• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المسألة الثالثة: معنى الإحداث في المدينة المنورة ؟

المسألة الثالثة: معنى الإحداث في المدينة المنورة ؟

    قال البدير: (أيها الوافدون لطابة، إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع ، وأشرف الأماكن والأصقاع ، فاعرفوا حقها ، واقدروا قدرها ، وراعوا حرمتها وقداستها وتأدبوا فيها بأحسن الاداب .
   واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشد العذاب . فعن أبي هريرة (رض) عن النبي (ص) أنه قال: المدينة حرم ما بين عير الى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً ، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبل الله منه يوم القيامة صرفاً و لا عدلاً). متفق عليه. ومن أتى فيها إثماً ، أو آوى من أتاه ، وضمه اليه وحماه ، فقد عرض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين .
   وإن من أعظم الإحداث تعكير صفوها بإظهار البدع والمحدثات ، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية ، ومايخالف الشريعة الاسلامية ، بأنواع المنكرات والمحرمات، والمحدث والمؤوي له بالإسم سواء ) . انتهى.
الجواب:
أولاً: أخطأ هذا الشيخ في معنى الإحداث في المدينة المنورة !
   فقد أورد الحديث النبوي الشريف:فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً..الخ. وهو حديث متفق عليه بين المسلمين ، لكن الكلام في تفسيرالإحداث في المدينة المنورة ، فإن فتاوى فقهاء المذاهب مختلفة حتى في المذهب الواحد.
   فقال بعضهم إن الإحداث الذي يوجب اللعن والقصاص هو الهجوم على المدينة ومحاربة أهلها ، كما فعل يزيد بن معاوية في وقعة الحرة فقتل مئات الصحابة والتابعين ، وأباح المدينة لجيشه ، فعاثوا فيها فساداً وإجراماً !
   وقال بعضهم إن الإحداث المنهي عنه في المدينة يشمل مهاجمة أهلها ، ويشمل أيضاً ارتكاب القتل والسرقة فيها ، وبه أفتى ابن تيمية .
   أما أهل البيت الطاهرين عليهم السلام وهم أهل البيت والمدينة ، أدرى بما فيه وفيها فقد فسروا الإحداث في المدينة بالقتل خاصة.روى الكليني في الكافي:4/565، بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحدث بالمدينة حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله . قلت: وما الحدث؟ قال: القتل) . انتهى.
   وقد شذ هذا الشيخ الخطيب عن الجميع فقال إن الإحداث فيها هو كل إثم! وكان اللازم عليه أن يذكر فتاوى فقهاء المذاهب في المسألة ، ومنها فتوى مرجعه ابن تيمية ، ويطلب من المسلمين تطبيق ما أفتى به فقهاؤهم ، لكنه لم يفعل ذلك ، بل ارتكب التدليس في الفتوى فأتى بالحديث النبوي الشريف المتفق عليه ، ثم وصله بكلام من عنده ، يتوهم السامع والقارئ أنه حديث شريف ، أو أنه رأي الإسلام المتفق عليه عند الفقهاء !
   قال البدير: (ومن أتى فيها إثماً أو آوى من أتاه..الخ.). فخالف فتوى إمامه ! وجعل كل من ارتكب في المدينة المنورة أي ذنب كبيراً أو صغيراً ، مستحقاً للعن والعقوبة ! فلو سأل شخص رفيقه بكم اشتريت هذا؟ فقال له اشتريته بخمسة ريالات، وكان اشتراه بأربعة ، فهو بفتوى البدير يستحق لعنة الله ورسوله والملائكة والناس أجمعين ، ويستحق القتل أو القصاص أو التعزير !
   قال ابن تيمية في كتاب رأس الحسين ص205: ( ويزيد بن معاوية قد أتى أموراً منكرة منها وقعة الحرة ، وقد جاء في الصحيح عن علي رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا. من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. وقال: من أراد أهل المدينة بسوء أماعه الله كما ينماع الملح في الماء .
   ولهذا قيل للإمام أحمد: أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال: لا ، ولا كرامة . أوَ ليس هو الذي فعل بأهل الحرة ما فعل؟! وقيل له: إن قوماً يقولون إنا نحب يزيد ! فقال: وهل يحب يزيد أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟! فقيل: فلماذا لا تلعنه؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ) . انتهى .
   وقال ابن تيمية في السياسة الشرعية ص77: ( من آوى محارباً أو سارقاً أو قاتلاً ونحوهم ممن وجب عليه حدٌّ أو حقٌّ لله تعالى أو لآدمي ، ومنعه ممن يستوفي منه الواجب بلا عدوان ، فهو شريكه في الجرم ، وقد لعنه الله ورسوله (ص) . روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص): لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً .
   وإذا ظفر بهذا الذي آوى المحدث ، فإنه يطلب منه إحضاره أو الإعلام به ، فإن امتنع عوقب بالحبس والضرب مرة بعد مرة ، حتى يمكِّن من ذلك المحدث) . انتهى .
   فقد فسر ابن تيمية المُحْدِث بيزيد بن معاوية ، لأنه هاجم المدينة وقتل أهلها ، وفسره بالمحارب الخارج على المجتمع أو الدولة ، والسارق والقاتل وفسر المؤوي بمن يمنع الدولة من إجراء الحكم والحد الشرعي .
