كلمة لابدّ منها، وقولة ينبغي قولها، وحديث وِدٍّ أحبّ أن أعبّر عنه، أخاطب من خلال هذه الأسطر، علمائنا الأبرار، وفقهائنا الأخيار، لعلّ واحداً منهم يتفضّل بإلقاء نظرة على هذا العمل المتواضع، ويقتطع من وقته الثمين شيئاً يسيراً، لأن الحكمة ضالّة المؤمن، مبتغياً من ذلك معرفة ما يجول في الساحة من دواهي وطامّات، وما يعانيه المؤمنون من شتات وضياع.
الإشتغال بعلم الفقه وأصوله، المتعلقان بأفعال العباد، إحياءٌ للدين، وترويج لشريعة سيّد المرسلين، وإخراج للناس من الحيرة في العمل، إلى ساحة إبراء الذمّة والمعرفة، وهذا حفظ لحلال محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وحرامه، وهو أمر لا يستهين به مؤمن، ولا يزهد فيه إلاّ منافق.
ففي الرواية عن الإمام العسكري(عليه السلام) أنّه قال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: أشدّ من يتم اليتيم الّذي انقطع عن أبيه، يُتمُ يتيمٍ انقطع عن إمامه، ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا، المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى(1).
ولكن ليست كلّ الشريعة الإسلاميّة هي هذا فقط، كما أنّ حفظ الشريعة لا يقتصر عليه، بل هناك العقائد الحقّة، وهي أهم من مقام العمل، لأنّ العامل على طريق غير الهدى، لا يزيده عمله إلاّ بعداً عن الحق، ولا أظنّ أحداً يرى أنّ نصرة محمّد وآله (صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين) في غير الحلال والحرام هي أقلّ أهميّة.
ونحن في زمان تفشّى فيه المبتدعون، وكثر أدعياء العلم والدّين، ولا نجد شيئاً يعتدّ به من الدفاع عن بيت النبوة (صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين)، وبالخصوص مراجعنا الكرام، الّذين كلمتهم مسموعة، ورأيهم مطاع، وقولهم له أثره البالغ على إخماد الفتن، ودحض الباطل، وإعلاء كلمة الحق.
روي عن علي بن محمّد الهادي(عليهما السلام) أنَّه قال: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم(عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين اللّه، ولكنّهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند اللّه عز وجل(2).
ومن ارتضى لنفسه النيابة عن ولي اللّه الأعظم الحجّة المنتظر (عجّل اللّه له الفرج القريب) فقد جلس في موقع المسؤوليّة، وأصبح أباً عليه أن يحفظ أولاده من الضياع، وأن يقوم بالمسؤوليّة على أكمل وجه، حتّى يسلّم الأمانة راضياً مرضيّا.
أريد أن أقول من خلال هذه الكلمات: إنّني مذكّر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، كما أتوخى من هذا أن يلتفتوا إلى ما يحصل في الأوساط من فساد عقائدي، الّذي هو أكبر وأدهى وأمر من الإنحراف العملي، يظهرون من خلال مواقفهم، وتصريحاتهم، الرّد بصورة صريحة وفعّالة، على كلّ من تسوّل له نفسه أن يعبث بدين اللّه، ويتّخذه هزوا.
كما أنّ لمراجعنا الكرام ممثّلين ووكلاء، ينبغي أن ينبروا لكلّ ثغرة، أليس الشيعة هم المرابطون، والرباط يقتضي سدّ أي ثغرة، دون الإقتصار على أمر واحد، بل نجد أنّ بعض وكلائهم يؤيّدون الباطل، دون أن نسمع أنّ فلاناً سحبت وكالته على الأقل، ونحن نقول ونبرر ذلك أنّهم لا يعلمون، والمشكلة في من أوكل له هذا الأمر، فعليه أن يبيّن للمرجع ما يدور من باطل، وتعقد الجلسات للبتّ في الأمر، كما يكون ذلك في مجلس الإفتاء.
فعن الإمام العسكري(عليه السلام) قال: قال جعفر بن محمد الصادق(عليهما السلام): علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الّذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلّط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرّة، لأنّه يدفع عن أديان محبّينا، وذلك يدفع عن أبدانهم(3).
فهذا ما أردت من التذكير بنصرة أولياء اللّه (سبحانه و تعالى) . واللّه (سبحانه و تعالى) من وراء القصد، وهو حسبي، وعليه توكّلي.
____________
1- البحار ج2 ص2 ح1 ب8 .
2- الإحتجاج ص455 .
3- البحار ج2 ص5 ح8 ب8 .
كلمة عتاب
- الزيارات: 1091