 والـدر = = المنثور في طبقات الخدور ص62 والإصابة ج4 ص492. وراجع سير أعلام النبلاء ج3 ص501 و502 وذخائر العقبى ص170 و171 وسيرة ابـن إسحاق ص250 وراجع: فاطمة الزهراء للعقاد ص24.
(2) سيرة ابن إسحاق ص250 وذخائر العقبى ص171 والذرية الطاهرة ص163.
(3) راجع: ذخائر العقبى ص171 والذرية الطاهرة ص163.
(4) الكافي ج5 ص347.
رواية مكذوبة
- الزيارات: 430