• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في مناقب ابن هند

لعلك إلى هاهنا عرفت معاوية، وأنه أي رجل هو، وأنه كيف كانت نفسياته وملكاته، وأن رجلا كمثله لا يتبوأ مقعده إلا حيث تنيخ شية العار، وفي مستوى السوءة والبوائق، وأن أي فضيلة تلصقه به رواة السوء وتخط عنه الأقلام المستأجرة فهو حديث إفك نمقته الأهواء والشهوات، ولا يقام له في سوق الاعتبار وزن، ولا في مبوأ الحق مقيل، فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.
أليس معاوية هو صاحب تلكم الموبقات والجرءة على الله وعلى الاسلام ونبيه و كتابه وسنته. سنة الله التي لا تبديل لها؟!
أليس هو الهاتك حرمات الله والمصغر قدر أوليائه، والمريق دمائهم الزكية، و الدؤوب على الظلم والجور بإزهاق النفوس البريئة من غير جرم؟ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (1).
أليس هو من آذى الله ورسوله في الصالحين من رجالات الأمة وعدول الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان، المحرمة دماؤهم وأقدارهم وحرماتهم بزجهم إلى أعماق السجون، وإبعادهم عن عقر دورهم وإخافتهم؟ إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا، والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا (2).
أليس هو من آذى رسول الله في أهل بيته بإثارة الحرب على صنوه ونفسه وخليفته حقا؟ وكان من واجبه أن يخضع له ويتحرى مرضاته، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم (3).
أليس هو الذي لم يراقب حرمة الرسول الأعظم في ذوي قرباه وصغرها بسب أبي ولده، وأمر الملأ الديني بتلك الجريمة الموبقة، واتخذها سنة متبعة، وقذف من طهره الجليل بالأفائك والمفتريات؟
أليس هو السباق الأول في المآثم الجمة المخزية؟ أول من باع الخمر وشربها من الخلفاء؟ والخمر وشاربها وبايعها ومشتريها ملعون ملعون.
أول من أشاع الفاحشة في الملأ الاسلامي؟ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون. (سور النور: 20).
أول من أحل الربا وأكله؟ وأحل الله البيع وحرم الربا، والذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، وآكل الربا وموكله ملعون بلسان النبي صلى الله عليه وآله أول من أتم الصلاة في السفر تقديسا لأحدوثة ابن عمه؟!.
أول من أحدث الأذان في صلاة العيدين؟!.
أول من رأى الجمع بين الأختين إحياء لما ذهب إليه عثمان؟!
أول من غير السنة في الديات وأدخل فيها ما ليس منها؟!.
أول من ترك التكبير في الصلوات عند كل هوي وانتصاب وهي سنة ثابتة؟!
أول من ترك التلبية وأمر به خلافا لعلي أمير المؤمنين عليه السلام العامل بسنة الله و رسوله؟!
أول من قدم الخطبة على الصلاة في العيد لإسماع الناس سب علي عليه السلام؟ وقد صح عن نبي الاسلام: من سب عليا فقد سبه، ومن سبه فقد سب الله.
أول من عصى ربه بترك حدوده وإقامة سنته؟ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين (سورة النساء: 19).
أول من نقض حكم العاهر، وأحيى طقوس الجاهلية، وخالف دين محمد صلى الله عليه وآله والولد للفراش وللعاهر الحجر؟!.
أول من تختم باليسار؟ فأخذ المراونة بذلك إلى أن نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد فنقله إلى اليسار (4)).
أول من سن سب علي عليه السلام وقنت به وجعله سنة جارية في خلفه الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وشوه خطب المنابر بذلك الحادث المخزي؟!.
أول من بغى على إمام وقته وحاربه وقاتله وقتل أمة كبيرة من صلحاء الصحابة البدريين وأهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؟!.
أول من أعطى المال لوضع الحديث وتحريف كتاب الله وكلمته الطيبة عن مواضعها؟!
أول من اشترط البرائة عن علي عليه السلام على من بايعه في خلافته الغاشمة أو في ملكه العضوض؟!
أول من حمل إليه رأس الصحابي العادل عمرو بن الحمق وأدير به في البلاد؟!
أول من قتل عدول الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان من عيون الأمة و عبادها ونساكها لمحض ولائهم سيد العترة، وقد جعله الله أجر رسالة نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله؟!
أول من قتل نساء كل من والى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وذبح صبيانهم، ونهب أموالهم، ومثل قتلاهم وشتت شملهم، وفرق جمعهم، واستأصل شأفتهم، ونفاهم عن عقر دورهم، وأبادهم تحت كل حجر ومدر؟!
أول من عبثت به رعيته، وسن العمل بالشهادات المزورة، وسلط رجال الشر والغي والجور على صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله؟!
أول من هم بنقل منبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن المدينة المشرفة إلى الشام؟! ولما حرك المنبر خسفت الشمس فترك (5).
أول من بدل الخلافة الإسلامية إلى شر ملك وسلطة سوء؟!
أول من ملك وتجبر في الاسلام بلبس الحرير والديباج، وشرب في آنية الذهب والفضة، وركب السروج المحلاة بهما؟!
