• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الملحق الثالث: المحسن بن الحسين (عليه السلام)

إنّ من آثار الظلم الذي لحق بأهل البيت: من جراء بيعة الفلتة في السقيفة، ما بقي أثره شاهداً وماثلاً للعيان حتى يومنا الحاضر، هي تلك المشاهد المشرّفة لآل النبي(صلى الله عليه وآله) المنتشرة في شتى بقاع الأرض، حيث توالت عليهم المحن والرزايا منذ التحق النبي(صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى (لم يمتثل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الهادين بعد الهادين, والأمة مصرّة على مقته، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده، إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم، فقُتل من قتل، وسُبي من سبي، وأقصي من أقصي، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة) (1).
وقد أشار شاعرهم دعبل بن علي الخزاعي إلى بعض تلك المشاهد التي كانت في أيامه, فسعدت بضم رفاتهم وخلدت بجميل تاريخهم, حيث يقول في تائيته الخالدة:
قبورٌ بكوفان وأخرى بطيبةٍ    وأخرى بفخ نالها صلواتي
وأخرى بجنب النهر من أرض كربلا    معرّسهم فيها بشطّ فرات
وأخرى بأرض الجوزجان محلها    وقبر بباخمرى لدى الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكية    تضمّنها الرحمان في الغرفات
وقبر بطوس يالها من مصيبة    ألحّت على الأحشاء بالزفرات
وزاد عليه شاعر آخر فقال:
لاتأمن الدهر إنّ الدهر ذو غير    وذو لسانين في الدنيا ووجهين
أخنى على عترة الهادي فشتتهم    فما ترى جامعاً منهم بشخصين
بعض بطيبة مدفون وبعضهم    بكربلاء وبعض بالغريين
وأرض طوس وسامرا وقد سعدت    بغداد بدرين حلا وسط قبرين
وقد جمع ذكرهم ببراعة فائقة أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي (ت553 هـ) في بيت شعر من قصيدته الخالدة(2) فقال:
قوم لهم في كل أرض مشهد    لا بل لهم في كل قلب مشهد
ولئن ضاعت معالم تلك المشاهد وما أكثر الدوارس منها، لكن لا يزال حديث أصحابها يعطر الأفواه والأجواء كأنه المسك الزاكي، ويقص علينا تاريخهم المليء بالمآسي من الأمة شاكي، كمثل المحسن السبط الذي كانت هذه الرسالة باسمه، وهو أول شهيد من ضحايا العنف السياسي فلم يعرف له قبر، وأنّى وقد دفنته فضة في ناحية البيت.
ولكن لسميّه وابن أخيه وشبهه في المأساة (المحسن السقط ابن الحسين(عليه السلام)) مشهدٌ معروف ولا يزال ماثلاً للعيان، شاهق البنيان، في غربي حلب، ويعرف بمشهد الدكة، ومشهد الطرح، ومشهد المحسن بن الحسين8.
وقد حفظ التاريخ شيئاً من مأساته، حين ذكر المؤرخون كالطبري وابن الأثير في أحداث سنة 61 هـ ، والخوارزمي في مقتل الحسين(عليه السلام) وغيرهم، حديث وقعة كربلاء، واستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره، وما جرى على آله من بعده من سبي العيال والأطفال من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام، وكانت الطريق السالكة يومئذٍ بين الكوفة والشام تمر بحلب وحمص وحماه ثم الشام.
فجاء الحفاة الطغاة بأهل البيت من هذا الطريق, ولا تزال في بعض المنازل توجد مساجد باسم الإمام زين العابدين (عليه السلام), وفي حلب يوجد _ إلى الآن _ مشهدان أحدهما يعرف بمشهد النقطة, والآخر بمشهد المحسن.
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان(3): جبل في غربي حلب (في سفحه مقابر ومشاهد للشيعة...)(4)، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدن، ويقال: أنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي2 ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملاً، فأسقطت هناك، فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزاً وماء فشتموها ومنعوها فدعت عليهم، فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط، ويسمى بمشهد الدكة، والسقط يسمى بمحسن بن الحسين2.
قال الغزي في نهر الذهب في تاريخ حلب(5): وفي سنة 61 هـ قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) بكربلاء، واحتز رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن، وسار به وبمن معه من آل الحسين إلى يزيد بدمشق، فمر بطريقه على حلب, ونزل عند الجبل غربي حلب، ووضعه على صخرة من صخراته، فقطرت منه قطرة دم، عمّر على أثرها مشهد عُرف بمشهد النقطة.
