هذا سؤال يصح أن يقال إذا كان القارئ على علم بأنّ هناك أسماء محبوبة وأخرى مبغوضة، ورد التنبيه عليها من الشرع, وليس المقصود هنا بالمحبوبية والمبغوضية ما يراه الإنسان في نفسه.
وإذا رجعنا إلى الأحاديث التي وردت عن صاحب الشرع في تلك المسألة, نجد أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يغيّر الاسم القبيح _ كما في حديث عائشة (في الفتح الكبير للنبهاني) نقلاً عن الترمذي وهو في جامعه(1).
وقد روى الحميري في قرب الإسناد(2) بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه:, أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان.
وقد غيّر بعض الأسماء، كما في حديث سعيد بن المسيب بن حزن أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال لجده حزن: ما اسمك؟ قال: حزن, قال: أنت سهل، قال له: السهل يوطأ أو يمتهن, قال سعيد: فما زالت الحزونة فينا بعد. والحديث أخرجه أبو داود في السنن(3) كما أخرجه غيره.
وإلى القارئ نموذجاً من الأسماء التي غيّرها النبي(صلى الله عليه وآله).
قال أبو داود: وغيّر النبي(صلى الله عليه وآله) اسم العاص, وعزيز، وعقلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب فسماه هشاماً, وسمى حرباً سلماً، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً تسمى عَفِرَة سماها خَضِرة _ بمعجمة _ وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وبنو الزنية سمّاهم بني الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة.
قال أبو داود: وتركت أسانيدها للاختصار(4).
وأخرج الترمذي في صحيحه(5) والبغوي في مصابيح السنّة(6) أنه غيّر اسم عاصية بنت عمر فسماها جميلة.
وقد ذكر البخاري في صحيحه في كتاب الأدب بعض تلك الأسماء، وزاد في كتاب الأدب المفرد كثيراً من الأحاديث في ذلك فلتراجع.
وإذا علمنا أنّ هناك أسماء مبغوضة غيّرها النبي(صلى الله عليه وآله), وكان منها اسم حرب فغيّره وسمّاه سلماً _ كما مرّ عن أبي داود _ فما بال الإمام عليّ(عليه السلام) يحبّ أن يكتني بحرب؟ أو لم يكن يعلم بما رواه أبو وهب الجشمي في خصوص حرب؟ وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد(7) وغيره بأسانيدهم عن أبي وهب _ وكانت له صحبة _ عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحبّ الأسماء إلى الله (عزوجل) عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبح الأسماء حرب ومرّة)(8).
أفهل يُعقل أنّ أباوهب الجشمي, وهو رجل كانت له صحبة كما يصفونه, يروي هذا الحديث وعلي لا يرويه ولا يدريه؟ وهو هو في سابقته وصحبته ومكانته وحظوته؟ وهو القائل: ((ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه, يرفع لي كلّ يوم علماً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به))(9).
أوليس يدل اصرار الإمام على التسمية بحرب _ سواء قلنا بأنّه اسم معنى أي ضد السلم, أو قلنا بأنّه اسم علم كما يحلو لواضعيه _ أنّ علياً يصرّ على مخالفة النبي(صلى الله عليه وآله)، وأستغفر الله من ذلك.
قال ابن قيّم الجوزية في زاد المعاد(10):
(فصل) ولمّا كان مسمى الحرب والمرة أكره شيء للنفوس وأقبحها عندها، كان أقبح الأسماء حرباً ومرة، وعلى قياس هذا حنظلة وحزن وما أشبههما، وما أجدر هذه الأسماء بتأثيرها في مسمياتها كأثر اسم حزن الحزونة في سعيد وأهل بيته.
وقال أيضاً في فصل آخر بعده: ولمّا كان الأنبياء سادات بني آدم... كانت أسماؤهم أشرف الأسماء، فندب النبي(صلى الله عليه وآله) أمّته إلى التسمّي بأسمائهم, كما في سنن أبي داود والنسائي عنه: ((تسمّوا بأسماء الأنبياء)).
ولو لم يكن في ذلك من المصالح إلاّ أنّ الاسم يذكّر بمسماه، ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة، مع ما في ذلك من حفظ أسماء الأنبياء وذكرها، وأن لا تنسى وأن يذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم.
أقول: فإذا كان الحال هكذا في الأسماء، فمنها محبوب ومنها مبغوض، وكان حرب من الأسماء المبغوضة، فهل يعقل أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، كان يحب الاكتناء بأبي حرب _ الاسم المبغوض _ ليكون على ذكر منه؟ إنّها فرية عليه، ولكم افترى عليه أعداؤه.
والآن لابدّ لنا من وقفة وتأمل عند هذا الإصرار المزعوم، لنطلع من خلال ذلك على طبيعة الحدث الذي عاشه الإمام يوم أحب أن يكتني بأبي حرب كما يزعمون.
_____________
1- الفتح الكبير للنبهاني2: 385، عن سنن الترمذي 2: 107.
2- قرب الإسناد للحميري: 45.
3- سنن أبي داود 4: 289.
4- سنن أبي داود 4: 289.
5- صحيح الترمذي 2: 137.
6- مصابيح السنّة للبغوي 2: 148.
7- الأدب المفرد للبخاري: 211، وأبو داود في السنن 2: 307؛ والبيهقي في السنن الكبرى 9: 306؛ وأحمد في المسند4: 345، وابن القيم في زاد المعاد : 258 _ 260؛ والنبهاني في الفتح الكبير 2: 385؛ وابن عبد البر في الاستيعاب 2: 78.
8- لقد ورد الحديث عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) :كما في الجعفريات ملحقاً بكتاب قرب الإسناد بلفظ (نعم الأسماء عبد الله وعبد الرحمن والأسماء المعبّدة، وشرها همام والحارث...) وأخرجه السيد الراوندي في نوادره : 9، وفيه: (نعم الأسماء عبد الله وعبد الرحمن والأسماء المعبدة، وشرها همام والحارث ... ) ونقله عن النوادر في البحار 104 : 130 ، ومستدرك الوسائل3 : 618 ، ولقد ورد في حديث جابر مرفوعاً أنّه (صلى الله عليه وآله) قال: (وشر الأسماء ضرار ومرّة وحرب وظالم) راجع الخصال للصدوق: 228.
9- نهج البلاغة، شرح محمّد عبدة 2: 182.
10- زاد المعاد لابن قيّم الجوزية 2: 6.
النقطة الثانية هل كان اسم حرب من الأسماء المحبوبة أم المبغوضة
- الزيارات: 631