• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

- 70 - الآيات النازلة في أبي بكر

قال العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 134: عن الشيخ زين العابدين البكري إنه لما قرأت عليه قصيدة جده محمد البكري ومنها:
لإن كان مدح الأولين صحائفا * فإنا لآيات الكتاب فواتح
قال المراد: بأول الكتاب: ألم ذلك الكتاب. فالألف أبو بكر، واللام لله، والميم محمد.
وذكر البغوي: إن المراد من قوله تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي (1) هو أبو بكر
ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة: إنه الصديق. قال الشيخ محمد زين العابدين: كان للصديق ثلثمائة كرسي وستون كرسيا على كل كرسي حلة بألف دينار.
قال الأميني: هاهنا ننهي البحث عن فضائل أبي بكر، ولا يسعنا الولوج في الكلام حول الآيات التي تقول القوم نزولها فيه، وقد حرفوا آيا كثيرة، وقالوا في كتاب الله ما سولت لهم الميول والشهوات، وراقهم الغلو في الفضائل لدة ما سمعت من المخازي، كما لا نفيض القول في الغلو الفاحش فيه بالقريض مثل قول الشاعر العلامة الملا حسن أفندي البزاز الموصلي في ديوانه ص 42:
إن قدر الصديق جل فأضحى * كل مدح مقصرا عن علاه
ليت شعري ما قيمة الشعر فيمن * جاء في محكم الكتاب ثناه؟
كل من في الوجود يبغي رضا * الله تعالى والله يبغي رضاه
وقوله في مدحه أيضا:
إن ذكر الصديق ما دار إلا * ملاء الكون هيبة ووقارا
صاحب الغار كان للسيد * المختار والله صاحبا مختارا
تاه في ذكره الوجود فلولا * هيبة منه أو قرته لطارا
نعم لنا حق النظر في ثروة أبي بكر التي منحوه بها، فكانت من جرائها له المنن على رسول الله وعلى الدين والمسلمين، تلك الثروة الطائلة التي هيئت له ألف ألف أوقية - كما جاء فيما أخرجه النسائي (2) عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية (3) - ونضدت له ثلثماة وستين كرسيا في داره، وأسدلت على كل كرسي حلة بألف دينار، كما سمعته عن الشيخ محمد زين العابدين البكري، وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمل من لوازم وآثار، وأثاث ورياش، ومناضد وأواني وفرش، لا تقصر عنها في القيمة، وما يلزم من خدم وحشم، وقصور شاهقة، وغرف مشيدة، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواشي وضيعة وعقار، إلى غيرها من توابع الجاه والمال.
أنا لا أدري أي باحة كانت تقل ذلك كله؟ ولم يفز بمثلها يومئذ أحد من ملوك الدنيا، وهل كانت الكراسي المذكورة منضدة في غرفة واحدة؟ فما أكبرها من غرفة؟
تضاهي ميادين القتال، ومفازات البراري، وما أكبر الدار التي هي إحدى غرفها؟ و أي يوم كان يوم قبول أبي بكر؟ تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي ، ولم لا نسمع من السير والتواريخ عن ذلك اليوم ركزا؟ أكان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شئ من حديثه؟ وطبع الحال يقضي أن يكون في ذلك المحتشد العظيم المتكرر في كل أسبوع، وعلى الأقل في كل شهر. وأقل منه في كل سنة، ولا أقل من انعقاده في العمر مرة، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره، ولا يستسهل المؤرخ تركه، لكنك بالرغم من ذلك كله لا تجد عنه إلا همسا يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.
ومن أي حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل على الرجل مليون أوقية من النقود؟
وكان يومئذ يوم فاقة لقريش، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه: كنتم تشربون الطرق (4) وتقتالون الورق، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله (5).
ولعل في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوة ص 146 من طريق مالك بن أنس إنه بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فسألهما فقال: ما أخرجكما؟ فقالا: أخرجنا الجوع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: و أنا أخرجني الجوع فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيها فأمر له بحنطة أو شعير عنده يعمل.
الحديث.
ثم متى أدركت عائشة العهد الجاهلي؟ وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين (6) وهل كانت تفخر في دور الاسلام بثروة بائدة في الجاهلية وصاحبها جائع في الحال الحاضر؟.
