• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في ذكر حرب بن أميّة

إنّه حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف, وفي عبد مناف يجتمع نسب عليّ(عليه السلام) والهاشميين مع أبناء عبد شمس.
قال المقريزي: وقد كانت المنافرة لا تزال بين بني هاشم وبين عبد شمس(1).
وقال: وكانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف بن قصي, وبين ابن أخيه أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف, وسببها أن هاشماً كانت إليه الرفادة مع السقاية، وذلك أنّ أخاه عبد شمس كان يسافر وكان يقيم بمكة، وكان رجلاً مقلاً وله ولد كثير، فاصطلحت قريش على أن يلي هاشم السقاية والرفادة، وكان هاشم رجلاً موسراً, وكان إذا حضر موسم الحج قام في قريش فقال:
يا معشر قريش إنّكم جيران الله وأهل بيته، وإنّكم يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله يعظمون حرمة بيته، وهم ضيوف الله, وأحق المضيّف بالكرامة ضيفه، وقد خصّكم الله بذلك وأكرمكم به, حفظه منكم أفضل ما حفظ جار من جاره, فأكرموا ضيفه وزوّاره، فإنّهم يأتون شعثاً غُبراً من كلّ بلد على ضوامر كالقداح، وقد أزحفوا وتفلوا وقملوا, فأقروهم وأنموهم وأعينوهم.
وكانت قريش ترافد على ذلك، حتى أن كان أهل البيت يرسلون اليسير على قدرهم, فيضمّه هاشم إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس فإن عجز كمّله، وكان هاشم يخرج في كلّ سنة مالاً كثيراً, وكان قوم من قريش يترافدون فكانوا أهل يسار، فكان كلّ إنسان منهم ربما أرسل بمائة مثقال هرقلية.
وكان هاشم يأمر بحياض من أدُم فتجعل في موضع زمزم _ من قبل أن تحفر زمزم _ ثم يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج، وكان أوّل ما يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة، ويطعمهم بمنى وبعرفة وبجمع، فكان يثرد لهم الخبز, واللحم والخبز والسمن، والسويق والتمر, ويحمل لهم الماء حتى يتفرق
الناس لبلادهم، وكان هاشم يسمّى عمرواً، وإنّما قيل له هاشم لهشمه الثريد بمكة, وفيه يقول مادحه:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه    ورجال مكة مسنتون عجاف وكان أمية بن عبد شمس ذا مال, فتكلّف أن يفعل كما فعل هاشم من إطعام قريش فعجز عن ذلك، فشمت به ناس من قريش وعابوه، فغضب ونافر هاشماً على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، وعلى جلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي_ جد عمرو بن الحمق_ وكان منـزله عسفان, وخرج مع أمية أبو همهمة حبيب بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك الفهري.
فقال الكاهن: والقمر الباهر, والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدي بعَلَم مسافر، من مُنجد وغائر، لقد سبق هاشمُ أمية إلى المآثر, أوّل منه وآخر, وأبو همهمة بذلك خابر.
وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر, وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين(2).
قال العقّاد: فكان هذا أوّل عداوة وقعت في بني هاشم وبني أمية.
أقول: وتجد حديث هذه المنافرة في جملة من المصادر التاريخية منها المنمّق لمحمد بن حبيب(3), ثم قال ابن حبيب:
ومن ثم يقال: انّ أمية استلحق أبا عمرو ابنه، وهو ذكوان وهو رجل من أهل صفورية، فخلف أبو عمرو على امرأة أبيه بعده, فأولدها أمية وهو أبو معيط, ويقال: استلحق ذكوان أيضاً أبان.
أقول: وما ذكره ابن حبيب منسوباً إلى القيل, فقد ذكره المقريزي في النــزاع والتخاصم(4) كحقيقة ثابتة وبما هو أقبح من ذلك، حيث قال: وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب, زوّج ابنه أبا عمرو بن أمية امرأته في حياة منه، والمقتيون في الاسلام هم الّذين أولدوا نساء آبائهم واستنكحوهن من بعد موتهم, وأما أن تزوجها في حياته ويبنى عليها وهو يراه, فإنّ هذا لم يكن قط(5), وأمية جاوز هذا المعنى ولم يرض بهذا المقدار حتى نـزل عن ماله وزوّجها منه ثم قال: وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية قد زاد في المقت درجتين, يشير إلى ما مرّ عن ابن حبيب.