أول من سمع الغناء وطرب عليه وأعطى ووصل إليه وهو يرى نفسه أمير المؤمنين؟!
أول من هتك دين الله باستخلاف جروه الفاجر المستهتر التارك للصلاة؟!
أول من أشن الغارة على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله حرم أمن الله، وأخاف أهليها، وما رعى حرمة ذلك الجوار المقدس؟!
إلى جرائم وبوائق تجد الرجل فيها هو السابق الأول إليها؟! (6)
أصحيح أن مثل هذا الطاغية تصدر فيه كلمة إطراء من مصدر النبوة؟ أو يأتي عن نبي العدل والحق والصدق ما يوهم الثناء عليه؟ لا. لا يمكن ذلك. بل نبي العظمة أكبر من يبغض هذا الانسان وجرائمه، والرجل أشد أعداؤه صلى الله عليه وآله في جاهليته و إسلامه، ولو كان صلى الله عليه وآله ينطق بشئ من ذلك - وحاشاه - لكان أكبر ترويج للباطل و أهله، وأوضح ترخيص في المعصية، وأبين استهانة بالحق.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن علي ومعاوية؟ فقال: إعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيبا فلم يجدوا فجاؤا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم لعلي (7).
وقال الحاكم: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت أبي يقول:
سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لا يصح في فضل معاوية حديث (8).
ولما لم يجد البخاري حديثا يصح من مناقب معاوية فقال عند عد مناقب الصحابة من صحيحه: باب ذكر معاوية رضي الله عنه. فقال ابن حجر في فتح الباري 7: 83: أشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما. ا هـ.
وأما مسلم وابن ماجة فلما لم يريا حديثا يعبأ به في فضائل معاوية ضربا عن اسمه في الصحيح والسنن صفحا عند عد مناقب الصحابة. والترمذي لم يذكر له إلا حديث: أللهم اجعله هاديا مهديا واهد به. فقال: حسن غريب. ونحن أوقفناك على بطلانه في الجزء العاشر ص 373. وذكر حديث: أللهم اهد به وزيفه هو بنفسه لمكان عمرو بن واقد، وعمرو أحد الكذابين ذكرناه في الجزء الخامس ص 249 ط 2 فالصحاح والسنن خالية عما لفقتها رواة السوء في فضل الرجل.
ودخل الحافظ النسائي صاحب السنن إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدثهم بشئ من فضائل معاوية فقال: أما يكفي معاوية أن يذهب رأسا برأس حتى يروى له فضائل؟
فقاموا إليه فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من المسجد الجامع فقال: أخرجوني إلى مكة فأخرجوه وهو عليل فتوفي بمكة مقتولا شهيدا (9).
وقال ابن تيمية في منهاجه 2: 207: طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كلها كذب.
وقال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه (سفر السعادة) والعجلوني في كشف الخفاء ص 420: باب فضائل معاوية ليس فيه حديث صحيح.
وقال العيني في عمدة القاري: فإن قلت: قد ورد في فضله يعني معاوية أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصح من طرق الاسناد، نص عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، فلذلك قال يعني البخاري: (باب ذكر معاوية) ولم يقل: فضيلة ولا منقبة.
وقال الشوكاني في (الفوائد المجموعة): اتفق الحفاظ على إنه لم يصح في فضل معاوية حديث.
نعم: إن الغلو في حب الرجل خلق له فضائل مفتراة تبعد جدا عن ساحة النبي الأقدس صلى الله عليه وآله أن يبوح بشئ منها، وإنما يد الافتعال نسجت له على نول ما نسجته لبقية الخلفاء مناقب تندى منها جبهة الانسانية، وألف محمد بن عبد الواحد أبو عمر غلام ثعلب جزءا في فضائل هذا الانسان المحشو رداؤه بالرذائل. قال ابن حجر في لسان الميزان 1: 374: إسحاق بن محمد السوسي ذاك الجاهل الذي أتى بالموضوعات السمجة في فضائل معاوية رواها عبيد الله السقطي عنه فهو المتهم بها أو شيخه.
فنحن نجمع هاهنا شتات جملة من تلكم الأكاذيب التي خلقتها أو اختلقتها يد الوضع الأثيمة في مناقب الرجل مما مر الايعاز إليه، وما لم نذكره بعد، ونجعلها بين يدي القارئ النابه الحر، وله القضاء بالحق، والله المستعان، ألا وهي:
1 - عن أنس مرفوعا: لا أفتقد أحدا من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان لا أراه ثمانين عاما، فإذا كان بعد ثمانين عاما يقبل إلي على ناقة من المسك الأذفر حشوها من رحمة الله، قوائمها من الزبرجد فأقول: معاوية؟ فيقول: لبيك يا محمد! فأقول: أين كنت من ثمانين عاما؟ فيقول: كنت في روضة تحت عرش ربي يناجيني وأناجيه. ويحييني وأحييه ويقول: هذا عوض مما كنت تشتم في دار الدنيا.