ولست أدري ما الذي قضى على تلكم الآلاف المؤلفة؟ وما الذي أفناها وأبادها وأفقر صاحبها؟ حتى أصبح ولا يملك شيئا، أو كان لا يملك يوم هجرته إلا أربعة أو خمسة أو ستة آلاف من الدراهم - إن كان ملكها - ولو كان أنفق أي أحد عشر معشار ذلك المال لدوخ العالم صيته، وكان يومئذ يعد في الرعيل الأول من أجواد الدنيا ولم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف والكراسي والحلل، هب أن الذهبي قال في حديث عائشة: ألف الثانية باطلة قطعا فإن ذلك لا يهيأ لسلطان العصر. وأقر ابن حجر تعقيبه في تهذيب التهذيب (7) فأين قصة ألف أوقية الصحيحة في صحائف التاريخ؟.
وإن صحت الأحلام، وصدقت هذه القصص الوهمية، وكان لأبي بكر ذلك المال الطائل الخيالي لما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد الله بن جذعان للنداء على طعامه، ولم يكن يقتني بتلك الخسة لماظة من العيش كما قاله الكلبي في المثالب وأشار إليه أمية بن الصلت في قصيدة يمدح بها ابن جذعان بقوله:
له داع بمكة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزى عليها * لباب البر يلبك بالشهاد (8)
قال الكلبي: المشمعل هو: سفيان بن عبد الأسد. وآخر: أبو قحافة، وفي تعليق مسامرة الأوائل ص 88: يقال: إن الداعي هو أبو قحافة والد الصديق.
بل يحق على صاحب ألف ألف أوقية، وثلثمائة وستين كرسيا محلى بالديباج أن ينادي على الطعام في دور ضيافته عشرة مثل أبي قحافة فضلا عن أن يكون أجير أناس آخرين بدراهم زهيدة، أو بشبع من الطوى.
وإن كان لأبي بكر عندئذ ما حسبوه من الثروة أو شطر منها لما احتاج إلى أن يبتاع للهجرة مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم راحلتين بثمانمائة درهم (9) ثم قدم إحديهما لرسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقبلها إلا بالثمن، وقال صلى الله عليه وآله: إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال أبو بكر: فهو لك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي قال: لا، ولكن ما الثمن الذي إبتعتها به؟
قال: كذا وكذا قال: قد أخذتها بذلك (10).
ولم يكن رد رسول الله صلى الله عليه وآله إياها إلا لضعف حال أبي بكر من ناحية المال، أو إنه لم يرقه أن يكون لأحد عليه منة حتى لا يفتعل عليه بعد ملاوة من الدهر بقول من افتعل عليه: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر. كما مر في ص 33 من هذا الجزء.
على إن للنظر في رواية الراحلتين مجالا واسعا بما رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة والحلبي في السيرة 2: 44 من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أسماء بنت أبي بكر أن تأتي عليا وتخبر بموضعهما وتقول له: يستأجر لهما دليلا ويأتي معه بثلاث من الإبل بعد مضي ساعة من الليلة الآتية وهي الليلة الرابعة، فجاءت أسماء إلى علي كرم الله وجهه فأخبرته بذلك، فاستأجر لهما رجلا يقال له: الأريقط بن عبد الله الليثي، وأرسل معه بثلاث من الإبل، فجاء بهن إلى أسفل الجبل ليلا فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه.
وفيه صراحة بأنه لم تكن هناك راحلتين لأبي بكر معبأتين بركوبهما، وإنما جئ بالرواحل مستأجرة، وقد جمع الحلبي بين هذا وبين حديث الراحلتين بأن المراد باستيجار علي رضي الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع يأباه لفظ الحديثين كما ترى.
ولقد روي كما يأتي إن الذي استصحبه أبو بكر من المال يوم هاجر من المدينة وهو كل ما يملكه أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، فأين هذا من الألف ألف أوقية؟ والكراسي المذكورة وحللها المقومة بثلاثمائة وستين ألف دينار وما يتبعها؟ و أي نسبة بين صاحب تلك الثروة وبين ما لا يملك إلا هذه الدراهم المعدودة؟
وأي نسبة بينها وبين أيامه وأيام أبيه بمكة وبين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الابراد والأقمشة على عنقه وعلى صاعده وحرفة ضئيلة يدور بها في الأزقة و الأسواق من دون أن يستقر في متجر أو حانوت.
أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين.
قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وروى من طريق عمير بن إسحاق: إن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها. فقال: إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب من عيالي.
وفي لفظ آخر لابن سعد أيضا: إن أبا بكر لما استخلف راح إلى السوق يحمل أبرادا له وقال: لا تغروني من عيالي.
وفي لفظ الحلبي. لما بويع أبو بكر بالخلافة أصبح رضي الله عنه على ساعده قماش وهو ذاهب إلى السوق فقال له عمر: أين تريد؟. الخ (11).
ثم متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبي صلى الله عليه وآله وفي مناجحه ومصالحه، حتى كان به أمن الناس عليه بماله؟ وكيف أنفق ولم يره أحد ولا رواه أي ابن أنثى؟
ولم لم يذكر التاريخ موردا من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة للنبي صلى الله عليه وآله مع رده إياها وأخذه ثمنها، كما حفظ لكل من أنفق شيئا في مهمات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وغزواته ومصالح الاسلام والمسلمين.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتاجه في شخصياته وما يتعلق بها بمكة قبل الهجرة فإن عمه أبا طالب سلام الله عليه كان متكفلا لذلك كله قبل زواجه بخديجة، وبعده كان مال خديجة تحت يده وهي في طوعه، وإنما وقعت الحاجة بعد الهجرة لتوسع نطاق الاسلام، وتمطط أمره فكان يحتاج إلى تجهيز الجيوش وقيادة العساكر، وهؤلاء رجال بني سالم بن عوف، ورجال بني بياضة، ورجال بني ساعدة وفي مقدمهم سعيد بن عبادة، ورجال بني الحرث بن الخزرج، ورجال بني عدي أخوال رسول الله الأكرمين كل منهم رفع عقيرته يوم دخوله صلى الله عليه وآله المدينة بقوله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة (12).
ولم يكن عند أبي بكر يومئذ من المال غير ما جاء به من مكة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهما - إن كان جاء به وأنى لك بإثباته؟ - وما عساها أن تجدي نفعا وماهي وما قيمتها تجاه ذلك السلطان العظيم؟ لكنا مع غض النظر عن ذلك نسائل أيضا مدعي الانفاق إنه متى أنفقها؟ وفي أي مصرف أدرها؟ وفي أي أمر بذلها؟ ولأي حاجة سمح بها؟ ولم خفي ذلك على خلق الله من أولئك الصحابة؟ ولماذا عزب عن المؤرخين؟ فلم يسطروها في صحائف التاريخ ولا ذكروها في فضائل الخليفة، وهل قام عمود الاسلام وتم أمره بهذه الدريهمات المجهول مصرفها؟ وعاد أبو بكر أمن الناس على رسول الله بماله؟.
والعجب كل العجب إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كانت له أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم جهرا، فأنزل الله فيه القرآن فقال:
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون (13) سورة البقرة 274.
وهو سلام الله عليه تصدق بخاتمه للسائل فذكره تعالى في كتابه العزيز بقوله:
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (14) سورة المائدة: 55.
وأطعم هو وأهله مسكينا ويتيما وأسيرا فأنزل الله فيهم قوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " سورة هل أتى " وقد أسلفنا تفصيل أمرهم هذا في الجزء الثالث ص 106 - 111 ط 2.
وأما أبو بكر فينفق جميع ماله في سبيل الله ويراه النبي الأعظم أمن الناس عليه في صحبته وماله، ولم يوجد له مع ذلك كله ذكر في الكتاب العزيز، هذا لماذا؟
أنت تدري.
والأعجب: أن أبا بكر غدا أمن الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهما - إن كانت له - ولم يكن عثمان كذلك وقد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بكر، وبعث إلى رسول الله في غزوة بعشرة آلاف دينار كما جاء في مكذوبة أبي يعلى (15) فوضعها بين يديه فجعل صلى الله عليه وآله وسلم يقلبها ويدعو له بقوله: غفر الله لك يا عثمان!
ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة (16)، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها.
وإني أرى الأنجح للمدعي أن يسحب كلامه ويقول: لا أعلم بشئ من ذلك، ولا أثبت شيئا منه، وإنما اختلقه الغلو في الفضائل.
