• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة فيما تشبث به معاوية في قتال علي عليه السلام

الثاني من الأمرين اللذين تشبث بهما ابن آكلة الأكباد في تثبيط الملأ عن نصرة الإمام عليه السلام وتأليبهم إلى قتاله: إن عنده ثار عثمان وعليه ترته، وللحاكم في هذه القضية أن ينظر أولا إلى أن معاوية نفسه لم يشهد وقعة عثمان حتى يبصر المباشر لقتله، وإنما تثبط عن نصرته بل كان يحبذ قتله طمعا في أن ينال الملك (1) بعده بحججه التافهة.
وثانيا إلى أن أمير المؤمنين سلام الله عليه كان غائبا عن المدينة المنورة عند وقوع الواقعة (2) فكيف تصح مباشرته لقتل أو قتال؟! أو كان ساكنا في عقر داره بالمدينة لا له ولا عليه.
وثالثا إلى شهادات الزور المتولدة من دسائس ابن حرب ترمي أبرأ الناس من ذلك الدم المراق، بإيعاز من ابن النابغة ذلك العامل الوحيد في قتل عثمان، وقد سمعت عقيرته أذن الدنيا: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع (3).
قال الجرجاني: لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة له، وكتب له بها كتابا وقال: ما ترى؟ قال: امض الرأي الأول. فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب محمد بن أبي حذيفة فأدركه فقتله، وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه. ثم قال: ما ترى في علي؟ قال: أرى فيه خيرا، أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق، ومن عند خير الناس في أنفس الناس، ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي، وهو عدو لجرير المرسل إليك، فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس: إن عليا قتل عثمان، وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشئ أبدا.
فكتب إلى شرحبيل: إن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع، فأقدم. ودعا معاوية يزيد بن أسد، وبسر بن أرطاة، وعمرو بن سفيان، و مخارق بن الحارث، وحمزة بن مالك، وحابس بن سعد الطائي، وهؤلاء رؤوس قحطان واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصته، وبني عم شرحبيل بن السمط، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه: إن عليا قتل عثمان، فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقال إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وهو صاحب معاذ بن جبل و ختنه، وكان أفقه أهل الشام فقال: يا شرحبيل! إن الله لم يزل يزيدك خيرا مذ هاجرت إلى اليوم وإنه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من الناس، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، إنه قد القي إلينا قتل عثمان، وإن عليا قتل عثمان (4) فإن يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار، وهم الحكام على الناس، وإن لم يكن قتله فعلام تصدق معاوية عليه؟ لا تهتك نفسك وقومك، فإن كرهت أن يذهب بحظها جرير فسر إلى علي فبايعه على شامك وقومك، فأبي شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية، فبعث إليه عياض الثمالي وكان ناسكا.
يا شرح يا ابن السمط إنك بالغ * بود علي ما تريد من الأمر
ويا شرح إن الشام شأمك ما بها * سواك فدع قول المضلل من فهر
فإن ابن حرب ناصب لك خدعة * تكون علينا مثل راغية البكر (5)
فإن نال ما يرجو بنا كان ملكنا * هنيئا له، والحرب قاصمة الظهر
فلا تبغين حرب العراق فإنها * تحرم أطهار النساء من الذعر
وإن عليا خير من وطئ الحصى * من الهاشميين المداريك للوتر
له في رقاب الناس عهد وذمة * كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر
فبايع ولا ترجع على العقب كافرا * أعيذك بالله العزيز من الكفر
ولا تسمعن قول الطغام فإنما * يريدوك أن يلقوك في لجة البحر
وماذا عليهم أن تطاعن دونهم * عليا بأطراف المثقفة السمر؟
فإن غلبوا كانوا علينا أئمة * وكنا بحمد الله من ولد الظهر (6)
وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا * وكان علي حربنا آخر الدهر
يهون على عليا لوي بن غالب * دماء بني قحطان في ملكهم تجري
فدع عنك عثمان بن عفان إننا * لك الخير، لا ندري وإنك لا تدري
على أي حال كان مصرع جنبه * فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو
قال: لما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فأعظموه، ودخل على معاوية فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا شرحبيل! إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس (7) لولا أنه قتل عثمان بن عفان، وقد حبست نفسي عليك، وإنما أنا رجل من أهل الشام، أرضى ما رضوا، وأكره ما كرهوا. فقال شرحبيل:
أخرج فانظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطؤون له، فكلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان بن عفان. فخرج مغضبا إلى معاوية فقال: يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان، ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك. قال معاوية: ما كنت لأخالف عليكم وما أنا إلا رجل من أهل الشام. قال: فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذا. قال: فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، وأن الشام كله مع شرحبيل!
فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال: ابعث إلى جرير فليأتنا فبعث إليه حصين: أن زرنا، فإن عندنا شرحبيل بن السمط، فاجتمعا عنده، فتكلم شرحبيل فقال: يا جرير!
أتيتنا بأمر ملفف (8) لتلقينا في لهوات الأسد، وأردت أن تخلط الشام بالعراق، وأطرأت عليا وهو قاتل عثمان، والله سائلك عما قلت يوم القيامة. فأقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل أما قولك: إني جئت بأمر ملفف. فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، وقوتل على رده طلحة والزبير؟! وأما قولك: إني ألقيتك في لهوات الأسد.
ففي لهواتها ألقيت نفسك، وأما خلط العراق بالشام فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل. وأما قولك: إن عليا قتل عثمان. فوالله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا، وشئ كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص.
فبلغ معاوية قول الرجلين، فبعث إلى جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام وكتب جرير إلى شرحبيل:
شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى * فمالك في الدنيا من الدين من بدل
وقل لابن حرب: مالك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الأمل
شرحبيل إن الحق قد جد جده * وإنك مأمون الأديم من النغل
فأرود ولا تفرط بشيئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل
ولا تك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل
وقال ابن هند في علي عضيهة * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل
وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل (9)
وما كان إلا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل
فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان قول الذي احتمل
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الأولى به يضرب المثل (10)
فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر، وقال: هذه نصيحة لي في ديني ودنياي.
ولا والله لا اعجل في هذا الأمر بشئ وفي نفسي منه حاجة، فاستتر له القوم ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظمون عنده عثمان ويرمون به عليا، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلقة، حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه، وبلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق - وكان يرى رأي علي بن أبي طالب فبايعه بعد، وكان ممن لحق من أهل الشام وكان ناسكا - فقال:
لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى * شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله
ولفف قوما يسحبون ذيولهم * جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله
فألفى يمانيا ضعيفا نخاعه * إلى كل ما يهوون تحدى رواحله
فطأطأ لها لما رموه بثقلها * ولا يرزق التقوى من الله خاذله
ليأكل دنيا لابن هند بدينه * ألا وابن هند قبل ذلك آكله
وقالوا علي في ابن عفان خدعة * ودبت إليه بالشنان غوائله
ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه * لقد كف عنه كفه ووسائله
وما كان إلا من صحاب محمد * وكلهم تغلي عليه مراجله
فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال: هذا بعيث الشيطان، الآن امتحن الله قلبي، والله لأسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني. فهرب الفتى إلى الكوفة. وكاد أهل الشام أن يرتابوا.
وبعث معاوية إلى شرحبيل بن السمط فقال: إنه كان من إجابتك الحق، وما وقع فيه أجرك على الله، وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت، وإن هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة، فسر في مدائن الشام، وناد فيهم: بأن عليا قتل عثمان، وأنه يجب المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيبا، فقال: يا أيها الناس! إن عليا قتل عثمان بن عفان، وقد غضب له قوم فقتلهم، وهزم الجميع وغلب على الأرض، فلم يبق إلا الشام، وهو واضع سيفه على عاتقه، ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا، ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية، فجدوا وانهضوا، فأجابه الناس إلا نساك أهل حمص، فإنهم قاموا إليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا، وأنت أعلم بما ترى، وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها، لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به، فبعث إليه النجاشي بن الحارث وكان صديقا له:
شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا * ولكن لبغض المالكي جرير
وشحناء دبت بين سعد وبينه * فأصبحت كالحادي بغير بعير
وما أنت إذ كانت بجيلة عاتبت * قريشا فيا لله بعد نصير
أتفصل أمرا غبت عنه بشبهة * وقد حار فيها عقل كل بصير
بقول رجال لم يكونوا أئمة * ولا للتي لقوكها بحضور
وما قول قوم غائبين تقاذفوا * من الغيب ما دلاهم بغرور
وتترك إن الناس أعطوا عهودهم، عليا على أنس به وسرور
إذا قيل: هاتوا واحدا يقتدى به * نظيرا له لم يفصحوا بنظير
لعلك أن تشقى الغداة بحربه * شرحبيل ما ما جئته بصغير (11)
راجع كتاب صفين لنصر بن مزاحم 49 - 57، الاستيعاب ترجمة شرحبيل 1: 589 أسد الغابة 2: 392، الكامل لابن الأثير 3: 119، شرح ابن أبي الحديد 1: 139، 249، 250.
