السؤال: فيمن نزلت الآية: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } ؟
الجواب : إنّ الآيتين في مجال بيان نتيجة التقوى ، ومزاولتها في اجتناب النار وعذابها ، فهي مطلقة بمنطوقها ، وإن اختلفت الآراء في تأويلها وتطبيقها .
أمّا أهل السنّة فعلى رأيين في شأن نزولها ، إذ أكثرهم يرى أنّها نزلت في أبي بكر ، وبعضهم يصرّح بأنّ مورد نزولها كان أبا الدحداح (1) .
وأمّا الشيعة ، فلا ترى صحّة نزولها في حقّ أبي بكر لما يلي :
أوّلاً : إنّ الروايات المزعومة متعارضة مع الأحاديث الواردة التي تقول : بأنّها نزلت في حقّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، أو أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أو حتّى التي تشير بأنّ شأن النزول كان في مورد أبي الدحداح .
ثانياً : إنّ القول بثروة أبي بكر قول بلا دليل ، بل تردّه القرائن والأدلّة الحافّة بالموضوع ، فمثلاً أنّ أباه أبا قحافة كان فقيراً مدقعاً سيئ الحال (2) فهل يعقل وجود هذه الحالة مع ثراء الابن ؟ أليس الأولى للولد أن يكون بارّاً لأبيه قبل الآخرين ؟!
وقد ورد في مصادرهم المعتبرة ما ينقض دعواهم غناء أبي بكر ، فعن أبي هريرة قال : " خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة " ؟ قالا : الجوع يا رسول الله .
قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، قوموا " ، فقاموا معه ... " (3) .
وهذه الرواية واضحة أنّها بعد فتح الفتوح لأنّ الراوي أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر ، وهي تبطل دعواهم أنّ أبا بكر كان ينفق على مسطح بن أثاثة
وقطعها بعد حادثة الأفك ، ثمّ رجع إليها .
وأيضاً فإنّ التقوّل بإغناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بماله زخرف وباطل ، لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد استغنى بماله ، ومال كفيله وعمّه أبي طالب ، ومال خديجة (عليها السلام) في مكّة ، ولمّا هاجر إلى المدينة ، فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أيّ مقطع من الزمن كان (صلى الله عليه وآله) يحتاج إلى ثروة أبي بكر ؟!
ولعلّ لتكلّف هذه المحاولات في شأن النزول المزعوم ، تردّد الآلوسي في تتمّة كلامه في قبول استدلال ابن أبي حاتم ، على ردّ قول الشيعة في هذا المجال ، إذ قال أخيراً : " ... وأطال الكلام ابن أبي حاتم في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال " (4) .
____________
1- الجامع لأحكام القرآن 20 / 90 .
2- شرح نهج البلاغة 13 / 270 .
3- صحيح مسلم 6 / 116 ، وأغرب ما في الباب أنّ النووي في شرحه لمسلم 13 / 212 ، لمّا التفت للتناقض الموجود بين غناء أبي بكر وهذه الرواية الواضحة في فقره ، فلذلك حاول لَي عنقها وتفسيرها بأبعد ما يكون فقال : وأمّا قولهما : أخرجنا الجوع ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما " ، فمعناه : أنّهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ، ولزوم طاعته والاشتغال به ، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقلهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة ، وتمام التلذّذ بها سعياً في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به ، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات .
4- روح المعاني 15 / 371 .
( محمّد علي الشحي . الإمارات . سنّي . 18 سنة . طالب جامعي ) لم يكن ثرياً
- الزيارات: 453