ولعل الباحث يقف على ما أخرجه الحافظان: الحاكم وأبو نعيم أو على ما جاء به البيضاوي والزمخشري، فيقع ذلك منه موقعا حسنا ويطالبني المخرج منه، فإليك البيان:
أما الأخيران فقد ذكر البيضاوي في تفسيره 1: 185، والزمخشري في الكشاف 1: 286: إن قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم. الآية. نزلت في أبي بكر حين تصدق بأربعين ألف دينار، عشرة بالليل، و عشرة بالنهار، وعشرة بالسر، وعشرة بالعلانية.
هذه المرسلة التي لم أعرف قائلها ومن الصحابة والتابعين ولم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلا سعيد بن مسيب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحافظ من نزولها في علي أمير المؤمنين ومنحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمية كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الأمة دون منفق أربعة دراهم، ذاهلا عما هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، و هي جميع ما كان بمكة. والآية المذكورة في سورة البقرة، وقد أصفقت أئمة الحديث والتفسير على نزولها بالمدينة في أوليات الهجرة (17). قال ابن كثير في تفسيره: هكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين، ولا خلاف فيه. فأنى لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف دينارا؟ تصدق بها أم لم يتصدق، ولم يكن يملك إلا دريهمات إن صح حديثها أيضا، وستعرف إنه لا يصح تعقب السيوطي هذ، المرسلة بقوله: خبر إن الآية نزلت فيه لم أقف عليه، و كأن من ادعى ذلك فهمه مما أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: لما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه واستخلف عمر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتؤملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعضا من الشح شعبة من النفاق، فأنفقوا خيرا لأنفسكم، فأين أصحاب هذه الآية؟ وقرأ الآية الكريمة، وأنت تعلم إنها لا دلالة فيها على المدعى. ا ه‍ (18) وجاء مختلق آخر (19) فروى عن سعيد بن المسيب مرسلا من الطرفين: إن الآية المذكورة نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة يوم غزوة تبوك.
وذكر الرازي في تفسيره 2: 347 فقال: إن اللتي نزلت في عثمان لإنفاقه جيش العسرة هي قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى. الآية.
وقد أعمى الحب بصائر القوم، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وقالوا في كتاب الله ما زين لهم الشيطان، خفي على المغفلين إن الآيتين من سورة البقرة آية 262 و 274 وهي أول سورة نزلت بالمدينة المشرفة كما قاله المفسرون (20) وقد نزلت قبل غزوة تبوك و جيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدة سنين، فلا يصح نزول أي من الآيتين في عثمان.
* وأما ما أخرجه الحافظان *
1 - فأخرج أبو نعيم في الحلية 1: 33 عن محمد بن أحمد بن محمد الوراق عن إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي عن سلمة بن حفص السعدي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحق عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا.
* رجال السند *
1 - محمد بن أحمد الوراق. كذبه أبو بكر بن إسحاق قاله الحاكم. لسان الميزان 5: 51.
2 - إبراهيم بن عبد الله المخرمي قال الدار قطني: ليس بثقة حدث عن الثقات بأحاديث باطلة. لسان الميزان 1: 72.
3 - سلمة بن حفص السعدي، شيخ كوفي قال ابن حبا ن: كان يضع الحديث فذكر له حديثا منكرا. وقال: لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه. وروى عنه حديثا فقال: لا أصل له. لسان الميزان 3: 67.
2 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر حمل أبو بكر معه جميع ماله خمسة ألف أو ستة ألف (21) درهم فأتاني جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال:
إن هذا والله قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلا يا أبت! قد ترك لنا خيرا كثيرا، فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة البيت، وكان أبو بكر يجعل أمواله فيها وغطيت على الأحجار بثوب ثم جئت فأخذت بيده فوضعتها على الثوب فقال: أما إذا ترك هذا فنعم قالت: ووالله ما ترك قليلا ولا كثيرا.