راجع الجزء الخامس ص 254 ط 1، 298 ط 2.
2 - عن أنس مرفوعا: هبط علي جبريل ومعه قلم من ذهب إبريز فقال: إن العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك: حبيبي قد أهديت هذا القلم من فوق عرشي إلى معاوية ابن أبي سفيان فأوصله إليه ومره أن يكتب آية الكرسي بخطه بهذا القلم ويشكله و يعجمه ويعرضه عليك، فإني قد كتبت له من الثواب بعدد كل من قرأ آية الكرسي من ساعة يكتبها إلى يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأتيني بأبي عبد الرحمن؟ فقام أبو بكر الصديق ومضى حتى أخذ بيده وجاءا جميعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فرد عليهم السلام ثم قال لمعاوية: ادن مني يا أبا عبد الرحمن! ادن مني يا أبا عبد الرحمن! فدنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إليه القلم ثم قال له: يا معاوية؟ هذا قلم أهداه إليك ربك من فوق العرش لتكتب به آية الكرسي بخطك وتشكله وتعجمه وتعرضه علي فاحمد الله و اشكره على ما أعطاك، فإن الله قد كتب لك من الثواب بعدد من قرأ آية الكرسي من ساعة تكتبها إلى يوم القيامة. فأخذ القلم من يد النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه فوق أذنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أللهم إنك تعلم أني قد أوصلته إليه. ثلاثا. فجثا معاوية بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزل يحمد الله على ما أعطاه من الكرامة ويشكره حتى أتى بطرس ومحبرة فأخذ القلم ولم يزل يخط به آية الكرسي أحسن ما يكون من الخط حتى كتبها وشكلها و عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاوية! إن الله قد كتب لك من الثواب بعدد كل من يقرأ آية الكرسي من كتبتها إلى يوم القيامة.
أبو ذر الغفاري بقوله: لعنك رسول الله ودعا عليك مرات أن لا تشبع (10) واشتهرت عليه هذه المنقصة حتى جرت مجرى المثل وقيل فيها.
وصاحب لي بطنه كالهاويه * كأن في أحشائه معاويه
وحديث مسلم (11) الذي يلوح عليه لوائح الافتعال إنما اختلق لمثل هذه الغاية وتأويل ما إليها مما صدر عن النبي الأقدس صلى الله عليه وآله من طعن ولعن وسب وجلد ودعوة على من يستحق كلها، وللدفاع عن أولياء الشيطان وفي الطليعة منهم ابن أبي سفيان والمنع عن الوقيعة فيهم وغمزهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله لفقوا مكابرات عجيبة في دلالة الألفاظ والنصوص وأن ذلك صدر منه صلى الله عليه وآله لا عن قصد، أو أنه صدر عن نزعات نفسية تقتضيها فطرة البشر، وقد ذهب على المغفلين إنه صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وإنه لعلى خلق عظيم، وإن في كتابه الذي جاء به من ربه قوله تعالى: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا (الأحزاب: 58) وقد صح عنه قوله صلى الله عليه وآله: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (12).
وقاله: صلى الله عليه وآله: المؤمن لا يكون لعانا (13).
وقوله صلى الله عليه وآله: سباب المسلم فسوق (14).
وقوله صلى الله عليه وآله: إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة (15).
وقوله صلى الله عليه وآله: المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان (16).
وقوله صلى الله عليه وآله: من ذكر امرءا بشئ ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه (17) هل هؤلاء القوم يصفون نبيا صح عندهم من حديث مسلم: إنه غضبت عائشة رضي الله عنها مرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: مالك جاءك شيطانك؟ فقالت: ومالك شيطان؟ قال: بلى ولكني: دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير (18) وهل يتكلمون عن نبي قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: اكتب عني في الغضب والرضا، فوالذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق. وأشار إلى لسانه (19) وقال عبد الله بن عمرو: أكتب كل شيئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق (20).
وكان صلى الله عليه وآله كما وصفه أمير المؤمنين عليه السلام لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له (21).
وهل يدنسون بهذا العز والمختلق - لتبرير ذيل أمثال ابن هند - ساحة نبي صح عنه صلى الله عليه وآله قوله: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها (22).
وهل يشوهون بها سمعة قداسة نبي كان يؤدب أمته بآداب الله وينهى أصحابه عن لعن كل شيئ حتى الدواب والبهائم والديك والبرغوث والريح؟ وكان يقول: من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه (23) وقال لرجل كان يسير معه فلعن بعيره: يا عبد الله! لا تسر معنا على بعير ملعون (24) وقال لما لعنت جارية ناقتها: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة. وفي حديث المعمر: أيم الله لا تصاحبنا راحلة عليها لعنة من الله (25). وكان صلى الله عليه وآله يبالغ في الأمر ويحذر الناس عنه حتى قال سلمة بن الأكوع: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر (26).
