• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أي إجماع على بيعة يزيد

ثم أي إجماع صحيح من رجال الدين صحح لابن عمر بيعة يزيد الممجوج عند الصحابة والتابعين، المنبوذ لدى صلحاء الأمة، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور على حد قول شاعر القضاة الأستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير ص 217:
رافع الصوت داعيا للفلاح * اخفض الصوت في أذان الصباح
وترفق بصاحب العرش مشغولا * عن الله بالقيان الملاح
ألف " الله أكبر " لا يساوي * بين كفي يزيد نهلة راح
تتلظى في الدنان بكرا فلم * تدنس بلثم ولا بماء قراح
والأمة مجمعة على شرطية العدالة في الإمامة، قال القرطبي في تفسيره 1: 231:
الحادي عشر - من شروط الإمامة - أن يكون عدلا لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم لقوله عليه السلام:
أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون. وفي التنزيل في وصف طالوت: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوة.
وقال في صفحة 232: الإمام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور:
إنه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض فيها، فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله، ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له وكذلك هذا مثله. هـ
أجل: المائة ألف المقبوضة من معاوية لتلك البيعة الغاشمة (1) جعلت الفرقة لابن عمر إجماعا، والاختلاف إصفاقا، كما فعلت مثله عند غير ابن عمر من سماسرة النهمة والشره، فركضوا إلى البيعة ضابحين يقدمهم عبد الله فبايعه بعد أبيه وكتب إليه ببيعته، ونصب عينه الناهض الكريم، والفادي الأقدس، الحسين السبط سلام الله عليه المتحلي بآصرة النبوة، وشرف الإمامة، وعلم الشريعة، وخلق الأنبياء، والفضائل المرموقة، سيد شباب أهل الجنة أجمعين، وقد حنت إليه القلوب، وارتمت إليه الأفئدة فرحين بكسر رتاج الجور، ورافضين لمن بعده.
لكن الرجل لم يتأثر بكل هذه ولم يرها خلافا، ونبذ وصية نبيه الكريم وراء ظهره ولم يعبأ بقوله صلى الله عليه وآله إن ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها:
كربلا. فمن شهد ذلك منكم فلينصره (2) نعم: نصر ذلك المظلوم قرة عين رسول صلى الله عليه وآله بتقرير بيعة يزيد. وحسبانها بيعة صحيحة، كان ينهى عن نكثها عند مرتجع الوفد المدني من الشام وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات معتقدين خروجه عن حدود الاسلام قائلين: إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الحراب والفتيان، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه. فتابعهم الناس (3) وقال ابن فليح: إن أبا عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه وأحسن جائزته، فلما قدم المدينة قام إلى جنب المنبر وكان مرضيا صالحا فقال: ألم أحب؟ ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكرا. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة (4).
وكان مسور بن مخرمة الصحابي ممن وفد إلى يزيد، فلما قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر فكتب إلى يزيد بذلك فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسورا الحد فقال أبو حرة:
أيشربها صحباء كالمسك ريحها * أبو خالد والحد يضرب مسور (5)
قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما فصلناه في الجزء السابع ص 145، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال: لا يخعلن أحد منكم يزيد ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما بيني وبينه. وفي لفظ البخاري: إني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه.
وتمسك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول:
إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان. جهلا منه بأساليب الكلام لما هو المعلوم من أن مصداق هذا الكلي هو الفرد المتأهل للبيعة الدينية بيع الله ورسوله، لا من هو بمنتأى عن الله سبحانه، وبمجنب عن رسوله، كيزيد الطاغية أو والده الباغي.
ومهما ننس من شئ فإنا لا ننسى مبدء البيعة ليزيد على عهد ابن آكلة الأكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مفاضة، أقعدت هاتيك من نفى جدارة الخلافة عن يزيد، وأثارت هذه سماسرة الشهوات، فبايعوا بين صدور واغرة، وأفئدة لا ترى ما تأتي به من البيعة إلا هزوا.
وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز كل فار بدينه متعوذين من معرة هذه البيعة الغاشمة، وكان عبد الله نفسه ممن تأبى عن البيعة (6) لأول وهلة من قبل أن يتذوق طعم هاتيك الرضيخة، - مائة ألف - وكان يقول: إن هذه الخلافة ليست بهرقلية ولا قيصرية ولا كسروية يتوارثها الأبناء على الآباء (7) وبعد أن تذوقه كان لم يزل بين اثنتين: فضيحة العدول عن رأيه في يزيد، ومغبة التمرد عليه، لا سيما بعد أخذ المنحة، فلم يبرح مصانعا حتى بايعه بعد أبيه، ولما جاءت بيعته قال: إن كان خيرا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا (8) ونحت لذلك التريث حجة تافهة من أن المانع عن البيعة كان هو وجود أبيه.