   ولكن البدير وسَّع معنى الإحداث الى كل إثم! فخالف عامة فقهاء الإسلام!
ثانياً: جعل الإحداث شاملاً للرأي فخالف بذلك إجماع المسلمين !
   ارتكب هذا الشيخ خطأ أفظع من الأول حيث وسَّع معنى الإحداث في مدينة النبي صلى الله عليه وآله  فجعله يشمل الآراء المخالفة له وسماها بدعة ! قال: (وإن من أعظم الإحداث تعكير صفوها بإظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية..الخ.).
   وهذا تعميم متهورٌ لم يقل به أحد من فقها المسلمين! لأنه يجعل جميع الحجاج من جميع المذاهب حتى المقلدين لابن تيمية محدثين في المدينة المنورة ، يستحقون العقوبة ولعنة الله ورسوله والملائكة والناس أجمعين !
   مثلاً: ينوي الحاج من بلده حج بيت الله تعالى وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وآله  والتوسل به الى الله تعالى ، ويعتقد أن ذلك من أفضل القربات الى الله ، وذلك حسب فتوى كافة مذاهب المسلمين .
   بينما رى هذا الشيخ أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله شركٌ وأن نيته معصيةٌ ، فيكون سفر الحجاج كلهم سفر معصية ، ويكونون برأيه مشركين مبتدعين ، فهم محدثون في المدينة عليهم اللعنة والعقوبة ! مع أنهم بفتوى مذاهبهم مثابون !
   فانظر الى هذا الخطيب كيف يريد أن يفرض رأيه الشخصي، وكيف يتهم المسلمين بالشرك والبدعة والإفساد في مدينة نبيهم صلى الله عليه وآله  ؟!!
ثالثاً: هل يحق لهذا الشيخ أن يفرض فتواه الشاذة على الحجاج؟!
   لوسألنا هذا الشيخ: إنك عمَّمْتَ حكم من أحدث في المدينة لكل بدعة وخرافة وخزعبلة ، أو نشر مقالة بدعية ، أو ارتكاب ما هو مخالف للسنة ، على حد تعبيرك.. وجعلت ذلك موجباً للعن صاحبه وإقامة الحد عليه !
   فلو أردنا في موسم الحج أن نطبق رأيك ، فمن يفتي أن هذا الشئ بدعة أو ليس بدعة ، وأنه مخالف للسنة أو موافق لها ، وأنه حقيقة أو خرافة ؟
    فإن قلت: يفتي بذلك فقهاء المذاهب ، فلماذا أفتيت برأيك ، ولم تُرجع المسلمين الى فتوى مذاهبهم؟!
   وإن قلت: أنا لي الحق أن أحدد ما هو إحداث في المدينة !
   فكيف نقبل كلامك وقد خالفت المذاهب وخالفت ابن تيمية !
   ثم إن الحجاج لايقلدونك ولايقلدونه ، ولا نصبتك الحكومة السعودية مفتياً وقاضياً لمحاكمة الحجاج !
   وحتى لو نصبتك الحكومة مفتياً ، فالواجب عليك أن تفتي لمن يقلدك فقط ، وتترك ضيوف الرحمان وزُوَّار حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله يعملون بفتوى مذاهبهم ، ويؤدون مناسكهم ويزورون قبر نبيهم صلى الله عليه وآله ومسجده على فتواهم !
   إن مشكلة هؤلاء الشيوخ أنهم متطرفون فكرياً ، فهم يتخيلون أشياء ، ويريدون فرضها على المسلمين بالعصا والخشونة !
والى الآن لم يفيقوا من نومهم، ولم يعرفوا أن المسلمين لايحترمون فتاويهم!
رابعاً: لو طبقنا فتوى البدير عليه نفسه ؟!
   من الطريف أن هذا القاضي حكم على نفسه في خطبته بأنه أحدث حدثاً في مدينة النبي صلى الله عليه وآله  ، وأنه يستحق اللعن والعقوبة !
   وذلك لأن حكمه بأن من خالف السنة فقد أحدث في المدينة ، مخالف للسنة ولفتاوى جميع فقهاء المذاهب ، ومنهم إمامه ابن تيمية !
   ثم خالف السنة بإهانته للحجاج وحكمه عليهم بالشرك والإحداث !
   فهاتان مخالفتان للسنة على منبر مسجد النبي صلى الله عليه وآله  !
خامساً: أخطأ البدير في معنى مؤوي المحدث أيضاً !
   إن المؤوي للمحدث هو الذي يحميه في مقابل السلطة ليدفع عنه العقوبة الشرعية ، لكن هذا الشيخ جعل من يرتكب إثماً محدثاً ومن يؤويه مثله ، وقد يشمل ذلك من يُسكنه في بيته ! فصار كل من يؤجر بيته من أهل المدينة محدثاً ملعوناً ، لأن الذين أسكنهم يوجد فيهم من يرتكب إثماً !
   قال ابن تيمية في السياسة الشرعيةص62: (وكذلك ذووا الجاه إذا حَمَوْا أحداً أن يقام عليه الحد ، مثل أن يرتكب بعض الفلاحين جريمة، ثم يأوي إلى قرية نائب السلطان ، أو أمير فيحمي على الله ورسوله ، فيكون ذلك الذي حماه ممن لعنه الله ورسوله، فقد روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله(ص): لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً . فكل من آوى محدثاً من هؤلاء فقد لعنه الله ورسوله ). انتهى.
   وقال في رسائل وفتاوي في الفقه:10/323: (ومن آوى محارباً أو سارقاً أو قاتلاً ، ونحوهم ممن وجب عليه حد ، أو حق لله تعالى أو لآدمي ، ومنعه أن يستوفى منه الواجب بلا عدوان ، فهو شريكه في الجرم ، وقد لعنه الله ورسوله . روى مسلم في صحيحه عن علي..الى آخره). انتهى .
   فهل يتقي الله الشيخ البدير وأمثاله من المتطرفين، ولايكفِّرون المسلمين أكثر مما كفرهم إمامهم على الأقل ؟!


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page