دع الأباطيل ولا تشطط في القول فمن لعنه صلى الله عليه وآله فهو ملعون، ومن سبه فهو مستأهل لذلك، ومن جلده فإن ذلك من شرعه المبين، ومن دعى عليه أخذته الدعوة ، وهل يجد ذو خبرة مصداقا لتلك المزعمة المخزية ويسع له أن يستشهد بسب رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا من صلحاء أمته كائنا من كان ممن لا يستحق السب أو بلعنه وجلده إياه ودعوته عليه؟ حاشا النبي المبعوث لتميم مكارم الأخلاق من هذه الفرية الشاينة.
وإن صحت هذه المزعمة لتطرق الوهن في أفعاله وأقواله وفي قضاءه وحدوده ، فلا يعلم الانسان إنها بحافز إلهي، أو اندفاع إلى شهوة وإطفاء ثورة الغضب، وأي نبي معصوم هذا؟ وكيف تتبع سنته؟ ويقتفى أثره عندئذ؟ وفي أي من حالتيه هو مقتدى البشر وحجة الخلق وقدوة الأمم؟ وما المائز بينه وبين أمته وكل يستحوذ عليه الغضب، ويقوده الهوى، وكان لأي أحد أسوة برسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول مثل ذلك حين يقع في المسلمين بالسباب وينال منهم باللعن فتنقلب المعصية بتلك الدعوة اللاحقة طاعة وبرا وكفارة وقربة.
ومن هنا بلغت القحة والصلف من ابن حجر إلى أن تمسك بذيل حديث مسلم المثبت ما لا يقبله العقل والمنطق وتأباه الأصول الدينية المسلمة، فمنع بذلك عن لعن الحكم لعين رسول الله وطريده وابنه الوزغ ابن الوزغ (27).
وللقوم في هذا المقام تصعيدات وتصويبات أو قل: خرافات ومخازي مثل ما حكي عن بعضهم (28) إن ظاهر هذا الحديث يعطينا إباحة تلكم المحظورات للنبي صلى الله عليه وآله فحسب، وعد السيوطي (29) من خصايص رسول الله صلى الله عليه وآله [باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بجواز لعن من شاء بغير سبب] وقال القسطلاني في المواهب 1: 395: كان له صلى الله عليه وسلم أن يقتل بعد الأمان، وأن يلعن من شاء بغير سبب، وجعل الله شتمه ولعنه قربة للمشتوم والملعون لدعائه عليه السلام. ألا يضحك ضاحك على عقلية هذا الأرعن؟ وإنه كيف يكون ذلك وقد فرض إن مصب هاتيك الطعون مستوجب للرحمة والحنان بالدعوة اللاحقة إياها؟ فما المجوز لنبي الرحمة هتك ستار أولئك وتفضيحهم بملأ من الاشهاد من غير استحقاق على مر الدهور؟ وهل الدعاء الأخير يرفع عنهم شية العار الملحقة بهم من الدعوة الأولى؟ وهل لإباحة تلكم الفواحش التي هي بذاتها فاحشة وقبايح عقلية لا تقبل التخصيص لصاحب الرسالة معنى معقول؟ وهل هتك حرمات المؤمنين مع حفظ الوصف لهم والمبدأ فيهم مما يستباح لأحد نبيا كان أو غيره؟! أما أنا فلا أعرفه وأحسب أن من ذهب إلى ذلك أيضا مثلي في الجهل.
وهلا كان لرسول الله والحالة هذه أن ينص بعد ما سب من لا يستحق أو لعنه أو جلده أو دعى عليه، وبعد ما هدأت ثورة غضبه وأطفأ نيران سخطه على أن ذلك وقع في غير محله، حتى لا يدنس ساحة الأبرياء طيلة حياتهم بشية العار ووسمة الشنار، ولا يشوه سمعة أناس نزهين في الملأ الديني أبد الدهر؟
وهلا كان للصحابة أن يستفهموا رسول الله صلى الله عليه وآله جلية الحال في كل تلكم الموارد ليعرفوا وجه ما أتى به من الهتيكة: هل وقع في أهله ومحله؟ حتى لا يتخذوا فعله مدركا مطردا في الوقيعة والتحامل، ولا يزري أحد أحدا جهلا منه بالموضوع اقتفاء لأثره صلى الله عليه وآله؟!
وهلا كان لمثل أبي سفيان ومعاوية والحكم ومروان وبقية ثمرات الشجرة الملعونة في القرآن ونظرائهم الملعونين بلسان النبي الأقدس أن يحتجوا برواية مسلم على من يعيرهم بلعن رسول الله صلى الله عليه وآله إياهم كعايشة أم المؤمنين وأمير المؤمنين وأبي ذر ووجوه الصحابة غيرهم؟
وها هنا دقيقة أخرى وهي: أن اللعنات والطعون المتوجهة في القرآن الكريم إلى أناس عناهم الذكر الحكيم ونوه بذلك الصادع الكريم صلى الله عليه وآله هل هي من الله تعالى كما زعموه في النبي الأقدس ومؤولة بمدايح ورحمات وقرب؟! فهي إلى جلالة أولئك القوم وقداستهم أدل من كونهم ملعونين مطرودين من ساحة رحمة الله تعالى، وهل الله سبحانه أعطى عهدا بذلك وآلى على نفسه أن يجعلها رحمة وزكاة وقربة؟
أم أنها باقية على مداليلها التي هي ناصة عليها؟! لا أدري ماذا يقول القوم، هل يسلبون الحقايق عن الألفاظ القرآنية كما سلبوها عن الألفاظ النبوية؟! وفي ذلك ارتاج لباب التفاهم وسد لطريق المحاورة، غير أن أحمال الكلام لم تراقب عليها دائرة المكوس، فللمتحذلق أن يقول ما شاء، وللثرثار أن يلهج بما يحبذه الهوى ولا يكترث. نعوذ بالله من التقول بلا تعقل.
