• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العصمة جبرية في اجتناب المعاصي

1 ـ يتحدث البعض: عن أن العصمة التي تجلت في الزهراء عليها السلام قد أنتجتها البيئة والمحيط الايماني الذي عاشت وترعرعت فيه، لأنها كانت بيئة الإيمان والطهر والفضيلة والصلاح.
ومن الواضح:إن هذه المقولة فيما تستبطنه تستدعي سؤالا حساسا وجريئا، وهو:
ماذا لو عاشت الزهراء في غير هذه البيئة، وفي محيط ملوث بالرذيلة والموبقات؟!
وماذا لو عاش غير الزهراء في هذه البيئة بالذات؟
هل سوف تكون النتيجة هي ذاتها؟! وقد عاش البعض فعلا في هذه البيئة بالذات، فلماذا لم يكن الأمر كذلك؟
2 ـ ومع كل ذلك نرى هذا البعض نفسه يتحدث عن تكوينية العصمة، الأمر الذي يستبطن مقولة الجبر الإلهي، التي ثبت بطلانها، ونفاها أهل البيت(ع)، بقولهم: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين.
ونقول:
إن ذلك يثير أكثر من سؤال جرئ وحساس أيضا. وهو أنه لو كانت البيئة هي المؤثرة، فما معنى كون العصمة تكوينية؟! وممنوحة بالفيض الإلهي المباشر، وبلا وساطة شئ، من محيط أو غيره؟!
ثم هناك سؤال آخر عن:
السبب في تخصيص هؤلاء بهذه العصمة الاجبارية التكوينية؟ ولماذا لم ينلها غيرهم معهم من سائر بني الإنسان؟!!
ولماذا نحن نتعب ونشقى، ونحصل على القليل، وتكون لهم هم الدرجات العالية، مع أنهم لم يتعبوا ولم يجاهدوا أنفسهم مثلنا؟!
وسؤال آخر، وهو: ألا يكون الشخص الذي يقوم بالامتناع ـ من تلقاء نفسه ـ عن سيئة واحدة، أو المبادرة إلى عمل حسنة واحدة في حياته، يجاهد بها نفسه وغرائزه، أفضل من جميع النبيين والأوصياء المعصومين بالتكوين والاجبار؟!
يضاف إلى ذلك سؤال آخر وهو: ألا يعني ذلك أن لا يستحق المعصوم مدحا ولا أجرا على عباداته، ولا على أي شئ من طاعاته للأوامر والزواجر الإلهية؟!(1).
إلى غير ذلك من علامات استفهام لا يمكن استيفاؤها عرضا وردا في هذا البحث المقتضب.
3 ـ ولعله من أجل دفع غائلة هذا السؤال الأخير، عاد هذا البعض ليقول: إن العصمة التكوينية إنما هي في الاجتناب عن المعاصي، حيث لا يقدر المعصوم على اقترافها. أما الطاعات فالاختيار فيها باق له على حاله، وليس ثمة جبر إلهي عليها.. وهذه نفس مقولة الأشاعرة الذين فسروا العصمة بأنها القدرة على الطاعة، وعدم القدرة على المعصية (2).
ونقول:
إننا لا نريد أن نناقش هذا التفصيل (بين الطاعات وبين المعاصي)!! بإسهاب، بل نكتفي بالإلماح إلى ما يلي:
أولا:إن ترك الطاعات أيضا معصية، فهو إذن لا يقدر على هذا الترك تكوينا فكيف يكون مختارا في فعلها، وما معنى كونه مختارا في خصوص الطاعات؟!.
ثانيا:إن هذا التفصيل لا دليل عليه، ولا توجيه له بل هو تحكم محض فلماذا لا تكون القضية معكوسة، فيكون مختارا في ترك المعاصي مكرها على فعل الطاعات..
والملفت للنظر هنا: أنه حين واجهته هذه الأسئلة التجأ تارة إلى مقولة البلخي بأن الثواب على الطاعة إنما هو بالتفضل، لا باستحقاق العبد. وتارة أخرى إلى ما يتحدث عنه البعض بزعمه من أن الاستحقاق بالتفضل وهي مقالة كمقالة البلخي لا يلتفت إليها لقيام الدليل على أن الطاعة بالاستحقاق لا بالتفضل.
وهذا الدليل هو: أن الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها، فإن لم يكن لغرض كان ظلما وعبثا، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم. وإن كان لغرض، فإن كان عائدا إليه تعالى فهو باطل لغناه وإن كان عائدا إلى المكلف، فإن كان هذا الغرض هو الإضرار به كان ظلما قبيحا، وإن كان هو النفع له فإن كان يصح أن يبتدئ الله به العبد، فيكون التكليف حينئذ عبثا، وإن كان لا يصح الابتداء به بل يحتاج إلى تكليف ليستحق أن يحصل على ذلك النفع فهو المطلوب.
فالنتيجة إذن هي: أن الثواب بالاستحقاق لا بالتفضل.
وأما قول البلخي فهو باطل من الأساس، لأنه يستند فيما ذهب إليه إلى أن التكاليف إنما وجبت شكرا للنعمة، فلا يستحق بسببها مثوبة، فالثواب تفضل منه تعالى.
ولا شك في عدم صحة هذا القول، إذ أن الكلام إنما هو في مرحلة الحسن والقبح، ويقبح عند العقلاء أن ينعم شخص على غيره، ثم يكلفه ويوجب عليه شكرها من دون إيصال ثواب على هذا التكليف، فإنهم يعدون ذلك نقصا، وينسبونه إلى حب الجاه والرياسة ونحو ذلك من المعاني القبيحة التي لا تصدر من الحكيم، فوجب القول باستحقاق الثواب.
غاية ما هناك أنه يمكن أن يقال، وإن كان ذلك لا يلائم كلام البلخي أيضا بل هو أيضا ينقضه ويدفعه: أنه وإن كانت مالكية الله سبحانه لكل شئ تجعله، متفضلا في تقرير أصل المثوبة لمملوكيه على أفعالهم، ولكنه بعد أن قرر لهم ذلك بعنوان الجزاء، وتفضل عليهم في زيادة مقاديره، حتى لقد جعل الحسنة بعشرة أمثالها، أو بسبع مئة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء وبعد أن دخل ذلك في دائرة القرار، وأصبح قانونا إلهيا مجعولا، فقد دخل في دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن.
ولأجل ذلك لم يجز في حكم العقل أن يعطي الله العاصي، ويمنع المطيع، ولو كانت المثوبة من باب التفضل لجاز ذلك، وهذا نظير ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة على نجاحه في الامتحان في مدرسته، فإذا نجح الولد، فسيطالب أباه بالجائزة، ويرى أنه مظلوم ومهان لو لم يعطه إياها، فضلا عن أن يعطيها لأخيه الراسب.

___________
1- هذا السؤال قد سأله علماؤنا رضوان الله تعالى عليهم لأولئك القائلين بعدم قدرة المعصوم على المعصية. راجع اللوامع الإلهية: ص 169.
2- راجع اللوامع الإلهية: ص 169.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page