نص خطبة صلاة الجمعة للشيخ صلاح بن محمد البدير
في المسجد النبوي الشريف في موسم حج سنة 1422
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الداعي الى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد، فيا عباد الله! اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) .
أيها المسلمون! ويشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحد للسلام عليهم والدعاء لهم. عن أبي هريرة (رض) قال: كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا الى المقابر يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. أخرجه مسلم.
وزيارة القبور إنما شرعت لمقصدين عظيمين أولهما للزائر لغرض الإعتبار والإذكار. وثانيهما للمزور بالدعاء لهم والترحم عليهم والإستغفار.
ويشترط لجواز زيارة القبورعدم قول الهجر، وأعظمه الشرك والكفر. فعن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرا. أخرجه النسائي. فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة اليها، ولابينها، ولا التعبد عندها بقراءة القرآن، أو الدعاء، أو غيرها، لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يبن عليها مسجد. فعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزل برسول الله (ص) الموت طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: إن من شرار الناس من تدرك الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد. أخرجه أحمد. وعن أبي مرفد الغنوي (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام. أخرجه أحمد. وفي حديث أنس (رض) إن النبي (ص) نهى أن يصلى بين القبور. أخرجه المحبان. ولا يجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية الجاهلية، وشذوذ فكري، وتخلف عقلي.
ولا يجوز لزائر تلك القبور ولا غيرها التبرك بها بمسحها وتقبيلها أو الصاق شئ من أجزاء البدن، أو الإستشفاء بتربتها بالتمرغ عليها، أو أخذ شئ منها للإغتسال بها.
ولا يجوز لزائرها أو غيره دفن شئ من شعره أو بدنه أو مناذيره، أو وضع صورته، أو غير ذلك مما معه، في تربتها لقصد البركة.
ولا يجوز رمي النقود أو شئ من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، فمن فعل شيئاً من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة. ولا يجوز تخليقها ولا تقبيعها، والقسم على الله بأصحابها. ولايجوز سؤال الله بهم، أو بجاهم، وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك. ولا يجوز تصوير القبور، لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والإفتتان بها. ولايجوز وضع طعام أو طيب أو غير ذلك، لمن علم استخدامه لها في تلك المخالفات العظيمة.
والإستغاثة بالأموات، والإستعانة بهم، أو طلب المدد منهم، أو نداؤهم، وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد، ودفع الشدائد، شركٌ أكبر، يخرج صاحبه عن ملة الاسلام، ويجعله من عباد الأوثان، إذ لا يفرج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له، جل في علاه. (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خيبر) . ويقول جل في علاه: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محظورا) .
فاتقوا الله عباد الله! واحذروا أفعال عُبَّاد الأوثان، وأولياء الشيطان، الذين يعطلون المساجد ويعظمون القبور والمشاهد، والجؤوا إلى الله وأنزلوا الشدائد الصعاب، والنوازل الصلاب عليه (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) . فصلوا وسلموا على خير البرية، وأزكى البشرية، وقد أمركم الله بذلك: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم، وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين، بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.