28 - عن مسرة بن عبد الله الخادم قال: حدثنا كردوس بن محمد الباقلاني عن يزيد بن محمد المروزي عن أبيه عن جده قال: سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول فذكر خبرا فيه: بينا أنا جالس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاء معاوية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله القلم من يدي فدفعه إلى معاوية، فما وجدت في نفسي إذ علمت أن الله أمره بذلك.
ذكره ابن حجر في لسان الميزان 6: 20 وعده من موضوعات مسرة بن الخادم فقال: متن باطل وإسناد مختلق.
وأخرج الخطيب في تاريخه من طريق مسرة منقبة لأبي بكر وعمر فقال:
هذا الحديث كذب موضوع والرجال المذكورون في إسناده كلهم ثقات أئمة سوى مسرة والحمل عليه فيه، على إنه ذكر سماعه من أبي زرعة بعد موته بأربع سنين. (30)
29 - عن أنس مرفوعا: أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومعاوية حلقتها.
زيفه صاحب المقاصد، وابن حجر في الفتاوى الحديثية ص 197، والعجلوني في كشف الخفاء 1: 46. 2.
وأكبر ظني أن مختلق هذه الخرافات لا يبتغي إلا الاستهزاء بما جاء عن النبي الأعظم من الفضائل في رجال لهم الكفائة لها وحيا من الله العزيز، ولا يذهب على أي جاهل إن ابن هند لا يقدس ساحة رجاسته ألف تمحل، واختلاق ألف حديث مثل هذه، وهو بعد معاوية، وهو بعد ابن هند، وهو بعد هو هو.
30 - أخرج الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني أن النبي صلى الله عليه وآله قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب.
في لفظ الترمذي: أللهم اجعله هاديا مهديا واهد به. وبهذا اللفظ أخرجه ابن عساكر في تاريخه 2 ص 106.
زيفه ابن عبد البر في الاستيعاب وقال: لا يثبت. راجع ما أسلفناه في الجزء العاشر ص 376.
31 - عن عبد الرحمن بن أبي عميرة مرفوعا: يكون في بيت المقدس بيعة هدى.
أخرجه ابن سعد عن الوليد بن مسلم عن شيخ من أهل دمشق عن يونس بن ميسرة بن جليس عن عبد الرحمن (31) انظر إلى سلسلة الشاميين في إسناد هذه المفتعلة: يروي الوليد مولى بني أمية عالم الشام الذي كان كثير الخطأ، يروي عن الكذابين ثم يدسها عنهم، روى الأوزاعي عن ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطهم الوليد وصيرها من رواية الأوزاعي، و كان رفاعا اختلط عليه ما سمع وما لم يسمع وكانت له منكرات (32) عن شيخ من أهل الشام لا يعرفه إنس ولا جان، عن يونس الأعمى الشامي الذي أدرك معاوية وروى عنه واستمرأ رضائخه، عن عبد الرحمن الذي لا نتبت أحاديثه ولا تصح صحبته كما قاله ابن عبد البر.
أفهل يروي مثل هذه الأضحوكة إلا أمثال هؤلاء؟ وهل تروى إلا بمثل هذا الاسناد الوعر؟ وهل تدري أي بيعة غاشمة يراها النبي صلى الله عليه وآله - العياذ بالله - بيعة هدى؟ هي ذلك الملك العضوض الذي كان ينبأ عنه الصادع الكريم، ويحض أصحابه على قتال صاحبه ، بيعة الطليق ابن الطليق التي كانت قوامها البرائة عن ولاية الله الكبرى ولاية أمير المؤمنين التي جاء بها الكتاب الكريم، وأكمل الله بها الدين، وأتم بها النعمة، وقرنها بولايته وولاية رسوله صلى الله عليه وآله، بيعة عمت شؤمها الاسلام، وزرعت في قلوب أهلها الآثام، و خلطت الحلال بالحرام، وأباحت الأموال والدماء للطلقاء واللعناء، وجرت الويلات على عترة محمد صلى الله عليه وآله وعلى أمته حتى اليوم.
32 - أخرج ابن عساكر قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر محمد بن علي، أنبأنا أبو الحسين أحمد بن عبد الله، أنبأنا أحمد بن أبي طالب، حدثني أبي، حدثني أبو عمرو السعيدي، حدثنا علي بن روح، حدثنا علي بن عبيد العامري، حدثنا جعفر بن محمد وهو الأنطاكي، حدثنا إسماعيل بن عياش عن تمام بن نجيح الأسدي عن عطاء عن ابن عمر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله ورجلان من أصحابه فقال:
لو كان عندنا معاوية لشاورناه في بعض أمرنا، فكأنهما دخلهما من ذلك شيئ، فقال:
إنه أوحي إلي أن أشاور ابن أبي سفيان في بعض أمري، والله أعلم (33).
