طباعة

الخبر في روايات الإماميّة (١)

لقد أشرنا ـ في السؤال ـإلى شهرة خبر تزويج اُمّ كلثوم من عمر بن الخطاب ، والى وجود رواياتٍ به في كتب أصحابنا ، ولكن ـ وبالرّغم من الشهرة والروايات ـ نجد جمعاً من أكابرنا ينكرون الخبر من أصله ، كما لا يخفى على من راجع رسائل الشيخ المفيد والسيد المرتضى والسيد ناصر حسين نجل صاحب عبقات الأنوار وغيرهم ، في هذا الموضوع.
إلا أنا نؤكد على أن ما ورد بسند معتبر من طرقنا لا يدلّ إلا على ما ذكرناه في جواب السؤال ، ونقلنا فيه كلام النوبختي من أصحابنا ، والزرقاني من أهل السنة ... فلنذكر تلك الأخبار :
١ ـ عن أبي عبدالله 7 : « في تزويج ام كلثوم ، فقال : إن ذلك فرج غصبناه ».
٢ ـ عن أبي عبدالله 7 قال : « لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين : إنها صبية ، قال : فلقي العباس فقال له : ما لي؟ أبي بأس؟ قال : وما ذاك؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردني ، أما والله لأعودن زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها ، ولأقيمن عليه شاهدين بانه سرق ، ولأقطعن يمينه. فأتاه العباس
فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه » (2).
٣ ـ عن سليمان بن خالد وغيره ـ واللّفظ له ـ « سألت أبا عبدالله 7 عن امرأةٍ توفي زوجها ، أين تعتد؟ في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال : بلى ، حيث شاءت ، ثم قال : إن عليا 7 لما مات عمر أتى أم كلثوم ، فأخذ بيدها ، فانطلق بها إلى بيته » (3).
فنقول ـ بناء على قبول هذه الروايات ـ : إنه ليس للخصم إلزامنا بها ، لأن غاية ما أفادته وقوع العقد بعد التهديد والتوعيد ، ثم انتقال البنت إلى دار عمر ، ثم موته عنها ومجىء الإمام 7 إلى داره وأخذه بيدها وانطلاقه بها إلى بيته ، ولعل في جملة « فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته » شهادة بما صرّح به غير واحد من علماء الإسلام من انه مات عنها قبل بلوغها.
فأي فضيلة لعمر في هذا؟ وأي غضاضة على أمير المؤمنين وأهل البيت؟ وهل يدل وقوع هكذا تزويج على المصافاة والمحاباة؟ واذا كان عمر قد هدّد أمير المؤمنين بما في الخبر ، لأجل هذا « الغصب » ، فما كان تهديده لأجل غصب « الخلافة » فاضطر أمير المؤمنين وأتباعه إلى السكوت وإلى البيعة عن إكراه؟
بل لقد كان هذا « الغصب » لإزالة اثار ذاك « الغصب »!!
ومن « عمر » تعلّم « الحجاج »!!
إقرأ الرواية التالية :
« قال محمد بن إدريس الشافعي : لما تزوج الحجاج بن يوسف إبنة عبدالله ابن جعفر ، قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان :
أتركت الحجاج يتزوج إبنة عبدالله بن جعفر؟
قال : نعم ، ما بأس بذلك.
قال : أشد البأس والله.
قال : وكيف؟
قال : والله ـ يا أمير المؤمنين ـ لقد ذهب ما في صدري على الزبير منذ تزوّجت رملة بنت الزبير.
قال : فكأنه كان نائما فأيقظه.
قال : فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها. فطلّقها » (4).
__________________
(١) أضفنا هذا الفصل بطلب من بعض أهل الفضل ، تتميماً للبحث ـ حيث كان على ضوء روايات أهل السنة فقط ـ وشرحاً لما أوجزناه في الجواب عن « فإن قيل ».
(2) الكافي ، كتاب النكاح ٥ / ٣٤٦.
(3) الكافي ، كتاب الطلاق ٦ / ١١٥ ، وقد وردّت هذه الرواية في الكتب الفقهية لاشتمالها على الحكم المذكور فيها.
(4) مختصر تاريخ دمشق ٦ / ٢٠٥.