أولاً: إن إصرار علي (عليه السلام) على صغر سنها، خير شاهد على عدم صحة القول بأن عمرها كان إحدى عشرة سنة.. فإنه أبوها، وأعرف الناس بها، وهو الإمام المعصوم.
ثانياً: قد يقال: إن المراد بأنها لم تبلغ هو أنها لم تبلغ بالحيض، كما هو رأي هذا الفريق من الناس في البلوغ الشرعي. فيكون كلامه هذا قد جاء على سبيل الإلزام لهم لما يلزمون به أنفسهم.
ثالثاً: لا دليل على صحة كلام صاحب السر المكتوم في أنها ولدت في السادسة من الهجرة.. بل في إصرار علي (عليه السلام) على صغرها، ثم في استهجان الناس لهذا الزواج بسبب صغرها أيضاً ما يدل على بطلان هذا القول..
ومهما يكن من أمر فقد صرحت بعض الروايات: بذلك، أي بأن أم كلثوم كانت حين خطبة عمر لها جارية لم تبلغ ـ كما عند ابن سعد(1).
وقال الزرقاني: "أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب مات عنها قبل بلوغها(2).
وذكـر المازنـدراني الحائري: أنها ولـدت قبل وفاة النبي بثلاث سنوات(3).
بل أقل من ذلك، بدليل أنهم يقولون: إن عمر زينب كان حين خروجها إلى كربلاء سبعاً وخمسين سنة(4) وزينب كانت أكبر من أم كلثوم قطعاً..
فتكون ولادة أم كلثوم قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بسنة أو بسنتين على أبعد تقدير.
واعتذار علي(عليه السلام) بهذا الأمر بالذات - كما صرحت به الروايات كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار(5).
وفي نص آخر: خطب عمر إلى علي (عليه السلام) ابنته فقال: إنها صغيرة، فقيل لعمر: إنما يريد بذلك منعها، فكلمه، فقال علي(عليه السلام)، أبعث بها إليك الخ..(6).
وعند ابن اسحاق: فاعتل علي (عليه السلام)، عليه وقال: إنها صغيرة، فقال عمر: لا والله، ما ذاك بك، ولكن أردت منعي، فإن كان كما تقول فابعثها إلي.
فرجع علي(عليه السلام) فدعاها فأعطاها حلة وأرسلها إليه، فأخذ بذراعها فاجتذبتها منه، وقالت: أرسل. فأرسلها وقال: حصان كريم، انطلقي فقولي له: ما أحسنها وأجملها، ليست - والله - كما قلت فزوجها إياه(7).
وعند أبي عمر: فقيل له ردك. فعاوده، فقال له علي(عليه السلام): أبعث بها إليك الخ..(8).
بل في بعض الروايات: أن علياً (عليه السلام) أرسل ابنته إلى عمر: لتقول له: إني قد قضيت حاجتك التي طلبت فأخذها عمر فضمها إليه، فقال: إني خطبتها إلى أبيها فزوجنيها.
قيل: يا أمير المؤمنين، ما كنت تريد إليها؟ إنها صبية صغيرة.
قال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي الخ..(9).
ونقول:
إن هذا الحديث الأخير ظاهر الدلالة على أن الناس قد استهجنوا إصرار الخليفة على الزواج من طفلة صغيرة، حتى احتاج إلى الإعتذار عن ذلك، ودفع الإشكال عن نفسه.
وقد دلت الروايات المتقدمة أيضاً على أن عمر كان مصراً على رفض كلام أمير المؤمنين إلى درجة أنه لم يرض بقوله: إنها صغيرة، حتى طلب أن يريه إياها. وأصرّ على أنه إنما يتعلل بذلك لكي يمنعها منه.
____________
(1) طبقات ابن سعد ج8 ص463.
(2) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج7 ص9.
(3) راجع: معالي السبطين ص 685.
(4) المصدرالسابق، عن الذهبي في الأسماء والكنى.
(5) البحار ج25 ص247 وج42 ص97 وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص149 وكنز العمال ج13 ص624 عن ابن عساكر، وأبي نعيم في المعرفة وشرح الأخبار ج2 ص506 والعمدة لابن البطريق ص287 وكتاب الأربعين للماحوزي ص310 وراجع الطرائف ص76 عن مسند أحمد وذخائر العقبى ص169 عن أحمد في المناقب وعن ابن السمان وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص137.
(6) كنز العمال ج16 ص510 عن عبد الرزاق وغيره وحياة الصحابة ج2 ص270.
(7) سيرة ابن إسحاق ص248 والذرية الطاهرة ص157 و158 تأليف: محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الدولابي، وذخائر العقبى ص 167.
(8) الصوارم المهرقة ص200 والاستيعاب ج4 ص491 مطبوع مع الإصابة.
(9) ذخائر العقبى ص169 عن الدولابي، وخرج ابن السمان معناه وسيرة ابن إسحاق ص248 و249 والذرية الطاهرة ص159.
غير أننا نقول
- الزيارات: 440