قال الأميني: في الاسناد جمع من المجاهيل، وفيه جعفر بن محمد الأنطاكي ليس بثقة (34) وإسماعيل بن عياش الحمصي وثقه جماعة غير أن الجوزجاني قال: أما إسماعيل فما أشبه حديثه بثياب نيسابور يرقم على الثوب المائة وأقل وشراءه دون عشرة، وكان أروى الناس عن الكذابين.
وقال أبو إسحاق الفزاري: لا تكتب عن إسماعيل ما روى عن المعروفين ولا غيرهم وقال: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه. وقال ابن المبارك: لا استحلي حديثه.
وقال ابن خزيمة: لا يحتج به. وقال الحاكم: هو مع جلالته إذا انفرد بحديث لم يقبل منه لسوء حفظه وقال علي بن حجر: ابن عياش حجة لولا كثرة وهمه. إلى آخر ما مر في هذا الجزء صفحة 82.
وفيه: تمام بن نجيح الدمشقي قال أحمد: ما أعرفه. قال حرب: يعني ما أعرف حقيقة حاله. وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال أبو حاتم: منكر الحديث ذاهب. وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات وهو غير ثقة. وقال ابن حبان: روى أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المعتمد لها وقال البزار: ليس بقوي وقال العقيلي: يحدث بمناكير. وقال الآجري عن أبي داود: له أحاديث مناكير (35).
33 - أخرج ابن عساكر بالإسناد قال: أنبأنا أبو الحسن القرضي: حدثنا أبو القاسم بن العلاء: أنبأنا أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عثمان بن خلف: حدثنا أبو زرعة محمد بن أحمد بن أبي عصمة: حدثنا أحمد بن علي: حدثنا علي بن محمد الفقيه: حدثنا محرز بن عون: حدثنا شبابة عن محمد بن راشد عن مكحول قال: دفع النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية سهمين فقال: خذ هاذين السهمين سهمي الاسلام فتلقني بهما في الجنة، فلما مات معاوية جعلا معه في قبره، ولما حلق النبي رأسه بمنى دفع إلى معاوية من شعره فصانه فلما مات معاوية جعل شعر النبي صلى الله عليه وسلم على عينيه والله أعلم (36).
قال الأميني: هذا الاسناد باطل مزيف، وهو مع ذلك غير مسند الأخير إذ مكحول الدمشقي حديثه مرسل والرجل ليس بصحابي، ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام، وهو قدري ضعيف يدلس.
وفي الاسناد محمد بن راشد الدمشقي، وهو قدري من أهل الورع والنسك ولم يكن الحديث من صنعته، وكثر المناكير في روايته فاستحق الترك. وقال الدارقطني: يعتبر به. وقال ابن خراش: ضعيف الحديث (37).
وفيه شبابة الفزاري كان يدعو إلى الارجاء ويقول به، تركه أحمد ولم يكتب عنه وكان يحمل عليه ولا يرضاه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا تحج به. وقال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: كان يدعو إلى الارجاء وحكي عنه قول أخبث من هذه الأقاويل قال: إذا قال فقد عمل بجارحته وهذا قول خبيث ما سمعت أحدا يقوله، قيل له: كيف كتبت عنه؟ قال: كتبت عنه شيئا يسيرا قبل أن أعلم إنه يقول بهذا. وقبل كل هذا كان الرجل يبغض أهل البيت الطاهر، ومات بإصابة الدعوة عليه فلجأ (38).
وفي الاسناد مجاهيل لا يعرفون ولا يوجد لهم ذكر في المعاجم.
34 - أخرج إسحاق بن محمد السوسي من طريق محمد بن الحسن بالإسناد مرفوعا:
إن معاوية يبعث نبيا من حلمه وائتمانه على كلام ربي.
زيفه ابن حجر في لسان الميزان 5: 125 وقال: محمد بن الحسن لعله النقاش صاحب التفسير فإنه كذاب أو هو آخر من الدجاجلة.
35 - قال سعيد بن المسيب: من مات محبا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وشهد العشرة بالجنة، وترحم على معاوية، كان حقا على الله أن لا يناقشه الحساب [تاريخ ابن كثير: 8: 139] قال الأميني: فأول من يناقشه الله الحساب إن صدق هذا الحلم هو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ووصيه أمير المؤمنين عليه السلام للعنهما معاوية كما عرفت حديثه، ويلحقهما في ذلك عيون الصحابة العدول المتقربين إلى الله بالوقيعة في هذا الانسان، بل يحق على الله
أن يناقش الحساب مع كل مؤمن صالح مرضي عنده لنقمتهم على ابن آكلة الأكباد وأفعاله وتروكه، وذكرهم إياه بكل مخزاة وبائقة بكرة وعشيا.