قال المقريزي في النـزاع والتخاصم(6): ولم يكن أمية في نفسه هناك، وإنما يرفعه أبوه وبنوه, وكان مضعوفاً، وكان صاحب عهار، يدل على ذلك قول نفيل ابن عبد العزى جد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين تنافر حرب بن أمية وعبد المطلب بن هاشم, فنفر عبد المطلب، وتعجب من اقدامه عليه وقال:
أبوك معاهر وأبوه عفّ    وذاد الفيل عن بلد الحرام
وذلك أنّ أمية كان تعرض لامرأة من بني زهرة, فضربه رجل منهم ضربة بالسيف، وأراد بنو أمية ومن تابعهم إخراج بني زهرة من مكة, فقام دونهم قيس بن عدي السهمي وكانوا أخواله, وكان منيع الجانب, شديد العارضة, حميّ الأنف, أبيّ النفس، فقام دونهم وقال: (أصبح ليل) فذهبت مثلاً, ونادى: (ألا إنّ الظاعن مقيم) ففي هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة:
مهلاً أميّ فإنّ البغي مهلكة    لا يـــكسبنّك يــومٌ شـرّه ذكر
تبدو كواكبه والشمس طالعة    يصبّ في الكأس منه الصاب والمقر
أقول: فهذا أمية والد حرب, وكان كأبيه فقد حسد عبد المطلب بن هاشم على مآثره، فنافره إلى نفيل بن عبد العزّى جد عمر بن الخطاب، فقال حين تنافرا إليه وقد عجب من اقدام حرب على منافرة عبد المطلب, فقال كما في النــزاع والتخاصم(7) كما مرّ:
أبوك معاهر وأبوه عفّ    وذاد الفيل عن بلد الحرام
ثم قال له: يا أبا عمرو أتنافر رجلاً هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة, وأقلّ منك لامة، وأكثر منك ولداً، وأجزل منك صفداً _ عطاءً_ . وحديث هذه المنافرة في المحبّر والمنمّق وغيرهما فليرجع إليهما طالبها(8).
هذا هو حرب الذي زعموا أنّ علياً أحب اسمه فأراد أن يكتني به، فهل نسي عليّ(عليه السلام) أنّه الذي نافر جديه هاشم وعبد المطلب فحكم لهما المحكمون، وأخزوه حتى أجلي عن مكة إلى الشام, فأقام بها عشر سنين؟
ثم هل أنّ علياً نسي أنّ حرباً هو والد أبي سفيان رأس الكفر والشقاق، والذي كان زنديقاً(9) كما يقول عنه المؤرّخون, ويكفي في خزايته, مواقفه بدءاً من بدء الدعوة ومروراً بحروب بدر وأحد والأحزاب, وأخيراً بفتح مكة؟
ثم هل نسي عليّ أنّ حرب هو والد أم جميل _ وهي حمالة الحطب _ التي كانت تؤذي النبي(صلى الله عليه وآله) حتى نـزلت سورة في ذمها وذم زوجها, فقال تعالى: { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَد}(10) فهل يُعقل أنّ علياً لا يعرف مَن هو حرب؟ ومن هم آباء حرب؟ ومن هم أبناء حرب حتى يغرم باسم حرب؟
والآن بعد هذا الخطو السريع في رحاب التاريخ، فهل رأينا من دافعٍ أو شافع مغرٍ يحمل علياً على التهالك في تسمية أبنائه (بحرب)؟
هل كانت بين البيتين في ميزان التفاضل موازنة صحيحة، في منكب أو موكب يتساوى فيها رجال البيتين؟ هل كانت لدى المقارنة بين رجال الحييّن مساواة في حول أو طول؟ ثم أليس هو القائل في هذا المضمار رداً على معاوية حفيد حرب:
وأما قولك: إنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل, ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلفاً يتبع سلفاً هوى في نار جهنم(11).
ألم يسمع علي قول أبيه في بني حرب حيث يقول: (12)
قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا    بني أمة شهلاء جاش بها البحر
لقد سفهوا أحلامهم في محمّد    فكانوا كجعر بئس ما ظفطت جعر
كيف لم يسمع؟ وكيف لم يعلم؟ والأمر بين الحييّن من الوضوح حتى كان يعرفه بنو هاشم كما يعرفه أبناء حرب أنفسهم.
