طباعة

المسلم والكافر (المسلم)

المسلم والكافر
المسلم:

معنى الاسلام في اللغة الانقياد والاستسلام، اما الشرع فقد استعمله في معان شتى، منها المسلم الاخلاقي السلبي الذي أشار اليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». فان في غير المسلمين من يكف أذاه عن الناس أجمعين، لا عن المسلمين فقط، وقد سمعنا، وقرأنا عن افراد من الهندوس بلغوا الغاية في المسالمة، حتى لمن اعتدى عليهم.. ومهما يكن، فان المسلم الكامل في خلقه هو من ادى حقوق الناس الى جانب قيامه بحقوق الله جل وعز.
ومنها المسلم العامل الايجابي(1) قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في جواب من سأله أي الاسلام خير: «اطعام الطعام، وإفشاء السلام». وقال: ثلاث من كن فيه فقد جمع الايمان: والانصاف من نفسك، وبذل السلام، والانفاق من الاقتار».
وإطعام الطعام كناية عن العمل النافع، بخاصة ما كان منه لسد العوز، ودفع الفقر عن المحتاجين، اما السلم والسلام فهو قوام الحياة، قال بعض شراح الحديث: وإنما خص النبي هاتين الخصلتين بالذكر لمسيس الحاجة اليهما.
ومنها المسلم الذي يجري عليه احكام الاسلام من المناكحة والتوارث، وعصمة الدم والمال، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه ميتاً، ودفنه في مقابر المسلمين، وبكلمة ان نلتزم ديناً بان له للمسلمين، وعليه ما عليهم، تاركين ما عدا ذلك لجزائه في الآخرة، فعذابه في نار جهنم، بل خلوده فيها لا يمنع ابداً من ان نجري عليه حكم الاسلام، فان أمير المؤمنين علياً قاتل أهل الجمل، ولم يجز تقسيم أموالهم، وسبي نسائهم، وأيضاً قاتل الخوارج، وقال: لا نمنعهم من المساجد، ولا من الفيء. أما قوله في أهل الشام الذين تجمعوا لقتله وقتاله في صفين: «انما أصبحنا نقاتل اخواننا في الاسلام، أما قوله هذا في اعدى اعدائه أولد خصومه فقد بلغ الغاية في انصاف الخصوم والأعداء، وهذا المسلم هو المقصود من هذا الفصل، ومن قول الفقهاء: «الاسلام الظاهر» وقد جاء تحديده في كتاب الله، وسنة الرسول واضحاً جلياً.
قال تعالى في سورة التوبة: (فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيله) . وفي الآية 11 من هذه السورة: (فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاخوانكم في الدين) .
وعن ابن عباس ان هذه الآية حرمت دماء اهل القبلة. وفي الآية 64 من سورة النساء: (ولا تقولوا لمن ألقى السلم لست مؤمناً) . وقد دلت الآية على ان من اظهر ادنى علامة من علامات الاسلام، كالتحية جرت عليه جميع أحكامه، قال البخاري: «ان رجلاً كان في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنمه، فأنزل الله هذه الآية».
وفي البخاري ومسلم ان النبي قال: «امرت ان اقاتل الناس، حتى يشهدوا ان لا اله الا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام، وحسابهم على الله».
وفي الحديث دلالة صريحة على الاكتفاء بظاهر الاسلام، وترتب الاحكام بمقتضاه، بخاصة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وحسابهم على الله».
قال ابن حجر في فتح الباري: «ويؤخذ منه ـ الضمير عائد على هذا الحديث ـ ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كفره بدون تفضيل بين كفر ظاهر او باطن».
وايضاً في البخاري عن النبي: «أتدرون ما الايمان بالله وحده؟. قالوا: الله ورسوله اعلم. قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وان تعطوا من المغنم الخمس».