وهل على الله أن لا يناقش ابن أبي سفيان الحساب أخذا بهذا الحكم البات التافه؟ وهل قنوت الرجل بلعن علي أمير المؤمنين وسبه إياه ووقيعته فيه وتحامله عليه ودعوته الناس إلى مقته وعداه وخروجه عليه بالسيف وقتاله إياه، إلى تلكم الفواحش المبثوثة في صحيفة تاريخ الرجل السوداء من بوائقه وموبقاته مع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام كانت كلها آية حبه إياه ورمز شهادته له بالجنة؟ وبذلك استوجب الترحم عليه؟
وهل كان تقاعسه عن نصرة عثمان، وتثبطه عن الدفاع عنه، وإيصائه بذلك قائد جيوشه عن آيات حبه إياه، وشهادته له بالجنة، وموجبات الترحم عليه؟ نعوذ بالله من التقول بلا تدبر.
36 - قال سعيد بن يعقوب الطالقاني: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز. وفي لفظ: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز. تاريخ ابن كثير 8: 139.
وسئل أحمد بن حنبل إمام الحنابلة: أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله خير من عمر بن عبد العزيز. [شذرات الذهب 1: 65].
قال الأميني: إن الحري بعرفان معاوية ومكانته من الفضيلة هم أولئك الذين عاصروه وشاهدوه من كثب، والذين رأوا بوائقه وتطلعوا على مخازيه بين ثنايا المشاهدة ، والذين أدركوا أصله ومحتده وعرفوا نفسياته وملكاته، ولن تجد فيهم رجل صدق يقيم له وزنا أو يرى له كرامة، ويحق أن تسألهم عنه لا ابني حنبل ومبارك اللذين أوفر حظهما من أخبار معاوية السماع أو ركوب العصبية العمياء، وأنت إذا أمعنت النظرة فيما أسلفناه مما قيل فيه وذكر عنه ظهرت لك جلية الحال وعرفت البون الشاسع بين كلمة الرجلين وبين هاتيك الكلم الجوامع المعربة عن حقيقة الرجل وعجره وبجره.
37 - قال بعض السلف: بينا أنا على جبل بالشام إذ سمعت هاتفا يقول: من أبغض الصديق فذاك زنديق، ومن أبغض عمر فإلى جهنم زمرا، ومن أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن، ومن أبغض عليا فذاك خصمه النبي، ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية إلى جهنم الحامية يرمى به في الحامية الهاوية. تاريخ ابن كثير 8: 140.
عجبا لبيئة دمشق التي لا تربي إلا روح الأموية الممقوتة هي وأهلها وضواحيها وجبالها، ومن يهتف بها من شيطان مريد أو إنسان عنيد، أو مشاغب عن الحق والصلاح بعيد، وبعدا لمن يحتج في أمور الدين بالهاتف المجهول، وطيف الخيال الممجوج، ويضرب عن الحقايق الراهنة صفحا، ويطوي عن البرهنة الصادقة كشحا.
38 - قال بعضهم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر: يا رسول الله! هذا يتنقصنا فكأنه انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني لا أتنقص هؤلاء ولكن هذا - يعني معاوية - فقال:
ويلك أو ليس هو من أصحابي؟ قالها ثلاثا. ثم أخذ رسول الله حربة فناولها معاوية فقال: جاء بها في لبته، فضربه بها وانتبهت فبكرت إلى منزلي فإذا ذلك الرجل قد أصابته الذبحة من الليل ومات، وهو راشد الكندي. تاريخ ابن كثير 8: 140.
قال الأميني: عجبا من حفاظ قوم وأئمة مذهب يغرون بسطاء الأمة بالأضغاث الأحلام، ويموهون على الحقايق الراهنة بالترهات، ويسودون صحائف التاريخ بالتافه الواهي، ويشوهون سمعة الصحابة ويدنسون ساحة قدس صلحائهم بعد ابن هند الخمار الرباء من زمرتهم، وجعله وإياهم عكمي بعير، قاتل الله الجهل.
ليتني أدري إن الذي شهده هذا الرجل في طيف الخيال هل هو ذلك النبي الأقدس صلى الله عليه وآله الذي كان ينتقص هو معاوية ويلعنه في يقظته وانتباهته، وقد تطابق في ابن هند لسان حاله والمقال، أم هو غيره؟ انتظر ها هنا حتى يوافيك الجواب عن صاحب الرؤيا ولا أظن.
وليتني عرفت ما مصير عدول الصحابة مناوئي معاوية ومنتقصيه بألسنة حداد، والداعين عليه في صلواتهم جهارا، والمتحاملين عليه في كل ندوة ومجتمع؟ هل انتهرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وناول معاوية حربة جاء بها في لبتهم؟!.
39 - وجد أبو الفتح يوسف القواس في كتبه جزءا له فيه فضايل معاوية وقد قرضته الفأرة، فدعا الله تعالى على الفأرة التي قرضته، فسقطت من السقف ولم تزل تضطرب حتى ماتت، تاريخ بغداد للخطيب الحافظ 14: 327.
