السؤال: ولكن هناك من يقول : إنّ قوله تعالى : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } إنّما هي صفة ، أي أنّهم يصلّون ، وأيضاً هم يركعون ، أي أنّها تكرار للجملة ، فحين ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى بقوله : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } ، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع ، وهذا يدعو للاستغراب ، فكيف أرد عليه بالردّ الشافي ؟ ولكم جزيل الشكر .
الجواب : إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع ، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو تصدّق الإمام علي (عليه السلام) بخاتمه على الفقير ، في حال الركوع أثناء صلاته .
إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولكن هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان ، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعلي وآله (عليهم السلام) ، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة ، حول هذه الآية وأمثالها ، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها ، من فصل إيتاء الزكاة من حال الركوع.
ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبائي ، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب " المغني " (1) .
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه " الشافي في الإمامة " بقوله : " ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي ، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع ، ولابدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة ، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا : الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك ، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب ، معنى الحال دون غيرها ، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله : إنّه يجود بماله في حال ضحكه ، ويغشى إخوانه في حال ركوبه .
ويدلّ أيضاً عليه أنّا متى حملنا قوله تعالى : { يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (2) على خلاف الحال ، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة ، ومن وصفهم أنّهم
راكعون ، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر ، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار ، لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة ، وصفهم بأنّهم راكعون ، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره ، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه ، استفدنا بها معنى زائداً ، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى " (3).
____________
1- المغني 20 / القسم الأوّل / 137 .
2- المائدة : 55 .
3- الشافي في الإمامة 2 / 236 .
( منير .السعودية ... ) تعليق على الجواب السابق وجوابه
- الزيارات: 353