وكان ليزيد أن يناقشه الحساب بأن أباه لم يكن يأخذ البيعة له في عرض بيعته، وإنما أخذها طولية لما بعده، لكنه لم يناقشه لحصول الغاية.
هذه صفة بيعة يزيد منذ أول الأمر ولما هلك أبوه ازدلفت إليه رواد المطامع نظراء ابن عمر في نهيق ورغاء يجد دون ذلك الإرهاب والإطماع، فمن جراء تقريرهم بيعة ذلك المجرم المستهتر، وتعاونهم على الإثم والعدوان، والله يقول: تعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وشقهم عصا المسلمين، وخلافهم الأمة الصالحة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، جهز يزيد جيش مسلم بن عقبة، وأباح له دماء مجاوري رسول الله صلى الله عليه وآله وأموالهم، فاستباحها ثلاثة أيام نهبا وقتلا، وقتل من حملة القرآن يوم ذاك سبعمأة نفس، وحكى البلاذري: إنه قتل بالحرة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر، سوى من قتل من الأنصار، وفيهم ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة، وممن قتل صبرا من الصحابة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وقتل معه ثمانية من بنيه، ومعقل بن سنان الأشجعي، و عبد الله بن زيد، والفضل بن العباس بن ربيعة، وإسماعيل بن خالد، ويحيى ابن نافع، وعبد الله بن عتبة، والمغيرة بن عبد الله، وعياض بن حمير، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد الله بن أبي عمرو، وعبيد الله وسليمان ابنا عاصم، ونجا الله أبا سعيد وجابرا وسهل بن سعد (9) وقد جاء في قتلى الحرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إنهم خيار أمتي بعد أصحابي (10) ثم بايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد ومن امتنع قتل (11) ووقعت يوم ذاك جرائم وفجائع وطامات حتى قيل: إنه قتل في تلكم الأيام نحو من عشرة آلاف إنسان سوى النساء والصبيان، وافتض فيها نحو ألف بكر، وحبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج (12) ولما بلغ يزيد خبر تلك الوقعة المخزية قال:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل (13)
فاتبع ابن عمر في بيعة يزيد إجماع أولئك الأوباش سفلة الأعراب وبقية الأحزاب ولم يعبأ بإجماع رجال الحل والعقد من أبناء المهاجرين والأنصار، وخيرة الخلف للسلف الصالح وفيهم من فيهم، فساهم يزيد وفئته الباغية في دم سبط الشهيد الطاهر ومن قتل يوم الحرة وفي جميع تلكم المآثم التي جنتها يد يزيد الأثيمة، والله يعلم منقلبهم ومثواهم.
ألا تعجب من ابن عمر وهو يرى يزيد الكفر والالحاد وأباه الغاشم الظلوم ومن يتلوهما في الفسوق صلحاء لا يوجد مثلهم؟ أخرج ابن عساكر من عدة طرق كما قاله الذهبي وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 140 عن ابن عمر إنه قال: أبو بكر الصديق أصبتم إسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم إسمه، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة، ومعاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لوي، كلهم صالح لا يوجد مثله.
وفي لفظ: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الرحمة، ملك الأرض المقدسة، معاوية وابنه، ثم يكون السفاح ومنصور وجابر والأمين وسلام (14) وأمير العصب لا يرى مثله ولا يدرى مثله، كلهم من بني كعب ابن لوي فيهم رجل من قحطان، منهم من لا يكون ملكه إلا يومين، منهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنك فإن لم يبايعهم قتلوه [كنز العمال 6: 67] ومن جراء هذا الرأي الباطل قتل الصحابي بن الصحابي محمد بن أبي الجهم لما شهد على يزيد بشرب الخمر كما في الإصابة 3: 73 4.


____________
(1) راجع أنساب الأشراف للبلاذري 5: 31.
(2) الإصابة 2: 68.
(3) تاريخ الطبري 7: 4، أنساب البلاذري 5: 31، فتح الباري 13: 59. يأتي الحديث على تفصيله في هذا الجزء.
(4) تاريخ ابن عساكر 7: 280.
(5) أنساب الأشراف للبلاذري 5: 31.
(6) الإمامة والسياسة 1: 143، تاريخ الطبري 6: 170، تاريخ ابن كثير 8: 79، لسان الميزان 6: 293.
(7) الإمامة والسياسة 1: 143.
(8) لسان الميزان 6: 294.
(9) أنساب البلاذري 5: 42، الاستيعاب 1: 258، تاريخ ابن كثير 8: 221، الإصابة 3: 473، وفاء الوفاء 1: 93.
(10) الروض الأنف 5: 185.
(11) لسان الميزان 6: 294.
(12) تاريخ ابن كثير 8: 221، الإتحاف ص 22، وفاء الوفاء 1: 88.
(13) أنساب الأشراف للبلاذري 5: ص 42.
(14) سقط من هذا اللفظ " المهدي " وهو ثاني عشرهم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page