هلم واضحك على عقلية هذا الحافظ المعتوه الذي يرى من كرامة معاوية على الله أن أهلك لأجله فأرة قرضت جزءا فيه فضائل معاوية، وقد أصفق أئمة الحديث كما أسلفناه على إنه لا يصح منها شيئ، وهل الفئران كلفت بولاء ابن آكلة الأكباد ، والفأرة التي أصابته الدعوة قد شذت وخالفت أمتها وعادت معاوية فحقت عليها كلمة العذاب؟ وهل المسكينة كانت عارفة بما في ذلك الجزء فأنكرته وسخطت عليه وقرضته وهي على بصيرة من أمرها؟ وهل كانت لأبي الفتح القواس سابقة معرفة بتلك الفأرة فلما سقطت وماتت عرف أنها هي هي؟ إني أعظك أن تكون من الجاهلين 40 - قال الكلواذي في قصيدة له:
ولابن هند في الفؤاد محبة * مغروسة فليرغمن مفندي
رد عليه العلامة شهاب الدين أحمد الحفظي الشافعي بقوله:
قل لابن كلواذي وخيم المورد * أوقعت نفسك في الحضيض الأوهد
أفأنت تطمع يا سخيف العقل! في * إرغام طه والوصي المهتدي؟
والمسلمين الصادقي إيمانهم * بالله جل وبالنبي محمد؟
أو لست أنت القائل البيت الذي * تصلى به وهج السعير المؤصد
[ولابن هند في الفواد محبة * مغروسة فليرغمن مفندي]
أرأيت ويلك ذا يقين لا يفند * ما يفوه به لسان الأبعد؟
أو هل ترى إلا بقلب منافق * غرست محبة عجلك المتمرد؟
أو ما علمت بأن من أحببته * رأس البغاة وخصم كل موحد؟
لعن الوصي وبدل الأحكام وارتكب * الكبائر باللسان وباليد
إن المحب مع الحبيب مقره * ولسوف تعلم مستقرك في غد
فعليكما سخط الإله ومقته * وعلى الذي بك في العقيدة يقتدي (39)
توجد جملة ضافية من الآراء والأقوال الساقطة والأحلام الخيالية التافهة في الثناء على ابن هند في تاريخ ابن كثير 8: 139، 140، وتطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان لابن حجر الهيتمي (40) وغيرهما وفي المذكور غنى وكفاية.
فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل
لهم مما يكسبون

____________
(1) سورة النساء: 96.
(2) سورة الأحزاب: 58، 59.
(3) سورة التوبة: 63.
(4) ربيع الأبرار للزمخشري باب 75.
(5) تاريخ ابن كثير 8: 45.
(6) راجع أوائل السيوطي، وتاريخ الخلفاء له، ومحاضرة الأوائل للسكتواري.
(7) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 133، فتح الباري 7: 83، الصواعق ص 76.
(8) اللئالي للسيوطي 1 ص 220، فتح الباري 7: 83.
(9) تاريخ ابن كثير 11:، 124، سيوافيك تفصيل قصة النسائي.
(10) راجع الغدير ج 8: 312.
(11) اللهم إنما أنا بشر فإيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة.
أللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.
أللهم إن محمدا بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فإيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.
إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي عز وجل أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا.
إني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فإيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة. هذه ألفاظ حديث مسلم في صحيحه ج 8: 24 - 27.
(12) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي والطبراني وابن حبان وابن داود
(13) مستدرك الحاكم 1: 12، 47.
(14) متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني والحاكم والدارقطني.
(15) صحيح مسلم: 8: 24.
(16) عن أحمد والطيالسي.
(17) الترغيب والترهيب 3: 197، رواه الطبراني بإسناد جيد.
(18) إحياء العلوم 3: 167.
(19) إحياء العلوم 3: 167. أخرجه أبو داود.
(20) سنن الدارمي 1: 125.
(21) أخرجه الترمذي في الشمائل.
(22) الترغيب والترهيب 3: 196.
(23) الترغيب والترهيب 3: 197 وصححه.
(24) الترغيب والترهيب 3: 196 فقال: إسناده جيد.
(25) صحيح مسلم 8: 23.
(26) الترغيب والترهيب 3: 195 قال: سند جيد.
(27) الصواعق المحرقة ص 108.
(28) الخصايص الكبرى للسيوطي 2: 244، المواهب اللدنية 1: 395.
(29) راجع الخصايص الكبرى 2: 244.
(30) راجع الجزء الخامس من (الغدير) ص 259 ط 1.
(31) الإصابة 2: 414.
(32) تهذيب التهذيب 11: 151 - 155.
(33) اللئالي المصنوعة للسيوطي 1: 421.
(34) لسان الميزان 2: 124.
(35) تهذيب التهذيب 1: 510.
(36) اللئالي المصنوعة 1: 422.
(37) تهذيب التهذيب 9: 159.
(38) تهذيب التهذيب 4: 301.
(39) تقوية الإيمان ص 107.
(40) طبع في هامش الصواعق المحرقة له.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page