فبهذه الصورة البشيعة من الشهادات المزورة والكتب المختلقة تمت بيعة معاوية لقتال علي أمير المؤمنين.
ورابعا: إلى أن عثمان قتله رجال مجتهدون من المهاجرين والأنصار، ووجوه أصحاب محمد صلى الله عليه وآله العدول، بعد إقامة الحجة عليه، وإثبات شذوذه عن الكتاب والسنة وإهدار دمه بحكم الكتاب (12) فليس على القوم قود ولا قصاص، ولم يك مولانا أمير المؤمنين إلا رجلا من المهاجرين أورد كما أوردوا، وأصدر كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم على ضلال، ولا ليضربهم بالعمى.
وقد كتب بهذا أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية (13) وجاء الحجاج به في كلمات غير واحد من الصحابة مثل قول الصحابي العظيم هاشم المر قال المذكور ج 9: 123 و في هذا الجزء ص 290، وقول عمار بن ياسر الممدوح بالكتاب والسنة الذي أسلفناه في ج 9: 112، وقول أبي الطفيل الشيخ الصحابي الكبير الآنف في ج 9: 140: وقول عبد الرحمن بن عثمان السابق في ج 9: 159، فما ذنب علي عليه السلام إن آواهم ونصرهم وأيدهم ودفع عنهم عادية الباغين.
وخامسا: إلى أن الذين كانوا في جيش أمير المؤمنين عليه السلام أو الذين تحكمت بينه وبينهم آصرة المودة لم يكونوا كلهم قتلة عثمان، ولا باشروا شيئا من أمره، و لم يكن لأكثرهم في الأمر ورد ولا صدر، وإنما كان فيهم من أولئك الصحابة العدول أناس معلومون آووا إلى إمام الحق، فبأي حجة شرعية كان ابن صخر يستبيح قتل الجميع واستقرأهم في البلاد بعد مقتل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وقبله، فقتلهم تقتيلا؟!.
وسادسا: إلى أن معاوية لم يكن ولي دم عثمان وإنما أولياؤه ولده، وإن كان لهم حق القصاص فعجزوا عن طلبه فعليهم رفع الأمر إلى خليفة الوقت وهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لينظر في أمرهم، ويحكم بحكم الله البات وهو أقضى الأمة بنص الرسول الأمين.
نعم: كانت لمعاوية تراة عند أمير المؤمنين عليه السلام بأخيه حنظلة بن أبي سفيان، وجده لأمه عتبة بن ربيعة، وخاله الوليد بن عتبة بن ربيعة، وأبناء عمه العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمر وبن أمية. لكنه لم ينبس عنهم ببنت شفة لأنها ما كانت تنطلي عند المسلمين فإنهم وثنيون مشركون حاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله فذاقوا وبال أمرهم، وإنما تترس بدم عثمان بضرب من السيرة الجاهلية من صحة قيام أي فرد من أفراد العشيرة بدم أي مقتول منها وإن بعدت بينهم الرحم والقرابة، وهذه السيرة الغير المشروعة كان يرن صداها في مسامع أهل الشام البعداء عن مبادئ الدين وطقوسه، ومن ثم استهواهم معاوية، واستحوذ عليهم بذلك التدجيل، ولم تكن تلك الحرب الزبون إلا أنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرك ثارات بني عبد شمس، ولم تك تخفى هذه الغاية على أي أحد حتى المخدرات في الحجال (14).
وسابعا: إلى أن أول واجب على معاوية أن يتنازل إلى ما لزمه من البيعة الحقة فيدخل في جماعة المسلمين، ولا يشق عصاهم بالتقاعس عنها، ثم يرفع الخصومة إلى صاحب البيعة، فيرى فيه رأيه كما جاء في كتاب لأمير المؤمنين إلى معاوية من قوله:
وأما قولك: ادفع إلي قتلة عثمان. فما أنت وذاك؟ وها هنا بنو عثمان وهم أولى بذلك منك (15) فإن زعمت أنك أقوى على طلب دم عثمان منهم فارجع (16) إلى البيعة التي لزمتك [لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار، ولا يستأنف فيها النظر] وحاكم القوم إلي (17).