وايضاً في البخاري ومسلم، وعن الترمذي وابن حنبل ان النبي قال: «من مات، وهو يعلم ان لا اله إلا الله دخل الجنة». وايضاً عن البخاري ومسلم والترمذي وابي داود وابن حنبل انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ان الله حرم على النار من قال: لا اله إلا الله». وايضاً في البخاري ومسلم، وعن الترمذي وابن حنبل انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وان ارتكب الكبائر». وايضاً عن ابن حنبل عن النبي: «ماذا يجد من قال: لا اله إلا الله عند حضرة الموت». وايضاً في البخاري ومسلم، وعن ابي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حنبل عن الرسول الاعظم: «من قال: لا إله إلا الله فد عصم ماله ونفسه».
أما حديث بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت فقد تجاوز حد التواتر عند جميع الطوائف الاسلامية، ومن راجع كتب التاريخ والسير، وكتب الفقه والتفسير يرى ان علماء المسلمين مجمعون قولاً وعملاً منذ حدوث الاختلاف فيما بينهم الى يومنا هذا على ان يعاملوا من نطق بالشهادتين معاملة المسلمين من الزواج والارث واحترام الدماء والأموال، فمن أقوالهم في باب الجنائز: «تجب الصلاة على أهل القبلة». وفي باب الأرث: «المسلمون يتوارثون على اختلاف مذاهبهم». وفي باب الحدود: «لا يقام الحد على احد الا اذا سلم من الشبهة. وقالوا: اذا قال الكافر: لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد دخل في الاسلام، وان المرتد اذا كانت ردته بالشرك فإن توبته بالشهادتين، وفي كتاب المغني لابن قدامة: 7/127 و141 وما بعدها ما نصه بالحرف: «ان رجلاً استأذن رسول الله بقتل رجل من المسلمين، فقال الرسول: اليس يشهد ان لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن لا شهادة له. قال الرسول: اليس يصلي؟. قال: بلى ولكن لا صلاة له. قال النبي: اولئك الذين نهاني الله عن قتلهم». ثم قال صاحب المغني: واذا ثبتت ردته بالبينة او غيرها، فشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لم يكشف عن صحة ما شهد عليه به، وخلي سبيله.
وهذا الكتاب في الفقه على مذهب الحنابلة، وهو المعتمد عند الوهابية، هذا، الى ان المعهود من طريقة الشارع التشدد والاحتياط في امر التكفير، وهو من الموارد التي يتغلب فيها الضعيف على القوي، فلو وجد 99 وجهاً للتكفير، ووجد وجه واحد لعدمه تغلب الواحد على التسعة والتسعين. وعلى الرغم من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي جاءت في الصحاح الستة وغيرها، وعلى الرغم من قيام الاجماع من يوم الاسلام الاول الى آخر يوم، وعلى الرغم من ان التسامح من فضل الرحمن، والتعصب من لعنة الشيطان، على الرغم من ذلك وغير ذلك فقد جزم ابن تيمية بأن النطق بالشهادتين لا يكفي، والعلم بهما لا يجدي، والصوم والصلاة، والحج والزكاة لا ينفع إلا من آمن بآراء ابن تيمية، وكفر بغيرها.
ولا شيء أدل على ذلك من أنه قسم المشركين الى نوعين: نوع لا ينطق بالشهادتين، ولا يصوم ويصلي، ولا يحج ويزكي، ولا يؤمن بحساب وعقاب، والنوع الآخر من المشركين ينطق بلا اله الا الله وبمحمد رسول الله، ويصوم ويصلي ويحج ويزكي، ويؤمن بالحساب والعقاب، وهذا النوع هم المارقون من الاسلام، لا لشيء إلا أنهم لا يعتقدون كل ما يعتقده ابن تيمية(1) وهكذا بلغ به التشدد ان لا يرضى إلا عمن وافقه فيما هو عليه، والذي افهمه من هذا التشدد أنه تماماً كالذين عناهم الله بقوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) البقرة 120.
____________
(1) ان الاسلام كما يطلب من الانسان ان لا يجرم، يطلب منه ان يحارب المجرمين».
(2) اذا صح هذا التقسيم فانما يصح ويصدق على من قسم المشركين اليهما، قال النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم: من كفر أخيه بغير تأويل فهو كما قال: أي كافر (صحيح البخاري).