• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

3 _ ابن تيمية الحراني (ت728 هـ)

وهذا ثالث القوم جاء بما يضحك الثكلى, وكأنّه يسخر بعقول الناس حين يقول في كتابه منهاج السنّة(1): (ونحن نعلم يقيناً انّ أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى, بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولاً وآخراً, وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه, ثم رأى انّه لو تركهم لجاز.
فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء, وأمّا إقدامه عليهم أنفسهم بأذى, فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين, وإنّما ينقل مثل هذا جهّال الكذّابين, ويصدّقه حمقى العالمين الذين يقولون: انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة, وضربوا بطنها حتى أسقطت, وهذا كله دعوى مختلق, وإفك مفترى باتفاق أهل الإسلام, ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام...).
أقول: سبحانك اللّهمّ إن هذا إلاّ بهتان عظيم, لقد مرت النصوص التي قدّمناها من مصادر تاريخ المسلمين, وذكرنا توثيق أصحابها وكلهم من السنّة,
فهل كل أولئك ما كانوا من أهل العلم والدين, وكانوا من جهّال الكذّابين؟ (إنّ هذا لهو البلاء المبين).
ولم يكتف ابن تيمية بوصف من روى ذلك بما تقدم, حتى جعلهم من جنس الأنعام؛ لأنّهم راجت عليهم تلك المرويات فرووها, ألا مسائل ذلك الأحمق المائق المائن, كيف استساغ لنفسه أن يستغفل العقول بقوله: وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه؟
أيّ مال ذلك؟ متى جُمع؟ ومتى وضع في بيت علي؟ ولماذا وضع هناك؟ مسائل يجب الإجابة عنها من لدن أتباع ابن تيمية, وإلاّ فهو وهم من جنس الأنعام,الوصف الذي نبز به غيره.
ولو سلّمنا جدلاً أنّ في بيت علي شيئاً من المال, فهو لا يخلو إمّا أن يكون هو مال علي, فليس من حق أبي بكر أو غيره أخذ أموال الناس منهم بالباطل, وإمّا أن يكون من مال غيره وعنده وديعة, فلا يصح بوجه لأبي بكر أو غيره التعدي عليه وأخذه, أو هو مال المسلمين وضعه النبي(صلى الله عليه وآله) عنده, فما بال النبي(صلى الله عليه وآله) يختزن في بيت علي مال المسلمين؟ ولم يرد في التاريخ انّه فعل ذلك ولو مرة واحدة, بل الذي ثبت باتفاق أهل السيرة انّه كان لا يبقي عنده قليلاً ولا كثيراً, بل كان يعجّل إنفاقه ولا يبيت عنده شيء منه.
أخرج البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ(2)، باسناده عن علي انّ عمر استشار الناس فقال: ما تقولون في فضل عندنا من هذا المال؟
قالوا : يا أميرالمؤمنين قد شغلتك _ أو شغلناك _ عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك.
قال لي: ما تقول أنت؟ فقلت: قد أشاروا عليك, قال: قل.
قلت: يا أمير المؤمنين لم تجعل يقينك ظناً وعملك جهلاً؟.
قال: لتخرجن ما قلت أو لأعاقبنك.
قلت: أجل إذاً والله لأخرجن منه, أما تذكر إذ بعثك رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ساعياً, فأتيت العباس فمنعك صدقته, فكان بينكما, فأتيتني فقلت: انطلق معي إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم حتى أخبره بما صنع العباس, فأتيناه فوجدناه خاثراً(3) فرجعنا, ثم أتيناه من الغد فوجدناه طيّب النفس, فذكرت له الذي صنع العباس فقال: أما علمت يا عمر انّ عم الرجل صنو أبيه, وقال: إنّا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين.
قال: وذكرنا الذي رأينا من خثوره في اليوم (الأول) والذي رأيناه من طيب نفسه في اليوم (الثاني), فقال: إنّكما أتيتماني في اليوم الأول وقد بقي عندي من الصدقة ديناران, فكان الذي رأيتماني من خثوري لذلك, ثم أتيتماني اليوم وقد وجهتها وكان الذي رأيتما من طيب نفسي لذلك.
قال عمر: صدقت والله, أما والله لأشكرنّ لك الاُولى والآخرة.
قلت: يا أمير المؤمنين فلم تعجل العقوبة وتؤخر الشكر.
أقول: فإذا كانت هكذا حال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لدينارين بقيا عنده, فهل يعقل أن يكون قد أحرز مالاً في بيت علي(عليه السلام) فكان كبس أبي بكر _ فيما يراه ابن تيمية _ لأخذ ذلك المال لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه؟