وفي كتاب آخر له عليه السلام كتبه إليه:
وقد أكثرت في قتلة عثمان، فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكمت القوم إلي حملتك وإياهم على كتاب الله، وأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن.
ولعمري يا معاوية! لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه، إلا أن تتجنى (18) فتجن ما بدا لك (19).
وثامنا إلى أن طلحة والزبير قد نهضا قبل معاوية بتلك الغاية التي هو راميها، وأخرجا حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خدرها، وحاربهما الإمام عليه السلام بعد ما أتم عليهما الحجة، وكتب إليهما: وقد زعمتما أن قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة (20) ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل، وزعمتما أني آويت قتلة عثمان، فهؤلاء بنو عثمان فليدخلوا في طاعتي، ثم يخاصموا إلي قتلة أبيهم، وما أنتما وعثمان؟ إن كان قتل ظالما أو مظلوما، وقد بايعتماني وأنتما بين خصلتين قبيحتين: نكث بيعتكما. وإخراجكما أمكما (21).
وكتب عليه السلام إلى معاوية: إن طلحة والزبير بايعاني، ثم نقضا بيعتهما، وكان نقضهما كردتهما، فجاهدتهما بعد ما أعذرت إليهما، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون (22).
فهلا كانت بحسب معاوية تلكم الحجج؟! وقد طن في أذن الدنيا قول أمير المؤمنين عليه السلام: ما هو إلا الكفر، أو قتال القوم. فهلا عرف الرجل وبال أمر أصحاب الجمل، ومغبة تلك النخوة والغرور، والتركاض وراء الأهواء والشهوات، بعد قتل آلاف مؤلفة من الصالح والطالح، من أهل الحق والباطل؟ فإشهاره السيف لإزهاق النفوس بريئة كانت أو متهمة من رجال أو نساء أو أغلمة، وقتل أمم وزرافات تعد بالآلاف بإنسان واحد قتله المجتهدون العدول من أمة محمد بعد إقامة الحجة عليه، إنما هو مما حظرته الشريعة، ولم يعرف له مساغ من الدين، وكان ابن هند في الأمر كما كتب إليه الإمام عليه السلام: لست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر، ولا عليك منه شاهد، ولست متعلقا بآية من كتاب الله، ولا عهد من رسول الله (23).
وتاسعا: إلى أن ما حكم به خليفة الوقت يجب اتباعه ولا يجوز نقضه فقد كتب علي عليه السلام إلى معاوية في كتاب له: وأما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فإني نظرت في هذا الأمر، وضربت أنفه وعينه فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك، ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عما قليل يطلبونك، لا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر. (24) فهلا كان ذلك نصا من الإمام عليه السلام على أنه لا مساغ له لأن يدفع قتلة عثمان لأي إنسان ثائر، وإن طلب ذلك منه غي وشقاق، فهل كان معاوية يحسب أن أمير المؤمنين عليه السلام يتنازل عن رأيه إذا ما ارتضاه هو؟ أو يعدل عن الحق ويتبع هواه؟ حاشا ثم حاشا، أو لم يكن من واجب معاوية البخوع لحكم الإمام المطهر بنص القرآن والإخبات إلى رأيه الذي لا يفارق القرآن؟ كيف لا؟ وقد صح عن القوم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روايات تمسكوا بها في اتباع نظراء معاوية ويزيد من أئمة الضلال وأمراء الجور والعدوان مثل ما عزي إليه صلى الله عليه وآله: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال حذيفة: قلت: كيف أصنع يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع. (25)
وسأل سلمة بن يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله فجذبه الأشعث بن قيس فقال صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم. (26) هذا رأي القوم في أمراء الشر والفساد فما ظنك بالامام العادل المستجمع لشرايط الخلافة الذي ملأت الدنيا النصوص في وجوب اقتصاص أثره، و الموافقة لآرائه وكل ما يرتأيه من حق واضح؟!.
