المسألة الأولى: خطبة هذا الشيخ.. بلا بسملة؟!
نلاحظ على خطبة الشيخ البدير أن بدايتها بتراء بلا بسملة ، ونهايتها بتراء بلا صلاة على آل النبي صلى الله عليه وآله !
ويناسب هنا أن نذكر أن البسملة كانت سلاحاً من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله لطرد شياطين قريش ، فعندما كانوا يجتمعون على باب دار النب صلى الله عليه وآله ليؤذوه، يامره الله تعالى أن يرفع بالبسملة فيولون فراراً !
ففي الكافي:8/266عن الإمام الصادق عليه السلام منتقداً الذين كتموا البسملة كالبدير قال: (كتموا بسم الله الرحمن الرحيم ، فنعم والله الأسماء كتموها ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته، فتولي قريش فراراً ! فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً). (سورة الإسراء:46)
وفي الدر المنثور للسيوطي:1/10: ( وأخرج أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت: لما نزلت: بسم الله الرحمن الرحيم ، ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها ، فقالوا سَحَر محمدٌ الجبال! فبعث الله دخاناً حتى أظل على أهل مكة ! فقال رسول الله (ص): من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم موقناً ، سبَّحت معه الجبال ، إلا أنه لا يسمع ذلك منها).
وفيه أيضاً: (وأخرج الحافظ عبد القادر الرهاوي في الأبعين بسند حسن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لايبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم ، أقطع) .
وفي مبسوط السرخسي:10/5: (كما قال(ص):كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله تعالى، فهو أقطع). وقال في:1/55: ( أقطع أي ناقص غير كامل) .
وقال في عون المعبود بشرح سنن أبي داوود:13/127: (فائدة: إعلم أن السنة في ابتداء جميع الأمور الحسنة أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم ، لما رواه أبو هريرة عن النبي(ص)أنه قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع ، وهو حديث حسن كما ستقف عليه ، ولايقتصر على بسم الله إلا في المواضع التي ثبت فيها عن رسول الله(ص)الإقتصار على بسم الله ، فالسنة في هذه المواضع الإقتصار على لفظ بسم الله ). انتهى.
وقد أفتى العديد من الفقهاء باستحباب التسمية في كل الأمور ، ورووا النص عليها على الطعام وغيره . (مغني ابن قدامه:8/121، ومسند أحمد:5/415، ومن مصادرنا المحاسن للبرقي :2/432 ) .
لكن خوف قريش وحساسيتها من البسملة بقيت بعد فتح مكة ، وتسليم قريش وخلع سلاحها ، وإجبارها على الدخول في الإسلام !
ويظهر أن طلقاء مكة هم الذين وضعوا أحاديث في عدم لزوم قراءة البسملة في الصلاة ، ولا الإبتداء بها في الخطبة !
فالذي كان بالأمس يؤذي النبي صلى الله عليه وآله فيقرأ عليه البسملة فترتعد فرائصه ويولي فراراً ، يصعب عليه أن يقرأها اليوم ، أو يتحمل سماعها !!
ولذا نجد تناقض الأحاديث التي رووها في البسملة في الصلاة والخطبة ، فبينما توجد الأحاديث المتقدمة الصريحة الموافقة لقول أهل البيت عليهم السلام ، نجد أيضاً حديثاً يستبدل البسملة بالحمد !
وقد وصلت حساسية بعضهم من البسملة أن اعتبرها زائدة في أوائل سور القرآن ما عدا الفاتحة ! وأفرط بعضهم فأنكر قرآنيتها !!
قال السيوطي في الدر المنثور:1/12: ( وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله (!) فهو أقطع ) . انتهى.
والشيخ البدير عمل به فترك التسمية ، وبدأ خطبته بالتحميد ، لكن فاته إن إمامه الألباني حكم بضعف حديث الطلقاء هذا ، ففي إرواء الغليل:1/30:
(حديث: كل أمر ذي بال لايبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع . وفي رواية: بحمد الله ، وفي رواية: بالحمد ، وفي رواية: فهو أجذم ، رواها الحافظ الرهاوي في الأربعين له ص5 . ضعيف . رواه ابن ماجه (1894) عن قرة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً ، بلفظ: بالحمد أقطع . ورواه ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه بالرواية الثانية: بحمد الله ، كما في طبقات السبكي:1/4 . ورراه الدارقطني في سننه ص85 بلفظ: بذكر الله أقطع ، ورواه أبو داود في سننه (4840) بلفظ: بالحمد الله فهو أجذم . وقال: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن النبي(ص)مرسلاً . يشير إلى أن الصحيح فيه مرسل . وهو الذي جزم به الدارقطني كما نقله السبكى ، وهو الصواب ، لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر وأوثق من قرة ، وهو ابن عبد الرحمن المعافري المصري ، بل إن هذا فيه ضعف من قبل حفظه ، ولذلك لم يحتج به مسلم ، وإنما أخرج له في الشواهد . وقال ابن معين: ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير . وقال أبو حاتم ، والنسائي: ليس بقوي . . . . . وقد رواه أحد الضعفاء الآخرين عن الزهري بسند آخر ، أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن يزيد ، حدثنا صدقة بن عبد الله ، عن محمد بن الوليد الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه مرفوعاً .قلت: وهذا سند ضعيف ، صدقة هذا ضعيف ، كما قال الحافظ في التقريب ، وقد خالف قرة إسناده كما ترى ، فلا يصح أن تجعل هذه المخالفة سنداً في تقوية الحديث ......
وجملة القول أن الحديث ضعيف لاضطراب الرواة فيه على الزهري ، وكل من رواه عنه موصولاً ضعيف ، أو السند إليه ضعيف...الخ). انتهى.
ومادام هذا الحديث ضعيفاً عندهم ، وحديث ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، أقطع ) صحيحاً أو حسناً.. فخطبته البدير تكون بتراء ! وقد استوفينا الكلام في تخبطهم في البسملة في كتابنا (ألف سؤال وإشكال).