فهذا ابن جعفر يقول ليزيد بن معاوية مفاخراً له بحضور أبيه معاوية: بأيّ آبائك تفاخرني؟! أبحرب الذي أجرناه؟ أم بأمية الذي ملكناه؟ أم بعبد شمس
الذي كفلناه؟ فقال معاوية: لحرب بن أمية يقال هذا؟ ما كنت أحسب أن أحداً في عصر حرب يزعم أنّه أشرف من حرب، فقال عبد الله بن جعفر: بلى أشرف منه من كفأ إناءه عليه وجلّله بردائه, فنهى معاوية ولده عن مفاخرة بني هاشم، وأنّهم لا يجهلون ما علموا، ولا يجد مبغضهم لهم سباً (13).
فاتضح من خلال ما تقدم أن ليس في شخصية حرب من دوافع مغرية تدعو الإمام علياً(عليه السلام) لأن يحب أن يكتنى باسمه, فيبقى الحديث المزعوم الذي لم يثبت لصنّاعه ما أرادوه، حبراً على ورق فلا يسمن ولا يغني إذا ما قرأنا ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير(14) بسنده عن سودة بنت مشرح قالت: كنت فيمن حضر فاطمة (رضي الله عنها) حين ضربها المخاض في نسوة، فأتى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: (كيف هي؟) قالت: إنها لمجهودة يارسول الله، قال: (فإذا هي وضعت فلا تسبقني فيه بشيء) قالت: فوضعت فسروّه ولفوه في خرقة صفراء، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (ما فعلت؟) قالت: قد ولدت غلاماً وسررته ولففته في خرقة، قال: (عصيتني) قالت: أعوذ بالله من معصية الله ومن غضب رسوله، قال: (ائتيني به) فأتيته به، فألقى الخرقة الصفراء، ولفّه في خرقة بيضاء، وتفل في فيه، وألبأه بريقه، فجاء علي2 فقال: (ما سميته يا علي؟) قال: سمّيته جعفراً يا رسول الله، قال: (لا ولكن حسن وبعده حسين، وأنت أبو حسن الخير) (15).
فالآن حصحص الحق، وتبيّن الصدق، بأنّ علياً أراد تسمية ابنه الأول باسم أخيه جعفر شهيد مؤتة، إلا أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) سمّاه حسناً كما سمى الوليد الثاني حسيناً قبل أن يولد، مما دلّ على أن الوحي الإلهي تصرّف في المقام، فأين يكون موضع الحديث المزعوم بعد ما نقرأ حديث سودة بنت مسرح القابلة؟
وبعد بيان زيف الحديث المزعوم من هذا الجانب، فهل ثمة جانب آخر يريد الوضاعون الاستفادة منه؟
نعم، وذلك هو الجانب الأهم، وهو الذي أخفوه أو حاولوا إخفاءه وذلك هو: إثبات ولادة المحسن السبط الثالث للرسول(صلى الله عليه وآله) في عهده، وهذا الوليد الذكر هو الثالث من أبناء الإمام أمير المؤمنين من الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وهذا ما سنقرأ عنه شيئاً في النقطة السادسة.


____________
1- النـزاع والتخاصم: 18.
2- شخصيات اسلامية ضمن موسوعة العقّاد: 549.
3- المنمق: 103.
4- النـزاع والتخاصم: 22.
5- ذكر ذلك الجاحظ في رسالته الثانية من رسائله، وهي من كتاب فضل هاشم على عبد شمس راجع ص75، جمع وتحقيق حسن السندوبي، ط: مصر سنة 1352 هـ .
6- النـزاع والتخاصم: 21.
7- المصدر نفسه.
8- المحبّر: 173، المنمّق: 94.
9- سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1: 231، وقال في كتابه أيضاً 2: 66: وكان من أخطر الزنادقة أبو سفيان الأموي وعدو الإسلام العتيد
10- مسد : 1 _ 5 .
11- نهج البلاغة لابن أبي الحديد1: 219.
12- المصدر4: 467.
13- المصدر4: 435.
14- المعجم الكبير 3: 23.
15- محقق الكتاب في الهامش: قال في المجمع 9: 175، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما عمر بن فيروز وعمر بن عمير ولم أعرفهما، وبقية رجاله وثّقوا. وسيأتي (786 / 24).
ولدى مراجعة الموضع المشار إليه، وجدت الحديث كما هو إلا أن فيه اسم القابلة سودة بنت مسرح، ولم ينبه المحقق على ذلك، والصواب ما في الموضع الثاني، وقد ذكرها ابن عبد البر في الاستيعاب بهامش الإصابة 4: 318، وأشار إلى الحديث المذكور باختصار.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page