وعاشرا: إلى أن قاتل عثمان المباشر لقتله اختلف فيه كما مر تفصيله في الجزء التاسع ويأتي أيضا بين جبلة بن الايهم المصري. وكبيرة السكوني. وكنانة بن بشر التجيبي. وسودان بن حمران. ورومان اليماني. ويسار بن غلياض. وعند ابن عساكر يقال له: حمال (27) فقتل منهم من قتل في الوقت، ولم يكن أحد من الباقين في جيش الإمام عليه السلام ولا ممن آواهم هو، فلم يكن لأحد عند غيرهم ثار، وأما الذين آواهم الإمام عليه السلام فهم المسببون لقتله من المهاجرين والأنصار، أو المؤلبون عليه من الصحابة العدول، ولم يشذ عنهم إلا أناس يعدون بالأنامل.
وبعد هذه كلها هلا كانت لتبرأة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام نفسه من دم عثمان وقد كتبها إلى طلحة والزبير ومعاوية، ولتبرأة الأعيان من الصحابة إياه منذ مقتل عثمان إلى أن استحر القتال في واقعة صفين، وقد كتبوها إلى طلحة والزبير ومعاوية ومن لف لفهم، قيمة توازن عند معاوية شهادات الزور التي لفقها هو من أناس لا خلاق لهم، وثبتتها حيله ودسائسه، وأجراها ترغيبه وترهيبه؟ وقد علم هو أن أمير المؤمنين من هو، وصلحاء الصحابة الذين وافقوه على التبرأة والتبرير من هم، ومن أولئك الطغمة الثائرين لخلافه، والمجلبين عليه، جير: كان يعلم كل ذلك لكنه الملك و السلطان وهما يبرران لصاحب النهمة والشره كل بائقة وموبقة.


______________
(1) راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع ص 150 - 153 ط 1.
(2) مر حديثه في الجزء التاسع ص 243.
(3) انظر ما فصلناه في الجزء التاسع ص 136 - 138 ط 2.
(4) في شرح ابن أبي الحديد: إنه قد ألقي إلى معاوية أن عليا قتل عثمان، ولهذا يريدك.
(5) الراغية: الرغاء، البكر: ولد الناقة. مثل يضرب في التشاؤم. انظر ثمار القلوب 282.
(6) يقال: فلان من ولد الظهر، بالفتح. أي ليس منا. وقيل معناه: إنه لا يلتفت إليه.
(7) هل تجتمع كلمة الرجل هذه مع سبابه المقذع عليا وقوارصه التي أوعزنا إليها؟ هذا هو النفاق وهكذا يكون المنافق ذا لسانين ووجهين.
(8) في شرح ابن أبي الحديد: ملفق.
(9) في شرح ابن أبي الحديد: بقول ولا ما لا عليه ولا قتل. الممالاة: المساعدة.
(10) في شرح ابن أبي الحديد: ومن باسمه في فضله يضرب المثل.
(11) في شرح ابن أبي الحديد: فليس الذي قد جئته بصغير.
(12) راجع ما مر في الجزء التاسع 169 - 209.
(13) راجع ما أسلفناه في ج 9 ص 158 - 164.
(14) انظر ما مر من كلمة أم الخير في الجزء التاسع ص 371 ط 2.
(15) في رواية المبرد: وبعد: فما أنت وعثمان؟ إنما أنت رجل من بني أمية، وبنو عثمان أولى بمطالبة دمه.
(16) في رواية المبرد: فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلى.
(17) الإمامة والسياسة 1: 88، الكامل للمبرد 1: 225، العقد الفريد 2: 284، 285، شرح ابن أبي الحديد 1: 252.
(18) تجنى عليه: إدعى عليه ذنبا لم يفعله. فتجن: أي تستره وتخفيه.
(19) الإمامة والسياسة 1: 81، العقد الفريد 2: 284، نهج البلاغة 2: 7، 124، شرح ابن أبي الحديد 1: 248، ج 3: 300.
(20) نظراء سعد بن أبي وقاص، عبد الله بن عمر، محمد بن مسلمة.
(21) نهج البلاغة 2: 112، الإمامة والسياسة 1: 62.
(22) كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص 34 ط مصر، العقد الفريد 2: 284، الإمامة والسياسة 1: 81، شرح ابن أبي الحديد 1: 248، ج 3: 300.
(23) كتاب صفين لابن مزاحم ص 122، شرح ابن أبي الحديد 3: 412.
(24) كتاب صفين ص 96، 102، العقد الفريد 2: 286، شرح ابن أبي الحديد 3: 409.
(25) صحيح مسلم 6: 20، سنن البيهقي 8: 157.
(26) صحيح مسلم 6: 19، سنن البيهقي 8: 158.
(27) الصواعق ص 66.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page