* رجال السند *
1 - أحمد بن عبد الجبار أبو عمر الكوفي. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه و أمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه، وقال مطين: كان يكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم تركه ابن عقدة. وقال ابن عدي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه، وكان ابن عقدة لا يحدث عنه. وكان أحمد يلعب بالحمام الهدى (22)
2 - محمد بن إسحاق. أسلفنا في الجزء السابع صفحة 319 ط 2 كلمات الحفاظ فيه وإنه كذاب دجال مدلس لا يحتج به.
3 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 32: من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أرقم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف مالي قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: فقلت: مثله و أتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شئ أبدا.
ورواه من طريق عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر.
كفى الاسناد ضعفا هشام بن سعد أبو عباد المدني. كان يحيى بن سعد لا يروي عنه وعن أحمد قال: ليس هو محكم الحديث. وقال حرب: لم يرضه أحمد، وقال ابن معين:
ضعيف، ليس بذلك القوي. ليس بشئ حديثه مختلط، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن سعد: كثير الحديث يستضعف وكان متشيعا. وقال ابن المديني: صالح وليس بالقوي. وقال الخليلي: أنكر الحفاظ حديثه في المواقع. وذكره ابن سفيان في الضعفاء (23) وأما عبد الله بن عمر العمري فقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: كان يزيد في الأسانيد ويخالف وكان رجلا صالحا. وقال ابن المديني: ضعيف. وعن يحيى بن سعيد:
لا يحدث عنه. وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث. وقال النسائي: ضعيف الحديث.
وقال ابن سعد. كثير الحديث يستضعف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك. وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن شيبة: يزيد في الأسانيد كثيرا (24) وأما زيد بن أرقم فالصحيح: زيد بن أسلم مولى عمر ففي النسخة تصحيف.
لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم
سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين
" القصص: 51، 155 "


____________
(1) سورة لقمان: 15.
(2) ميزان الاعتدال 2: 341، تهذيب التهذيب 8: 325.
(3) الأوقية: أربعون درهما.
(4) الطرق بفتح المهملة: الماء المجتمع الذي خيض فيه وبيل وبعر فكدر. لسان العرب.
(5) بلاغات النساء ص 13، أعلام النساء 3: 1208.
(6) الإصابة 4: 359، ويستفاد ذلك من صحيح البخاري في باب زواج عائشة، وتاريخ ابن عساكر 1: 304، والاستيعاب.
(7) ميزان الاعتدال للذهبي 2: 341، تهذيب التهذيب 8: 325.
(8) مثالب الكلبي، الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني 8: 4، مسامرة الأوائل ص 88.
(9) طبقات ابن سعد 1: 212 تاريخ ابن كثير 3: 177، 178.
(10) صحيح البخاري 6: 47 تاريخ الطبري 2: 245، سيرة ابن هشام 3: 98، 100، طبقات ابن سعد 1: 213، تاريخ ابن كثير 3: 184 188.
(11) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 130: 131، صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 97، السيرة الحلبية 2: 388.
(12) أسلفنا حديثه في الجزء السابع ص 269.
(13) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر وابن جرير. راجع تفسير القرطبي 3: 347، تفسير البيضاوي 1: 185، تفسير الزمخشري 1: 286، تفسير الرازي 2: 369، تفسير ابن كثير 1: 326، تفسير الدر المنثور 1: 363، تفسير الخازن 1: 208، تفسير الشوكاني 1: 265، تفسير الآلوسي 3: 48.
(14) راجع ما مر في الجزء الثاني ص 47 و ج 3: 155 - 163 ط 2.
(15) أخرجه بإسناد واه وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 612.
(16) هذه الجملة توهن متن الرواية، وتعرب عن إنها مكذوبة على رسول الله:
(17) تفسير القرطبي 1، 132، تفسير ابن كثير 1: 35، تفسير الخازن 1: 91، تفسير الشوكاني 1: 61.
(18) راجع تفسير الآلوسي 3: 48.
(19) راجع تفسير الشوكاني 1: 265، تفسير الآلوسي 3: 48.
(20) راجع تفسير القرطبي 1: 132، تفسير الخازن 1: 19، تفسير الشوكاني 1: 16.
(21) كذا في الموضعين والصحيح: آلاف. كما في جميع المصادر.
(22) تاريخ الخطيب 4: 263، تهذيب التهذيب 1: 51.
(23) تهذيب التهذيب 11: 40.
(24) تهذيب التهذيب 5: 327.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page