ويتابع البعض اعتراضاته، فيقول:
إن كنتم تقولون: إن عليا لم يدافع عن الزهراء، بسبب وصية النبي (ص) له حيث قيدته وصية من أخيه .
فإننا نقول لكم: إنما أوصاه النبي (ص) أن لا يفتح معركة من أجل الخلافة، ولم يقل له: لا تدافع عن زوجتك. وضرب الزهراء لا علاقة له بالخلافة، لأنها مسألة شخصية، كما أن الزهراء نفسها لا علاقة لها بالخلافة، أما مسألة الخلافة فهي تتعلق بالواقع الإسلامي كله.
والجواب:
إننا قبل الإجابة على ما تقدم نسجل ملاحظة هنا مفادها:
أن مسألة الزهراء مع القول هي مسألة الإمامة، ثم الخلافة، لأن هؤلاء إنما ينصبون أنفسهم أئمة للناس، والإمامة مقام إلهي جعله الله لغيرهم، والخلافة هي أحد شؤون الإمامة، والدليل على ما نقول: هو محاولتهم تخصيص أنفسهم بحق التشريع، بل يقول أحدهما حينما عوتب على بعض تشريعاته: أنا زميل محمد(1). وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الأمر في كتابنا الحياة السياسية للإمام الحسن عليه السلام، فراجع.
وبعد هذا الذي أشرنا إليه نقول:
أولا:إن القوم إنما جاؤا إلى بيت الزهراء(ع) من أجل إجبار أمير المؤمنين عليه السلام عليه البيعة لهم، لكي تثبت خلافتهم، ويتأكد استئثارهم بها دونه عليه السلام، والزهراء تريد منعهم من تحقيق هذا الأمر بالذات، وكذلك علي عليه السلام، فكان القوم يريدون إزاحة الزهراء(ع) من طريقهم ليمكنهم جبار علي () على البيعة.
إذن فهذه معركة يخوضها أعداء علي(ع) ضده من أجل الخلافة، وقد أوصاه الرسول (ص) أن لا يخوض معركة من أجل الخلافة(2) باعتراف نفس المعترض، فما معنى قوله: إن الزهراء وضربها لا علاقة له بالخلافة؟ بل الحقيقة هي: أن قضية الزهراء وما جرى عليها يتعلق بالواقع الإسلامي كله.
وهل يظن هذا القائل أن مطالبتها عليها السلام بفدك أيضا كانت من أجل أن تستفيد منها في إنعاش حياتها المعيشية؟ مع أن من الواضح أن حياتها عليها السلام بقيت على حالها قبل ذلك، ومعها، وبعدها، فهي لم تبن بأموال فدك قصرا، ولا تزينت بالذهب والفضة، ولا استحدثت فرش بيتها، ولا اقتنت التحف، ولا ادخرت شيئا للمستقبل، ولا اشترت البساتين والعقارات، والمراكب الفارهة، كما فعل أو يفعل الآخرون، بل كانت غلة فدك تصرف في سبيل الله، وعلى الفقراء والمساكين.
_____________
1- تاريخ الأمم والملوك: ج 3 ص 291 (ط الاستقامة) والفائق: ج 2 ص 11.
2- ذكر المفيد: أن عليا نقل عن النبي (ص) قوله له: إن تموا عشرين فجاهدهم الاختصاص: ص 187. وراجع: البحار: ج 28 ص 229 / 313 / 270 وفيه: لو وجدت أربعين ذوي عزم لجاهدتهم ، وتفسير العياشي: ج 2 ص 68، وتفسير البرهان: ج 2 ص 93، وراجع الصراط المستقيم: ج 3 ص 12، والاحتجاج: ج 1 ص 188 و 213 والمسترشد في إمامة علي(ع): ص 63، وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري): ج 2 ص 568، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 2 ص 27.
هل ضرب الزهراء(ع) مسألة شخصية
- الزيارات: 429