وقال(6): إنّ سبب بناء مشهد النقطة هو أن الرأس لما وصلوا به إلى هذا الجبل، وضعوه على الأرض فقطرت منه قطرة فوق صخرة بنى عليها الحلبيون هذا المشهد وسمّي مشهد النقطة، ولعل هذه الصخرة نقلت من هذا المشهد بعد خرابه إلى محراب مشهد الحسين فبني عليها.
وقال أيضاً(4): فأما مشهد محسن فيعرف بمشهد الدكة ومشهد الطرح، وهو غربي حلب، سمي بهذا لأنّ سيف الدولة حمدان كان له دكة على الجبل المطل على موضع المشهد يجلس عليها لينظر حلبة السباق, فإنّها كانت تقام بين يديه هناك.
وعن تاريخ ابن أبي طي: أنّ مشهد الدكة ظهر في سنة 351, وأنّ سبب ظهوره هو أنّ سيف الدولة كان في احدى مناظره التي بداره خارج المدينة، فرآى نوراً ينزل على مكان المشهد، وتكرر ذلك فركب بنفسه إلى ذلك المكان, وحفره فوجد حجراً عليه كتابة: (هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)) فجمع سيف الدولة العلويين وسألهم، هل كان للحسين (عليه السلام) ولد اسمه المحسن، فقال بعضهم ما بلغنا ذلك، وإنّما بلغنا أنّ فاطمة كانت حاملاً، فقال لها النبي(صلى الله عليه وآله) : في بطنك محسن، فلما كان يوم البيعة هجموا على بيتها لإخراج علي إلى البيعة فأخرجت, وفي صحة هذا نظر(8), وقال بعضهم _ بعض العلويين _ : انّ سبي نساء الحسين لما مروا بهنّ على هذا المكان طرحت بعض نسائه هذا الولد.
وقال ابن أبي طي: ولحقت هذا المشهد وهو عليه باب صغير, وحجر أسود تحت قنطرته مكتوب عليه بخط أهل الكوفة كتابة عريضة: عمّر هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله وقربة إليه على اسم مولانا المحسن بن الحسين بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام) الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان، وذكر التاريخ المتقدم (أي تاريخ بنائه وهو سنة 351 هـ).
ثم ذكر ابن أبي طي ماجرى على المشهد المذكور من عمارات, فمن شاء الإطلاع على ذلك فليرجع إلى تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب, تأليف السيد حسين يوسف مكي العاملي ط/1 سنة 1968 م، بيروت.
أقول: ولقد تشرفت بزيارة المشهد وهو في بقعة أنيقة وأشجار باسقة، تحوط بالصحن الشريف، والقبر في وسط البقعة, ويزوره الزائرون من أهل البلد وغيرهم.
هذا ما تيسّر لي جمعه وتحقيقه, والحمد لله ربّ العالمين, وصلّى الله على سيّدنا محمد خاتم النبيين, وعلى آله الميامين علي أمير المؤمنين, وفاطمة سيدة نساء العالمين, والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين, وعلي زين العابدين, ومحمد باقر علم النبيين, وجعفر بن محمد زكي الصدّيقين, وموسى ابن جعفر الكاظم المبين وحبيس الظالمين, وعلي بن موسى الرضا الأمين, ومحمد بن علي علم المهتدين, وعلي بن محمد البر الصادق سيّد العابدين, والحسن بن علي العسكري ولي المؤمنين, والخلف الحجة صاحب الزمان مظهر البراهين, والمنتقم من الظالمين, واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.



______________
1- مقطع من دعاء الندبة المذكور في مفاتيح الجنان.
2- راجع تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 205 _ 206, والشذرات الذهبية لابن طولون: 43.
3- معجم البلدان 2: 186 (جوشن).
4- ما بين القوسين لا يوجد في طبعة دار صادر مع أنّه منقول عن معجم ياقوت.
5- نهر الذهب في تاريخ حلب 3: 22.
6- المصدر نفسه 2: 282.
7- المصدر نفسه 2: 278 و289.
8- المراد بالتنظر في صحة هذا بعدما جاء السؤال عنه وهو هل للحسين ولد اسمه المحسن, فأجاب العلويين في صحة هذا نظر, فلا يتوهم أن التنظر في إسقاط فاطمة (عليها السلام) حملها المحسن, كيف يكون ذلك وقد مرّت مصادر ذلك, ولا يعقل أن ذلك المجيب من بعض العلويين لم يعلم ذلك.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page