عقيدة الوهابيّة
اصحاب الذنوب:
قال الخوارج: ان مرتكب الكبيرة كافر يخلد في النار، وقال الاشاعرة والامامية، بل هو مؤمن عاص، وقال المعتزلة هو في منزلة بين العاصي والكافر.
وأحدث الوهابية قولاً رابعاً، وهو ان من قال: لا اله الا الله لا يخلو ان يكون واحداً من اثنين، اما ان يقولها دون ان يشرك بالله شيئاً، أي لا يزور قبراً، ولا يبنيه، ولا يصلي عنده لله، ولا ينذر له، ولا يمسه، ولا يتمسح به، ولا يطوف حوله، واما ان يقولها، ويفعل شيئاً من ذلك، والأول لا يسأل عن شيء، ولا يحاسب على شيء، وان اتى بمليء الأرض ذنوباً.. جاء في فتح المجيد صفحة 54 «ان التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، لأنه يتضمن محبة الله واجلاله وتعظيمه، وخوفه ورجاءه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولوكالت قراب الأرض، النجاسة عارضة، والدافع لها قوي». وهذا شبيه بما نسب الى البكداشية من ان حب علي حسنة لا تضر معها سيئة.. والقرآن الكريم يكذبهما معاً: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
اما الثاني، وهو الذي يزور القبور فهو مشرك كافر، لا يقبل منه عمل ولا صلاة ولا صوم، ولا عمل الحسنات والمبرات.. وليس من شك انهم يريدون بالموحد الأول الوهابية انفسهم، وبالثاني جميع المسلمين بدون استثناء، والدليل ما نقلناه عن كتبهم فيما سبق، ونذكر هنا للتأكيد ما قاله صاحب فتح المجيد في ص101: «كما هو الواقع في هذه الأمة ـ أي امة محمد والواقع منهم هو العصيان ـ وهذا هو الشرك الأكبر المنافي للتوحيد ـ الى ان قال ـ فاثبتوا ما نفته كلمة التوحيد، وتركوا ما اثبتته من التوحيد».
وفي هذا القول، وهذه العقيدة يكمن سر الاهمال والتأخر في السعودية، وتسلط الحكام بدون شورى وانتخاب، وعدم شعورهم بالمسؤوليّة، واكتنازهم مقدرات الشعب في البنوك والمصارف، الى جانب البؤس والمرض والجهل، كل ذلك لا بأس به، لأن امراء الوهابية وشيوخهم يوحدون الله توحيداً «لا يبقى معه ذنب، ولو كان قراب الأرض».
وبالتالي، فاني احسب ان التاريخ لم يعرف، ولن يعرف فئة في القسوة والجفوة، والتعصب والجمود كالوهابية، ولا احداً مثلهم يهتم بالقشور، دون اللباب، وأقدم لك مثلاً واحداً وأخيراً يفسر ويوضح جميع ما نقلته عنهم، ويعطي صورة واضحة ودقيقة لجمودهم في الفهم والتفكير، وبعدهم عن روح الاسلام وحقيقته، وهذا هو المثال: يجوز للانسان ان يقتني المئات والألوف من العبيد والاماء، ولكن لا يجوز له ان يقول و يتلفظ بلسانه: هذا عبدي، وهذه امتي، لأن ذلك يتنافى مع التوحيد الخالص الذي لا تضر معه الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر، اما الاستعباد فعلاً، والعمل بمدلول اللفظ فجائز، وليس شركاً كالتلفظ والتفوه. (رسالة التوحيد).
ان العارفين بالله يعلمون حق العلم ان افضل العبادات والطاعات هو العمل لخير الانسان تقرباً اليه تعالى، دون أن يبتغي العامل من غيره جل وعز جزاء ولا شكورا، وألف تحية على الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق الذي قال: «ان لله عرشاً لا يسكن تحت ظله الا من اسدى لاخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، او قضى له حاجة».