وكأنّ ابن تيمية لم يعلم كيف كانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما يأتيه من المال؟
ألم يقرأ قصة المال الذي بعث به ابن الحضرمي من البحرين, وكان ثمانين ألفاً وما أتى النبي(صلى الله عليه وآله) مالٌ أكثر منه لا قبلُ ولا بعدُ, فنثرت على حصير ونودي الصلاة, وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشدّ قائماً على المال, وجاء أهل المسجد, فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن, ما كان إلاّ قبضاً... فما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم, وما بعث إلى أهله بدرهم, ثم أتى الصلاة فصلى(4).
ومن السخرية أيضاً بعقول الناس حين يقول: (إنّما ينقل مثل هذا جهال الكذابين, ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة(عليها السلام) وضربوا بطنها حتى أسقطت). وقد مرت بنا نصوص تثبت الإدانة عن جهابذة الحديث والتاريخ, فإذا كانوا كلهم من جهال الكذابين, فممن كان يأخذ ابن تيمية علمه؟
ولو أعرضنا عن جميع تلك النصوص وضربنا عنها صفحاً, وعُدنا إلى أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله) فيما جاء عنه فيمن أخاف مسلماً ومن روّع مؤمناً, فقد قال (صلى الله عليه وآله): من روّع مسلماً روّعه الله يوم القيامة(5).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((من روّع مؤمناً لم يؤمن روعته يوم القيامة, ومن أخاف مؤمناً لم يؤمن خوفه يوم القيامة, ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام الخزي والذلّ يوم القيامة))(6).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة))(7).
وقال (صلى الله عليه وآله): ((من سوّد مع قوم فهو منهم, ومن روّع مسلماً لرضاء من سلطان جيئ به يوم القيامة معه))(8).
هذه أربعة أحاديث نبوية فصيحة صريحة في عقوبة المعتدي بالاخافة والترويع, فهل يعقل انّ عمر ومن جاء معه _ وكلّهم معدودون من عليّة الصحابة _ لم يسمعوا واحداً من هذه الأحاديث؟ وإذا لم يسمعوا ذلك فأحرى بهم انّهم لم يسمعوا الحديث القدسي: ((من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)) (9) وماذا رأي ابن تيمية في ذلك؟!
فهل كان ثمة ترويع لأهل البيت يوم جاء عمر بقبس من نار إلى بيت فاطمة(عليها السلام) ليحرقه على من فيه؟ وإن أنكر ذلك ابن تيمية, فلماذا صاحت الزهراء (عليها السلام) وهي تستقبل المثوى الطاهر من خلال الشباك الذي يطل على منزل أبيها، وهي تستنجد بهذا الغائب الحاضر: يا أبتاه يا رسول الله, ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟
قال الكتاني في التراتيب الإدارية: وكان بمنزل فاطمة شباك يطلّ على منزل أبيها, وكان(صلى الله عليه وآله) يستطلع أمرها منه(10).
فلا عجب ولا غرابة من استغاثتها (عليها السلام) بأبيها, وشكواها إليه ما لقيت وأهل بيتها من ابن الخطاب وابن أبي قحافة بعد أن كان (صلى الله عليه وآله) حيّاً في قبره حيث يبلغه سلام من يسلّم عليه في مشرق الدنيا ومغربها, فهل من شك في انّه (صلى الله عليه وآله) لم يستطلع أمرها كما كان وهو حيّ وبين حجرته التي دفن فيها وبين منزل فاطمة شباك؟ والجواب بالنفي إنّما هو عند ابن تيمية الأفّاك ومن تبعه من الشكّاك.
ولا غرابة في هذا من ابن تيمية المعروف بنصبه وعناده من خلال كتابه منهاج السنّة, وقد رد فيه جملة مما صحت روايته في فضائل أهل البيت:, حتى حديث الثقلين وهذا أخرجه مسلم في صحيحه, فأقدم ابن تيمية على رده.

____________
1 - منهاج السنّة 4: 220.
2- المعرفة والتاريخ 1: 500 .
3- خاثر : ثقيل غير نشيط.
4- طبقات ابن سعد 4، ق1: 9، والمعرفة والتاريخ للبسوي 1: 503 .
5- مسند الربيع بن حبيب 2: 69.
6- كنز العمال 7: 437, الكامل لابن عدي 6: 323.
7- مجمع الزوائد 6: 254.
8- تاريخ بغداد 10: 41.
9- كنز العمال: ح 1680.
10- التراتيب الإدارية للكتاني 2: 78.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page